إعرف عدوك

بين غزة وصيدا .. الاحتمالات لتصعيد في الشمال – والتحديات المعقدة

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

محررو صحيفة “إسرائيل هيوم” يسلطون الضوء على ما هو متوقع في السيناريو المعقد للقتال بوتير مرتفعة على جبهتين.

الجنود متعبون لكن متماسكون – يتدربون أكثر من أي وقت..

الساحة الأمنية

لقد أكمل الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة استعداداته للحرب في الساحة الشمالية، ويهدد قادته بأنه مع استكمال العملية في رفح، سيكون قادراً على التركيز على التهديد الأكبر القادم من الشمال. لكن بعد تسعة أشهر من الحرب في غزة والقتال في حزب الله، إذا اندلعت الحرب في الأيام المقبلة – يبدو أن الجيش الإسرائيلي لن يصل إليها في ذروة قوته.

في حالة التصعيد الخطير على الحدود الشمالية، سيتعين على الجيش الإسرائيلي التعامل مع مسألة “اقتصاد الأسلحة”. إن حقيقة أن الولايات المتحدة، التي قامت في البداية بتوريد الكثير من الذخيرة إلى إسرائيل، وأبطأت الشحنات وأوقفت تسليم القنابل إلى سلاح الجو، أقلقت للغاية الجيش وقد يؤثر على القرار الإسرائيلي ببدء حرب في الشمال في هذا الوقت.

بالإضافة إلى ذلك، تطرح مسألة استنزاف القوات النظامية والاحتياطية. الجيش النظامي يقاتل ويتدرب منذ ثمانية أشهر ونصف دون انقطاع، والعديد من جنود الاحتياط خدموا في العام الماضي 100 أو 200 يوم بل وأكثر، وجميعهم مروا ذهنياً بتجارب صعبة تحتاج إلى معالجة.

سؤال آخر يطرح نفسه هو مسألة الدفاع الجوي. ويقدر الجيش أن منظومات الدفاع الجوي لن تكون قادرة على حماية جميع المناطق المأهولة بالسكان، وبالتالي ستركز الدفاع على البنى التحتية الأساسية للقتال، والجبهة الداخلية المدنية في إسرائيل ستتلقى ضربات وستكون تحت تهديد لم تتعامل معه أبداً. إن الطريقة الوحيدة التي ستتمكن بها إسرائيل من التعامل مع التهديد هي مهاجمة حزب الله بشكل مباشر، ليس فقط، بل لبنان نفسه، باعتباره دولة ذات سيادة تتعرض من أراضيه للهجوم.

حرب في لبنان؟ في الغرب سيكونون فرحون بالتخلي عنها..

سيناريو حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله هو بالتأكيد سبب للقلق الكبير بالنسبة للمجتمع الدولي، وبالتأكيد في الغرب. عواقب حرب كهذه يمكن أن تؤدي إلى عراقيل أخرى لسلسلة التوريد وإلحاق ضرر بالتجارة، وإلى ارتفاع محتمل في أسعار الوقود وتضرر السياحة إلى دول المنطقة.

لكن هذا ليس كل شيء مقابل احتمال أن تتسبب حرب كهذه بمواجهة جديدة من اللاجئين، حيث دول مثل تركيا أو أعضاء في الاتحاد الأوروبي ستضطر إلى التعامل معها. في أوروبا سبق وأن استوعبوا ملايين اللاجئين من أوكرانيا، لكن الحرب في هذا التوقيت ستأتي في توقيت إشكالي جداً من ناحية الاتحاد والدول الأوروبية. وعلى الرغم من أنها وعدت بدعم إسرائيل ضد حزب الله، إلا أن الإدارة الأمريكية نفسها كانت ستكون سعيدة بتجنب حدوث أزمة أخرى في الشرق الأوسط – قبيل يوم الانتخابات.

سيناريو الاخلاء والعتمة: هكذا تستعد المؤسسة الصحية

في مستشفى الجليل في نهاريا، يُعالج المرضى منذ ثمانية أشهر في ظروف دون المستوى الأمثل، في مبنى محمي لا يكفي إلا لحوالي 300 سرير في المستشفى – أي أقل من نصف طاقته الاستيعابية. المستشفيات في صفد ونهاريا تعمل بهذا الشكل منذ أشهر، وهذا ليس سوى جزء من استعدادات المؤسسة الصحية لسيناريو الحرب في الشمال.

أحد هذه السيناريوهات هو تشغيل المستشفيات كـ “جزيرة منعزلة” بسبب صعوبة التنقل على الطرق. وفي إطار هذا الاستعداد، تم تعزيز قدرات المستشفيات في الشمال والجنوب في مجال غرف الطوارئ، بما في ذلك قبول خبراء في المجالات المطلوبة – جراحة القلب والصدر وجراحة الأعصاب وغيرها.

إن درجة الاستعداد وأهميته تم التعبير عنها بدقة من قبل وزير الصحة، أورييل بوسو، عندما قال في مؤتمر للسلطة المحلية عقد في بداية هذا الشهر أنه “نظراً للتهديدات المتزايدة، فإننا نعمل حالياً مع السلطات المحلية بشأن الاستعداد لسيناريو العتمة، الذي يتحدى النظام بشكل كبير فيما يتعلق بمعالجة المرضى ذوي الاحتياجات الطبية الخاصة، بما في ذلك دعم التنفس. إن العمل المشترك مع رؤساء السلطات ضرورة وجودية – منقذ للحياة بكل معنى الكلمة”.

كما تستعد مؤسسة الصحة النفسية لاحتمال التصعيد. تقول الدكتورة شيري دانيلز، المديرة المهنية الوطنية لجمعية عران، “لاحظنا في الآونة الأخيرة اتجاهاً نحو زيادة نداءات الاستغاثة من سكان الشمال ومن المدنيين الذين يخدم أفراد أسرهم وأصدقاؤهم المقربون في الشمال”. وتقول جمعية نتال (ضحايا الصدمات على خلفية قومية) إن عدد المعالجين السريريين في صفوفهم زاد أربعة أضعاف منذ بدء الحرب في تشرين الأول. 

كهرباء، وقود وغاز.. تحدي البنية التحتية

هناك عدد لا بأس به من الأسئلة التي تطرح على كل واحد منا عند الحديث عن إمكانية فتح جبهة شمالية – مثل، على سبيل المثال، ما إذا كان سيكون هناك بالفعل انقطاع طويل للتيار الكهربائي، أو إذا كان من المتوقع حدوث نقص في الوقود والأموال، أو ما إذا كان هناك احتمال حدوث اضطرابات في إمدادات المياه.  تعتمد الإجابات بالطبع على شدة الحرب واتساع نطاقها، ولكن أيضاً على جاهزية البنية التحتية الوطنية.

عند الحديث عن جاهزية قطاع الكهرباء للحرب في الشمال، يصعب ألا نذكر تصريح شاؤول غولدشتاين، الرئيس التنفيذي لشركة نوغا التي تدير منظومات الكهرباء في إسرائيل: “نحن في وضع غير جيد وعير مستعدين لحرب حقيقية. بعد 72 ساعة من دون كهرباء سيكون من غير الممكن السكن في إسرائيل”.

عكس غولدشتاين للجمهور سيناريو العتمة الذي وضعته هيئة الطوارئ القومية، والذي يقدر الوضع حيث ستكون مناطق بأكملها بدون كهرباء لفترات طويلة من الزمن. مع ذلك، يجب أن نتذكر أن هذا سيناريو متطرف، وفرص تحقيقه منخفضة للغاية. وتقول وزارة الطاقة والبنية التحتية إنهم يعملون بشكل مستمر على تقليل احتمالية تحقق السيناريو والاستعداد للخروج في أسرع وقت ممكن من وضع العتمة في حال تحققه.

وفيما يتعلق بمسألة الوقود، يقول حن هرتزوغ، الخبير في قطاع الكهرباء وكبير الاقتصاديين في شركة BDO الاستشارية، إن “الجمع بين احتياطيات الطوارئ، وموانئ استيراد الوقود في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ومصافي النفط في أشدود وحيفا – يخلق القدرة على توفير الوقود للسوق حتى في حالات الطوارئ، لضمان توفر الوقود للجيش وسلاح الجو ومحطات الطاقة”. التأخير في افتتاح الدراسة، التي ستقام لفترة، والتعلم عن بعد/التحدي الذي يواجه المؤسسة التعليمية. تعطل التعليم لأسابيع طويلة، وتعلم عن بعد وقرى شبابية كملجأ: الحرب في الشمال ستكون اختباراً من المشكوك فيه أن يتمكن جهاز التعليم الإسرائيلي من مواجهته.

لقد ضاع العام الدراسي 2023 – 2024 تماماً، وستتسبب حرب في الشمال في أن يكون العام المقبل على هذا النحو، وأكثر من ذلك: سيغلق نظام التعليم في جميع أنحاء البلاد تقريباً، وربما لفترة أطول. ووفقاً ليغئال سلوفيك، المدير العام السابق لوزارة التعليم ورئيس قسم مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي، فإن “السياسة الدفاعية لقيادة الجبهة الداخلية ستحدد ‘أسلوب حياتنا’ خلال الحرب، وكذلك سلوك المؤسسات التعليمية”.

من “فروع حديدية” للسوبر ماركت إلى الأدوية.. تحدي الاقتصاد

يتعامل الاقتصاد الإسرائيلي مع عواقب الحرب في غزة منذ 7 تشرين الأول كاقتصاد في حالة طوارئ. إذا بدأت حرب شاملة في الشمال قريباً، فستضاف بالطبع تحديات إضافية وجوهرية إلى النشاط الاقتصادي.

فيما يتعلق بقطاع الأغذية، نشرت وزارة الاقتصاد والصناعة الشهر الماضي قائمة بمئات “الفروع الحديدية” لمحلات السوبر ماركت التي سيتم فتحها في أوقات الطوارئ، وقائمة طعام موصى بها للعائلة. في ذلك الوقت، أكدت الوزارة أن المخزونات كانت كافية ومعدلة وأنه ليست هناك حاجة لتخزين الطعام.

وقال مصدر في قطاع الأغذية: “سلاسل السوبر ماركت مستعدة لتوفير المواد الغذائية والمنتجات الأساسية للجمهور. نحن بعد ثمانية أشهر ونصف من القتال، وللأسف نحن معتادون بالفعل على الأحداث الطارئة، حيث كنا مستعدين عندما اندلعت الحرب، والتي كانت مفاجأة في ذلك الوقت. الحقيقة هي أن مواطني إسرائيل لم يشعروا بنقص حقيقي في أي منتج أساسي. حتى لو كان هناك نقص فوري بسبب الشراء المفرط، فقد تم التعامل معه بسرعة. لا يوجد سبب للقلق عندما يتعلق الأمر بمخزونات المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، فالسلاسل مخزنة لأسابيع كثيرة”.

أما بالنسبة لسلاسل الصيدليات، فهي تعمل أيضاً كاقتصاد طوارئ. تشير سلاسل الصيدليات إلى أن لديها بانتظام مخزون عدة أشهر. هناك خطط طوارئ منظمة وبنيوية مع سيارات وموظفين، وصيادلة يعيشون بالقرب من كل فرع.

الخشية: وقف الرحلات الجوية إلى إسرائيل..

التحدي في مجال الطيران والسياحة

في بداية الحرب، غادرت جميع شركات الطيران الأجنبية تقريبا إسرائيل. بعد بضعة أسابيع، بدأت عودتها التدريجية، واليوم يعمل معظمها في إسرائيل. ومع ذلك، لا يزال هناك نقص كبير في العرض مقارنة بفترة ما قبل الحرب، ويؤدي ارتفاع الطلب في حالات قليلة إلى ارتفاع أسعار تذاكر الطيران.

إن إغلاق الأجواء في إسرائيل ليلة الهجوم الإيراني، في 14 نيسان الماضي، يعني أن العديد من شركات الطيران الكبرى مثل Air Canada وEasyJet لم تستأنف بعد رحلاتها إلى إسرائيل. كل هذا، إلى جانب حالات مختلفة في قطاع الطيران، يجعل الكثير من الإسرائيليين يخشون حجز الرحلات الجوية، التي أصبحت في الأشهر الأخيرة مكلفة ومرهقة وأحياناً مصحوبة بعدم يقين.