انقلاب بوليفيا: محاولة فاشلة لقلب المشهد السياسي في البلاد
بقلم: ابتسام الشامي
نجا رئيس بوليفيا لويس آرسي ومعه البلاد من انقلاب عسكري كاد أن يطيح به وبالنظام الديمقراطي الذي حمله إلى الرئاسة، على ان احتواء الموقف وسرعة افشال الانقلاب، لم يغيبا سؤالاً مركزياً حول الجهة المستفيدة من الانقلاب والعوامل الداخلية والخارجية التي وقفت خلفه!.
مشهد الانقلاب الفاشل
بين مشهد تقدم دبابات مليئة بالجنود المدججين بالأسلحة نحو بوابات القصر الرئاسي في العاصمة البوليفية بأمر من قائد الجيش خوان خوسيه زونيغا، ومشهد انسحابها بأمر من القائد الجديد خوسيه ويلسون سانشيز، ساعات قليلة فاصلة تراكمت فيها الأحداث والتطورات، لتعكس واقعاً سياسياً مضطرباً في البلاد اللاتينية التي لم تخرج بعد من تداعيات انقلاب مماثل عام 2019 أطاح بالرئيس اليساري إيفو موراليس، لمصلحة اليمين بقيادة جانين آنييز. الانقلاب الذي حمل صفة فاشل بعدما تمكنت السلطة من احتوائه سريعاً لم تتضح حتى كتابة هذه السطور أسبابه الحقيقية، لكن ما سبقه ورافقه من مواقف وقرارات لأطراف فاعلة في الساحة البوليفية داخلية وخارجية، يساهم في فهم السياق العام الذي جرت فيه الأحداث الأخيرة قبل التمكن من التعامل معها.
محاولة الانقلاب الفاشلة بقيادة قائد القوات المسلحة زونيغا، كانت قد بدأت ظهر الاربعاء الماضي، مع توجه ثماني دبابات بما فيها من جنود مدججين إلى منطقة بلازا موريللو في العاصمة البوليفية، حيث القصر الرئاسي ومقر الجمعية التشريعية، ولم تلبث إحداها أن تقدمت باتجاه القصر بعدما كسرت إحدى بواباته، قبل أن يترجل قائد الجيش منها، معلناً استنفار القوات المسلحة، ومطالباً بتغيير كامل للحكومة. وفي ما كان الجنود المشاركون في الانقلاب يحكمون السيطرة على محيط القصر مانعين الدخول والخروج منه، كان الرئيس آرسي يتوجه من داخل القصر المحاصر، إلى الشعب البوليفي بطلب الدفاع عن النظام الديمقراطي، وتنظيم “تظاهرات ضد الانقلاب على الديمقراطية”، آزره في الدعوة ذاتها، حليفه السابق وخصمه السياسي الحالي، واسع الشعبية إيفو موراليس. قبل ان ينجلي الموقف عن اعتقال زعيم الانقلاب الجنرال زونيغا ورفاقه، وتعيين خوسيه ويلسون سانشيز قائداً جديداً للجيش، سرعان ما استجابات القطاعات العسكرية لأوامره بالانسحاب من محيط القصر والعودة إلى قواعدها العسكرية.
الخلافات الداخلية
الهدوء الذي عم البلاد بعد احتواء محاولة الانقلاب الفاشلة، صاحبه صخب الاسئلة عن حقيقة ما جرى، لاسيما وأنه جاء في ذروة احتدام سياسي بين أهل البيت الواحد ربطاً بالانتخابات الرئاسية العام المقبل، والتي كان لقائد الجيش المعزول رأي حاسم فيها، بمنع موراليس من المشاركة فيها. وعشية تنفيذه الانقلاب، كان آرسي قد قرر عزله على خلفية تصريحات شديدة اللهجة له قال فيها: “لن أسمح بترشحه ثانية” وذكر بأن القوات المسلحة، هي الجناح المسلح في البلاد”، في تهديد ضمني بالتحرك عسكرياً ضد ترشح موراليس. ولئن زعم زونيغا بعد اعتقاله، إن “قصة الانقلاب” منسقة مع الرئيس آرسي وجاءت بطلب منه، لتعزيز شعبيته كرجل مدافع عن الديمقراطية، إلا ان الأوامر الأولى التي سطرها، دحضت ادعاءاته، كونها صبت في مصلحة التيار اليميني المعارض بشدة للحكم القائم. فمن أمام القصر الرئاسي أعلن الجنرال زونيغا إطلاق سراح جانين آنييز، خليفة موراليس في موقع رئاسة البلاد بعد الانقلاب عليه عام 2019، وأعلن كذلك إطلاق سراح لويس كاماتشو زعيم المعارضة وحاكم مقاطعة سانتا كروز سابقاً، صاحب الدور المحوري في الانقلاب آنذاك. واذ وعد في الكلمة التي القاها في بداية الانقلاب انه “لن يُبقي سجين سياسي واحد في بوليفيا”، أكد أنه سيطلق سراح رفاقه الذين يخضعون للإقامة الجبرية أو الحبس الاحتياطي.
وبمعزل عن النوايا الحقيقة للجنرال زونيغا، وما إذا كان انقلابه محاولة لإفساح المجال امام المعارضة للوصول إلى السلطة مجدداً، إلا أن الأكيد أنه استغل الخلاف السياسي القائم بين قيادات الحزب الحاكم. فبعدما كان آرسي يعد الذراع اليمنى لموراليس زمن رئاسته البلاد بصفته وزيراً للاقتصاد، وبعدما بارك ترشحه لانتخابات الرئاسة عام 2021، رفعت الخلافات المتراكمة بين الرجلين جدرانا من الخصومة، كان من أسوأ نتائجها على حزب “ماس” انشطاره وانقسام قواعده الشعبية، ولئن ظلت الاغلبية لمصلحة موراليس، إلا أن الترشح باسم الحزب بقي المعضلة التي تواجه الرجلين، على الرغم من استغلال آرسي الآليات الدستورية والسلطات القائمة لمنع منافسه من الترشح. على أن حدة الخصومة بين الزعمين لم تمنع من وحدتهما لحظة الانقلاب، ولعل من أهم العوامل التي أفشلت الانقلاب، موقف موراليس الحاسم إلى جانب الرئيس الحاكم، ما عزز موقع الحزب الشعبي وأعاد الاعتبار إلى وحدته، وهذا ربما لم يكن في حساب المخططين للانقلاب والداعمين له.
البعد الخارجي
في قراءة الحدث البوليفي بدينامياته الداخلية لا يمكن اغفال الابعاد الخارجية، لاسيما وأن السياسة الخارجية للبلاد مع الحكم اليساري، ذهبت بعيداً في مواجهة المحور الأميركي محلياً وعلى مستوى القضايا الدولية. وفي هذا السياق تصدرت بوليفيا جبهة المدافعين عن غزة في اميركا اللاتينية. وبعدما كانت جانين آنييز قد أعادت الصلات السياسية والديبلوماسية المقطوعة مع تل ابيب زمن موراليس، فإن آرسي ومنذ بداية الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة، سارع إلى إعلان قطع علاقات بلاده الدبلوماسية مع دولة الاحتلال، متهماً إياها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في هجماتها على القطاع.
على أن التطور الأهم في السياسية الخارجية لحكومة “آرسي” تجسد في توقيع اتفاقات مع شركات روسية وصينية لتطوير احتياطيات الليثيوم غير المستغلة في بوليفيا، وهو أحد أغنى المعادن المستخدمة في الصناعات الحديثة، لاسيما بطاريات السيارات الكهربائية والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر.
خاتمة
حتى ينجلي غبار الحدث، الثابت الوحيد أن بوليفيا نجت من انقلاب عسكري كان من شأنه أن يعيد خلط الأوراق السياسية داخليا وخارجيا، وبانتظار ما ستكشفه المعلومات عن الضالعين المستترين في الانقلاب الفاشل، تتجه الأنظار إلى تداعياته على المستوى الداخلي على مسافة غير بعيدة من الانتخابات، والسؤال البارز في هذا السياق هل سيعيد توحيد صفوف حزب ماس ليخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة من موقع سياسي وشعبي قوي ومتماسك تماماً كما الموقف من الانقلاب؟.