إقليميات

صمود إيراني والتحقيقٌ جارٍ في مُلابسات استشهاد الرئيس

بقلم: زينب عدنان زراقط

مهما كانت الصدمة قاسيةً، تبقى بُنية النظام السياسي الإسلامي في الجمهورية الإسلامية الذي شُيّد بطريقة لا تسمح بأي عامل مهما كان شديداً بأن يؤثر على سلامة واستقرار الدولة وأركان بنائها. فما يهم في الأمر هو أن الجمهورية الإسلامية قد تمرّسَتْ في تحدي أي ظرف قاس منذ انتصار الثورة الإسلامية، حيث أنها استطاعت أن تسير بثقة نحو بناء نفسها وتدعيم أركان قوتها منذ أن تعرضت إلى هزات أمنية أدت إلى استشهاد قادة كبار في ثمانينيات القرن الماضي مع أن إيران كانت حينها محاطة بعدد كبير من الأعداء مقارنة بالواقع الحالي. فهل سيؤثر هذا المصاب هل هيكلية إيران السياسية ومواقفها، وخصوصاً في دعمها للقضية الفلسطينية؟ وما هي بعض مظاهر القوة تاريخياً للجمهورية الإسلامية في تحقيق هذا الثبات والانتصار الجيو/سياسي لإيران في المنطقة؟ وأخيراً إن جزمنا أن الحدث يُستبعد أن يكون شيئاً طبيعياً وبفعل الطبيعة، ما هي التساؤلات المطروحة حول إمكانية أن يكون سقوط الطائرة عملاً مدبراً تقف وراءه أجهزة استخبارات دول مُعادية لإيران؟!.

الأعم الأغلب أن معظم شعوب الأرض وحكوماتهم، أرسلوا بتعازيهم إلى الجمهورية الإسلامية بقيادتها وحكومتها وشعبها، وتعاطفوا مع هذا المصاب الجلل الذي ألمَّ بإيران، فبعضهم نكّسوا الأعلام، وبعضهم أعلن الحداد، ومدّ يد العون في أي شيء تحتاجه الجمهورية الإسلامية.

من خلال معرفة أسس النظام السياسي في إيران، نستطيع التأكيد أن الحادثة – على الرغم من مأساويتها، والكاريزما التي كان يتمتع بها المرحومان، رئيسي وعبد اللهيان – لن تؤثر نهائياً على الوضع الداخلي، ولن يحدث أي فراغ في السلطة، وسيتم انتخاب رئيس جديد، وتشكيل حكومة جديدة، بحسب الدستور الإيراني، لأن نظام الحكم فيها قائم – بكل مفاصله، بما فيه موقعا المرشد والرئيس – على مؤسسات منتخبة، قوية وراسخة وفاعلة، وتستطيع تجاوز أي حدث، مهما كان.

ولدى إيران سابقةٌ على ذلك، عندما اغتيل الرئيس محمد علي رجائي، في بدايات الثورة الإيرانية، مع معظم أفراد حكومته، بتفجير إرهابي أثناء مهرجان خطابي في طهران. كما أنها لن تؤثر على موقع ومكانة إيران وموقفها من الصراعات والقضايا الإقليمية والدولية، لأن هذه الأسس لا تتوقف على الأشخاص، وإنما تحدّدها مؤسسات الدولة، وما تمتلكه من عوامل قوة وثوابت في السياسة. هذا الثبات كان جليّاً في كلام قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي منذ الساعات الأولى لورود خبر سقوط الطائرة، حينما قال: “على الشعب الإيراني ألا يقلق ولن يكون هناك أي اضطراب في عمل البلاد”.

كثيرة هي الشواهد التي تؤكد بأن الجمهورية الإسلامية قد حققت انتصارات جيوسياسية في المنطقة منذ انتصار الثورة الإسلامية فيها إلى يومنا هذا، حيث فقد المعسكر الغربي أوراق القوة التي كانت بيده لصالح شعوب المنطقة وحركات المقاومة فيها بفضل دعم الجمهورية الإسلامية وتسخير طاقاتها من أجل نصرة المظلومين.

نبدأ بفاتحة الانتصارات التاريخية للشعب الإيراني بقيادة الإمام الراحل السيد الخميني (قده) التي قلبت وجه المنطقة لصالح إحياء الإسلام السياسي عبر إقامة جمهورية إسلامية أطاحت بورقة أمريكية هامة حينها وهو شاه إيران ما يعني أن ما حصل هو أول مسمار دُقَّ في نعش الهيمنة الأمريكية في المنطقة وتبنّت الجمهورية الإسلامية إعلاء القضية الفلسطينية منذ الأيام الأولى لانتصار الثورة الإسلامية وعمل قادتها في سباق مع الزمن لتحويل الحجارة التي كانت بأيدي شباب فلسطين إلى صواريخ وبنادق أذلت الكيان الصهيوني كما في طوفان الأقصى وأنذرته بأن أيامه في الوجود لا تتعدى سنوات معدودة على الرغم من الدعم الغربي والأمريكي اللامحدود لهذا الكيان. أضف إلى تبنّي الجمهورية الإسلامية دعم حركات المقاومة الإسلامية لا سيما في لبنان منذ ثمانينيات القرن الماضي والتي جعلت من المقاومة الإسلامية في لبنان ندّاً نوعياً يمرّغ أنف الكيان الصهيوني في كل حين، وخير دليل هو ما نراه اليوم من عمليات المقاومة النوعية واستنزافها المرير لما يسمى بالجيش الذي لا يُقهر. وكذلك ساندت الدولة السورية ضد حركات الإرهاب الدولي ودعمت الشعب العراقي ومقاومته وأشادت بخيار الشعب اليمني المظلوم في حريته واستقلاله ما أحدث نقلة نوعية على مستوى مقاومة هذا الشعب الذي امتلك عوامل القوة التي جعلت مصير الممرات البحرية الدولية بين يديه نصرة لفلسطين وقضيتها.

كما نجحت إيران في تسعينيات القرن الماضي في عملية بناء متراكم لعناصر القوة لديها وهي التي خرجت من حرب دولية ضدها، وأسقطت أهداف حرب صدام ضد الجمهورية الإسلامية الذي دفعه الأمريكان بعد أيام للسلطة من أجل إضعاف الثورة الإسلامية وتحجيمها على الرغم من الضخ العسكري والدولي الهائل للنظام العراقي والذي كانت الدول الخليجية هي البوابة لمضخات الدعم اللامحدود للنظام الصدامي. إلى ما وصلت إليه من ترسيخ مرحلة جديدة من الردع في الإستراتيجية الإيرانية وعلوِّ مكانتها كقوة إقليمية يُحسب لها أنها الدولة الوحيدة التي ضربت الكيان الصهيوني والذي هو قاعدة متقدمة للمعسكر الغربي في المنطقة.

لا يُصدَّق أن الطبيعة تفعل ذلك…!

إنَّ إيران ليست مجرد دولة عادية، وإنما تلعب دوراً رئيسياً في تحديد مصير منطقة غرب آسيا، التي تعتبر على مدى التاريخ المؤشر إلى هبوط وصعود الإمبراطوريات والدول العظمى، بما فيها من صراعات شرسة، منها الصراع الوجودي مع العدو الصهيوني، والصراع على خطوط إنتاج ونقل الطاقة، والصراع على المضائق والممرات البحرية، وعلى خطوط التجارة الدولية. ونظرية مُلابسات أيدي خارجية وأن لا يكون الحدثُ عرضياً بفعلِ الطبيعة طرحٌ يؤخذ بعين الاعتبار وبشكلٍ جدي. 

بالتأكيد أن الصراعات التي تديرها أجهزة الاستخبارات لا تجري على المسرح المكشوف، إنما تدور في الغرف السرية وخلف الكواليس؛ ولكن في حال كان الحادث مدبراً فلن تستطيع أجهزة الاستخبارات التي قامت بالعملية إخفاء كل الحقائق، لأن الأطراف المقابلة، ومنها إيران، تمتلك ما يكفي من القدرات الاستخباراتية والتكنولوجية، للوصول إلى الحقائق، ولديها من الإمكانات والقدرات على اتخاذ القرارات وتنفيذها.

ختاماً، تساؤلات جمّة مثيرة للريبةِ تفرض شكوكاً لعدم التسليم بالرواية الأولية على أنها حادثة بفعل سوء الأحوال الجوية، فأوّل ما يخطر بالذهن أنه كيف يمكن أن يُسمح لطائرة تقلُّ رئيس البلاد وعدداً من المسؤولين أن تطير في ظروف جوية سيئة أو كانت تدلّ على أي حالة خطيرة على الطيران، خصوصاً وأن التقنيات الحديثة تُمكّن من توقّع حالة الطقس بدقة؟! أم بإمكاننا أن نجزم أنه قد جرى تلاعب بحالة الطقس، بواسطة التقنيات الحديثة، في منطقة مختارة بعناية، تتميز بوعورتها، وبصعوبة الوصول إليها؟! بَيْد أنه كيف لم يؤثر الطقس العاصف على الطائرتين اللتين كانتا ترافقان طائرة رئيسي أيضاً؟! هل نحن أمام فرضية لتشويش وتحكم الإلكتروني بهذه الطائرات، بما فيها طائرة رئيسي، حتى فقدت قدرتها على التحكم وتحديد المواقع.

وما يزيد الشكوك حول وقوع جريمة مُفتعله هو تزامن الحادث مع التحرُّك المشبوه لطائرة تتبع لسلاح الجو الأمريكي، من طراز C-17 RCH34 هبطت في العاصمة الأذربيجانية باكو، قبل الحادث، وغادرت بعد الحادث مباشرة! كذلك ردة الفعل لكيان العدو إثر الحادثة، نافياً علاقته تارةً وأُخرى عن كبار المسؤولين قولهم إن يد “إسرائيل” طويلة.

حتى الساعة لم تنتهِ لجنة التحقيق العليا الإيرانية من البحث في أسباب سقوط مروحية الرئيس الإيراني، فإن صحّ القول حينها على أنه حدثٌ مُدبّرة، ستكون تداعيات الحادثة خطيرة جداً في الصراعات الجارية في المنطقة، وفي مقدمتها الصراع العربي – الإسرائيلي، والتطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، منذ عملية “طوفان الأقصى”، والمأزق الأمريكي- الإسرائيلي، فالمتهم الأول هو أمريكا وأجهزة الموساد الإسرائيلي، فهل بذأنا العدّ العكسي لمواجهةٍ مباشرة تُزيل فيها إيران كيان العدو الإسرائيلي؟!.