الحرب التجارية بين واشنطن وبكين.. من يصرخ أولاً
بقلم ابتسام الشامي
باستثنائه الصين من تعليق تطبيق الرسوم يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد اتخذ خطوة تصعيدية في سياق حربه التجارية ضدها، ولئن افترض أن التصعيد سيجبرها على الخضوع فإنها أعلنت أنها ماضية بمحاربة التعرفات الأمريكية حتى النهاية، مع عدم ممانعتها الخيار الدبلوماسي لحل الأزمة.
الحرب التجارية تستعر
دخلت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين مرحلة جديدة من التصعيد منذرة بـ “انفجار” اقتصادي كبير يهدد اقتصاد العالم، بعدما وصلت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الواردات الصينية إلى بلاده إلى 125% في ما يعد سابقة لم تعهدها علاقات البلدين من قبل على الرغم مما شهدته من توترات في السنوات الأخيرة، على خلفيات سياسية واقتصادية. وعلى منصته “تروث سوشال” حمل الرئيس الأمريكي الصين مسؤولية ما يجري، موحياً بأن ما أقدم عليه، ليس سوى خيار الضرورة وكتب قائلاً “بناء على عدم احترام الصين للأسواق العالمية، أرفع بالتالي الرسوم الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على الصين إلى 125%، بفعالية فورية، وفي مرحلة ما، نأمل في المستقبل القريب، أن تدرك الصين أن أيام الاحتيال على الولايات المتحدة، ودول أخرى، لم تعد مستدامة أو مقبولة”.
تعريفات ترامب الجمركية التي طالت في 2 نيسان الجاري معظم دول العالم بمن فيهم أصدقاء واشنطن الأوروبيين، وأكبر شركائها التجاريين بنسب تتراوح بين 11 – 50%، تلقت الصين استثناء من قرار تعليقها، وهو القرار الذي اتخذه ترامب في أعقاب اهتزاز الأسواق المالية وخسائرها الفادحة خلال أيام قليلة مما أعلنه يوم “تحرير” الاقتصاد الأمريكي. وعلى خلفية حزمة الرسوم الجمركية الأمريكية ضدّها، اتخذت الصين اجراءات مضادة، لما وصفته المتحدثة باسم وزارة الخارجية بـ “الخطأ تلو الآخر” متعهدة بتصعيد ردها الانتقامي على الصادرات الأمريكية، وهو ما نفذته عملياً بفرضها رسوماً على السلع الأمريكية بنسبة 84%. وشملت ردود الصين إلى وضع رسوم على بعض الواردات الأمريكية، قيوداً على تصدير المعادن النادرة. كما فتحت تحقيقاً في مكافحة الاحتكار مع شركات أمريكية، بما في ذلك غوغل. كذلك سمحت لعملتها اليوان بالهبوط، في محاولة رفع جاذبية الصادرات الصينية. كما بدأت الشركات المرتبطة بالدولة في شراء الأسهم، فيما يبدو أنه خطوة للحفاظ على استقرار السوق.
قدرة الصين على التحمل أعلى من قدرة أمريكا!.
وفي وقت تفسَّر إجراءات الرئيس الأمريكي بأنها ترجمة عملية لشعار حملته الانتخابية “أمريكا أولاً”، إلا أن الحرب التجارية تنذر بمخاطر اقتصادية لن يكون الاقتصاد الأمريكي بمنأى عنها، وهو ما حذّرت منه معظم التحليلات في الصحف العالمية، التي رأى بعضها أن للصين قدرة أكبر على تحمل تبعاتها من الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذا السياق، نشرت الإيكونوميست مقالاً بعنوان “لماذا تعتقد الصين أنها ستنتصر في الحرب التجارية مع ترامب؟” وفي إجابتها عن هذا السؤال، تشير المجلة الاقتصادية البريطانية إلى أن المسؤولين الصينيين حرصوا على إظهار عدم خضوعهم للضغوط الأمريكية، والاكتفاء بضبط النفس للحد من إيذاء أنفسهم وتجنب المزيد من التصعيد. وقالت إن شركة “تسلا” للمركبات الكهربائية المملوكة لإيلون ماسك أصبحت عرضة للانتقام، لأنها تجري حوالي خُمس أعمالها في الصين. واستشهدت الصحيفة باعتقاد مسؤولين صينيين بأن الولايات المتحدة لن تتحمل التضخم والسخط الناجم عن رسوم ترامب الجمركية. مستعرضة بعض الخيارات المتاحة أمام الصين، مثل “إمكانية إجراء تخفيضات في أسعار الفائدة، ومساعدة الحكومات المحلية للمصدّرين المتعثرين في إيجاد مصادر جديدة في الداخل وفي الأسواق غير الأمريكية، فضلاً عن إمكانية تخفيض الصين للتعريفات الجمركية على بقية دول العالم”. ولفتت في سياق التوضيح، إلى بعض ردود الفعل الصينية المحتملة، مثل تعليق جميع أشكال التعاون مع واشنطن بشأن الفنتانيل، وحظر استيراد الدواجن الأمريكية وغيرها من المنتجات الزراعية، مثل فول الصويا والذرة الرفيعة، والتي تأتي بشكل رئيسي من الولايات المتحدة. ومع الخيارات المتنوعة المتاحة أمام الصين، لفتت الايكونوميست، إلى أن بكين تحتاج إلى دراسة مدى الاستعداد لرؤية الاقتصاد الصيني ينفصل تماماً عن الاقتصاد الأمريكي، وهي الفكرة التي تحظى الآن بدعم متزايد.
وفي السياق نفسه، قالت ماري لوفلي، الخبيرة في التجارة بين الولايات المتحدة والصين في معهد بيترسون في واشنطن، لقناة بي بي سي: “ما نشهده هو لعبة تحمّل الألم. لقد توقفنا عن الحديث عن المكاسب”. وأضافت أنه على الرغم من تباطؤ اقتصادها، فإن الصين قد تكون “مستعدة تماماً لتحمُّل الألم لتجنب الاستسلام لما تعتقد أنه عدوان أمريكي”.
إلى ذلك، علق ويندونغ تشانغ، الأستاذ المساعد في الاقتصاد التطبيقي والسياسات بجامعة كورنيل الأمريكية، على الإجراءات الأمريكية ضد الصين بالقول “يبدو أن ترامب يصعّد الضغوط على أمل أن يتراجع نظيره الصيني شي جينبينغ أولاً، وقد ينتظر قليلاً”. وأضاف في رسالة لشبكة CNN الأمريكية لقد “تعهدت الصين بالقتال حتى النهاية، وهناك مخاطر من مزيد من التصعيد”. مشيراً إلى أن الصين “قلّصت بالفعل اعتمادها على المنتجات الأمريكية، مثل فول الصويا والمنتجات الزراعية الأخرى، منذ الحرب التجارية بين عامي 2018 و2019. لكن هذه المرة، يحظى القادة الصينيون بدعم شعبي أكثر تأييداً لمواجهة الولايات المتحدة والتحول نحو الاستهلاك المحلي”.
التداعيات
وفي وقت يحاول فيه الرئيس الأمريكي إخضاع الصين من خلال حربه التجارية، تشير التوقعات إلى تأثّر الاقتصاد الأمريكي بنحو كبير جداً بالرسوم المفروضة على الصين. إذ يتوقع الخبراء الاقتصاديون حصول انعكاسات سلبية للاقتصاد الأمريكي، لعل أبرزها، ارتفاع أسعار السلع للمستهلكين، وزيادة تكاليف الإنتاج، ذلك أن العديد من الصناعات الأمريكية تعتمد على المواد الخام والمكونات الصينية، كما أن فرض رسوم جمركية على المنتجات الزراعية والصناعية الأمريكية، سيؤثر سلباً على المزارعين والشركات الأمريكية التي تعتمد على التصدير للسوق الصينية، مثل فول الصويا والسيارات والطائرات، وهو ما سيقلل من الأرباح ويزيد من الأعباء.
وفي مقابل الحديث عن المخاطر على الاقتصاد الأمريكي، هناك وجهة نظر أخرى مقابلة تقول بإن إجراءات ترامب قد تؤدي إلى تفجير الاقتصاد الصيني. وتحت عنوان “دونالد ترامب فجّر للتو اقتصاد الصين”، كتب غوردون تشانغ في صحيفة التلغراف البريطانية، مقالاً رأى فيه أن الرئيس الأمريكي قلَب التجارة العالمية رأساً على عقب، وترك الرئيس الصيني شي جين بينغ من دون خيارات تذكر. وإذ توقع تشانغ مرور الصين بفترة انكماش اقتصادي، أوضح أن رسوم ترامب الجمركية تغلق أكبر سوق عالمي أمام الصين، وتشجع دولاً أخرى على بناء جدرانها الجمركية مع بكين.

خيارات الصين
لكن الصين تراهن بدورها على اختراق جدران الدول التي طالتها الرسوم الجمركية، معتقدة أن “عدالة” المواجهة في هذه الحرب تمنحها تسهيلات عبور للشراكة مع دول أخرى. وهو ما عبّر عنه لين جيان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بقوله إن “أي قضية عادلة تحظى بدعم من الكثيرين”، مضيفاً أن “الولايات المتحدة لا تستطيع كسب تأييد الشعوب وستنتهي إلى الفشل”.
وفي إطار سياسة مدّ اليد إلى الدول المتضررة من الرسوم الجمركية، أجرى رئيس الوزراء الصيني لي كشيانج اتصالاً هاتفياً مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين “لإرسال رسالة إيجابية إلى العالم الخارجي”.
وبحسب وكالة أنباء الصين الجديدة “شينخوا” الرسمية فإن “الصين تريد العمل مع الإتحاد الأوروبي لكي تطبق بشكل مشترك الاتفاقيات المهمة التي توصل إليها قادة الصين والإتحاد الأوروبي وتعزيز الاتصال والتبادلات وتعميق العلاقات التجارية الصينية الأوروبية والاستثمار والتعاون الصناعي”. ويأتي هذا الاتصال في أعقاب مؤتمر عبر تقنية الفيديو بين وزير التجارة الصيني وانج وينتاو والمفوض الأوروبي للأمن التجاري والاقتصادي ماروس سيفكوفيتش يوم الثلاثاء الماضي لمناقشة خطة الولايات المتحدة لفرض الرسوم “المتبادلة”. وإلى التواصل مع الإتحاد الأوروبي، تحدث وانج مع أعضاء رابطة جنوب شرق آسيا “آسيان” التي تضم 10 دول، في حين اجتمع لي مع قادة الأعمال. وقال لي إن الصين “أجرت بالفعل تقييماً كاملاً وتستعد للتعامل مع كل أنواع حالات الغموض، وستطبق سياسات تراكمية وفقاً لاحتياجات الموقف”.
خاتمة
أبرزت الأيام الأولى من فرض الرسوم الجمركية عيّنة من مخاطر الحرب التجارية على الاقتصاد العالمي، ولئن اتخذ الرئيس الأمريكي خطوة إلى الوراء بتعليق الرسوم مدة تسعين يوماً على مختلف الدول، فإن استثناء الصين، يُبقي أوار الحرب ملتهبة، ويظلل بتداعياتها الاقتصاد العالمي.
