إعرف عدوك

تعاظم الجيش المصري وزيادة وجوده في سيناء تداعيات على إسرائيل

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

وتؤكد المراجع على وجود ارتباط بين القضيتين وتثير الزعم بأن وجهة مصر هي إلى حرب مبادر إليها ضد إسرائيل. لم يكن المصريون غير مبالين بهذه المنشورات، التي أثارت خطاباً انتقادياً تجاه إسرائيل وزادت من التوتر في العلاقات الثنائية خلال هذه الفترة الحساسة. وستركز المقالة على نظرة مصر لنفسها كدولة مهمة في المنطقة، فضلاً عن التحديات الأمنية التي تواجهها. وفي الختام، سيتم التأكيد على ضرورة تخفيف التوترات بين إسرائيل ومصر والحفاظ على الالتزام المتبادل بمعاهدة السلام، فضلاً عن تعزيز السلام من خلال الحوار المباشر على المستوى الرفيع وعلى المستوى العام في كلا البلدين.

أثيرت في الآونة الأخيرة، أسئلة في إسرائيل – في وسائل الإعلام، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وبين الباحثين والخبراء – بشأن التواجد المتزايد للجيش المصري في شبه جزيرة سيناء وبالقرب من الحدود الدولية مع إسرائيل، بالإضافة إلى التعزيز الكبير للجيش المصري خلال سنوات حكم الرئيس السيسي. وتشير المراجع إلى وجود ارتباط بين القضيتين، ما يؤدي إلى الادعاء بأن توجه مصر هو إلى حرب مبادر إليها ضد إسرائيل. ومن هذا المنظور، فإن الأمر يتعلق بالتحضير لمناورة سريعة وهجوم، ربما على نحو مفاجئ. ولم يكن المصريون غير مبالين بهذه المنشورات، التي أثارت خطاباً انتقادياً تجاه إسرائيل وزادت من التوتر في العلاقات الثنائية خلال هذه الفترة الحساسة.

إلى جانب مناقشة البناء العسكري المصري والتحدي الذي قد يشكله لإسرائيل، لا بد من دراسة هذا الموضوع، وخصوصاً بناء القوات في شبه جزيرة سيناء، على خلفية التصور العام للرئيس عبد الفتاح السيسي للمصالح الوطنية المصرية، ومفهوم الأمن المصري، والدور المركزي للجيش في تحقيق الأهداف الاستراتيجية، وكذلك مكانة شبه جزيرة سيناء في هذا السياق المعقد والمتحدي.

التصور المصري للتهديد ودوافع الحشد العسكري

انتخب الرئيس عبد الفتاح السيسي في عام 2014 بعد سلسلة من الأحداث التاريخية والدرامية التي شهدتها مصر بدءاً من 25 ك2 2011. في ذلك الوقت، ثارت الحشود ضد الرئيس حسني مبارك، ما أدى إلى إطاحته من السلطة. لقد تم حرق هذه الأحداث كرمز في الذاكرة الجماعية، ومن أهم جوانبها نضال مصر من أجل صورتها في مواجهة القوى التي نشأت من الداخل – حركة الإخوان المسلمين. وعلاوة على ذلك، كان يُنظر إلى الرئيس السيسي، حتى وهو وزير للدفاع، على أنه الشخص الذي أنقذ مصر من التفكك والدمار. ويذكر الرئيس هذا الأمر في كثير من الأحيان، وخصوصاً في أيام الذكرى والمناسبات الوطنية. خلال فترة حكم المجلس العسكري الأعلى بعد سقوط مبارك، وخصوصاً بعد انتقال السلطة إلى السيسي في عام 2014، كان الجيش هو الذي يحافظ على القانون والنظام في البلاد وحدودها، ويمنعها من عملية التفكك التي حدثت في دول عربية أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، كانت سياسة الجيش هي تجنب قتل المدنيين، باستثناء من تم تحديدهم على أنهم الطرف المهاجم من بين جماعة الإخوان المسلمين. وفي الواقع، استولى الجيش على مهام الشرطة وسيادة القانون والنظام، بعد أن هزمته الحشود الغاضبة، وخضع بعد ذلك لعملية إعادة بناء وإعادة تأهيل. وبذلك حصل الجيش المصري على شرعية متجددة من الشعب باعتباره حامياً للوطن، وظلت مكانته محل تقدير. ويرى الرئيس السيسي وكبار المسؤولين العسكريين أن رؤية الجمهورية الجديدة تتطلب من الجيش أيضاً بناء وتحسين قدراته لتلبية مهام الدفاع.

في بداية العقد الماضي، واجهت مصر تحديات أمنية – حركة الإخوان المسلمين كعدو من الداخل، فضلاً عن الإرهاب في أجزاء كبيرة من شمال سيناء -. علاوة على ذلك، تطورت تهديدات أمنية كبيرة على طول حدود مصر: أدت الحرب الأهلية في ليبيا إلى تفكك البلاد، بما في ذلك فقدان السيطرة على مستودعات الأسلحة الكبيرة، التي تعرضت للنهب وتم تهريب محتوياتها إلى مصر نفسها وإلى سيناء. وفي السودان، تحت حكم البشير، وقعت عمليات تهريب وأنشطة إرهابية في منطقة الحدود المشتركة، بما في ذلك بمساعدة إيرانية.

لا يزال عدم الاستقرار في السودان مستمراً، حيث اندلعت حرب أهلية شرسة هناك خلال العامين الماضيين، ما أدى إلى فقدان الحكم بشكل كامل وتدفق موجات إضافية من اللاجئين إلى مصر. وعلى الحدود مع قطاع غزة، اضطر الجيش المصري في السنوات الأخيرة إلى محاربة القدرات التي أقامتها حماس على الحدود من خلال حفر مئات الأنفاق التي غذت النشاط الإرهابي في سيناء.

في عام 2012، وبينما كانت مصر تتعامل مع التهديدات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء فضلاً عن التهديدات الأمنية في مصر نفسها، وجدت نفسها في صراع سياسي وحتى أيديولوجي مع إدارة الرئيس باراك أوباما بسبب الصدام بين الدولة والجيش وحركة الإخوان المسلمين. كانت الإدارة الأمريكية تعتقد أنه بعد الإطاحة بنظام مبارك، ينبغي السماح بإجراء انتخابات حرة تعبر عن إرادة الشعب. ومع انتخاب ممثل الحركة محمد مرسي رئيساً للجمهورية، انقسم الرأي العام المصري بين مؤيد ومعارض. خلال عامه المضطرب كرئيس، زادت الاحتجاجات والمظاهرات وحوادث العنف الخطيرة، وبلغت ذروتها في حزيران 2013، عندما أجبر وزير الدفاع آنذاك السيسي الرئيس مرسي على إجراء استفتاء. ولكن بسبب رفضه، تم عزل مرسي من القصر الرئاسي على يد الجيش تحت إشراف السيسي. وقد دفع هذا التطور إدارة أوباما في آب 2013 إلى وقف المساعدات العسكرية لمصر مؤقتاً (بناء على تصور مفاده أن الرئيس أطيح به في انقلاب عسكري؛ والقانون الأمريكي يلزم الإدارة بوقف معظم أنواع المساعدات إلى أي بلد يتم استبدال حكومته بهذه الطريقة). وتوقف تحويل معظم المساعدات العسكرية للجيش المصري، بما في ذلك طائرات إف-16 والصواريخ ومروحيات الأباتشي وقطع الغيار اللازمة لها، في حين كانت المروحيات ضرورية لمحاربة الخلايا الإرهابية في سيناء.

على هذه الخلفية، تم التوصل إلى تفاهم مفاده أن الجيش يجب أن يكون قوياً وكبيراً وجديداً ومجهزاً تجهيزاً جيداً، ويبدو كذلك. لقد اكتوى الوعي المصري بالفهم في ضوء التجربة العراقية بعد الغزو الأمريكي عام 2003: فقد تم حل الجيش وتغير وجه الدولة العراقية. وكان الفهم الآخر الذي توصل إليه الرئيس السيسي هو أن مصر لا تستطيع الاعتماد على الولايات المتحدة كمصدر رئيسي للمعدات، بل يتعين عليها تنويع مصادر المشتريات العسكرية. وتأكد هذا الفهم أكثر مع سقوط نظام بشار الأسد والانهيار السريع للجيش السوري.

وبالفعل، قامت مصر خلال السنوات الأخيرة بشراء أسلحة من دول مختلفة، بما في ذلك طائرات رافائيل من فرنسا، وغواصات وفرقاطات من ألمانيا. فكرت في شراء طائرات ميج-35 من روسيا لكن يبدو أنها تراجعت عن ذلك. كما اشترت حاملات طائرات هليكوبتر من روسيا، وأنظمة قتالية للقوات الجوية والبحرية من إيطاليا. وبالإضافة إلى ذلك، تجري مصر تدريبات مشتركة سنوية مع جيوش مختلفة من مختلف أنحاء العالم. وتتمتع المشتريات والتدريبات بأهمية كبيرة في العلاقات التي تحافظ عليها مصر مع عدد من الدول، لأنها تدعم مكانتها الإقليمية والدولية كدولة تتمتع بقدرات وروابط دبلوماسية متنوعة ومتطورة. وبعد كل شيء، فإن الدولة التي يُنظر إليها على أنها عدوانية وغير مستقرة، والتي لا تسعى إلى اتباع سياسة متوازنة، لن تحظى بمثل هذا التعاون، وخصوصاً من الدول الأوروبية الرائدة.

خلال فترة رئاسة السيسي، وخصوصاً في ولايته الثانية، عززت مصر وجودها العسكري على كافة حدودها. ومن الأمثلة على ذلك التطوير الذي بدأ في عام 2019 لقاعدة سيدي براني الجوية، بالقرب من الحدود الغربية مع ليبيا. وفي تموز 2021، تم افتتاح القاعدة البحرية المطورة أيضاً في الساحة الغربية على الساحل الشمالي بالقرب من الحدود الليبية.

كما أن للبناء العسكري أهمية محلية، إذ يتم تقديمه للعامة على أنه يعزز الصورة القوية والمتنفذة للجيش. وبالإضافة إلى ذلك، من المهم الحفاظ على رضا وولاء كبار الضباط، الذين يتغذون على مكانة الجيش وصورته.

من المهم أن ننظر إلى عملية تعزيز الجيش المصري بالمقارنة بالجيوش الأخرى في الشرق الأوسط. أربع من أكبر عشر دول مستوردة في العالم في الفترة 2020-2024 هي دول في المنطقة: المملكة العربية السعودية، وقطر، ومصر، والكويت. إن منشأ معظم الأسلحة غربي: أكثر من نصفها من الولايات المتحدة، و13% من إيطاليا، و10% من فرنسا. وبحسب تقرير صادر عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام. في آذار 2025، خفضت دول الشرق الأوسط وارداتها من الأسلحة بنسبة عشرين في المائة في المتوسط بين عامي 2015 و2024. وخفضت مصر مشترياتها بنسبة 20% في 2023-2024. وكانت المملكة العربية السعودية أكبر مشترٍ خلال هذه الفترة، حيث زادت مشترياتها بنسبة تتراوح بين 10 و20% خلال الأعوام ذاتها. وزادت إسرائيل مشترياتها بنسبة تزيد عن 20%. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي دراسة مشتريات مصر من المنصات الاستراتيجية – الطائرات المقاتلة والغواصات – في عام 2024 بالنسبة إلى الدول العربية الأخرى. وربما يفسر تقادم المنصات عملية الشراء المصرية.

تطوير سيناء وتكثيف الوجود العسكري في شبه الجزيرة

خلال فترة ولايته الأولى كرئيس (2014-2018)، وضع السيسي رؤية الجمهورية الجديدة لإعادة إعمار وتنمية البلاد. وتناولت هذه الرؤية كافة مجالات الحياة والاقتصاد، مع التركيز على تطوير البنية التحتية والخدمات لجميع المواطنين، بما في ذلك في الأطراف. وتسارعت وتيرة تحقيق الرؤية في خطة التنمية الوطنية خلال ولايته الثانية والحالية، وهي الثالثة من حيث عدد الولايات.

لقد تم تنفيذ التنمية في شبه جزيرة سيناء لتحقيق عدد من المصالح الوطنية والاقتصادية والأمنية. وبحسب بيان مركز معلومات مجلس الوزراء المصري في ت1 2020، استثمرت مصر 600 مليار جنيه مصري في سيناء منذ عام 2014، أي ما يعادل نحو 60 مليار شيكل، في بناء الطرق، ومد السكك الحديدية – الخط الأول للسكك الحديدية الكهربائية فائقة السرعة، وربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، ونوع من قناة السويس البرية، وأنفاق التعدين تحت قناة السويس، والمشاريع الحضرية، ومرافق تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي، فضلاً عن المشاريع الزراعية والصناعية والطاقة والسياحة. ويعد مشروع التنمية تعبيرا عن رؤية جيو/استراتيجية جديدة لسيناء تهدف إلى خلق استمرارية بين شبه الجزيرة والدلتا ووادي النيل، أي تحويل شبه الجزيرة إلى جسر بري اقتصادي بين آسيا وأفريقيا. تم تطوير قناة السويس من خلال فتح قناة أخرى في جزء موازٍ للقناة الحالية، ويبلغ طولها حوالي 70 كيلومتراً. وعلى طولها، تم إنشاء المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بتكلفة إجمالية بلغت 18 مليار دولار، وتضم أربع مناطق صناعية، وستة موانئ بحرية، ومئات المرافق الصناعية واللوجستية. وتوفر المنطقة بأكملها 100 ألف فرصة عمل. وفي إطار التنمية في شبه جزيرة سيناء، تم التركيز على بناء البنية الأساسية لسكان سيناء البدو، وهو ما يعكس تغيراً في التعامل معهم ونظرتهم كجزء من النسيج الاجتماعي والقومي للبلاد، وتعبيراً عن التقدير لمساعدتهم في القضاء على الإرهاب في سيناء على مدى العقد الماضي.

تتضمن معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر عدة ملاحق، أولها بروتوكول يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي والترتيبات الأمنية. إن صياغة المعاهدة تعكس جوهرها ـ نهاية الحرب وإحلال السلام، مقابل الانسحاب الإسرائيلي الكامل من شبه جزيرة سيناء واستعادة السيادة المصرية على سيناء. إن السيادة المصرية التي نشأت في سيناء بموجب معاهدة السلام ليست كاملة. وقد كتب المعلقون والصحافيون عن هذا الأمر على مر السنين، وتعود المسألة مراراً وتكراراً في سياق العيد الوطني المحدد في التقويم المصري – يوم تحرير سيناء، 25  نيسان-، وهو اليوم الذي سحبت فيه إسرائيل قواتها من سيناء، باستثناء طابا، في عام 1982.

لقد أصبحت الحرب المصرية القوية على الإرهاب في شبه جزيرة سيناء في بداية العقد الماضي ممكنة بعد أن استجابت إسرائيل للطلب المصري، ووافقت، وفقاً لمبادئ معاهدة السلام وملحقها العسكري، على إدخال المزيد من الجنود المصريين إلى سيناء، بطريقة شكلت فعلياً انتهاكاً للاتفاقية. وقد أكدت إسرائيل أول انتهاك في ك2 2011، أي مع اندلاع الثورة ضد حكم مبارك، بسبب حاجة مصر إلى إحباط عمليات التهريب عبر الأنفاق من قطاع غزة إلى سيناء من خلال إرسال 800 جندي إلى هذه المنطقة. في عام 2011، بدأت سلسلة من الهجمات الإرهابية ضد إسرائيل على السياج الحدودي الدولي بين البلدين. بعد الهجوم الذي وقع في آب 2011، عندما أطلق الإرهابيون النار على حافلة (إيغد) على الطريق رقم 12، وأيضاً في آب 2012، عندما استولى الإرهابيون على موقع مصري وتم إدخال الدبابات والقوات والطائرات إلى سيناء بموجب اتفاقيات مع إسرائيل. في عام 2015، شكلت إسرائيل ومصر آلية تنسيق للموافقة على النشاط العسكري المصري في سيناء والذي يتجاوز ما تم الاتفاق عليه في معاهدة السلام – ما يسمى بالأنشطة المتفق عليها. واستند الترخيص المتجدد الذي منحته إسرائيل إلى تحديد أن هذه الاستثناءات مؤقتة وقابلة للعكس. ومن وقت لآخر، كانت هناك استثناءات للاتفاقيات، ما تسبب في التوتر في إسرائيل حتى تمت تسوية الاتفاقيات بما يرضي الأطراف. وقد أوكلت مهمة التنسيق إلى قناة الاتصال العسكري الثنائية، تحت الإشراف الوثيق للقوة المتعددة الجنسيات. وكانت هذه القوة أيضاً عرضة لتهديدات إرهابية في السنوات المذكورة، وكان من الضروري بشكل عاجل تأمين وجودها واستمرار نشاطها في شبه الجزيرة. لكن الاستثناءات شملت إنشاء البنية التحتية، وهو أمر غير قابل للتراجع ويمكن فهمه على أنه يهدف إلى ترسيخ وجود الجيش المصري في سيناء، مع بناء القدرة الهجومية ضد إسرائيل. وتخضع هذه الاستثناءات لمراجعة مستمرة من قبل جميع الأطراف المعنية.

التداعيات على علاقات السلام مع إسرائيل

مصر ملتزمة بمعاهدة السلام مع إسرائيل، وفقاً للخيار الاستراتيجي الذي اتخذه الرئيس السادات. وهذه الكلمات تُنقل بشكل لا لبس فيه إلى المسؤولين الإسرائيليين المعنيين، كما يُصرّح بها علناً الرئيس السيسي ومسؤولون كبار آخرون. وفي كلمة ألقاها في القمة العربية التي عقدت في القاهرة في الرابع من آذار الماضي، قال الرئيس إن معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر، التي توصلت إليها الدولتان في عام 1979، تعد مثالاً جديراً بتحويل حالة العداء والحرب والرغبة في الانتقام إلى سلام دائم وعلاقات دبلوماسية. إن الالتزام بمعاهدة السلام ينفي فعلياً أي دافع مصري لشن حرب ضد إسرائيل. واستعادت مصر شبه جزيرة سيناء، ومنذ ذلك الحين تم الحفاظ على السيادة المصرية واحترامها من قبل إسرائيل، جارتها إلى الشرق. وعلاوة على ذلك، فإن خمسة عقود من السلام سمحت لمصر بتوجيه مواردها نحو التنمية الاقتصادية، التي أصبحت محوراً مركزياً في السياسة المصرية المعاصرة. إن المصريين يدركون جيداً عواقب الحرب والدمار الكبير الذي تسببه. بمعنى آخر، فإن الرؤية الوطنية التي صاغها الرئيس السيسي ويروج لها لمصر يمكن أن تُدمر في غضون أيام قليلة من القتال ضد إسرائيل.

يذكّر المصريون أنفسهم ومن حولهم مراراً وتكراراً بالثمن الباهظ الذي دفعته مصر من أجل القضية الفلسطينية في عهد عبد الناصر. ولكن من وجهة نظرهم فإن هذا الاحتمال قد انقضى، فقد وضعت مصر مصالحها ورفاهيتها أمام عينيها. “مصر أولاً” استمراراً لرؤية التنمية التي وضعها الرئيس السيسي. لن يكون التصعيد مع إسرائيل ممكناً إلا إذا توصلت مصر إلى استنتاج مفاده أن إسرائيل تشكل تهديداً مباشراً وملموساً للأمن القومي المصري.

وهكذا فإن محاولة البحث عن دوافع العمل الحربي ضد إسرائيل خارج نطاق العلاقات الثنائية تقود إلى البحث عنها في نطاق القضية الفلسطينية، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى تصعيد مع إسرائيل. يُذكر أنه خلال أشهر الحرب في قطاع غزة، أصر القادة العسكريون والمعلقون المصريون على جاهزية الجيش واستعداده للدفاع عن الوطن، حيث أثارت التحركات الإسرائيلية أثناء القتال، إلى جانب التصريحات الرسمية الإسرائيلية وغيرها التي اعتبرت تهديداً لمصر، المخاوف بشأن انتهاك السيادة المصرية في سيناء. وعلى وجه الخصوص، أثارت إمكانية انتقال اللاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية القلق، وبالتالي المعارضة الشديدة، سواء نتيجة للتدمير والقتل الواسع النطاق في القطاع، أو نتيجة لمحاولة تنفيذ فكرة الرئيس ترامب بشأن “الهجرة الطوعية” للسكان، بما في ذلك إلى مصر.

وفي الختام، من المهم أن نؤكد مجدداً على ضرورة الحفاظ على الالتزام المتبادل بين إسرائيل ومصر بمعاهدة السلام، ويجب تعزيز ذلك من خلال الحوار المباشر على أعلى مستوى بين البلدين، وكذلك من خلال الحوار العلني مع الجماهير في كلا البلدين. وبالإضافة إلى ذلك، يجب ضمان استمرار النشاط المهني والشامل لقنوات الاتصال العسكرية والأمنية، برئاسة اللجنة العسكرية المشتركة والهيئات المهنية في كلا البلدين، فضلاً عن نشاط القوة متعددة الجنسيات لفحص والتحقيق فيما يحدث في منطقة سيناء وتوضيح جميع القضايا. وهناك عنصر مهم آخر رافق هذه العلاقة على الدوام وهو مشاركة والتزام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، الذي يرى في العلاقات السلمية ركيزة أساسية للاستقرار والسلام في المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *