دوليات

العدوان الإسرائيلي على إيران بعيون الاعلام الغربي.. مغامرة غير محسوبة النتائج

بقلم ابتسام الشامي

وبينما يأمل العدو من الرئيس الأمريكي قراراً سريعاً في الانخراط في العدوان، انقسم المشهد الإعلامي الغربي بين مرحب بالحرب ومحذراً من توسيع نطاقها وعدم القدرة على التحكم في مساراتها واحتواء تداعياتها.

تمهيد للعدوان

في الوقت الذي كانت الفرق التفاوضية المعنية تتحضر لجولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة في عمان بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، باغتت تل أبيب الأخيرة بعدوان مع ساعات الفجر الأولى من الثالث من حزيران، طال في موجته الأولى قيادات رفيعة في الجيش والحرس الثوري الإيراني، ومراكز أمنية وعسكرية قيادية، قبل أن يعلن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو أن عملية “شعب كالأسد” كما سماها، تهدف لإحباط المشروع النووي الإيراني. وفي مقطع مصور، نشره بعد نحو ساعة من بدء العدوان على إيران، قال إن “هدف العملية غير المسبوقة، هو الإضرار بالبنية التحتية النووية الإيرانية، ومصانع الصواريخ الباليستية، والقدرات العسكرية الإيرانية.

نتنياهو الذي برّر العدوان بوصفه دفعاً للخطر الوجودي “الذي يحوم فوق رؤوسنا”، سرعان ما كشف اهدافا اخرى له. وفي كلمة وجهها إلى الشعب الإيراني بعد ساعات على انطلاق العدوان، على رص الصفوف ضد ما وصفه بـ “النظام القمعي والشرير”، وقال إن جيشه يشن “إحدى أكبر العمليات العسكرية في التاريخ”، مضيفاً “حان الوقت لكي يتوحد الشعب الإيراني حول علَمه وإرثه التاريخي، بالانتفاض من أجل تحرركم من النظام القمعي والشرير”. وقال: “أنا والشعب الإسرائيلي معكم”.

اندفاعة رئيس وزراء العدو لكشف حقيقة أهداف العدوان التي تتجاوز تدمير البرنامج النووي إلى تغيير النظام، ارتكزت إلى تقدير لدى تل أبيب مفاده أن عنصر المفاجأة في الضربة الأولى، واغتيال عدد من القادة الأمنيين والعسكريين وعلماء نوويين أنما أدت إلى إرباك النظام وتقويض قدرته على الرد، غير أن ما فاجأ العدو وأربك حساباته هو سرعة احتواء طهران الضربة والتعافي منها عبر المبادرة إلى تعيين بدلاء من القادة الشهداء والانتقال خلال ساعات فقط إلى تنفيذ توعّد القائد الأعلى للثورة الإسلامية الإمام السيد علي خامنئي بمعاقبة الكيان عقاباً شديداً على جريمته. ولم ينقضِ يوم الثالث عشر من حزيران حتى كانت الصواريخ البالستية الإيرانية تنهمر على الكيان المؤقت محدثة إلى جانب الأضرار الجسيمة في البناء والأرواح، صدمةً لدى صانعي القرار في تل أبيب الذين أوهموا المستوطنين بأن ضربات الفجر شلت قدرات إيران على الرد، لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من التصعيد الإيراني المتدرج والارتقاء المدروس في نوعية الاستهدافات والصواريخ الثقيلة التي استطاعت اختراق طبقات الدفاع الجوي المتعددة والوصول إلى أهدافها بدقة.

ومع توالي الضربات الإيرانية رداً على العدوان، وفشل العدو في منعها، بدأت تل أبيب تستغيث بالولايات المتحدة الأمريكية داعية إياها إلى التدخل المباشر في الحرب ضد إيران، بعدما كشف نتنياهو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ساهم بشكل فعال في التمهيد للعدوان، عبر استخدام المفاوضات وتحديد موعد لجولة جديدة منها، أداة خداع للإيرانيين.

تشكيك بقدرة العدو على تحقيق الاهداف

وبعد أسبوع على العدوان الذي من شأن تداعياته أن تطال المنطقة والعالم، بدأ الإعلام الإسرائيلي والغربي يتحدث بلغة تنطوي على تحذيرات من كلفة الحرب وتوسعها، على مستويات مختلفة اقتصادية واستراتيجية، فضلاً عن التشكيك بقدرة تل أبيب على تحقيق أهداف عدوانها من مشاركة أمريكية مباشرة.

وفي هذا السياق رأت صحيفة “الغارديان” أن نتنياهو “يفتقر إلى القنابل الخارقة للتحصينات واللازمة لتدمير المنشآت النووية الإيرانية المدفونة بأعماق الأرض. لذا، قد تتمثل استراتيجيته في توجيه ضربة قوية بما يكفي لإجبار إيران على الاستسلام، أو استفزاز رد فعل إيراني عنيف بما يكفي لجر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الصراع”. وفي رأي الصحيفة فإن هذه “استراتيجية تعتمد على الاستفزاز أكثر من الردع… وربما كان التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والولايات المتحدة، والذي من شأنه السماح لطهران بتخصيب اليورانيوم تحت رقابة صارمة، فوق احتمال نتنياهو”.

وفي محاولة منه لقطع الطريق على المفاوضات ومنع التوصل إلى اتفاق، يراهن رئيس وزراء العدو على توريط الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب وهو ما يبدو أن قوى وازنة تدفع إليه في واشنطن، وهو ما أشارت إليه صحيفة وول ستريت جورنال، نقلاً عن مصادر مطلعة، أفادت أن ترامب أعطى الضوء الأخضر لخطط عسكرية أمريكية تستهدف إيران، لكنه أرجأ اتخاذ القرار النهائي في انتظار معرفة ما إذا كانت طهران ستتخلى عن برنامجها النووي. وبحسب الصحيفة فإن منشأة فوردو الإيرانية لتخصيب اليورانيوم تُعد هدفاً أمريكياً محتملاً، مضيفة أن الخبراء العسكريين عموماً يرون أنها بعيدة عن متناول جميع القنابل باستثناء أقوى القنابل.

ومع ترجيح كفة التدخل الأمريكي المباشر في الحرب ضد إيران، يفيد موقع “أكسيوس” أن الرئيس الأمريكي “يفكر جدياً في الانضمام إلى الحرب، وشن ضربة أمريكية ضد المنشآت النووية الإيرانية، وخصوصاً منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم الواقعة تحت الأرض”، علماً أن تصعيد الضربات ضد إيران، بحسب الإعلام الأمريكي وتصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين المتحمسين للمشاركة، يهدف إلى إضعافها و”جرها” إلى المفاوضات لتوقيع اتفاق تتنازل فيه عن شروطها. لكن تقريراً في مجلة “فورين أفيرز” يشير إلى أن التنبؤ بمستقبل الحرب وكذلك في إمكانية فرض إضعاف طهران “مستحيل، في هذه المرحلة، فضلاً عن التفكير في نهايتها” ويتحدث التقرير عن احتمالات يصفها بالجيدة بألا يكون للضربات الإسرائيلية على إيران التأثير “الذي يأمله ترامب”، والذي من شأنه أن يخدم المفاوضات.

وتنقل المجلة الأمريكية وجهة نظر بعض الخبراء الذين يعتبرون أن “التصعيد الأخير من شأنه أن يجعل التوصل إلى اتفاق دبلوماسي أكثر صعوبة ويزيد من فرص قيام إيران، في نهاية المطاف، ببناء سلاح نووي”. وبحسب تقرير المجلة فإن “الولايات المتحدة وإسرائيل لم تعطيا إيران أي سبب للاعتقاد بأن التخلّي عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم سوف يحل مشاكلها”، بل أن ما جرى جعل إيران تعتقد بجدية بأن “الجهود الأمريكية للتفاوض على اتفاق كانت مجرد خدعة، وتكتيكاً يهدف إلى المماطلة ومنح إسرائيل الوقت للتحضير لهجومها العسكري”. فضلاً عن أن الهجوم المباغت واغتيال تل أبيب عدداً من القادة والمسؤولين والعلماء النوويين، يخلق انطباعاً لدى صانع القرار الإيراني، بأن “إسرائيل” تستهدف النظام بذاته، ولا تستهدف تسهيل التوصل إلى اتفاق يخضعه، وهو ما بدى واضحاً بحسب الفورين أفيرز في خطاب نتنياهو الموجه مباشرة إلى الشعب الإيراني، بعد ساعات على العدوان الذي وضعه في سياق “التمهيد لطريق الإطاحة بالنظام”.

وإذا كان خيار الدخول في الحرب ضد إيران يحظى بدعم أوساط. سياسية وازنة في الولايات المتحدة الأمريكية فإنه ليس مفضلاً على المستوى الشعبي. فقد أظهر استطلاع جديد للرأي أجرته مجلة ذي إيكونيميست بالتعاون مع مؤسسة يوغوف خلال ثلاثة أيام من بداية العدوان على إيران، أن 53% من ناخبي ترامب يعتبرون أنّ الولايات المتحدة لا ينبغي أن تنضم إلى الحرب، مقابل 19% ممن أيدوا الانضمام. ووافق 60% من جميع الأمريكيين الذين شملهم الاستطلاع على أن الولايات المتحدة “لا ينبغي أن تتدخل”.

الاستنزاف الاقتصادي

إلى ذلك اهتم الإعلام الإسرائيلي وكذلك الغربي بالكلفة الاقتصادية للحرب والقدرات المتوافرة للجيش الإسرائيلي لتحقيق أهدافها. وفي هذا الإطار نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤول أمريكي قوله، إن إسرائيل تواجه نقصاً في صواريخ آرو الدفاعية الاعتراضية، ما “يثير القلق على قدرتها على مواجهة الصواريخ الباليستية طويلة المدى من إيران”. وقال المسؤول الأمريكي، الذي لم تكشف الصحيفة عن هويته، إن واشنطن كانت على دراية بمشاكل القدرات منذ أشهر، وإنها تعمل على تعزيز دفاعات إسرائيل بأنظمة برية وبحرية وجوية”. مشيراً إلى أن البنتاغون أرسل المزيد من قدرات الدفاع الصاروخي إلى المنطقة.

وفي سياق متصل نقلت الصحيفة عن مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية توم كاراكو قوله “لا تستطيع الولايات المتحدة ولا الإسرائيليون الاستمرار في اعتراض الصواريخ طوال اليوم”. وأضاف: “على الإسرائيليين وأصدقائهم التحرك بسرعة ووعي للقيام بكل ما يلزم”.

وفي سياق متصل، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن “إسرائيل” تواجه تكلفة مالية باهظة نتيجة المواجهة العسكرية الحالية مع إيران، حيث تقدر الكلفة اليومية للحرب بمئات الملايين من الدولارات، وفق تقديرات أولية. ويؤكد مراقبون وخبراء للصحيفة أن هذه الأعباء الاقتصادية قد تُقيّد قدرة تل أبيب على خوض حرب طويلة الأمد.

وبحسب خبراء، فإن أكبر بند من النفقات يتمثل في اعتراض الصواريخ الإيرانية، إذ قد تتراوح تكلفة استخدام منظومات الاعتراض وحدها بين عشرات الملايين إلى 200 مليون دولار يومياً، بالإضافة إلى تكاليف الذخيرة والطائرات الحربية، فضلاً عن الدمار الواسع الذي طال المباني في مدن مثل تل أبيب. وتشير بعض التقديرات إلى أن إعادة الإعمار قد تكلف إسرائيل ما لا يقل عن 400 مليون دولار حتى الآن.

وما كشفته الصحيفة الأمريكية عن كلفة الحرب واستنزافها الاقتصاد الإسرائيلي، تؤكده أحدث التقديرات الصادرة عن مؤسسات مالية واعلامية في الكيان المؤقت. إذ تشير إلى أن الحرب على إيران، تسببت في نزف اقتصادي كبير، يُقدّر حتى الآن بما يزيد على 100 مليار شيكل، أي ما يعادل أكثر من 28 مليار دولار، وسط تحذيرات من أن مواصلة الحرب ستُثقِل كاهلَ الاقتصاد الإسرائيلي على نحو غير مسبوق. وبحسب بنك إسرائيل المركزي، فإن كلفة الحرب ضد إيران وصلت إلى مليار دولار يومياً، ما يجعل من الصعب على الاقتصاد الإسرائيلي الصمود في صراع طويل الأمد مع طهران. وتُظهر بعض الأرقام المنشورة في إعلام العدو، أن تل أبيب أنفقت نحو خمسة مليارات دولار في الأسبوع الأول فقط من الحرب مع إيران، أي ما يعادل نحو 725 مليون دولار يومياً، وفق ما أفاد به موقع “فايننشال إكسبرس”. وبحسب المصدر ذاته، فإن تكلفة العمليات الهجومية الإسرائيلية بلغت نحو 593 مليون دولار يومياً، بينما شكلت الإجراءات “الدفاعية”، مثل اعتراض الصواريخ ونشر الاحتياط، 132 مليون دولار إضافية يومياً.

ويقول الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، يهوشوع كاليسكي إن تكلفة تشغيل منظومة “مقلاع داود” لاعتراض الصواريخ قصيرة إلى متوسطة المدى والطائرات المسيرة، تبلغ نحو 700 ألف دولار لكل عملية اعتراض باستخدام صاروخين، وهو الحد الأدنى المعتاد. أما منظومة “آرو 3″، المصممة لاعتراض الصواريخ الباليستية بعيدة المدى خارج الغلاف الجوي، فتبلغ كلفتها نحو 4 ملايين دولار لكل اعتراض، بينما تبلغ كلفة النسخة الأقدم “آرو 2” حوالي 3 ملايين دولار لكل صاروخ.

بدوره يوضح رئيس معهد آرون للسياسات الاقتصادية في جامعة رايخمان زفي إكشتاين أن “تكلفة الحرب مع إيران يومياً تفوق بكثير الحروب السابقة في غزة أو ضد حزب الله، والسبب الرئيسي هو تكلفة الذخيرة، الدفاعية والهجومية على حد سواء”. وقدر المعهد المشار إليه آنفاً، أن الحرب إذا استمرت لشهر كامل، فإن التكلفة الإجمالية قد تصل إلى 12 مليار دولار.

خاتمة

مغامرة عسكرية جديدة أقدمت عليها حكومة العدو، ليس معلوماً حتى الآن ما هي مآلاتها وإن كانت تداعياتها الخطيرة ستصيب المنطقة والعالم لاسيما في حال قررت الولايات المتحدة الأمريكية الانخراط في حرب مباشرة مع إيران. وإذا كانت واشنطن تبدي تردداً في اتخاذ القرار تهيباً من تداعياته، فإن طهران تعهدت بالرد، وعلى لسان قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي، فإن “ما ستتكبده – أمريكا – من خسائر، سيكون أكثر بكثير مما قد تتكبده إيران. ستكون خسارة أمريكا إذا دخلت الحرب، خسارة لا يمكن تعويضها بلا شك”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *