لا حول ولا قوة إلا بالله
بقلم غسان عبد الله
ماذا عن القوة؟.. هو السّؤال المفتوح في كلّ الأزمنة، وفي كلّ الظّروف، ومع كلّ الأشياء ومع جميع الأشخاص، يجب أن يكون هذا السّؤال مفتوحاً بلا جواب يحدّد نهاية المعرفة؛ لأنّه بكلّ وضوح سؤال عن القوّة! عن ثلاثيّة “اللامحدود، واللامنتهي، والخالد” وفي داخل هذا السّؤال تتشكّل استفهامات، وتتشابك مصالح، وتتواطأ أضّاد؛ لأنّ القوّة عالم من الأسئلة المفتوحة.
حديث القوّة ليس في بعده العسكريّ أو الاقتصاديّ أو السّياسيّ؛ لأنّها جميعاً ليست أبعاداً للقوّة بقدر ما هي انعكاسات لــ “قوّة الإنسان” الذي أنتجها من خلال مستوياته البشريّة الثّلاثة: “النّفسيّ والعقليّ والجسديّ”، ولن تقف القوّة عند منتجات الإنسان حتى تتواصل وتنسجم في ثلاثيّة أقوى وأعظم، وهي “الإنسان، الحياة، الكون”، ليتعرّف الإنسان على الكون وما الذي يحدث فيه؟ والحياة وما طبيعتها؟ والإنسان وما بشريّته؟ في أسئلة العمق التي يكشف العلم بعضاً قليلاً من أجوبتها!، أو حتى يعطي مفاتيح تشير إلى طريق النّور لاكتشاف بعض الحقائق في سفر طويل عبر الزمن!. كلّ ذلك يعطينا استفهاماً في البحث عن طاقة أكبر تتجلّى للوجود عن مكنونات وحقائق كلّها في اتّجاه الإنسان وللإنسان “سخر لكم”، “خلق لكم”، “جعل لكم”، ما يجعل الإنسان يتجاوز حدود العقل إلى عوالم الوجود المطلق في “عالم اللامحدود واللامنتهي واللامعقول واللامتوقّع”؛ إذ ليس من قويّ إلاّ وهناك أقوى منه، وأنّ كلّ قويّ من خلق الله فهو قويّ بحول الله وقوّته ﴿لا حول ولا قوّة إلاّ بالله﴾، ليشير القرآن إلى حقيقة القوّة المطلقة، قوة الله ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ القوّة لِلَّهِ جَمِيعاً﴾. ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القوّة الْمَتِينُ﴾. ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾. ﴿للَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾…
هذه القوّة المطلقة العادلة تقهر كلّ من يستخدم قوّته المحدودة ـ مهما كانت ـ على خلاف عدالتها، الأمر الذي يحتّم على الإنسان أن يشكّل علاقته مع هذه القوّة بطريقة جيّدة تبدأ بيقظة الذّات، ثم بصيرة النّفس، ليحصل بعد ذلك على روعة التّفكير على نور، وينكشف له السّلوك بوعي، وما لم يكن فإنه – أي الإنسان – سيجد نفسه في معركة الضّياع، وللضّياع فلسفته، وللضّياع خطورته التي تبدأ ذرّة في عالم اللاشعور، وتنتهي كتلة على بساط الواقع في مواجهة عنيفة مع “الذّات والمجتمع والفكر”.
نحن أمام تهيئة الإنسان لهذا الوعي، وليس هذا الوعي طلاسم أو شفرات، ولكنّه الضّيف المجهول، القدر الذي نحمله ولا نتعرّف عليه؛ لأنّنا أغلقنا نوافذ العقل وآفاق النّفس، وانشغلنا عنه بالتّبرير عن التّفسير، وبالتّذمّر عن الفعل، في ممارسات لا تعني مسؤوليّة الإنسان عن وجوده النّفسيّ والعقليّ والجسديّ، ما حجب عنّا تجليّات الرّوح ومواهب الخير وعطاءات السّماء، ولنا أن نتصوّر الحال كنتيجة للانفصال عن السّماء!، ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾.
ليست القوّة مع الحياة في معاداتها، ولكنّ القوّة في العيش فيها واستثمار الوجود الأوّل، مع امتداد الأمل لمرحلة الحقيقة الآخِرة، ومن تعبيرات ابن القيم قوله: “حياة الوجود أكمل الحياة، لشرفها وكمالها بموجدها، وهو الحقّ سبحانه وتعالى، فمن حيي بوجوده فقد فاز بأعلى أنواع الحياة”، لتبقى القوّة.. قوّة الوجود.