دوليات

“الحزام الأمني البحري 2025”: رسائل سياسية لمناورات عسكرية

بقلم ابتسام الشامي

ولئن فرضت التطورات الميدانية للحرب في أوكرانيا، وكذلك مصالح واشنطن وضع العلاقات مع موسكو على مسار التسوية، فإنها باتجاه الصين وطهران تبدو أكثر توتراً وقابلية للانفجار، وهذا ما يعطي للمناورات زخماً أكبر على مستوى الرسائل.

الخصوصية السياسية

للمرة السابعة على التوالي، تتشارك بحرية كل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية والصين وروسيا في إجراء تدريبات عسكرية مشتركة تحمل هذا العام اسم مناورات “حزام الأمن – 2025″، في تأكيد على العلاقات المشتركة بين الدول الثلاث، التي شهدت خلال الأعوام الماضية تطوراً وارتقاء، بلغ حد الشراكة الاستراتيجية، مدفوعة بالسياسية الأمريكية العدائية اتجاه الدول الثلاث. وهي سياسة تأخذ المزيد من الزخم في ظل الولاية الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

مناورات حزام الأمن البحري التي بدأت عام 2018 تنطوي هذا العام على الكثير من الرسائل الاستراتيجية باتجاه البيت الأبيض، مع مسارعة ترامب إلى رفع درجة حرارة الصراع مع كل من الصين وإيران. وهو إذ باشر حرباً تجارية ضد الأولى، فإنه يتوعد الثانية بعمل عسكري لضرب قدراتها المختلفة، لاسيما برنامجها النووي، اعتقاداً من الإدارة الجديدة بأن إيران وبفعل التطورات الناجمة عن معركتي طوفان الأقصى وأولي البأس، والتحول الكبير في الوضع السياسي في سوريا، باتت ضعيفة أو بالحد الأدنى أقل قدرة على الدفاع او المواجهة، ما يوفر فرصة أكبر لأن تأتي صاغرة إلى مفاوضات إنهاء برنامجها النووي والصاروخي. وهذا جوهر ما انطوت عليه رسالة ترامب إلى قائد الثورة الإسلامية الإيرانية الإمام السيد علي الخامنئي، والتي وضع فيها طهران أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما “سلام” وفق الشروط الأمريكية، وإما حرب مدمرة.

أهداف المناورة

رسالة الرئيس المتفاخر باغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإسلامي قاسم سليماني قبل خمس سنوات، وصاحب نظرية الضغوط القصوى ضد الجمهورية الإسلامية، وصلت إلى طهران عبر السفارة السويسرية، في ذروة المناورات الثلاثية المشتركة في خليج بحر عمان. وبحسب وزارة الدفاع الصينية، فإن التدريب العسكري السنوي هذا العام “يشتمل على تمارين لضرب الأهداف البحرية والتحكّم بالخسائر وعمليات البحث والإنقاذ المشتركة” ويهدف إلى “تعزيز الثقة العسكرية المتبادلة، وتوسيع التعاون العملي بين القوات البحرية للدول المشاركة”. كما أن المناورة تهدف أيضاً “إلى تعزيز أمن التجارة البحرية الدولية، والتصدّي لقراصنة البحر والإرهاب البحري، والإجراءات الإنسانية، وتبادل المعطيات في مجال الإسعاف والإنقاذ البحري، كما تبادل الخبرات العملانية والتكتيكية”. وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت الأحد الماضي، بدء المناورات البحرية الدولية “حزام الأمن البحري – 2025” في ميناء تشابهار الإيراني، بمشاركة سفن حربية من روسيا والصين وإيران. وفي حين تشارك الأخير في المناورة، بـ 10 قطع بحرية تابعة للقوات البحرية للجيش والحرس الثوري، تشارك روسيا بمدمرتين وسفينة إسناد واحدة، والصين بمدمّرة واحدة وسفينة إسناد واحدة. كما يشارك مراقبون من كل من أذربيجان وجنوب أفريقيا وسلطنة عمان وكازاخستان وباكستان وقطر والعراق والإمارات وسريلانكا.

رسائل المناورة

وتكتسب المناورة أهميتها هذا العام، من حساسية الظروف الاقليمية والدولية المحيطة بالدول الثلاث مع تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة، والأخيرة والصين من جهة أخرى، بفعل الحرب التجارية التي أعاد ترامب تزخيمها مع بدء ولايته الثانية، في وقت تنتظر فيه موسكو ايفاء واشنطن بتعهداتها بإيقاف الحرب في اوكرانيا واعادة العلاقات الدبلوماسية إلى مسارها السابق بما في ذلك رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الادارة الأمريكية السابقة خلال الاعوام الماضية في إطار الصراع الاطلسي الروسي الساخن في أوكرانيا.

وإذا كان ترامب يرفع سقف التهديد بعمل عسكري ضد إيران ما لم تقبل بالتفاوض على برنامجها النووي والصاروخي، فإن المناورات تطلق رسالة قوة حول قدرات إيران في التعامل مع التحديات الماثلة أمامها من جهة، وتلفت من جهة أخرى أصحاب القرار في البيت الأبيض إلى أنها ليست مستفردة وغير معزولة، علماً أن إيران تشترك مع كل من روسيا والصين باتفاقات استراتيجية تتضمن بنوداً دفاعية. وفي هذا السياق، يضع القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني حسين كنعاني المناورة في تشابهار، في سياق الرد على تهديدات ترامب بشن هجوم على إيران. لافتاً في حديث إلى موقع “الجزيرة نت” أن “على ترامب أن يعلم أن إيران ليست وحيدة والدول الحليفة مثل روسيا والصين حاضرة إلى جانبها، وأن شن هجوم عسكري على إيران يعني الهجوم على الصين وروسيا”، مذكراً بالاتفاقيات طويلة المدى بين إيران والصين (25 سنة) وروسيا (20 سنة) والتي تتضمن بعض التعاون العسكري والأمني والمخابراتي.

ويقول في هذا الإطار إن “رسالة هذه المناورات واضحة وهي أن دول آسيا القوية ومنها الصين وروسيا وإيران وكذلك الدول الراغبة بالتعاون لتأمين أمان المنطقة قادرة على فعل ذلك”.

إلى ذلك رد قائد البحرية الإيرانية الأدميرال شهرام إيراني، على ما سماها “تخرّصات” الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حول المناورات البحرية المشتركة بين إيران وروسيا والصين، وقال “نحن نشهد الكثير من الأوهام في العالم، والتي يُعاني منها الآخرون”. وإذ أكد أن “مناورات إيران والصين وروسيا مختلفة”، شدد على كونها “وسيلة لإرساء الأمن، لكن الذين يتحدثون ضدها ويتوهمون، فإن وجودهم العسكري لم يُحقّق الأمن والسلام في أي مكان من العالم، بل تسبب على الدوام في الكثير من انعدام الأمن وتهديد للمجتمع البشري”. وأضاف “النقطة المهمة هي أن عدد الدول اليوم التي تمتلك قدرات بحرية وتستطيع إثبات حضورها في البحر قد زاد، معتمدة على علمها ومعرفتها وصناعتها”، مشيرًا إلى أن دول شنغهاي والبريكس تتمتع اليوم بالقدرة على القيام بدور إيجابي في مجال الاقتصاد البحري بأفضل طريقة ممكنة.

وإذا كانت إيران تطلق من خلال المناورة رسالة قوة إلى البيت الابيض حول استعدادها العملي للمواجهة ان فرضت عليها، فإن ما يهم الصين ضمن المنافسة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، الحفاظ على خطوط النقل لتعزيز حضورها الاقتصادي العالمي، ولذلك يرى خبير صيني في حديث لصحيفة غلوبال تايمز الصينية، ان المناورة، “ستساعد في حماية الأمن في المنطقة الاستراتيجية المهمة لنقل الطاقة”.

خاتمة

أضفت التهديدات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشن عمل عسكري ضد إيران، بعداً خاصاً على المناورة البحرية المشتركة بين الجمهورية الإسلامية والصين وروسيا، وبانتظار الأيام المقبلة وما ستحمله من تطورات في ضوء رسالة ترامب إلى الإمام الخامنئي والجواب الإيراني عليها، يبقى التوتر سيد الموقف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *