إقليميات

“نتنياهو” مجرم حرب ومذكرة اعتقال دولية بحقّه مفاوضات إيجابية دون وقفٍ لإطلاق النار..

بقلم زينب عدنان زراقط

أعاد “حزب الله” تثبيت معادلة بيروت – تل أبيب، وكانت الصواريخ تصل إلى ما بعدها بينما كان هوكشتين في اجتماعه مع نتنياهو، إلا أن ما لم يكن في الحسبان وما لم يذهب إليه الوهم، هو إصدار مذكرة اعتقال رسمية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير حربه صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، والتي حظيت بدعم وتأييد عدد وفير من الدول الأُوروبية والغربية وغيرها العربية ومباركةٍ فلسطينية، ما عدا أمريكا التي أبدت قلقها إزاء القضية!.

فما هي صورة المشهد العام على الصعيد الميداني عند الحافة الشمالية من فلسطين المحتلة عند تخوم الجنوب اللبناني وإلى أين وصلت الوساطة الأمريكية بين بيروت وتل أبيب؟ وهل من الممكن التعويل على مذكرة قضاء حكم الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو واعتبارها ورقة ضغط من الممكن أن تفضي إلى الدفع بإنهاء الحرب التي تخوضها “إسرائيل”؟!.

المشهد الميداني يحكي صورة الإسرائيلي العاجز منذ أكثر من شهرين عن التقدم برّاً من الجنوب اللبناني، حيث يطالب الجيش الاسرائيلي اللبنانيين بالنزوح شمالاً قبل قصف مناطق القاطع الأوسط في الجنوب، بينما المقاومة اللبنانية مستمرةٌ باستهداف منطقة الشمال بالقصف والمسيرات. في الوقت الذي توعّد فيه الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الاحتلال بالرد على قصف بيروت بقصف وسط تل أبيب.

الحرب البرية مستمرة ولا يزال العدو يحاول عبثاً التقدم على كافة المحاور ويناور بأربع فرق عسكرية، لكن المقاومة تتصدى للهجوم وتكبده خسائر يومية بالعشرات، ما بين كمائن ومواجهات من مسافة صفر، ببسالة وإقدام.

إلى المسار السياسي، فبعد زيارة هوكشتين إلى لبنان، أثبتت التجربة في كل مرّة أن نتنياهو وحاشيته بارعون في إفشال أي وقف لإطلاق النار في اللحظات الأخيرة. هذه ليست دعوة للتشاؤم، لكن يجب الحذر من التفاؤل المفرط. وفي تلخيص لجولة المبعوث الأمريكي حسب الصحف المختلفة، أن المفاوضات إيجابية ويوجد تقدّم ولكن لم تصل إلى حد إعلان وقف إطلاق نار، مع الاستمرار في التواصل مع الأطراف المعنية وسيتم عرض تحديثات المفاوضات على مجلس الأمن المصغر لدى العدو بدون إجراء تصويت – أي لن يخرج قرار عن المجلس -.

“نتنياهو” مجرم حرب بالقانون الدولي

وبينما المشهد يعكس تشاؤماً مفرطاً، إلا أنه قد صدرت في تلك الأثناء بينما كان نتنياهو يجلس على الطاولة برفقة هوكشتين – وهو يضع عراقيل هنا وهناك تحول دون وقف الحرب -، مذكرة اعتقال بحقه على أنه مجرم حرب!.

إنه قرار قضائي من قبل المحكمة الجنائية الدولية الدائمة – المنشأة بمقتضى نظام روما عام 1998 والتي تمثل غرفة ما قبل المحاكمة وتنظر بطلبات مذكرات إلقاء القبض، مؤلفة من ثلاثة قضاة -، وتكمن أهمية هذا القرار اليوم على صعيد القانون الدولي والذي كان مُنتظراً منذ نحو خمسة شهور عندما تقدم المدعي العام أمام المحكمة الجنائية الدولية باتهامات ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير حربه الذي أقاله “غالانت” حيث تمت اليوم فعلاً الموافقة على طلب المدعي العام وأُصدرت مذكرات إلقاء القبض على كُلٍ منهما. هذه الأوامر لديها مفعول وتأثير على تحركات المعنيين بها في السفر والتنقل حول العالم ومن هنا تكمن أهمية صدور هذه القرارات اليوم. فعلى الرغم من مدى الحصانة التي تتمتع بها إسرائيل بالموضوع القانون الدولي والمحاسبة والرقابة انطلاقاً من الدعم الأمريكي المطلق لها يمكن أن يفتح هذا القانون باباً أوسع من التحقيق – الذي قد بدأه المدعي العام مسبقاً -، على الصعيد الدولي بالحرب على غزة مثلاً، بعدما ثبتت عناصر الإدانة بجرائم حرب على أساس التجويع والإرادة المقصودة بالحصار تجاه جماعة من السكان المدنيين. وبالتالي فإن هذا الحدث اليوم له تأثير ليس آنياً فقط، وإنما على المدى البعيد في حال قامت المحاكمات، وبالتالي هذا الإجراء القضائي الأول الملموس في اتجاه سيرورة محاكمة “نتنياهو” كمجرم حرب.

أدان كبار قادة إسرائيل بأشد العبارات مذكرتَيْ المحكمة الجنائية الدولية لاعتقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، ووصفوا المذكرات بأنها مكافأة للمنظمات المسلحة ونموذج لمعادة السامية ومنهم من طالب بالرد عليها عبر فرض السيادة على الضفة الغربية. كما استنكر مستشار ترامب لشؤون الأمن القومي معتبراً أن الجنائية الدولية والأمم المتحدة ستواجهان رداً قوياً بعد تنصيب الرئيس دونالد ترامب، إلاَّ أن نجاح الضغوطات الأمريكية وخطواتها في تقويض هذا المسار الدولي من تحقيق العدالة أقل تأثيراً وشأناً من ما كانت عليه الأمور سابقاً مثل المدعية العامة السابقة “فاتو بنسودة” التي كانت تحقق في جرائم منسوبة إلى جنود أمريكيين في أفغانستان وحين ذاك قام الكونجرس الأمريكي بتهديدها بالقانون وأيضاً أدرجت على قائمة العقوبات الأمريكية واتهمتها إسرائيل باللاسامية وقيل آنذاك أن ثمة من ضغط باتجاه تسريب معلومات شخصية عنها وإلى ما هنالك ما أدى إلى الإطالة وعرقلة التحقيق. لكن اليوم صار هناك قرار قضائي بالموافقة على أوامر الاعتقال، أي نحن أمام مرحلة متقدمة نسبياً في هذا المضمار من طلبات الاعتقال أو القبض. وبالتالي فإن هذا يعني أنه أصبح من الصعب أن نشهد تراجعاً. فالخطوة المقبلة هي تعميم هذه الأوامر على دول العالم التي أبرمت نظام روما، الذي أنشأ المحكمة، وهو معهد دولي بين مئة وأربعة وعشرين دولة، وبحث أنه ثمة عدد لا بأس به من الدول ستلتزم بإبرام هذه الاتفاقية.

في الختام، ما يزال ولا يزل التعويل دوماً على الميدان، فهو الورقة الحاسمة، إلاَّ أنه وعلى ما يبدو أن “نتنياهو” لا يريد إعطاء بايدن – مجد – إنهاء حرب “غزة” و”لبنان” ويحتفظ بهدية السنة الجديدة لمحبوبه “ترامب”، ولكن هل سيُجدي انتظاره ومزاولة المراوغة والكيد والمساومة بالرهان على فوضى ترامب لكسر القوانين وفرض رغباته؟، أم تكون الفترة الانتقالية مخاطرة تؤدي إلى عدم تقديم تنازلات ولا الحصول على ضمانات..؟!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *