التربية الحسينية.. الإمام علي(ع) هو المربي الأول “ثقافة الحياة.. ثقافة الاستشهاد”..
بقلم غسان عبد الله
توفَّرَتْ للإمام الحسين(ع) جميعُ العناصرِ التربويةِ، فأخَذَ بِجوهرِها ولُبَابِها حتى أُعِدَّ إعداداً كافياً لقيادةِ الأمة، وتحمَّلَ مسؤولياتِ الرِّسالةِ الإسلاميةِ بجميعِ مستلزماتِها وأبعادها، وقد أمَدَّتْهُ بقوىً روحيةٍ عميقةِ الأبعادِ والطاقاتِ الهائلةِ من الإيمانِ والصبرِ والشجاعةِ والثَّباتِ أمام الخطوبِ والمِحَنِ التي يَعجَزُ عن تَحمُّلِها أيُّ كائنٍ حيٍّ من بَني الإنسان.
الإمامُ علي(ع) هو المربِّي الأولُ بما وضَعَهُ من أصولٍ تربويةٍ ومناهجَ سلوكيةٍ وقواعدَ أدبيةٍ، فغذى أولادَهُ بالآدابِ والأخلاقِ والحكمةِ والنزاهةِ والعِفَّةِ ومَكَارِمَ الأخلاق، فوجَّههُمْ نحو الخيرِ والحقِ، وزوَّدَهُمْ بوصايا كريمةٍ حافلةٍ بالقيمِ العاليةِ والمُثُلِ الإنسانيةِ، وقد اخترنا هذه الوصيةَ العظيمةَ الحافلةَ بالآدابِ الاجتماعيةِ وكلِّ ما يحتاجُ إليه الناسُ في سلوكهم وحياتهم الخاصةِ والعامةِ وهي أروعُ ما جاءَ في الإسلام من الأسسِ التربويةِ والقواعدِ الأساسيةِ في الاستقامةِ والتوازُنِ والسلوكِ الحسنْ..
قال الإمامُ علي عليه السلام: “يا بني، أوصيك بتقوى الله عزَّ وجلَّ في الغيبِ والشهادةِ، وكلمةِ الحقِّ في الرضا والقصدِ (أو الغضب) في الغنى والفَقْر، والعدلِ في الصديق والعدوِّ، والعملِ في النشاطِ والكسلِ، والرِّضا عن الله تعالى في الشِّدَّةِ والرَّخاء“.
.. “اعْلَم يا بُنَيَّ مَنْ أَبْصَرَ عَيبَ نفسِهِ شُغِلَ عن غيرِهِ، ومَنْ رَضيَ بِقِسَمِ الله تعالى لم يَحْزَنْ على ما فاتَهُ، ومَنْ سلَّ البَغْيَ قُتِلَ به، ومنَ حَفَرَ بئراً وقَعَ فيها، ومن هَتَكَ حِجَابَ غيرِهِ انْكَشَفَتْ عوراتُ بيتِهِ، ومن نَسى خطيئَتَهُ استَعْظَمَ خطيئةَ غيرِهِ، ومَنْ كابَدَ الأمورَ عَطِبَ، ومَنْ اقتَحَمَ البحرَ غَرِقَ، ومَنْ أُعْجِبَ برأيهِ ضَلَّ، ومن استغنى بعقلِهِ زَلَّ.. ومَنْ سَفَّهَ عَلِيَّهُم شُتِمَ، ومَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ اتُّهِم، ومَنْ خَالَطَ الأنذالَ حُقِّرْ، ومَنْ جالَسَ العُلماءَ وُقِّرْ، ومَنْ مَزَحَ اسْتُخِفَّ به، ومَنْ أعتَزَلَ سَلِمَ، ومَنْ تَرَكَ الشَّهواتِ كان حُرَّاً، ومَنْ ترَكَ الحَسَدَ كانَ لهُ المحَبَّةُ من الناس”.
“يا بني عِزُّ المؤمِنِ غِنَاهُ عنِ الناس، والقَنَاعَةُ مالٌ لا يَنْفَد، ومَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ الموتِ رضي من الدُّنيا باليسير، ومن عَلِمَ أنَّ كلامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كلامُهُ إلا فيما يَنْفَعُهُ، العَجَبُ ممن خافَ العقابَ ورجا الثوابَ فلم يَعمل”.. “الذِّكْرُ نورٌ والغفلةُ ظُلمةٌ، والجَهَالةُ ضَلالةٌ، والسَّعيدُ مَنْ وَعَظَ بِغَيْرِهِ، والأدبُ خيرُ ميراثٍ، وحُسْنُ الخُلُقِ خَيْرُ قَرين“.
“يا بُنيَّ.. ليسَ معَ قطيعةِ الرَّحِمِ نَماءٌ.. ولا معَ الفُجورِ غنى.. يا بُنيَّ.. العافيةُ عشرةُ أجزاءٍ، تسعةٌ منها الصَّمتُ غلا بذكْرِ الله، وواحدٌ في ترْكِ مُجالَسةِ السُّفهاء… ومَنْ تزيَّنَ بمعاصي الله عزَّ وجلَّ في المجَالِسِِ ورَّثَهُ ذلاً، ومنْ طلَبَ العلمَ علِمْ“..
“يا بُنَيَّ رأسُ العلمِ الرِّفْقُ، وآفَتُهُ الخُرْق، مِنْ كنوزِ الإيمانِ الصبرُّ على المصائبِ، والعفافُ زينةُ الفَقْرِ، والشُّكْرُ زينةُ الغنى، ومَنْ أَكْثَرَ مِنْ شيءٍ عَرِفَ به.. ومَنْ كَثُرَ كلامُهُ كثُرَ خَطَأُهُ، ومَنْ كَثُرَ خَطَأُه قَلَّ حياؤهُ، ومن قلَّ حياؤهُ قَلَّ وَرَعُهُ، ومَنْ قَلَّ وَرَعُهُ ماتَ قَلْبُهُ، ومَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النار“.
“يا بُنَيَّ كَثْرةُ الزياراتِ تُورِثُ المَلالةَ، يا بُنَيَّ الطَّمأنينةُ قبلَ الخُبْرةِ ضِدَّ الحَزْمِ، وإعجابُ المرءِ بنفسِهِ دليلٌ على ضَعْفِ عَقْلِه.. يا بني كَمْ مِنْ نَظْرةٍ جَلَبَتْ حسرةً، وكم مِنْ كلمةٍ جَلَبَتْ نَقِمَةً، ولا شرفَ أعلى من الإسلام، ولا كَرَمَ أعلى من التقوى، ولا مَعْقِلَ أَحْرَزَ مِنَ الوَرَعِ، ولا شَفيعَ أنجحَ من التَّوبَةِ، ولا لباسَ أجملَ من العافية، ولا مالَ أذهبَ للفاقةِ من الرضى بالقُوتِ، ومَنْ اقْتَصَرَ على بِلْغَةِ الكفافِ تَعَجَّلَ الرَّاحةَ وتبوَّأَ حِفْظَ الدِّعَة، والحِرْصُ مُفْتَاحُ التَّعَب، ومَطِيَّةُ النَّصَب، وداعٍ إلى التقَّحُمِ في الذنوب، والشَّرُ جامعٌ لِمَسَاوِئ العيوب“.
“وكفى أَدَباً لنَفْسِكَ ما كَرِهْتَهُ مِنْ غَيرِك.. ولأخيك مِثْلُ الذي عليهِ لك، ومَنْ تَوَّرَطَ في الأمورِ مِنْ غيرِ نَظَرٍ في الصَّوابِ فَقَدْ تَعَرَّضَ لمفاجأةِ النَّوائبِ.. والتَّدبيرُ قَبْلَ العَمَلِ يؤمِنُكَ النَّدَمَ، مَنْ اسْتَقْبَلَ وجُوهَ العملِ والآراءِ عَرِفَ مواقِعَ الخطأ، الصَّبرُ جُنَّةٌ من الفاقةِ.. وفي خلافِ النَّفْسِ رُشدُها.. والساعاتُ تُنْقِصُ الأعمار.. وربُّكَ للباغين مِنْ أحْكَمِ الحاكمين، وعالمٌ بضميرِ المُضْمِرين.. بئسَ الزَّادُ للمَعَادْ العدوانُ على العِبادْ، في كُلِّ جَرْعَةٍ شَرَقٌ، وفي كُلِّ أكلَةٍ غُصَصٌ، ولا تُنالُ نعمةٌ إلا بفُراقِ أخرى، ما أقَربَ الراحةَ من التَّعب، والبؤسَ من النعيم، والموتَ من الحياة، فطوبى لمن أخلصَ لله عِلْمَهُ وعَمَلَه، وحُبَّهُ وبُغْضَهُ، وأَخْذَهُ وتَرْكَهُ، وكلامَهُ وصَمْتَهُ، وبَخٍ.. بَخٍ لعالِمٍ عَلِمَ فَكفَّ، وعَمِلَ فجدَّ، وخَافَ التَّبَابَ فأعَدَّ واستعدَّ، إن سُئِلَ أفْصَحَ، وإنْ تُرِكَ سَكَتَ، كلامُهُ صَوابٌ، وصَمْتُهُ مِنْ غيرِ عيٍّ عن الجواب، والويلُ كلُّ الويلِ لمن ابْتُلِيَ بحرمانٍ وخِذلانٍ وعصيانٍ، واستحْسَنَ لنفسِهِ ما يَكْرَهُهُ لغَيْرِهِ… مَنْ لانَتْ كَلمَتُهُ وَجَبَتْ مَحَبَّتُهُ، ومَنْ لم يكن له حياءٌ ولا سخاءٌ فالموتُ أَولى به من الحياة، ولا تَتِمُّ مَرُوءَةُ الرجلِ حتى لا يبالي أيَّ ثَوبَيْهِ لَبِسَ، ولا أيَّ طعامَيْهِ أَكَل“.
في هذه الوصيةِ الجامعةِ لآدابِ السلوكِ وتهذيبِ الأخلاق، والدعوةِ إلى تقوى الله، نَجِدُ أنها الأساسُ في وقايةِ النفسِ من الانحرافِ وتوجيهِها الوُجْهَةَ الصالحَةَ إلى الهدى والرَّشَادِ والسُّلوكِ الفرديِّ والجَمَاعيِّ، وهي نَموذَجٌ تربويٌّ شاملٌ فيه الحكمةُ الإنسانيةُ، والتربيةُ الاجتماعيةُ التي تُفِيدُ كلَّ الأجيالِ في كلِّ حالْ.
هذه هي بعضُ ملامح التربية الحسينية من لدن أمير المؤمنين علي (ع).. نعرضها في هامشنا الثقافي ليكون طريقاً نحو ثقافة الحياة وثقافة الاستشهاد.