إعرف عدوك

تحديات إسرائيل الإقليمية بعد 7 تشرين الأول

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

هذا السلام الدافئ قدم رؤية لشرق أوسط مستقبلي تقوم على قيم التعاون، التسامح والحوار، وليس العداء والتطرف والمقاطعة. وبالإضافة إلى ذلك، في حين أن الاتصالات على الصعيدين الاقتصادي والأمني مستمرة، هناك حد لمدى تطوير هذه العلاقات إذا بقيت تحت السطح بسبب الخوف من رد الفعل الشعبي.

مصلحة دولة إسرائيل ودول اتفاقات إبراهيم هي تحديد السبل التي توفر شرعية متجددة لاتفاقيات السلام والتطبيع. يجب عليها تجديد علاقات مفتوحة ودافئة في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياحية والأمنية والمجتمع المدني.

توسع التطبيع والتكامل الإقليمي على خلفية الحرب المتواصلة

حتى 7 تشرين الأول، كان هناك زخم إيجابي على صعيد التطبيع والتوسع التعاون الإقليمي. في أيلول 2023، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لشبكة تلفزيونية أمريكية “إننا نقترب كل يوم” من اتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل. وفي الوقت نفسه، روجت إسرائيل لتدابير مختلفة – تعميق التعاون مع الدول العربية والإسلامية الأخرى -. في حزيران 2023 أفادت التقارير أن الصومال وجزر القمر اتفقتا على المشاركة في “منتدى النقب” للتعاون الإقليمي تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية. بحسب التقارير الإسرائيلية وكانت إندونيسيا في طريقها إلى إقامة علاقات تجارية على خلفية انضمامها المتوقع إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، قبيل هجوم حماس في تشرين الأول. 

كما ذكرنا، على الرغم من أن المنطق والدوافع الأساسية للتعاون مع إسرائيل بقيت على حالها – بما في ذلك الفوائد العديدة للتعاون الاقتصادي والتكنولوجي، التهديدات المشتركة، التعامل مع العناصر الإسلامية المتطرفة والرغبة في تعزيز التسامح بين الأديان، وتعزيز الاستقرار الإقليمي والقدرة على الصمود، والرغبة في الحصول على الدعم والمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية – فان الأجواء المعادية لإسرائيل في الدول الإسلامية تجعل من الصعب على زعماء المنطقة أن يدافعوا عنها علناً في التطبيع.

لذلك، من الممكن أن تطالب الدول التي تفكر في دفع التطبيع مع إسرائيل بمقابل أكبر، على شكل تنازلات إسرائيلية للفلسطينيين بالإضافة إلى المساعدات من الولايات المتحدة الامريكية. وهذا الوضع قد لا يؤدي فقط إلى مطالب تتعلق بالفلسطينيين التي ليست مقبولة من قبل إسرائيل، ولكن أيضاً للحد من التفوق العسكري النوعي لإسرائيل إذا حصلت دول مثل السعودية على وسائل عسكرية أو قدرات نووية متقدمة تحت رعاية اتفاق التطبيع. لكن على الرغم من التحديات والمعضلات، لا تزال إمكانية توسيع العلاقات الإقليمية قائمة.

التحدي الذي كان قائماً قبل 7 تشرين الأول، والذي تزايد منذ ذلك الحين، هو رغبة الإدارة الأمريكية الحالية بإدخال الفلسطينيين في المعادلة عند مناقشتها اتفاقيات التطبيع المحتملة. وهذا على النقيض من نهج الإدارة الأمريكية السابق، الذي أظهر استعداداً أكبر لمتابعة وتشجيع التطبيع الإسرائيلي – العربي دون اشتراط التقدم في التسوية مع الفلسطينيين.

تعزيز التعاون الإقليمي في الصراع مع إيران ووكلائها

تعرضت إسرائيل، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، للعديد من الهجمات والتهديدات منذ 7 تشرين الأول من وكلاء إيران في غزة واليمن والعراق وسوريا وفي لبنان. كما تحاول إيران توسيع قدرتها على تهديد إسرائيل من الأردن، من السلطة الفلسطينية وحتى من خلال تجنيد المواطنين العرب في إسرائيل إلى المعركة. بالإضافة إلى ذلك، تحاول إيران الآن تعميق بصمتها العسكرية ووجودها الدبلوماسي في منطقة الساحل الإفريقي، بما في ذلك ساحل السودان في البحر الاحمر.

كل من هذه التهديدات يخلق تحديات استراتيجية وعملياتية لإسرائيل. وفي الوقت نفسه، لا تزال الدول تعتبر إيران والأفرع التابعة لها بمثابة تهديد كبير للعديد منها في المنطقة، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمملكة العربية السعودية والمغرب والأردن. محاولات إيران للتوسع في منطقة الساحل، على طول الحدود الجنوبية لمصر ومساعي الحوثيين في اليمن لتدمير الممرات الملاحية في البحر الأحمر، كل هذا يشكل تهديداً خطيراً للقاهرة. السودان، من جانبها، ليست معنية بأن تسيطر طهران عليها، لكنها تحتاج إلى مساعدة أمنية لمحاربة مليشيات الدعم السريع. ومع ذلك، فهي لم تتمكن حتى الآن من الحصول على المساعدة المطلوبة لهذا من الغرب.

وقد تجلّت إمكانية التعاون الأمني الإقليمي في الحرب ضد إيران في الثالث عشر من شهر نيسان 2024، عندما شارك الأردن بفعالية في إحباط الهجوم الجوي الإيراني ضد إسرائيل. وبحسب التقارير فإن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية قدموا المساعدة الاستخباراتية التي ساعدت في صد الهجوم. توسيع التعاون العسكري والاستخباراتي ومأسسته بما يتجاوز ما هو موجود بالفعل وذلك من خلال اندماج إسرائيل في القيادة المركزية الأمريكية يقتضي التغلب على بعض التحديات. الأول هو أنه في ظل الرأي العام السلبي تجاه وجود إسرائيل في الشرق الأوسط في أعقاب الحرب في غزة سيجعل الأمر صعباً على القادة العرب توسيع العلاقات الأمنية مع إسرائيل بشكل علني. على الرغم من أن التعاون سوف يستمر “تحت الطاولة”، كما كان الحال منذ سنوات عديدة، ولكن هناك حدود لما هو ممكن تحقيقه دون تحركات مرئية للجمهور. بالإضافة إلى ذلك، تعميق هذا التعاون يحمل في طياته خطر كشف الأصول العسكرية أو الاستخباراتية الإسرائيلية لعناصر معادية قد تتسلل إلى بعض الأجهزة الأمنية لدول المنطقة.

الحفاظ على الأمن على الحدود بين الأردن ومصر..

ومواصلة وتعزيز التعاون الأمني واتفاقيات السلام

أدت أحداث 7 تشرين الأول إلى تفاقم التحديات التي تواجه علاقات إسرائيل وشركائها القدامى في اتفاقات السلام، مصر والأردن، والجهد المبذول للحفاظ على الهدوء على الحدود المشتركة مع البلدين. هذه التحديات هي نتيجة لعدة عوامل: في الأردن كان هناك متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين ولحماس على نطاق واسع، والتي شملت دعوات لإلغاء العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل واتفاقية السلام معها. المظاهرات لديها احتمال أن تتصاعد إلى تهديد لاستقرار النظام الملكي والحكومة في الأردن. الاعتقاد هو أن الإخوان المسلمين وحماس، بالإضافة إلى إيران، شاركوا أيضاً في تشجيع وفي انتشار التظاهرات المناهضة لإسرائيل، بهدف زعزعة استقرار المملكة الأردنية وفتح جبهة أخرى ضد إسرائيل على طول حدودها الشرقية. العائلة المالكة الأردنية والحكومة الأردنية، بالإضافة إلى الحلفاء الإقليميين للأردن، يسعون جاهدين لاحتواء هذه التظاهرات حفاظاً على استقرار المملكة، وللحفاظ على السلام في جميع أنحاء الحدود ومواصلة تدفق المياه والغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى الأردن.

 يجب أن نذكر أن هذا بلد غير مشبع بالمياه، ويتلقى 100 مليون متر مكعب من المياه من إسرائيل كل سنة وفوق ذلك، يتم استخدام الغاز الإسرائيلي (2.8 مليار متر مكعب في عام 2023). وتشير التقديرات أنه يستخدم لإنتاج نحو 80% من كهرباء الأردن. وفي الوقت نفسه، مسئولون حكوميون كبار في عمان أدانوا إسرائيل، وإلى جانب شيطنتها الصارخة، تم تجاهل مجازر 7 تشرين الأول، وقاموا بالتحريض على الدولة اليهودية. كما شهدت مصر زيادة في شعبية حركة حماس، على الرغم من مواصلة السلطات المصرية قمع جماعة الإخوان المسلمين وأتباعهم.

 الحرب وهجمات الحوثيين قللت حركة السفن في البحر الأحمر بنحو 42%، ونتيجة لذلك انخفض دخل مصر من قناة السويس بنسبة 40% إلى 50% – الدخل الذي وصل في السابق إلى 10 مليارات دولار -. الأضرار التي لحقت بالتجارة في البحر الأحمر ضعضعت الوضع الاقتصادي في مصر، ما أدى إلى الخوف من زعزعة استقرار النظام. كما تشعر مصر بقلق بالغ من احتمال زيادة تدفق سكان غزة إلى أراضيها ما يضاعف الضائقة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وسط إدخال عناصر متطرفة إلى أراضيها، لتهديد مصر وإسرائيل في آن واحد.

التهديد الذي تواجهه إسرائيل من مصر ذو شقين: العناصر المتطرفة – سواء كانت تعمل في إطار التنظيمات الإرهابية وسواء في إطار قوات الأمن المصرية – من شأنها تنفيذ هجمات إرهابية على الحدود المصرية الإسرائيلية أو ضد أهداف إسرائيلية في مصر. في الثالث من حزيران 2023، قتل شرطي مصري ثلاثة جنود إسرائيليين مستغلاً نقاط الضعف على طول الحدود. في 8 تشرين الأول، بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية – الحمساوية: فتح شرطي مصري النار على سياح إسرائيليين في الإسكندرية، ما أدى إلى مقتل إسرائيليَّيْن ومصري واحد. وفي أيار، قُتل إسرائيلي آخر في الإسكندرية فيما يبدو أنه عمل تخريبي.

 التهديد الثاني هو التهديد العسكري الصادر عن الجيش المصري نفسه. تحت غطاء الخوف من دخول سكان غزة إلى مصر عقب الحرب في قطاع غزة، وبالتزامن مع القوات الكثيرة التي أدخلتها مصر بموافقة إسرائيلية لمساعدة مصر في التعامل مع إرهاب داعش سيناء، نقلت وحدات عسكرية إضافية بالقرب من الحدود مع إسرائيل ووسعت بنيتها التحتية العسكرية في منطقة سيناء. مع الأخذ في الاعتبار أن الجيش المصري يستثمر الكثير في تحسين قدراته خلال السنوات القليلة الماضية، وما زال يؤدي مناورات تحاكي الحرب مع إسرائيل، سيتعين على إسرائيل أن تحدد النقطة التي يبدأ الحشد العسكري المصري على طول الحدود في تشكيل تهديد لا يمكن تصوره على سلامتها. ثم سيتعين عليها ممارسة الضغط على مصر حتى تسحب قواتها. وهذا تحدي معقد على ضوء الخطر الأمني الذي لا يزال قائماً، من وجهة نظر مصر، من تنظيم داعش في سيناء والموافقة الإسرائيلية لتعزيز قوات الجيش المصري التي سبق أن أعطيت بسبب نفس التهديد.

خلاصة القول، إن إسرائيل مطالبة بأن تسعى جاهدة للحفاظ على السلام داخل حدود الدولة في مصر والأردن، الأمر الذي ربما يتطلب الحفاظ على استقرار الأنظمة الحالية في كلا البلدين، وخصوصاً في مواجهة الجهود الرامية إلى زعزعة الاستقرار من قبل جماعة الإخوان المسلمين والإيرانيين.

وفي الوقت نفسه، يجب على إسرائيل أن تتعامل مع النشاط على الساحة الدولية لمعاداة إسرائيل والشيطنة الموجودة في الأردن ومصر. هذه الأنشطة تتسرب إلى الرأي العام وتجعل الرأي العام في كلا البلدين عدائياً للغاية تجاه إسرائيل وينتقد حكوماتها فيما يتعلق بتحسين العلاقات مع إسرائيل. كل هذا، فيما تعمل إسرائيل على تحسين العلاقات مع البلدين، بما في ذلك على المستوى الاقتصادي وفي مجال الابتكار وعلى مستوى العلاقات الشخصية.

تهيئة الظروف للمشاركة البناءة في غزة

من قبل الشركاء الإقليميين بعد الحرب

تواجه إسرائيل عقبات كبيرة في تشكيل غزة بعد الحرب بحيث أن القطاع لن يصبح مرة أخرى ملاذاً للإرهاب ومكاناً لإطلاق الصواريخ عليها. حماس بسبب أيديولوجيتها وأهدافها المتطرفة لا تزال تتمتع بدعم واسع النطاق في غزة. ويجب أن نتذكر أن حماس استولت على غزة عام 2007، وأن متوسط العمر في القطاع يبلغ حوالي 18 عاماً، بحيث أن قسماً كبيراً من السكان نشأ في غزة ضمن النظام التعليمي والديني لحماس. لكي يصبح كياناً مستقراً وفاعلاً ومسؤولاً لا يواجه أي مخاطر أمنية، سيكون من الضروري أن يخضع قطاع غزة لإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، بالإضافة إلى الخضوع لعملية اجتثاث التطرف. أي كيان يدير غزة يجب أن يلتزم بالحرب على الإرهاب، ولديه القدرات الحكومية، بما في ذلك إنفاذ القانون والنظام وضمان احتكار السلاح، وخلق فرص اقتصادية بطريقة لا تؤدي إلى تقوية ومساعدة المنظمات الإرهابية، وتعزيز ثقافة السلام بدلاً من العنف والتطرف الديني. وربما دول إقليمية معتدلة، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر، ستكون قادرة على لعب دور في إعادة إعمار وإدارة غزة بعد الحرب.

 لكن، ولن ترغب الدول الإقليمية المعتدلة في لعب دور في القطاع إذا نظر اليها بأنها مساعدة “للاحتلال” الإسرائيلي للقطاع أو تعمل على تقويض الطموحات القومية الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن هذه البلدان تدرك جيداً طبيعة حماس، احتمال استعدادها للمشاركة في إدارة غزة أو إعادة إعمارها طالما بقيت حماس القوة الأقوى في المنطقة منخفض جداً. ولذلك، في هذا السياق، تواجه إسرائيل تحديين: الأول، يجب عليها القضاء على حماس كقوة عسكرية وحكومية في غزة، بحسب أهداف حرب إسرائيل المعلنة. ثانياً، يجب أن تدعم الظروف التي تكمن من إشراك دول إقليمية في غزة للاستفادة من الشرعية الفلسطينية والعربية. لكن إذا كانت هذه الشرعية تتطلب اعترافاً إسرائيلياً بالدولة الفلسطينية أو في قيام سلطة فلسطينية في غزة، قد يكون الثمن أعلى مما تستطيع إسرائيل أو ينبغي لها أن تدفعه. التحدي من ناحية إسرائيل سيكون بالجسر بين مجال القيود الخاصة بها ومجالات قيود الشركاء الإقليميين المحتملين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *