كيف ستؤثر حرب واسعة النطاق مع حزب الله على صمود الجبهة المدنية في إسرائيل؟
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
كثر في الآونة الأخيرة، الانشغال في الخطاب العام باحتمال نشوب حرب شاملة مع حزب الله. يركز هذا المقال على الأضرار الكثيرة المتوقعة في مثل هذه الحرب على الجبهة الداخلية واستمراريتها الوظيفية، وبالتالي على مناعة المجتمع الإسرائيلي وإمكانيات تعافيه من الحرب. ويثير التحليل ضرورة النظر بعناية شديدة في المخاطر الكامنة في مثل هذه الحرب على المجال المدني، خاصة مع استمرار الحرب في قطاع غزة.
الغرض من هذا المقال هو تقييم حجم الضرر الذي يمكن أن يلحق بالجبهة المدنية في إسرائيل في حرب شاملة شديدة الحدة مع حزب الله، والتي من المرجح أن تصبح متعددة الساحات، بمشاركة جميع عناصر “جبهة المقاومة” وأثرها على المناعة الوطنية. وذلك دون الرجوع إلى كافة الاعتبارات العسكرية والسياسية التي هي في غاية الأهمية. مثل هذا التحليل مرهون إلى حد كبير بخصائص الحرب، ومن هو الطرف الذي سيبدأها/يسببها، وإلى متى ستستمر، وما هي حدودها الإقليمية، وما هي الأضرار التي ستلحقها بالسكان المدنيين؟ ماذا ستكون غايتها الاستراتيجية من وجهة النظر الإسرائيلية وما هي إنجازاتها؟. هذا، في حين أنه من المتوقع أن تكون الحرب لإزالة التهديد الذي يمثله حزب الله طويلة وستكون لها عواقب وخيمة على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
بعد يوم واحد من هجوم حماس في 7 تشرين الأول، بدأ حزب الله استنزافاً متواصلاً ضد إسرائيل. وتوقف هذا فقط خلال وقف إطلاق النار في قطاع غزة، في تشرين الثاني 2023، وقت إطلاق سراح المخطوفين الإسرائيليين. تتميز المعركة في الشمال بكثافة متفاوتة، ولا تزال محدودة النطاق، ولكن هناك اتجاهاً تصعيدياً واضحاً فيها – وإن كان ذلك مع تجنب متعمد من قبل الجانبين لخطوات قد تؤدي إلى حرب شاملة -. وتشارك في القتال ضد إسرائيل عناصر أخرى من “جبهة المقاومة” التي تقودها إيران.
مؤخراً، وفي أعقاب اغتيال المسؤول الكبير في حزب الله “أبو طالب” في 12 حزيران، رد التنظيم بإطلاق وابل من الصواريخ على نطاق غير مسبوق، والذي شمل إطلاق مئات الصواريخ والطائرات بدون طيار على أهداف – عسكرية بشكل رئيسي – في شمال البلاد. على هذه الخلفية، تكثفت أيضاً دعوات في الخطاب العام الإسرائيلي للشروع في تحركات واسعة النطاق ضد حزب الله، بهدف إزالة التهديد من الشمال والسماح بعودة أكثر من 60 ألف شخص تم إجلاؤهم إلى مستوطناتهم. كما أعرب الجيش الإسرائيلي عن أفكاره بهذه الروح مرة أخرى، وفي 4 حزيران، أعلن رئيس الأركان “أننا نقترب من النقطة التي يجب فيها اتخاذ القرار، وأن الجيش الإسرائيلي جاهز ومستعد لهذا القرار”.
لقد أطلق حزب الله حتى الآن أكثر من 5000 مقذوفة مختلفة، معظمها من لبنان، على أهداف مدنية وعسكرية في إسرائيل. وأدى ذلك إلى مقتل 29 مدنياً وعسكرياً، وأضرار جسيمة. وفوق كل هذا، يتعزز شعور قوي باليأس بشأن مستقبل الحدود الشمالية، والمستوطنات الـ 28 التي تم إخلاؤها وكريات شمونة وسكانها، الذين يتساءلون متى وتحت أي ظروف سيتمكنون من العودة إلى ديارهم.
لقد أصبح حزب الله، باعتباره رأس حربة “محور المقاومة” الذي تقوده إيران، منذ حرب لبنان الثانية التهديد العسكري الرئيسي لإسرائيل، نظراً لتعاظمه الدراماتيكي بمساعدة إيران. وتتكون الترسانة الرئيسية في يد حزب الله مما لا يقل عن 150 ألف صاروخ وقذائف صاروخية وأسلحة إحصائية أخرى، بالإضافة إلى مئات عديدة من الصواريخ الموجهة الدقيقة، المتوسطة والطويلة المدى، التي تغطي المنطقة المأهولة بالسكان في إسرائيل. يكمن الضرر الرئيسي المحتمل لهذا المخزون في الصواريخ الدقيقة، والتي تشمل صواريخ كروز، والصواريخ الباليستية، والصواريخ الدقيقة قصيرة المدى المضادة للدبابات، والصواريخ الساحلية المتقدمة وآلاف الطائرات بدون طيار الأخرى. وهذه، إلى جانب التشكيلات السيبرانية المتقدمة، قادرة على التسبب في القتل الجماعي والأضرار المدمرة للأهداف المدنية والعسكرية، بما في ذلك البنية التحتية الوطنية الحيوية. إن الموارد العسكرية لحزب الله أكبر، كما ونوعاً، وتعادل عشرة أضعاف القدرات العسكرية لحماس قبل اندلاع الحرب. والدلالة الإستراتيجية هي أن حزب الله يمتلك البنية التحتية والقدرات العسكرية اللازمة لشن حرب طويلة جداً، ربما لعدة أشهر، وإلحاق أضرار جسيمة بإسرائيل.
في حرب واسعة النطاق ضد حزب الله، سيتعين على أنظمة الدفاع الجوي التابعة للجيش الإسرائيلي أن تتعامل مع مرور الوقت – وخصوصاً في الأسابيع الأولى من الحرب – مع وابل من الأسلحة يصل إلى آلاف المقذوفات يومياً، ولن يكون من الممكن اعتراضها كلها. هذه الهجمات، بما في ذلك من جبهات أخرى، مثل إيران والعراق وسوريا واليمن، يمكن أن تسبب تشبع طبقات الدفاع الجوي الإسرائيلية وربما حتى نقص وسائل الاعتراض، وهذا تهديد عسكري ومدني لم تشهده إسرائيل من قبل. في مثل هذا السيناريو، سيُطلب من الجيش الإسرائيلي تحديد الأولويات، سواء بين ساحات القتال المختلفة أو فيما يتعلق بتوزيع الموارد من أجل الحماية الفعالة لعناصر الجبهة الداخلية. من المتوقع أن يعمل سلاح الجو كأولوية أولى لحماية الأصول العسكرية الأساسية، وكأولوية ثانية لحماية البنى التحتية الأساسية، وكأولوية ثالثة فقط لحماية الأهداف المدنية، التي ستكون فيها لسلوك الجمهور أهمية كبيرة في مواجهة التحذيرات من قيادة الجبهة الداخلية والدفاع السلبي (الملاجئ على انواعها)، وهي قليلة نسبة الى عدد السكان.
إن حماية البنى التحتية الوطنية الأساسية لها أهمية تتجاوز الاستمرارية الوظيفية المطلوبة للوسط المدني والعسكري في حالات الطوارئ. وهذه أنظمة حساسة، بما في ذلك شبكة الكهرباء والاتصالات وأنظمة النقل البرية والبحرية والجوية، وسلاسل التوريد من الخارج وداخل البلاد، وقد يكون الضرر المحتمل أيضاً ناتجاً عن الأضرار المباشرة للإنتاج والنقل والإمداد، وكذلك من خلال التهديد الذي تتعرض له منصات إنتاج الغاز، أو قد تتوقف عن إنتاجها لأسباب دفاعية، ما قد يتسبب في انقطاع التيار الكهربائي محلياً وقطرياً وسيكون لمثل هذا السيناريو عواقب وخيمة على الاستمرارية الوظيفية والاقتصاد الوطني وأداء كل مواطن في البلاد.
يعدُّ الحد الأدنى من استمرارية الوظائف المدنية في الحرب عنصراً أساسياً في الحفاظ على المناعة الوطنية، التي هي المنصة الرئيسية لضمان مواجهة مدنية فعالة مع التهديدات على المستوى الوطني والمجتمعي والشخصي. كما إن المخاطر الكامنة في حرب متعددة الجبهات، خصوصاً إذا حدثت بالتزامن مع استمرار الحرب في قطاع غزة، تنطوي على تحديات كبيرة للبنى التحتية الحيوية والمدنيين معاً، إلى جانب العقبات المستمرة أمام التعافي من أضرار الحرب، في المجالات الجسدية والعقلية.
على خلفية هذه الأمور، نتذكر أن إسرائيل، في معظمها، لا تزال تعاني من صدمة جماعية مستمرة، تضر بمناعتها بشدة. ويتجلى هذا الوضع في مؤشرات المناعة الآخذة بالتقلص، كما تظهره استطلاعات الرأي العام التي أجراها معهد دراسات الأمن القومي واستطلاعات أخرى: تشير استطلاعات الرأي العام التي أجراها معهد دراسات الأمن القومي مؤخراً إلى تراجع كبير في المناعة الوطنية للمجتمع الإسرائيلي مقارنة بالأشهر الأولى للحرب. ويتجلى ذلك في انخفاض واضح في مستوى التضامن والثقة في مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش الإسرائيلي، وفي مستوى التفاؤل والأمل لدى غالبية الجمهور. كل هذا أيضاً في مواجهة ما يُنظر إليه على أنه “مراوحة ” في الحرب في غزة، وخصوصاً في مواجهة الانقسامات الاجتماعية المتفاقمة والخلافات السياسية الممزقة والخطاب العام السام. بعد أشهر طويلة من الحرب في قطاع غزة، والتي كان يُنظر إليها في البداية على أنها حرب عادلة، والتي أدت في البداية إلى “الالتفاف حول العلم الوطني”، من المشكوك فيه إلى أي مدى سيكون المجتمع الإسرائيلي جاهزاً ومستعداً ذهنياً لمرحلة صعبة وطويلة الأمد في الشمال أيضاً.
من بين مواطني الدولة، هناك أقل من عشرة بالمائة ممن تضررت استمراريتهم الوظيفية بشكل كبير، على مستويات مختلفة ولأسباب مختلفة (أهالي القتلى والمخطوفين والمصابين جسدياً ونفسياً، ومن تم إجلاؤهم من منازلهم في جنوب البلاد وشمالها وخادمو الاحتياط وعائلاتهم). كل الباقي يعمل – وإن كان تحت ضغط عقلي شديد -. وبالتالي من المتوقع أن يساهموا في التعافي المطلوب بعد انتهاء الحرب في قطاع غزة. من ناحية أخرى، في حرب طويلة ومتعددة الساحات، ضد حزب الله وشركائه، من المتوقع أن يكون الضرر الذي يلحق بالاستمرارية الوظيفية من نصيب الكثيرين. وهذا له عواقب وخيمة على قدرة التعافي لدى معظم عناصر الجبهة المدنية وعلى مدتها التي من المتوقع أن تمتد لسنوات. وهذا له آثار صعبة على مناعة إسرائيل الوطنية، خصوصاً في وضع تضغط فيه الخلافات السياسية وتتفاقم في حجمها وتعبيراتها.
خلاصة وتوصيات
بعد مرور ثمانية أشهر على الحرب في قطاع غزة، وبالتوازي مع استمرار حرب الاستنزاف المحدودة أمام حزب الله، يتكثف الخطاب في إسرائيل حول الحاجة إلى إيجاد حل عسكري للتعامل مع التحدي الاستراتيجي الناشئ عن حزب الله وإعادة الأمور إلى نصابها في مستوطنات الحدود الشمالية. إن أي اعتبار يتعلق بالقرار بشأن ما إذا كان ينبغي لإسرائيل، ومتى وتحت أي ظروف ينبغي أن تشارك في حرب مع حزب الله، وكذلك في حرب متعددة الساحات ضد وكلاء إيران في المنطقة، يجب أن يأخذ في الاعتبار أيضاً التكاليف والأضرار المتوقعة على الجبهة المدنية على المدى القصير والطويل. ومن بين الاعتبارات المتعلقة بكيفية تصرُّف إسرائيل في مواجهة التّهديد القادم من الشمال، هناك أهمية خاصة تُعلّق على تقييم مستنير لعواقب الأضرار التي لحقت بالمناعة الاجتماعية الإسرائيلية، لا سيما بعد أشهر طويلة ومرهقة من الحرب في غزة وليس أقله في ظل المخاطر الجسيمة المتوقعة في السيناريو المطروح.
وعلى هذه الخلفية وفي ضوء التحديات المتوقعة على الجبهة المدنية والمناعة الوطنية، فإننا نقترح ما يلي:
في أي قرار يتم اتخاذه في إسرائيل فيما يتعلق بتوسيع نطاق الحرب في الشمال، يجب أيضاً مراعاة المناخ العام السائد الآن في إسرائيل والنقاش العام والسياسي السام، بما في ذلك ما يتعلق بالحرب في قطاع غزة والغرض منها، فضلاً عن التراجع الواضح في المناعة الاجتماعية. ومن الضروري أيضا أن نأخذ في الاعتبار الرأي العام الإسرائيلي، ودرجة الموافقة الشعبية على مثل هذه الحرب، والغرض منها وأهدافها.
وطالما أن الحرب في قطاع غزة مستمرة، فمن حق إسرائيل أن تتجنب الانجرار إلى حرب مكثفة متعددة الساحات، ومن المناسب دراسة التوقيت المناسب لإسرائيل إذا اختارت المخاطرة بمثل هذه الحرب. وبطبيعة الحال، إذا بدأ حزب الله أو تسبب بشكل واضح في تصعيد واضح، فيتعين على إسرائيل أن ترد بشكل مناسب على طبيعة التهديد وعواقبه.
كسيناريو بديل – وقف إطلاق النار لفترة طويلة في قطاع غزة، وإطلاق سراح المختطفين ودراسة التسوية الإقليمية، بحسب مخطط بايدن، قد يسمح بوقف إطلاق النار في الشمال وفرصة للتوصل إلى تسوية سياسية هناك عبر الوساطة الدولية.
إذا اندلعت حرب شاملة ضد حزب الله، فمن الأفضل لإسرائيل أن تعمل على قولبتها بحيث تكون قصيرة ومحدودة جغرافياً قدر الإمكان، وذلك بهدف إلحاق أضرار مادية ومعنوية أقل بالجبهة الداخلية الإسرائيلية. في مواجهة المخاطر الكبيرة للسيناريو المطروح، من المتوقع أن تستنفد التشكيلات المختلفة المسؤولة عن عمل الجبهة الداخلية في مثل هذه الحرب أفضل استعداداتها على الفور وتسد الفجوات القائمة في أسرع وقت ممكن. وفي كل الأحوال، المطلوب تنسيق كبير للتوقعات مع الجمهور فيما يتعلق بالهدف والإنجاز المطلوب في الحرب، وكذلك المخاطر المتوقعة منها والاستعداد المطلوب لها. حتى الآن لم يتم اتخاذ أي خطوات لإعداد الجمهور لهذا السيناريو.
معهد أبحاث الامن القومي – مائير الران و اورنا مزراحي