إعرف عدوك

مذكرة خاصة الأمن القومي لدولة إسرائيل المفهوم الأساسي والسياسة للسنوات 2025-2026

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

وقد تمت صياغة هذه الوثيقة في الأشهر الأخيرة من قبل طاقم معهد أبحاث الأمن القومي، ويتم تقديمها كمقترح لبوصلة قيمية ومهنية للمؤسسة الدفاعية ومنصة للتأمل والحوار العام.

وتضمنت هذه الوثيقة مروحة من المواضيع الاستراتيجية على مختلف الساحات التي تتعلق بمفهوم الامن القومي الإسرائيلي. سننشر في هذا المقال بعضا من العناوين والتوصيات التي تناولتها الوثيقة.

التوصيات السياسية الرئيسية حسب الساحات

الساحة العالمية

يوصى بأن تعمل إسرائيل على تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة وتحويلها إلى تحالف دفاعي، وتعزيز الدعم له من كلا الحزبين وبين اليهود الأمريكيين. ويجب التقليل من خطر عزلة إسرائيل على الساحة الدولية من خلال تسليط الضوء على القيم المشتركة بين إسرائيل ومعسكر الدول الغربية الليبرالية الديمقراطية. وسوف تساعد العملية السياسية على الساحة الفلسطينية في هذا الجهد.

الساحة الإقليمية

علينا أن نستعد لثلاثة سيناريوهات مع إيران: السعي الأمريكي إلى اتفاق نووي جديد، وفي هذا السياق يُنصح إسرائيل بتجنب المعارضة ومحاولة التأثير على الاتفاق بحيث يضمن عدم حصول إيران على أسلحة نووية أبداً؛ تحقيق اختراق إيراني نحو إنتاج القنبلة النووية، الأمر الذي يتطلب هجوماً فورياً لإحباط المشروع النووي، ويفضل أن يتم ذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة؛ واقع مستمر دون اتفاق ودون الاقتحام نحو القنبلة. وفي هذا السيناريو، فإن الأمر يستدعي تكثيف سياسة الضغط الاقتصادي من أجل تنفيذ الاتفاق، إلى جانب استمرار الأنشطة السرية التي تهدف إلى إضعاف النظام في طهران.

 وفي سوريا أيضاً، يتعين علينا أن نستعد لثلاثة سيناريوهات: دولة إسلامية متطرفة بروح جماعة الإخوان المسلمين والسلفية الجهادية؛ استقرار البلاد، بما في ذلك إقامة نظام معتدل يسعى إلى تجديد علاقاته الدولية؛ أو اتحاد طائفي منقسم يعمل على إدامة عدم الاستقرار. ولذلك، فمن المستحسن في كل الأحوال اعتماد استراتيجية مزدوجة، تتضمن إقامة اتصال سري مع الحكومة الجديدة من أجل التعرف على اتجاهات التنمية وتقييمها، وفي الوقت نفسه تعزيز الدفاعات في مرتفعات الجولان، ومنع التهديد المحتمل من جانب الجماعات الإرهابية على طول الحدود، والحفاظ على علاقات سرية مع الجماعات المعتدلة.

 وفي ضوء التوترات المتزايدة في الآونة الأخيرة بين تركيا وإسرائيل والدور الذي تلعبه أنقرة في النظام السياسي الإسلامي الإقليمي، ينبغي التعامل مع تركيا باعتبارها تهديداً محتملاً يتطلب المراقبة والاستعداد الأساسي، ولكن ليس في إطار التهديد الإسنادي الذي يوجه بناء القوة العسكرية.  ويجب علينا أيضًا تكثيف العلاقات الدبلوماسية والعمل على رفع المقاطعة التجارية التركية لإسرائيل.

 وفيما يتعلق بتهديد حزب الله في لبنان، فإن أي تعزيز للمنظمة يجب إحباطه باستخدام القوة لضمان نزع السلاح من جنوب لبنان وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني 2024 وقرار مجلس الأمن رقم 1701. وفي ظل سيناريو استقرار لبنان (قد يجعل ضعف حزب الله النسبي هذا الأمر ممكناً)، ينبغي بذل الجهود لتسوية النزاعات الحدودية بين إسرائيل ولبنان، وحتى التوصل إلى اتفاق سلام بين البلدين.

 الساحة الفلسطينية

إن عودة جميع المختطفين يجب أن تتم حتى ولو على حساب اتفاق وقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة. ويتعين على إسرائيل أن تضمن، ليس بالضرورة من خلال اتفاق وقف إطلاق النار، الحفاظ على المسؤولية الأمنية في قطاع غزة (مثل نموذج المنطقة ب في الضفة الغربية) والشرعية اللازمة لإحباط أي محاولة لإعادة بناء وتعزيز حماس. ولابد من نقل السيطرة المدنية على القطاع إلى لجنة فلسطينية غير تابعة لأي طرف، دون إشراك حماس أو فتح، والتي سوف تتلقى الدعم الإقليمي والدولي وتركز على إعادة بناء القطاع، بالتوازي مع نزع سلاحه.

ويجب تقديم مخطط سياسي للفصل بين إسرائيل والكيان الفلسطيني المستقل. وسيتم إعادة صياغة النموذج المطلوب لحل الانفصال بسبب الإخفاقات السابقة في تعزيز النظام والوضع الجديد على الساحة، وسيتضمن الطلب على الإصلاح الشامل في السلطة الفلسطينية. وبالتوازي مع بدء عملية التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، سيتم أيضًا اتخاذ خطوات لبناء الثقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية الإصلاحية، والتي ستشمل التنفيذ العملي للفصل: الإقليمي والحكومي والاقتصادي.

 ومع ذلك، ومن دون شروط أو تحفظات، يجب مواصلة المعركة ضد العناصر الإرهابية الفلسطينية، التي من المتوقع منها، من بين أمور أخرى، أن تحاول إحباط أي اتفاق محتمل. ويجب أن تتم هذه الحملة على كافة الساحات، سواء بشكل مستقل أو بالتنسيق مع دول المنطقة ومع قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية الإصلاحية، التي يشكل وجودها مصلحة أمنية لإسرائيل. لا ينبغي لإسرائيل أن تضم أراضٍ خارج إطار تسوية سياسية إقليمية شاملة، لأن الضم الذي لا يكون جزءاً من اتفاق لن يحسن أمن إسرائيل (مقارنة بالوضع الحالي)، بل سيعمق حتى من خطر العزلة الدولية وانزلاق إسرائيل إلى واقع الدولة ثنائية القومية ذات الأغلبية العربية.

 الساحة الداخلية

إن إعادة كافة الرهائن سوف يساعد المجتمع الإسرائيلي على التعافي مع مرور الوقت من الأزمة الخطيرة التي وجد نفسه فيها، في حين أن تركهم في أسر حماس لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة.

 ينبغي الحد من عدم المساواة في إسرائيل من خلال التشريع، مع التركيز على قضايا تحمل العبء الأمني والحالة المدنية. وفي الوقت نفسه، يجب تجنب تغيير التوازن بين السلطات الحاكمة في إسرائيل دون توافق واسع النطاق وبشكل يؤدي إلى تفاقم الخلاف الداخلي.

 إن ميزانية الدفاع يجب أن تنمو بشكل متناسب وفقط كجزء من مفهوم أمني متفق عليه وسياسة أمن قومي محدثة (وليس في محاولة مؤلمة لتوفير الرد على الحرب السابقة) ويسمح الواقع الأمني المحسن بتحمل المخاطر في المجال الأمني بطريقة تسمح بزيادة تخصيص الموارد لمجالات التعليم والبنية الأساسية والصحة والاقتصاد.  ويجب إعطاء الأولوية القصوى لبذل جهود واسعة النطاق في إعادة تأهيل مناطق البلاد التي تضررت وتم إخلاؤها أثناء الحرب، وفقاً لاحتياجاتها وخصائصها الفريدة. إن ازدهار منطقة النقب الغربي وشمال البلاد أمر ضروري لتعزيز مناعة المجتمع الإسرائيلي.

مقدمة

إن المبادئ والتوصيات السياسية المستمدة منها تعكس موقفاً أخلاقياً ومهنياً: فهي تتضمن تقييماً لما هو واقعي وممكن في مواجهة التحديات الأمنية الرئيسية التي تواجه إسرائيل، وموقفاً قائماً على القيم يتعلق بجوهر القومية الإسرائيلية التي يجب حمايتها. الافتراضات الأساسية التي تقوم عليها الوثيقة:

 – إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية

 – تطمح إسرائيل إلى الانتماء إلى معسكر الدول الديمقراطية الليبرالية

– إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي

 – يضم المجتمع الإسرائيلي مواطنين من مختلف المجموعات العرقية والأديان والجنسيات، وأغلبية مواطنيه هم من اليهود.

 – الجيش الإسرائيلي هو جيش الشعب

  – تتميز البيئة الإقليمية لإسرائيل بعدم الاستقرار والصراعات العنيفة.

 – يعتمد الاقتصاد الإسرائيلي على العلاقات والتجارة الدولية ومرتبط بها

 تمت كتابة هذا الملف في وقت كانت فيه الحرب مستمرة، ما أثار المطالبات بتغييرات وتعديلات في مفهوم الأمن القومي. إن الحرب التي بدأت في 7 ت1 2023، قوضت أسس الأمن الوطني. لقد فشلت المؤسسة الأمنية في تحقيق مهمتها الأساسية وهي حماية مواطني البلاد. وهذه الحقيقة ذات الوزن الثقيل تقف في خلفية الملف. ورغم أن دروس الحرب والإخفاقات التي كشفت عنها لم تتضح بعد بشكل كامل، فإنها تشكل السياق الأكثر أهمية لتحليل وصياغة مفهوم أمني محدث.

 هناك توتر متأصل بين تقديم رؤى أساسية حول سياسة الأمن والتحدي المتمثل في التعامل مع الواقع المتغير. وفي وقت كتابة هذه السطور، وبينما لا تزال الحرب مستمرة، فمن الواضح أنها تسبب تغييراً عميقاً في المجتمع الإسرائيلي، بما في ذلك التأثير على العلاقة بينه وبين الجيش، وبنية وطبيعة جيش الشعب، والتصورات السياسية بين مواطني دولة إسرائيل فيما يتصل بالاتفاقيات المستقبلية مع الدول والكيانات الأخرى في المنطقة. وتؤدي الحرب أيضًا إلى تغييرات في نظرة أعداء إسرائيل إلى الصراع معها.

 إن تحديث مفهوم الأمن لدولة إسرائيل وترجمته إلى لغة عملية يتلخص في ثلاث وثائق أساسية تشمل مختلف مكونات منظومة الأمن القومي..

 الوثيقة الأولى تقدم “مفهوم الأمن القومي”، وتركز على المكونات الأساسية التي شكلت دائما جزءا من السياسة الأمنية. أما الوثيقة الثانوية فهي “سياسة الأمن القومي”، والتي تتضمن المبادئ التوجيهية لتنفيذ مفهوم الأمن القومي بما يتوافق مع الظروف المتغيرة والسياسات الأيديولوجية والسياسية للحكومة المنتخبة. ويجب تحديث هذه الوثيقة بشكل دوري وفقاً للتطورات والتغيرات في الظروف السياسية أو الوضع الأمني. ويجب أن تكون هاتان الوثيقتان – “مفهوم الأمن” و”السياسة الأمنية” – مصحوبتين بـ “وثائق التنفيذ”، والتي هي في الأساس مبادئ توجيهية مستمرة للمؤسسات التي تنفذ السياسة الحكومية، بناءً على عمل اركاني شامل.

مفهوم الأمن القومي

نبع مفهوم الأمن القومي من الهوية الوطنية للدولة، وقيمها الأساسية وتقاليدها الاستراتيجية، ومبادئها التأسيسية. يعكس المفهوم مجموعة من المبادئ التوجيهية والمعايير والقيم التي على أساسها أقيمت دولة إسرائيل، وهدفها تعزيز الصالح العام والدولة. إن هذه البنية التحتية القيمية توجه سياسة الأمن القومي وتعمل كخطوط عريضة للسياسة للتخطيط التفصيلي والعملي لأعمال السلطة التنفيذية. ويتم ذلك من خلال تحديد الأهداف والتخطيط الاستراتيجي وكذلك وضع إرشادات للتنفيذ والتحصيل الفعلي.

وبما أن المجتمع الإسرائيلي منخرط في صراع أيديولوجي ويدور نقاش حول هويته وهدفه، فلا يوجد إجماع واسع النطاق كأساس قيمي لمفهوم الأمن. وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل دولة إسرائيل ليس لديها مفهوم رسمي مكتوب، وجميع الوثائق المكتوبة في هذا الموضوع حتى الآن لم تكتسب صفة قانونية ملزمة. ومع ذلك، ورغم أن إعلان الاستقلال لم يكن يهدف إلى توجيه مفهوم الأمن، فإن عناصر المفهوم يمكن استخلاصها منه، وكذلك من استراتيجية الأمن القومي التي تطورت في إسرائيل منذ بداية وجودها.

يتألف الأمن الوطني من أربعة ركائز مترابطة ومتفق عليها: الدفاع الوطني – القوة العسكرية – جيش قوي قادر على الدفاع عن دولة إسرائيل على أساس مستمر ودائم، حتى بدون إنذار مسبق، وفي نفس الوقت في جميع المجالات. ومن المفترض أن يتمتع الجيش بالقدرة على اتخاذ القرار في عدة ساحات قتالية وسط العمل في جميع الأبعاد – البرية والجوية والبحرية والسيبرانية – في وقت واحد وبالاشتراك مع قدرات المكونات الأخرى للمؤسسة الأمنية: الموساد، والشاباك، وشرطة إسرائيل.

المناعة الاقتصادية – القوة الاقتصادية – اقتصاد قوي قادر على دعم الاحتياجات الأمنية بطريقة لا تعيق النمو الاقتصادي وتوجه الموارد نحو التطوير التكنولوجي، مما يضمن الحفاظ على المزايا العسكرية والبشرية وتنميتها بمرور الوقت.

المناعة الاجتماعية – القوة الداخلية – مجتمع متماسك يرتكز على الضمان المتبادل، وقادر وجاهز للتعبئة في أوقات الطوارئ للدفاع عن الدولة، والتعامل مع التهديدات والتعافي من الأزمات؛ – مجتمع نموذجي متساوي يتيح وجود جيش شعبي يساهم فيه أفضل الشباب والكبار من كافة فئات السكان في قوته وجودته.

الوضع الدولي والعلاقات الخارجية – القوة الدبلوماسية – نظام للعلاقات الخارجية يخلق شبكة أمان سياسية تضمن السمعة والمكانة الدولية وتعمل كحاجز أمام محاولات فرض العقوبات على البلاد؛ ويحافظ على دعم قوي، وخاصة علاقة خاصة ووثيقة مع الولايات المتحدة، كمكون مهم للردع، كشهادة تأمين سياسية في المؤسسات الدولية، وللتزويد المستمر باحتياجات الاقتصاد بشكل عام والجيش بشكل خاص، في الحالات الروتينية والطارئة.

إن هذه المبادئ والأهداف الوطنية المستمدة منها تندمج في مفهوم كامل يهدف إلى تحقيق رؤية متفق عليها: إسرائيل كدولة آمنة ومزدهرة، ذات طابع يهودي وديمقراطي، مع أغلبية يهودية صلبة وحدود معترف بها وقابلة للدفاع عنها. وبالإضافة إلى ذلك، تحتاج إسرائيل إلى الجمع بين القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية وتعزيز بيئة داخلية متماسكة، وبيئة إقليمية توافقية، وبيئة دولية تعاونية وداعمة.

الأهداف الوطنية

الهوية اليهودية: وجود الدولة مرتبط بهويتها اليهودية. إن شرعيتها ترتكز على الحق الطبيعي للشعب اليهودي في الاستقلال في أرض إسرائيل، التي هي وطنه القومي التاريخي. ويضاف إلى ذلك البعد الأخلاقي لتقاليد الشعب اليهودي التي تم الحفاظ عليها عبر الأجيال، وقيم اليهودية التي ساهمت بشكل كبير في تشكيل الثقافة الغربية.

النظام الديمقراطي: إن وجود دولة إسرائيل يرتكز على كونها دولة حرة، تطبق عملياً مبادئ المساواة والعدل والأخلاق لجميع مواطنيها. تنص وثيقة الاستقلال، حتى لو لم تذكر صراحة مصطلح الديمقراطية، على أن دولة إسرائيل سوف تقوم على أسس الحرية والعدالة، وستحافظ على المساواة الاجتماعية والسياسية الكاملة في الحقوق لجميع مواطنيها

الشعب والأرض والدولة: إن وجود الدولة يعتمد على السيادة والاستقلال في أرض إسرائيل لذلك الجزء من الشعب اليهودي الذي اختارها (حوالي نصف جميع اليهود في العالم). إن حدود إسرائيل يجب أن تضمن أغلبية يهودية قوية وقدرة دفاعية لا يمكن المساس بها. وبدون أغلبية يهودية قوية في دولة إسرائيل، لن تكون هناك دولة يهودية، ومن المرجح أنها لن تكون ديمقراطية. ومن ثم فإن الواقع الديمغرافي في البلاد له تأثير حاسم في تشكيل حدود إسرائيل.

 الاستقلال دون انعزال: إن وجود الدولة يقوم على أساس التوازن بين الحق الطبيعي للشعب في تقرير مصيره في بلاده وواجب وضرورة الاندماج في المجتمع الدولي ومؤسساته. إن حق إسرائيل في الوجود ينبع من وجودها ذاته ومن مبدأ تقرير المصير للشعوب. إن الاعتراف العالمي باستقلالها وكونها جزءا شرعيا من النظام الدولي أمر ضروري لازدهارها.

  السعي إلى السلام: إن السعي إلى السلام هو إحدى القيم المؤسسة للدولة، وهو أمر مهم لضمان أمنها على المدى الطويل، وهو متجذر بعمق في التقاليد اليهودية. إلى جانب الالتزام والحق في الدفاع عن حدود الدولة، ولو عن طريق الحرب، تسعى دولة إسرائيل إلى التوصل إلى اتفاقيات سلام وتحالفات مع دول المنطقة.

مرة أخرى، لا بد من استحضار إعلان الاستقلال: إن مد يد السلام وحسن الجوار إلى جميع البلدان المجاورة وشعوبها أمر مهم حتى لو أدى ذلك فقط إلى اتفاق سلام، وليس إلى مصالحة جوهرية. وينبغي أن يوجه هذا الطموح السياسة مع الاعتراف بالخلافات العميقة السائدة في المجتمع الإسرائيلي بشأن أثمان السلام والتنازلات التي ستكون ضرورية للتقدم به.

ركائز الأمن الوطني

الدفاع الوطني – القوة العسكرية الركائز الأساسية الاستراتيجية

إن الركائز الأساسية الثلاثة المنسوبة إلى ديفيد بن غوريون (الردع، والإنذار، والحسم) ظلت قائمة، على الرغم من التغيرات العديدة التي طرأت على البيئة الأمنية في إسرائيل على مر السنين.  إن تطبيق هذه المبادئ يترك مجالاً واسعاً للتفسير على أساس السياق المتغير، ولكنها تشكل بوصلة مفاهيمية مستمرة لإدارة الأمن القومي الإسرائيلي. وإلى الثلاثة أضيف مبدأ الدفاع (الاتقاء) مع مرور السنين، في ضوء الخبرة المتراكمة. في هذه الوثيقة، تم إرفاق طبقة الوقاية بقائمة طبقات الأساس.  وقد تم التعبير عن هذا المبدأ في المعركة بين الحروب حتى قبل حرب “السيوف الحديدية”، وهو يركز على تحييد التهديدات الناشئة بشكل استباقي.

 الحسم: إن أساس مفهوم الأمن هو القدرة على الحسم، أي نفي القدرة القتالية لدى العدو بشكل يمنعه من امتلاك الإرادة والقدرة على مواصلة القتال في إطار الحرب أو الصراع العسكري. ويمكن تحقيق هذا الإنجاز بطرق وأساليب مختلفة. ويعتبر الحسم صالحاً بالمعنى الأبسط في القتال ضد الجيوش النظامية للدول، ولكن يمكن تطبيقه أيضاً ضد المنظمات غير الحكومية التي تشارك في الإرهاب وحرب العصابات والتخريب.

 ومع ذلك، للتفريق عن هزيمة الجيوش النظامية، فإن هزيمة المنظمات غير الحكومية أكثر مراوغة وصعوبة في التمييز. وعندما يتعلق الأمر بتنظيم يعمل كخلايا إرهابية معزولة، فإن حسمه يُقاس أساساً على المستوى التكتيكي الدقيق. وفي غياب القدرة على ايصال العدو إلى الانهيار العسكري و/أو الحكومي والقرار بأن استمرار الصراع مع إسرائيل ليس مجدياً، لا يمكن تجسيد المبدأ الثاني – الردع.

الردع: الردع هو تجنب العدو للتحرك بسبب تقديره أن ميزان القوى لا يمنحه فرصة كبيرة لتحقيق هدف الصراع العسكري، وبسبب خوفه من الضرر الذي سيلحق به نتيجة للانتقام من تحركه (تدمير جيوشه، خسارة الأراضي، تهديد النظام، الضرر الاقتصادي والدمار).

 ومن وجهة النظر الإسرائيلية، ينبغي للردع أن يعتمد أيضاً على الذاكرة الملموسة من اللقاء الحاسم الأخير، وليس فقط على الوعي العام بالتفوق الإسرائيلي. لا يقاس الردع إلا عند فشله، ومن الصعب تقييم مدى نجاحه طالما أن العدو لم يتحرك ولم يأخذ زمام المبادرة. مبدأ “الجدار الحديدي” هو التطبيق العملي لمبدأ الحسم. إن الافتراض الأساسي هنا هو أن وجود إسرائيل لن يكون مقبولاً في المنطقة إلا إذا كانت قوية إلى الحد الذي يجعل أعداءها يتخلون عن محاولاتهم لتحدي وجودها ذاته.

 التحذير: التحذير هو الرد على الأزمة من خلال الردع. وغرضه هو التحذير من تحول أمني وهجوم من قبل العدو. ويركز على تحديد قدرات العدو التي تغير التوازنات ضد إسرائيل، وتحديد التغييرات في نواياه فيما يتعلق بدولة إسرائيل. ويسمح التحذير بنشر القوات العسكرية بطريقة تمنع وقوع هجوم مفاجئ وتسمح بإحباطه وتعطيله.

 الدفاع: إن القدرة الدفاعية والمناعة الاجتماعية تؤكدان قدرة دولة إسرائيل على امتصاص الضربة دون أن تفقد قدرتها على العمل والتعافي، حتى في حالة المفاجأة. وبما أن إسرائيل محاطة بجهات معادية من الدول وغير الدول، فإن الافتراض السائد هو أن العدو قد يتصرف بطريقة غير متوقعة. ولذلك، فإن الجبهة الداخلية الإسرائيلية (العسكرية والمدنية) يجب أن تكون قادرة على امتصاص الضربة، والتعافي منها بسرعة، والسعي لتحقيق نصر حاسم.

 الوقاية: يتوجب على المؤسسة الأمنية تعزيز مصالح دولة إسرائيل بين الحروب في إطار استراتيجية الوقاية. هذا المجال، الذي حصل على اللقب العملياتي (المعركة بين الحروب) هو التنفيذ العملي لهذه الاستراتيجية. ويتم تنفيذ الوقاية في ضوء تحديد الأهداف والرؤية الاستراتيجية، وفي المقام الأول من خلال نظام الاستخبارات والدبلوماسية العسكرية، مع دعم القدرات العملياتية الخاصة. وهذا مبدأ عمل يتجاوز فكرة الإنذار المسبق بالحرب.

 إن النجاح النهائي لمبدأ الوقاية هو تضييق دائرة الصراع. إن إخراج مصر والأردن من هذه الدورة وإقامة علاقات مع دول الخليج يغير جذريا الاستقرار العسكري والسياسي لدولة إسرائيل ويشكل حجر الزاوية في مفهوم الأمن.

 إن غرض الوقاية هو تشكيل الواقع تحت عتبة الحرب. إنها تعتمد على أنشطة جميع الأجهزة الأمنية وتجمع بين الجهود الاستخباراتية والعملياتية والسياسية من خلال اتصالات واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم. وتساهم هذه التعاونات في تعزيز الحضور الدولي لإسرائيل. إن أحد شروط النجاح هو التعاون بين كافة أجهزة الاستخبارات في إطار منظم – إدارة موحدة، وتخصيص الموارد، وتحديد واضح للمهام. إن التنفيذ الفعال لمبدأ الوقاية يمكّن من تحديد الفرص وإحباط التهديدات قبل ظهورها، وذلك أيضًا من خلال عملية سياسية متكاملة ودائمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *