التوازنات الإقليمية والدولية وعودة العلاقات بين أنقرة ودمشق
بقلم: توفيق المديني
فيما يعاني الكيان الصهيوني من الإسقاطات المدمرة لعملية طوفان الأقصى منذ السابع من أكتوبر 2024، سواء في الجبهة الجنوبية أو الشمالية، إذْ أخْلتْ “إسرائيل” نحو 80 ألف مستوطن، موزّعين على 43 مستوطنة، وأوجدت بذلك حزاماً أمنيّاً في شمال فلسطين المحتلة..
وهذا الأمر لم يحدث من قبلُ بالنسبة إليها، ينصبُ اهتمام الدول في إقليم الشرق الأوسط، وفي الدول الغربية الرئيسة (أمريكا وفرنسا)، على منع نشوبِ الحرب الإقليمية الشاملة بين جيش الاحتلال الصهيوني وحزب الله، نظراً لتداعياتها الخطيرة إقليمياً ودولياً.
العدو الصهيوني يتخوف دائماً من تنامي ترسانة حزب الله العسكرية، كميّاً ونوعيّاً، التي يعتبرها “كاسرة للتوازن”، منذ حرب تموز 2006 ولغاية الآن على الجبهة اللبنانية، وبالتالي هو يريد شنِّ حربٍ شاملةٍ ضد حزب الله، لإضعافه عسكرياً، وإعادة المستوطنين الصهاينة المهجّرين إلى بيوتهم، واستعادة قوة الردع الصهيوني أمام الدول العربية والإقليمية وحركات المقاومة والمجتمع الصهيوني، ومنع تكرار سيناريو عملية طوفان الأقصى من الحدود مع لبنان لتحرير شمال فلسطين.
وبالمقابل تعمل الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا على تهدئة الجبهة الشمالية ومعارضة الكيان الصهيوني شنّ حرباً شاملة ضد حزب الله، وتعمل على التوصل إلى اتفاق حدودي بين “إسرائيل” ولبنان بشأن الأراضي اللبنانية التي يحتلها الكيان الصهيوني (مزارع شبعا)، شبيه باتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي جرى التوصل إليه بين الطرفين في عام 2022.
وتحاول باريس، بالتنسيق مع واشنطن، إيجاد حلّ تفاوضي استناداً إلى القرار 1701 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي وأنهى حرب العام 2006 بين حزب الله و”إسرائيل” والذي ينصّ على حصر الانتشار المسلّح في جنوب لبنان بالجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل). وشدّدت الرئاسة الفرنسية على أنّ “(يونيفيل) تشكّل عنصراً أساسياً في هذا الحلّ ويجب الحفاظ على أمنها وحرية عملها”.
على جانبٍ موازٍ لهذه التطورات التي تشهدها جبهة الحرب بين الكيان الصهيوني وكل من حماس وحزب الله، هناك تطورات أخرى تتعلق بالتقارب أو تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا ضمن رؤية سياسية – اقتصادية تدعمها روسيا ولا تعارضها إيران، وتهدف إلى تمكين تركيا من تحقيق تواصل برِّي مع دول الخليج عبر سوريا والأردن، بالنظر إلى صعوبة تحقيق ذلك عبر العراق، الذي يعاني من تردٍّ مستمر لأوضاعه الأمنية، إضافة إلى تحقيق تسوية مرضية تتعلق بالأزمة السياسية في سوريا.
ماهي التطورات الملفتة؟
أولاً: إقرار مجلس النواب الأمريكي قانون منع التطبيع مع النظام في سوريا في 15شباط/فبراير 2024 بأغلبية 389 صوتاً مقابل32، وأحالته إلى الرئيس جو بايدن لتوقيعه ودخوله حيز التنفيذ، لكنَّ إدارة الرئيس بايدن رفضت تمرير مشروع قانون مناهضة التطبيع مع الرئيس بشار الأسد.
فقد تعرضت الإدارة الأمريكية لضغوط عدة لعدم المضي قدماً في إقرار القانون، وجاء جزء رئيس منها من تركيا، التي اعتبرت أن اعتماده سيجهض محاولتها مع شركائها في أستانا لبناء وضع جديد يكون التعاون الاقتصادي أساساً له في المرحلة المقبلة، مع تعديلات نسبية في سياسات النظام، ودفعِ أطراف في المعارضة للانخراط ضمن حكومة شراكة، وضمن هذا الإطار بدأ الانفتاح على قوى وشخصيات معارضة تمت دعوتها لزيارة أنقرة، وتسهيل دخول شخصيات محسوبة على المعارضة المقيمة في دمشق ومناطق النظام لحضور اجتماعات وندوات في اسطنبول وعنتاب، وعقد اجتماعات معها من قبل مسؤولين رسميين، ويبدو أن الضغوط لم تسفر حتى الآن عن تغييرات جوهرية في موقف الإدارة الأمريكية.
ثانياً: منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى لم تدخل سوريا الحرب في غزَّة بشكلٍ مباشرٍ، وكان جيش الاحتلال الصهيوني واجه تحديات متعددة الساحات من فصائل محور المقاومة في المنطقة المتحالفة مع إيران، في المقام الأول حزب الله، والحوثيون في اليمن، تنظيمات المقاومة في العراق، ومؤخراً من إيران نفسها. أمَّا في سوريا، فباستثناء عدد قليل من حوادث إطلاق النار المنسوبة بشكل رئيسي إلى عناصر فلسطينية، والهجمات التي تشنها فصائل المقاومة الإيرانية ضد القواعد الأمريكية في البلاد، لم يتم تشكيل أي جبهة نشطة في المنطقة الحدودية في الجولان. وعلى الرغم من ضغوط إيران وحزب الله لتوسيع محور المقاومة في إطار التحضير للاستراتيجية المتعددة في مواجهة العدو الصهيوني، فقد اختار الرئيس بشار الأسد عدم الانضمام إلى هذه الحرب، لتحويل سوريا إلى ساحة معركة أخرى تتحدى الاحتلال الصهيوني.
لقد تعرضت الدولة الوطنية السورية في وجودها للخطر، جرَّاء 13 عاماً من الحرب الأهلية الدموية، ولا تزال تواجه تهديدات داخلية من التنظيمات الإرهابية والتكفيرية (التنظيم المسيطر على إدلب: هيئة تحرير الشام وتنظيمات محلية، وتنظيم داعش الذي استغل الاهتمام الإقليمي والدولي بغزة، ورفع رأسه في سوريا بأكثر من 50 هجوماً بين تموز/يوليو وكانون الأول/ديسمبر 2023 في وسطها وشرقها، مع تنامي الاحتجاجات الشعبية في ظل الضائقة الاقتصادية)، وتدرك جيداً القدرة العسكرية الأمريكية والإسرائيلية في تدمير الدولة والمجتمع في سوريا.
ومع أنَّ الإستراتيجية الإيرانية تكمن في تحدٍّ للكيان الصهيوني على أكبر عدد ممكن من الجبهات القتالية، لكنَّها ليست مستعدة للتضحية بالحليف السوري، وهو مركز إقليمي ولوجستي (استمرار نقل الأسلحة) مهم لمحور المقاومة، وترغب بالحفاظ عليه. وعلى الرغم من ذلك، ارتفعت الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية التي استهدفت مواقع لإيران وحلفائها هناك، مخالفة بذلك لقواعد اللعبة السابقة التي تجنبت فيها “إسرائيل” قتل مسؤولين عسكريين إيرانيين في أو عناصر حزب الله على الأراضي السورية، حيث أتاحت لها زخم الحرب على غزة فرصة لتغيير القواعد، وتحمّل مخاطر أكبر تشمل الإضرار باللاعبين الرئيسيين المسؤولين عن مشروع الترسيخ الإيراني في سوريا.
ثالثاً: لقد أدركتْ الدول العربية في منطقة الخليج، لا سيما المملكة السعودية والإمارات، إضافة إلى المملكة الأردنية أهمية التطبيع مع سوريا، وجاء انعقاد القمتين العربيتين في الرياض عام 2023، ثم في المنامة في 16 أيار/مايو2024، ليشرعن هذا التطبيع العربي مع سوريا، وفق رؤية سياسية محدَّدة. فقد استفادت سوريا من عودتها للحاضنة العربية وهو ما سيكون من الصعب التراجع عنه، لكنَّ هذا التطبيع لم يغير شيئاً بالنسبة للحل السياسي في سوريا، ولا على صعيد الدعم المالي وإعادة الإعمار.
تضمنت المبادرة العربية التي أدَّتْ لعودة سوريا للحضن العربي خمس أولويات أساسية يتعين إنجازها من خلال ما يعرف باسم “لجنة الاتصال الوزارية العربية” الخاصة بمواصلة الحوار مع الحكومة السورية. وتضمنت النقاط الخمس، زيادة وتوسيع نطاق تسليم المساعدات الإنسانية في سوريا وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين على نطاق واسع وإنهاء إنتاج وتصدير المخدرات غير المشروعة من سوريا واستئناف عمل اللجنة الدستورية والتوصل لحل سياسي بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن الدولي، فضلا عن إنشاء هيئة أمنية دولية لتنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب في سوريا.
ومنذ ذلك الوقت، فإِنَّ عملية “خطوة بخطوة” المتصورة للتنازلات المتبادلة لم تذهب إلى أبعد من موجة زيارات رفيعة المستوى مع الرئيس الأسد في أوائل عام 2023 وعودته إلى جامعة الدول العربية. وفيما يتعلق بحل الأزمة السياسية، فلم يتم إحراز أي تقدم فحسب، بل إنَّ اللجنة الدستورية أصبحت الآن ميتة فعلياً، وقد أبلغ الرئيس الأسد الدول العربية مراراً وتكراراً برفضه المشاركة في أي عمليات مستقبلية. وفيما يتعلق بالمساعدات، فلم يبق وصولها مقيداً كما كان في السابق فحسب، بل انخفضت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق خلال العام الماضي، في حين أوقف برنامج الأغذية العالمي بالفعل جهوده بالكامل في سوريا على الرغم من أن 90% من المواطنين يعيشون تحت خط الفقر.
دور روسيا وإيران في التقارب بين تركيا وسوريا
جاء التحرك الروسي والتصريحات الإيجابية المتقاطعة على خط أنقرة – دمشق بشأن احتمال استئناف محادثات التطبيع المجمدة منذ يونيو /حزيران 2023 قبل أيام قليلة من لقاء مرتقب بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة “منظمة شنغهاي للتعاون” في أستانا في 3 و4 يوليو /تموز الجاري.
قال الرئيس رجب طيب أردوغان إنَّه لا يوجد أي سبب يمنع إقامة علاقات بين تركيا وسوريا، في ردٍّ إيجابي على تصريحات للرئيس السوري بشار الأسد حول الانفتاح على جميع المبادرات لتطبيع العلاقات مع تركيا. وعلق أردوغان في ردِّهِ على أسئلة لصحافيين في إسطنبول، الجمعة 28 يونيو 2024 على تصريحات الأسد التي جاءت خلال لقائه المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف في دمشق يوم الأربعاء 27 يونيو 2024، وتمحور الحديث خلال اللقاء حول العلاقات الاستراتيجية بين سوريا وروسيا الاتحادية ومجالات التعاون الثنائي وتم التأكيد على الاهتمام المشترك والأولوية التي يعطيها الجانبان لتوسيع هذا التعاون في كل المجالات التي تسهم في تحقيق مصالح الشعبين الصديقين.
وقال أردوغان أنَّ “بيان الأسد بشأن تركيا إيجابي”. وأضاف: “سنعمل معاً على تطوير العلاقات مع سوريا، تماماً كما فعلنا في الماضي. سبق أن التقينا في الماضي مع الأسد، حتى على المستوى العائلي. لا يوجد شيء يقول إن ذلك لا يمكن أن يحدث غداً. وتابع الرئيس التركي: “لا يمكن أن يكون لدينا أبداً أي نية أو هدف مثل التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا”.
وكان الأسد أكد انفتاح دمشق على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة مع تركيا، المستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها من جهة، ومحاربة كل أشكال الإرهاب وتنظيماته من جهة أخرى.
بدوره، جدَّد لافرنتييف دعم بلاده لكل المبادرات ذات الصلة بالعلاقات بين سوريا وتركيا، معتبراً أنَّ الظروف حالياً تبدو مناسبة أكثر من أي وقت مضى لنجاح الوساطات، مؤكداً أنَّ روسيا مستعدةٌ للعمل على دفع المفاوضات إلى الأمام، وأنَّ الغاية هي النجاح في عودة العلاقات بين سوريا وتركيا.
ولفتت صحيفة “الوطن” السورية إلى أنَّ “الجانب التركي طلب من موسكو وبغداد الجلوس إلى طاولة حوار ثنائية مع الجانب السوري ومن دون حضور أي طرف ثالث وبعيداً عن الإعلام، للبحث في كل التفاصيل التي من المفترض أن تعيد العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها”. وأشارت إلى أن خطوة إعادة التفاوض والحوار للتقريب بين أنقرة ودمشق، تلقى دعماً عربياً واسعاً، وخصوصاً من قبل السعودية والإمارات، وتلقى دعماً روسياً وصينياً وإيرانياً.
الأكراد دافع الموقف التركي للتطبيع مع سوريا
شكلت المخاوف المشتركة بين سوريا وتركيا وإيران وروسيا من تطورات الوضع في مناطق سيطرة قوات قسد بعد إعلان الأخيرة نيّتها إجراء انتخابات محلية، وإقرار دستور لتشكيل كيان انفصالي كردي مدعوم من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، الخلفية الحقيقية لتحرك روسيا باتجاه الوساطة بين تركيا وسوريا. إنَّ مجرد إعلان الأكراد عن إجراء انتخابات محلية شكّل تطوراً استفادت منه موسكو لتذكير أنقرة بأن هناك تهديدات مشتركة لها ولدمشق، وأن التصدي لهذه التهديدات يتطلب بالضرورة تنسيقاً بين الجانبين، برعاية روسية.
وتنظر أنقرة منذ سنوات إلى قوات “قسد” على أنَّها ذراعٌ مرتبط ٌبحزب “العمال الكردستاني”، المصنف على قوائم الإرهاب في تركيا ودول أوروبية. وأطلقت سلسلة عمليات عسكرية ضدها خلال السنوات الماضية. وكانت تركيا قد اتجهت مؤخراً إلى تنفيذ استهدافات جوية عن طريق الطائرات من دون طيار، ما أسفر عن مقتل الكثير من قادة “قسد” وآخرين يتبعون لـ”العمال الكردستاني” في شمال شرق سوريا.
مرونة وانفتاح سوري ولقاء مرتقب بين الأسد وأردوغان
في السابق، كان الرئيس السوري بشار الأسد يعتبر انسحاب القوات التركية من سوريا شرطاً أساسياً لأي عملية للعودة إلى العلاقات الطبيعية بين البلدين، لكنَّ الآن يبدو أن هنالك تحولاً في هذا الموقف، حيث إنَّ موقف وزير الخارجية السوري، الدكتور فيصل مقداد، يشير إلى أنَّ تعبير تركيا عن استعدادها للانسحاب من الأراضي السورية يمكن أن يكون كافياً لإعادة بناء العلاقات بين البلدين. وهذا التغيير يُظهر مرونة في سياسة الحكومة السورية وانفتاحاً على احتمالات جديدة للتفاوض والتقارب السياسي بين تركيا وسوريا.
وفي 30 يونيو /حزيران2024، نقلت صحيفة “الوطن” السورية القريبة من دوائر القرار في دمشق، أنَّ “اجتماعاً سورياً – تركياً مرتقباً ستشهده العاصمة العراقية بغداد”، وأنَّه “سيكون خطوة في عملية تفاوض طويلة قد تفضي إلى تفاهمات سياسية وميدانية”. وقال مسؤول في مكتب رئيس الحكومة العراقية، لصحيفة “الشرق الأوسط”: “الوساطة ليست مفاجئة (…) لقد أعلن عنها رئيس الحكومة محمد شياع السوداني مطلع الشهر الماضي، والحكومة لم تتوقف عن العمل الدبلوماسي الذي يخدم التهدئة والمصالحة في المنطقة، خصوصاً مع بلدان لدينا معها حدود ومصالح مشتركة”.
من الواضح أنَّ مسار التطبيع بين تركيا والدولة السورية برعاية عراقية هذه المرَّة انطلق منذ فترة، إذْ يعمل العراق على تنظيم لقاء بين الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في بغداد، لأنَّه يعتقد أنَّ مثل هذا الاجتماع سيكون إيجابياً ومفيداً بشكل عام لدول الإقليم، لا سيما أنَّ ما يجمع هذه الدول من مصالح مشتركة أكبر بكثير من خلافاتها.
خاتمة: التطبيع بين تركيا وسوريا.. الخبراء يجيبون
في الفترة الأخيرة تشهد المنطقة زخماً في محاولات التطبيع بين تركيا وسوريا عبر الوساطة العراقية، التي تقف خلفها إيران طهران هي الأكثر تأثيراً على الحكومة السورية. وتتلاقى المصالح السورية والعراقية والتركية والإيرانية على القوى المدعومة من قبل واشنطن، وهي “قوات سورية الديمقراطية”، و”وحدات الحماية الكردية””، المرتبطين عضوياً وإيديولوجياً وعسكرياً بحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف من قبل تركيا منظمة إرهابية، ويسعى إلى إنشاء دولة كردية ذات طابع قومي في كل جنوب تركيا، وتشمل أيضاً شمال سورية والعراق وإيران.
يبدو الخيارات المتاحة أمام الأكراد السوريين، سوى العودة إلى حضن الدولة السورية، وتحقيق مطالبهم كمواطنين سوريين لهم كامل حقوق المواطنة، والالتزام باحترام سيادة الجمهورية العربية السورية على كامل ترابها الوطني، لا كأقلية قومية أو عرقية، تطالب بحكم ذاتي، أو إنشاء كيان انفصالي في شمال شرق سوريا.
أما بشأن التسوية السياسية في سوريا، يبدو أنَّ هناك توافقاً غير معلن عن بدء التخلي عن مسار التفاوض الدولي، نظراً لأن عملية تطبيق القرار 2254 لم تعد ممكنة، كما أنَّ العودة إلى المفاوضات برعاية أممية لم تعد متاحة بسبب حالة الاستقطاب بين روسيا (الداعم الرئيس للرئيس الأسد) والولايات المتحدة (الداعم الرئيس للمعارضة)، وبالتالي فإنَّ السيناريو الأكثر ترجيحاً هو عقد مصالحة بين حكومة الأسد وشخصيات من المعارضة وهيئات تخضع لتأثير دول النفوذ، تمهيداً لتشكيل حكومة مشاركة تنضم إليها تلك الشخصيات، على أن يكون ذلك ضمن إطار إقليمي أوسع لتطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية بما يضمن نجاح تلك العملية.
فالتسوية الحقيقية الصالحة للبقاء لها شروط، أوَّلها أنْ تجسد موازين القوى على الأرض، مما يعني بدوره أن تكون تلك الموازين دافعة نحو اقتناع السلطة والمعارضة بضرورة تبني فكر التسوية السياسية، أو على الأقل بعدم ممانعتها. والشرط الثاني، ألا تتعارض التسوية مع أهداف ومصالح الدول الإقليمية القادرة على منعها، أو إفشالها، ليس فقط آنياً، وإنَّما أيضاً مستقبلاً، ولو إلى مدى زمنيٍّ محدَّدٍ.