دوليات

حرب ترامب التجارية.. الاقتصاد الأمريكي ليس معزولاً عن تداعياتها

بقلم ابتسام الشامي

وما الحرب التجارية التي توسع في تطبيقها لتشمل حلفاء بلاده كما خصومها سوى النموذج العملي الفاقع لهذه الاستراتيجية.

إجراءات ترامب

لم يتأخر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عند مباشرة مهامه الرئاسية في العشرين من كانون الثاني الماضي، في تطبيق ما وعد به ناخبيه لناحية إجراء تحولات عميقة في إدارة السياسة الأمريكية على المستوى الداخلي والخارجي، وهو إذ وعد بإطفاء الحروب “الساخنة” التي إشعلتها الإدارة السابقة، كان واضحاً أنه ذاهب لإشعال الحروب الاقتصادية والتجارية ليس مع خصوم بلاده فحسب، وإنما مع حلفائه أيضاً. وهو ما بدأه باكراً بفرض رسوم جمركية طالت في “الحملة الأولى” الصين وكندا والمكسيك، قبل أن تطال في الحملة الثانية دول العالم، ضمن رسوم جمركية متفاوتة على السلع التي تصدرها إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وفي ما أسماه “يوم التحرير”، وقع الرئيس الأمريكي أمراً تنفيذياً يفرض بموجبه رسوماً جمركية على الواردات من دول العالم. القرار الذي اعتبره خطوة نحو “تحرير اقتصادي” للولايات المتحدة، يفرض رسوماً بنسبة 34% على الواردات الصينية، و20% على الاتحاد الأوروبي، فيما ستواجه دول أخرى مثل سويسرا واليابان والهند ضرائب تتراوح بين 24% و31%. أما على المستوى العربي، فإن الرسوم الجمركية المفروضة تراوحت بين 10٪ و41٪ وكانت الأخيرة من نصيب سوريا تلاها العراق بنسبة 39٪، علماً أن هناك رسوماً جمركية أخرى سبق لواشنطن أن فرضتها على عدد من الدول العربية كما الأجنبية، قبل أن تأتي الرسوم الحالية لترفع نسبتها إلى مستويات خيالية تصل بالنسبة لبعض الدول إلى 90٪.

ردود فعل

النفق الاقتصادي المظلم الذي أدخل فيه ترامب الاقتصاد العالمي، أحدث صدمة على مستوى العالم، وفيما تسعى بعض الدول للتفاوض على استثناءات، وتعمل قوى اقتصادية كبرى، مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية، على تسريع اتفاقيات تجارية لمواجهة سياسات واشنطن الجديدة، توالت ردود الفعل الشاجبة والمحذرة من أن تؤدي الإجراءات الأمريكية إلى اضطرابات في الأسواق، وركود اقتصادي تاريخي. وفي هذا السياق، ندّدت الصين بـ “الحمائية والبلطجة” بعد الرسوم الجمركية الأمريكية، في ما اعتبرت تايوان أن الرسوم التي فرضها الرئيس ‏الأمريكي على تايوان “غير معقولة” وقالت إن الحكومة ‏تخطط لإجراء “مفاوضات جادة” مع واشنطن.‏

بدوره تعهد رئيس الوزراء الكندي مارك كارني الرد على رسوم ترامب، معتبراً أنها “ستغير جذرياً” التجارة الدولية. أما رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين فقد اعتبرت أن رسوم ترامب الجمركية تشكل “ضربة كبيرة” للاقتصاد العالمي.‏ وإذ أبدت “أسفها العميق” لقرار ترامب، قائلة إن الأوروبيين ‏‏”مستعدون للرد” ويعملون على “حزمة جديدة من التدابير المضادة” في ‏حال فشل المفاوضات مع الإدارة الأمريكية، أبقت الباب مفتوحاً أمام المفاوضات مع الإدارة الأمريكية، وقالت فون دير لايين “لم يفت الأوان بعد لمواجهة المخاوف عبر ‏المفاوضات”، مؤكدة أن مفوض التجارة الأوروبي ماروس سيفكوفيتش ‏‏”على اتصال دائم” مع نظرائه الأمريكيين.‏ وفي سياق متصل، ندّد اتحاد صناعة السيارات الألماني بالرسوم الجمركية، مطالباً الاتحاد الأوروبي بالرد عليها بقوة كونها “ستسبّب خسائر فادحة”، لكنه ناشد بروكسل في الوقت نفسه “الاستمرار في التعبير عن الاستعداد للتفاوض”. كما حذّر الاتحاد من أن الخسارة لن تقتصر على ألمانيا بل ستطال المستهلك الأمريكي وصناعة السيارات الأمريكية نفسها. وبينما أعلن الإليزيه أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيعقد اجتماعاً مع ‏ممثلي القطاعات المتضررة من ‏رسوم ترامب الجمركية، اعترف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال اجتماع مع ‏قادة الأعمال في داونينغ ستريت، بأن الرسوم الجمركية الأمريكية التي ‏أقرها ترامب، سيكون لها “تأثير” في الاقتصاد ‏البريطاني والعالمي.

وفي إيطاليا، أعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أن رسوم ترامب “إجراء سيئ”، محذرة من أن اندلاع حرب تجارية لن يؤدي إلا إلى إضعاف الغرب. وقالت ميلوني في بيان إن “فرض الولايات المتحدة رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي إجراء أعتبره خاطئاً ولا يصبّ في مصلحة أي من الطرفين. سنبذل قصارى جهدنا للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لتجنب حرب تجارية ستؤدي حتماً لإضعاف الغرب لصالح جهات فاعلة عالمية أخرى”. الرسوم الجمركية الأمريكية وصفها رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي بـ “غير المبررة بتاتا” ومن شأنها أن تغير علاقة بلاده بالولايات المتحدة. مشدداً على أن هذه الرسوم “ستكون لها عواقب على نظرة الأستراليين لهذه العلاقة”.

وفي البرازيل أقر برلمان البلاد قانوناً يجيز للحكومة اتخاذ إجراءات للرد على أي قيود تجارية تعرقل صادراتها. وإذ أسفت حكومة الرئيس اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا “للقرار الذي اتخذته الحكومة الأمريكية اليوم بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على كلّ الصادرات البرازيلية”، أعلنت أنها “بصدد تقييم كل الإجراءات الممكنة لضمان المعاملة بالمثل في التجارة الثنائية، بما في ذلك اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية”.

وفي سياق متصل، أعلنت الصين أنها “تعارض بشدة” الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على صادراتها، متعهدة اتخاذ “تدابير مضادة لحماية حقوقها ومصالحها”. وقالت وزارة التجارة في بكين في بيان إن الرسوم الجمركية الأمريكية “لا تتوافق مع قواعد التجارة الدولية وتضر بشكل خطير بحقوق الأطراف المعنيين وبمصالحهم المشروعة”.

وحذرت اليابان أيضاً من أن الرسوم الجمركية الجديدة قد تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية والمعاهدة التجارية المبرمة بين البلدين. وقال المتحدث باسم الحكومة اليابانية يوشيماسا هاياشي للصحافيين “لدينا مخاوف جدية بشأن مدى توافقها مع اتفاقية منظمة التجارة العالمية والمعاهدة التجارية المبرمة بين اليابان والولايات المتحدة”.

تبريرات ترامب

الإدانة الدولية لإجراءات ترامب التجارية، استبقها الأخير بخطاب تبريري، واضعاً إياها في إطار تعزيز الاقتصاد الأمريكي وإعادة انعاشه، بل إنه ذهب بعيداً في الحديث عن تحرير أكبر اقتصاد عالمي. وخلال توقيعه الأوامر التنفيذية، ادّعى الرئيس الأمريكي، أن بلاده تعرضت “للنهب والسلب والاغتصاب والتدمير من دول قريبة وبعيدة، حليفة وعدوة على حد سواء”.  مقدماً الحرب التجارية باعتبارها عصا سحرية قادرة على إعطاء دفعة للصناعات الأمريكية، وإعادة التوازن إلى الميزان التجاري، والقضاء على العجز في الميزانية.

ترامب الذي وصف أوامره التنفيذية بالتاريخية، أعلن يوم توقيعها في الثاني من الشهر الجاري يوماً للاستقلال الاقتصادي الأمريكي. معتبراً أن الرسوم الجمركية ستعيد “العصر الذهبي” للولايات المتحدة. وهو إذ جزم بعودة “الوظائف والمصانع بقوة إلى بلدنا.. بما يعزز قاعدتنا الصناعية المحلية بشكل كبير”، وعد بأن تحقق إجراءاته “منافسة أقوى وأسعاراً أقل للمستهلكين”، بما يؤدي إلى تحقيق الرخاء.

لكن أمنيات ترامب ووعوده باقتصاد أمريكي مزدهر، قد لا تتحقق بل قد تخلق أزمة ليس لاقتصاد بلاده فحسب وإنما للاقتصاد العالمي بشكل خاص. وفي هذا السياق، حذر زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر من أن الهجوم الحمائي “سيكلف الأسرة الأمريكية المتوسطة أكثر من 6000 دولار سنوياً” في شكل ارتفاع في أسعار السلع المستوردة. أما على المستوى العالمي، فقد رأى الخبير الاقتصادي موريس أوبستفيلد، في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أن ما أعلنه ترامب ليس سوى “إعلان حرب على الاقتصاد العالمي”. وهو ما ذهبت إليه القراءات السياسية للخطوة الأمريكية. وفي هذا السياق، قالت صحيفة وول ستريت جورنال، إن الرسالة التي تبعث بها أكبر حملة رسوم جمركية للرئيس، حتى الآن، إلى الشركات الأمريكية والأجنبية، هي أن عصر العولمة قد انتهى، مشيرة إلى أن ما يريده ترامب بذلك من إعادة الشركات إنتاجها إلى الولايات المتحدة، لن يكون سهلاً. ورأت الصحيفة أن رسوم ترامب الجمركية الجديدة “خطوة كبيرة أخرى نحو عهد جديد من الحمائية التجارية”، مشيرة إلى أن تفجير النظام التجاري العالمي له عواقب، يفضل الرئيس تجنب الحديث فيها”. ومن بين تلك العواقب التي توقفت عندها الصحيفة الأمريكية، “أن التأثير الاقتصادي الإجمالي للرسوم الجمركية غير معروف، وإذا كان رد الدول انتقامياً واسع النطاق، فقد تكون النتيجة انكماش التجارة العالمية وتباطؤ النمو أو ركوداً أو ما هو أسوأ”.

وأوضحت الصحيفة، أن “الرسوم الجمركية الأحادية التي فرضها السيد ترامب سوف تضر بتوسيع أسواق السلع والخدمات الأمريكية الذي كان أحد الأهداف التجارية الأمريكية طويلة الأمد، وستعاني الصادرات الأمريكية مع إبرام دول أخرى اتفاقيات تجارية تمنح معاملة تفضيلية للشركات غير الأمريكية”. وهذا يعني وفقاً للصحيفة، “نهاية القيادة الاقتصادية الأمريكية التي أنتجت بنشر التجارة الحرة سبعة عقود من الازدهار المتزايد في الداخل والخارج، وجعلت حصة الولايات المتحدة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مستقرة عند نحو 25% لعقود”. وقالت الصحيفة إن “كلفة فقدان النفوذ الأمريكي باهظة لأن جاذبية السوق الأمريكية والقوة العسكرية الأمريكية ليستا كافيتين لإخضاع الدول، كما يعتقد ترامب، وعليه فهو يحطم الثقة في بلده بمعاقبته الحلفاء وإلغاء اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا التي تفاوض عليها في ولايته الأولى”. كما أن الأمر سيكون فرصة كبيرة للصين التي تستطيع استخدام سوقها الكبير للتودد إلى حلفاء أمريكا، وخصوصاً كوريا الجنوبية واليابان، ثم أوروبا في ظلّ شكوك في الوصول إلى السوق الأمريكية.

بدورها، رأت مجلة نيوزويك، أن رسوم ترامب الجمركية الجديدة الشاملة قد تأتي بنتائج عكسية، مستغربة أن يحول ترامب تعهده الرابح بإصلاح الاقتصاد وخفض الأسعار، بعد شهرين فقط من ولايته الثانية، إلى عبءٍ ثقيلٍ على سياساته التجارية التي هزت سوق الأسهم وأثارت مخاوف المستهلكين بشأن ارتفاع التكاليف والتضخم المُستعصي.

خاتمة

من المبكر إحصاء تداعيات إجراءات الرئيس الأمريكي التجارية مع انطلاقتها، لكن من الواضح بحسب الخبراء أنها أدخلت الاقتصاد العالمي في نفق اقتصادي مظلم، لن يكون الاقتصاد الأمريكي بمنأى عن تأثيراته وتداعياته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *