دوليات

حذر غربي من مغامرة نتنياهو اتجاه لبنان.. الوقائع قد لا تطابق التوقعات

بقلم ابتسام الشامي

لكن هذا الهدف الذي انطوت عليه حربه العدوانية منذ السابع من تشرين الأول الماضي، يواجه بالتشكيك في قدرة الجيش الإسرائيلي على تحقيقه في واقع أمنى معقد بات عليه الكيان المؤقت.

الأهداف الحقيقية للحرب

على مسافة أيام قليلة من الذكرى السنوية الأولى لعملية طوفان الأقصى البطولية، قفز رئيس وزراء العدو بجيشه المنهك قفزة إضافية نحو توسيع نطاق الحرب وجر المنطقة إلى مرحلة جديدة من التصعيد المحفوف بفرص الانفجار الشامل. العام الذي مضى من عمر الحرب على غزة من دون تحقيق الأهداف المعلنة وعلى رأسها، القضاء على حركة حماس وتغيير الواقع في القطاع المحاصر واستعادة الأسرى لم تثن الحكومة اليمينية المتطرفة عن الإمعان في الإجرام والقتل، على قاعدة ما لا يؤخذ بالقوة يؤخذ بمزيد منها. وفي غياب ضغوط دولية حقيقية تفرض على الكيان المؤقت، وخوف نتنياهو على مستقبله السياسي، ومشروع اليمين، يمضي نتنياهو في مغامراته العسكرية الجديدة، هادفاً إلى توريط المنطقة بحرب كبرى، يعتقد أنها ستفضي إلى تغيير حتمي في التوازن السياسي والعسكري القائم في منطقة غرب آسيا، بما يحقق أهداف الحرب بواقع جديد تتعزز فيه مكانة كيانه المؤقت.

لكن الخطوات التصعيدية التي اتخذتها تل أبيب في لبنان بدءاً باغتيالات قادة المقاومة وعلى رأسهم الأمين العام لحزب الله، ومن ثم توسيع دائرة العدوان لتشمل الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق واسعة في الجنوب والبقاع، تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول تأثيرها الفعلي في مسار الأحداث وفق ما خطط نتنياهو ومجلس حربه، لاسيما في ضوء استيعاب حزب الله صدمة اغتيال أمينه العام، وعدد من قادته العسكريين، والرد الإيراني القوي والصاعق على القواعد العسكرية الإسرائيلية في قلب فلسطين المحتلة، ثأراً لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والسيد نصر الله ونائب قائد عمليات الحرس الثوري الجنرال عباس نيلفروشان، الذي استشهد معه.

وأمام هذه المعطيات بدا لافتاً مستوى الحذر الإعلامي الغربي في مقاربة التطورات الجارية، من زاوية قدرة نتنياهو على تحقيق أهداف الحرب.

في هذا السياق، رأى الكاتب البريطاني، ديفيد هيرست، أن الفوضى التي تبثها “إسرائيل في شتى أرجاء الشرق الأوسط ستعود لتلاحقها”، معتبراً أنه لا يوجد أفضل من حربها الجامحة لدرء الانقسامات التي أحدثتها ما سماها الثورات المضادة للربيع العربي. ووفقاً لرئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي” فإنه “لا شيء يمكن أن يقنع جيران إسرائيل العرب بأنها لا قِبل لها بالعيش في سلام معهم أكثر من المسار الذي ينتهجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حالياً”. لافتاً إلى أن “إسرائيل” تقوم بإعادة هندسة الشرق الأوسط بأسره حتى يصبح كارهاً لها، بينما تظل القضية الفلسطينية بلا حل، وهي هندسة معاكسة لكل ما أنجز على مدى ثلاثة عقود، منذ اتفاقيات أوسلو، حينما فقد الصراع الفلسطيني أولويته ومركزيته في العالم العربي”. واعتبر ديفيد هيرست، أن نتنياهو، وأكثر من أي شخص آخر، يقنع العرب “أن إسرائيل التي تتصرف بهذا الشكل لا تنتمي إلى المنطقة.. وهذا ما سوف تكون له عواقب بعيدة الغور على المستقبل”.

وفي ختام مقالته، تساءل رئيس تحرير موقع ميدل إيست آي، “هل كان موت نصر الله، حقيقة، خيراً محضاً بالنسبة للمنطقة؟ وأضاف “حذار مما تتمنى، فقد يتحقق لك ما تتمناه”.

من جهتها، ترى يومية “لوموند” الفرنسية أن الهدف الإسرائيلي الأكبر من تصعيد الهجمات بشكل غير مسبوق، ضد حركة حماس وحزب الله هو “فرض نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط، كان الإسرائيليون والأمريكيون يحلمون به منذ عام 1982”. قبل أن تردف الصحيفة الفرنسية بالقول، إن “الهجوم الإسرائيلي يضرب دولة شبه مفلسة، مشلولة سياسياً ومُنهكة اقتصادياً”، وبالتالي، فإن “إضافة الفوضى إلى الفوضى لا يُمكن أن يؤدي إلى استقرار يكون مقدمة أساسية لبدء إعادة بناء لبنان”. وتساءلت “اللوموند” عما إذا كانت أجواء الانتصار التي يشعر بها رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهجمات جيشه في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، سوف تساعده في إحداث تغيير أعمق في النظام الإقليمي.

وفي مجلة فورين أفيرز، حذّرت الباحثة داليا داسا من تأثير الشعور بالانتصار والنشوة لدى قادة العدو في مسار الأحداث بما يحيد عن تحقيق الأهداف، ورأت أنه بـ “مجرد أن يتلاشى هذا الحماس، وهو ما قد يحدث بسرعة أكبر مما كان متوقعاً، حيث أجبرت الهجمات الإيرانية وحزب الله رداً على اغتيال نصر الله الإسرائيليين في مختلف أنحاء البلاد على اللجوء إلى الملاجئ، فقد يبدأون في سؤال قادتهم عن المعنى الحقيقي للنصر. فبعد عام من الحرب، هناك احتمال حقيقي لعدم وجود يوم بعد أفضل في غزة أو بقية المنطقة”. وأوضحت الباحثة أن الحديث في واشنطن عن الاستفادة من اغتيال الأمين العام لحزب الله و”ضعف إيران” “لإعادة تشكيل الشرق الأوسط يعود إلى المعتقدات المضللة التي دفعت الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 إلى نتائج كارثية”. مشيرة إلى أن “المخاطر التي قد تنجم عن حرب غزة من إشعال صراع إقليمي أوسع نطاقاً، بما في ذلك المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، كانت واضحة منذ البداية”.

وذكرت الباحثة داليا داسا، أنه “قبل الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير، أشارت “إسرائيل” إلى أنها تخطط فحسب لتنفيذ عملية عسكرية محدودة في لبنان وليس احتلال جنوب لبنان مرة أخرى. و”لكن لا توجد ضمانات بأن الحرب سوف تظل محدودة أو قصيرة، استناداً إلى تاريخ الحروب بين البلدين ونظراً للمقاومة المحتملة التي قد تواجهها إسرائيل من قِبَل حزب الله، حتى في واقعه الحالي، وفي ظل المواجهة الإيرانية الإسرائيلية المباشرة كخلفية، فإن جبهة الحرب اللبنانية قد تشتد أكثر”.

الرد الإيراني

إلى ذلك توقفت الصحف الغربية عند الرد الإيراني على الكيان المؤقت، بما انطوى عليه من رسائل ودلالات. وفي هذا السياق، رأت صحيفة “ذا غارديان” أن “الهجوم الحالي جاء أقسى بكثير من الهجوم الذي شنته إيران في نيسان الماضي، والذي اعتُبر وقتذاك ضربة رمزية إلى حد كبير”، مضيفة أنه “في هذه المرة، يبدو أن الصواريخ المستخدمة أسرع بكثير، وأن الأهداف شملت مدناً كثيفة السكان”. وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن الضربة الصاروخية غير المسبوقة والتي تنطوي بتقديرها على قدر من المخاطرة إنما عكست “تزايد حالة الإجماع في أوساط النخبة الإيرانية على أن قرارها بعدم شن عملية انتقامية عسكرية بعد اغتيال هنية في طهران في تموز كان خطأً استراتيجياً”، مؤكدة أن قرار الرد الأخير “صدر عن المرشد الأعلى علي الخامنئي، وبتأييد من مجلس الأمن القومي، ووزارة الدفاع”. واعتبرت “ذا غارديان” أن مبادرة طهران إلى “إطلاق هذا العدد الكبير من الصواريخ البالستية في غضون دقائق يمثل جهداً جاداً لإغراق أو استنزاف الدفاعات الجوية الإسرائيلية”، مشيرة إلى أن الصواريخ الاعتراضية الإسرائيلية المخصصة لاعتراض ذلك النوع من الصواريخ المتطورة، تعدّ باهظة الثمن، في وقت لا تتوافر فيه تقديرات دقيقة في شأن مدى وفرتها”. أما بخصوص التوقيت، فقد لفتت الصحيفة إلى أنه جاء “عند إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في نهاية الأسبوع الماضي، نية حكومته الدفع نحو تغيير توازن القوى في المنطقة لسنوات قادمة”، مشيرة إلى أن تلك التصريحات أفضت إلى “قرع جرس الإنذار في أوساط المسؤولين الإيرانيين، وأوجدت اقتناعاً لديهم بأن إظهار ضبط النفس بعد سلسلة الخطوات التصعيدية من شأنه أن يضعهم في موقف استراتيجي أضعف”.

وفي سياق متصل بالرد الإيراني، كشف خبراء عسكريون أن القوات المسلحة البريطانية غير قادرة على حماية “إسرائيل” من هجمات الصواريخ الباليستية الإيرانية، مؤكدين أن الهجوم الإيراني الأخير فضح هذا العجز. ونقلت صحيفة “التلغراف” البريطانية عن الخبراء قولهم، إن “طائرات تايفون التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني تفتقر إلى الأسلحة اللازمة لصد هجوم مثل الذي شنته إيران يوم الثلاثاء عندما أطلقت نحو 200 صاروخ بعيد المدى في أكبر هجوم لها حتى الآن على “إسرائيل”. وقال السير بن والاس، وزير الدفاع السابق، إن المدمرات البريطانية المضادة للصواريخ من طراز 45 سوف تواجه صعوبات أيضاً في الرد، في حين زعمت مصادر أن مجموعات حاملات الطائرات التابعة للبحرية الملكية البريطانية لم يكن لديها ما يكفي من البحارة للعمل بشكل فعال في منطقة حرب. وقال توم شارب، وهو قائد بحري متقاعد: “كانت مشاركتنا في الرد على إيران مخيبة للآمال، وهي انعكاس لـ 40 عاماً من نقص التمويل”.

خاتمة

يمضي رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو في مغامرة عسكرية جديدة، يعتقد أنها ستؤدي إلى تغيير كبير في واقع المنطقة، لكن التوقعات لا تتحقق دائماً، وانطلاقاً مما تظهره وقائع الميدان وتماسك جبهة المقاومة، فإن الأمور من شأنها أن تذهب بالفعل إلى تغيير في واقع المنطقة، ولكن وفق ما يحدده أبناء الأرض وأصحابها الحقيقيون، أما المحتلون المتغطرسون، فسيجرفهم الطوفان الذي بدأ في السابع من أكتوبر ويستمر متدفقاً بالتضحيات وصولاً إلى محطة الانتصارات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *