دوليات

الصين تناور حول تايوان.. رسالة قوية لحاكم الجزيرة الجديد

بقلم: ابتسام الشامي

“جمع الأسرة” أولوية صينية

ليست المرة الأولى التي يناور فيها الجيش الصيني حول جزيرة تايوان، لكنها من المرات الأكثر حملا للرسائل السياسية حول ما يمكن ان تبلغه الصين في ردودها على دينامية التحول الداخلي التايواني بما يؤدي إلى الانفصال. الجزيرة المتمردة في نظر بكين، هي جزء لا يتجزأ من أراضي الدولة الصينية المترامية الأطراف. وفي التعبير عنها لا ينفك الرئيس الصيني شي جينبينغ في وصفها بأنها ازمة داخل “العائلة الواحدة” رغم كل ما يداخلها من أبعاد دولية واقليمية قد تودي بها إلى الانفجار. هذا ما كرره على مسمع الرئيس التايواني السابق ما ينج جيو خلال استقباله له في قاعة الشعب الكبرى في العاصمة الصينية الشهر الماضي. شي قال لضيفه إن. “التدخل الخارجي لا يمكن أن يوقف الاتجاه التاريخي للم شمل البلاد والأسر”، مضيفاً أن “الناس على جانبي مضيق تايوان صينيون”.

قناعة الرئيس الصيني بأن “عجلة التاريخ تجري صوب إعادة توحيد الصين وتجديد شباب الأمة الصينية” وهي الرؤية الرسمية للبلاد، تجعل الاتجاه واضحاً في مقاربة بكين لهذه القضية، وما يرافقها من تطورات، ترفع منسوب التوتر باضطراد كلما ارتفع منسوب التدخل الأمريكي في الجزيرة، أو تعزز اتجاهها الانفصالي.

قضية جزيرة تايوان التي تتمتع بحكم ذاتي توسعت على مدى العقود الماضية “حدوده” بفعل الكثير من العوامل والمؤثرات الداخلية والخارجية، تبرز كواحدة من أهم التحديات التي تواجه الصين، وتطرح على طاولة صانع القرار فيها الخيار العسكري، الذي تجنبته حتى الآن، لإعادة الجزيرة إلى سيادتها، متى ما شعرت بكين بأن الأبواب السياسية قد أوصدت بالأغلال أمام حل سياسي لهذه القضية. وعليه فإن هذا الخيار، أي الخيار العسكري، فرض على الصين تسريع وتيرة الاستعداد ليوم تضطر فيه لاستخدام القوة. وهي إذ تعد العدة لذلك اليوم، تدريباً وتسليحاً لجيشها، ورفعاً لموازنتها العسكرية، فإنها تسعى إلى ردع الاتجاه الانفصالي برسائل عسكرية “موجهة” إلى من يعنيهم الأمر في تايبيه وواشنطن.

مناورات عسكرية ورسائل سياسية

بهذه الخلفية فإن المناورات العسكرية الصينية الجديدة تأتي محملة بالرسائل، لاسيما وأنها جاءت بعد ثلاثة ايام فقط من أداء لاي تشينغ تي الذي تصفه الصين بأنه “انفصالي خطير”، اليمين الدستورية، رئيساً جديداً للجزيرة. وفي وقت أعلن فيه الجيش الصيني أنه أرسل عشرات المقاتلات، ونفذ ضربات وهمية خلال مناورات بدأت صباح الخميس وتستمر يومين حول تايوان، نقلت وكالة شينخوا الرسمية، عن المتحدث العسكري الصيني “لي شي” قوله إن مناورات “السيف المشترك 2024 إيه”، تمثل “عقوبة قوية على الأعمال الانفصالية للقوى الاستقلالية في تايوان وتحذيرا شديد اللهجة ضد تدخل واستفزازات قوى خارجية”.

وتأتي هذه الرسالة التحذيرية القوية، في أعقاب تنديد بكين، بالخطاب الذي ألقاه لاي يوم الاثنين الماضي، ودعا فيه الصين إلى وقف تهديداتها، وهو ما رد عليه وزير الخارجية الصيني وانغ يي بوصف الخطاب “بالسافر”.

تايبيه تدين، وواشنطن قلقة

المناورات العسكرية التي تطوق فيها القوات الصينية تايوان بسفن وطائرات حربية معتبرة، استدعت نشر تايبيه قوات في مناطق حول الجزيرة، والتنديد بالمناورات. وفي بيان صادر عن وزارة الدفاع التايوانية وصف المناورات الصينية “بالاستفزازات والأفعال غير العقلانية التي تقوض السلام والاستقرار الإقليميين”.

وقالت الوزارة إن “تدشين التدريبات العسكرية في هذه المناسبة ليس فقط لا يسهم في تحقيق السلام والاستقرار في مضيق تايوان، ليسلط الضوء أيضا على العقلية العسكرية” للصين.

على أن مناورات “السيف المشترك 2024 إيه” الصينية لم تستفز تايوان وحدها، وإنما الولايات المتحدة الأمريكية، التي سارعت بدورها إلى “ابداء القلق” حيالها، ولفتت واشنطن، إلى أنها “أخذت علماً بقلق وتراقب عن كثب المناورات”، وقال مسؤول في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن طالباً عدم الكشف عن هويته: “نحض بقوة بكين على التحلي بضبط النفس”، محذراً الصين من استخدام الانتقال السياسي في تايوان “ذريعة ومبرراً لإجراءات استفزازية أو قمعية”. ووصف المسؤول الأمريكي تحركات الصين بأنها “متهورة، وتحمل خطر التصعيد، وتؤدي إلى تآكل الأعراف القائمة منذ مدة طويلة، والتي حافظت على السلم الإقليمي والاستقرار على مدى عقود”. وأعاد المسؤول نفسه التأكيد أن بلاده، التي أقرت مؤخراً مساعدات عسكرية بمليارات الدولارات مخصصة لتايبيه “واثقة في وضع قوتنا الحالي” في المنطقة.

وفي سياق متصل، اعتبر نائب قائد القيادة الأمريكية بمنطقة المحيطين الهندي والهادي الجنرال ستيفن سكلينكا، أن “المناورات العسكرية الصينية حول تايوان مثيرة للقلق لكنها ليست غير متوقعة”.

خاتمة

حتى كتابة هذه السطور، لم تكن المناورات قد انتهت بعد، لكن رسائلها وصلت بالتأكيد إلى من يعنيهم الأمر. وإذا كانت الصين قد أعادت من خلال هذه المناورات التأكيد على خطوطها الحمر، فإن ما افتتح به الزعيم التايواني الجديد “عهده الرئاسي” من خلال “إبداء عزمنا على الدفاع عن أمتنا”، يشي بارتفاع مستوى التوتر في هذه القضية بشكل قد يكون خارج الضبط.