دوليات

نتنياهو في الكونغرس.. تصفيق الشركاء لا يغير حقيقة الفشل

بقلم ابتسام الشامي

لكن المعادلة الميدانية في الشهر العاشر للحرب لا تعمل لمصلحتها، ووعد النصر الذي كرره نتنياهو امام المسؤولين الأمريكيين بقي في نظر الخبراء، بعد الخطاب كما قبله، شيكا بلا رصيد.

شركاء الحرب والجريمة

لم تكن حفاوة أعضاء الكونغرس الأمريكي برئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو مستغربة، فالذين قاطعوا مراراً خطابه من نواب وشيوخ أمريكيين، بالوقوف والتصفيق القوي، ليسوا سوى شركاء كيانه ماضياً وحاضراً في كل الإجرام الصهيوني الممارس بحق الشعب الفلسطيني وشعوب دول المنطقة، وليس أدل على هذه الشراكة، من مراجعة حجم “المساعدات” العسكرية الأمريكية السنوية للكيان المؤقت، وكذلك الأداء السياسي الأمريكي الداعم لكل الحروب الإسرائيلية على مدار ستة وسبعين عاماً من عمر هذا الكيان، وهو ما منحه الضوء الأخضر للامعان في تغيير وجه المنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية في إحكام السيطرة على القرار السياسي لدولها، والامساك بثروات شعوبها.

ما جرى في الكونغرس إذا اثناء القاء نتنياهو خطابه الرابع في تاريخه السياسي رئيساً لوزراء العدو، لم يكن استثناء في تاريخ العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، وانما جاء في سياقها واستمرارا للعمل بتقاليدها وأصولها. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد حاولت خلال العقود الماضية تقديم نفسها وسيطاً في قضية الصراع العربي الإسرائيلي، فإنها في الحرب الجارية على قطاع غزة كانت أكثر وقاحة في التعبير ليس عن انحيازها للعدو، وإنما قيادتها الحرب بالمعنى العملي للكلمة، وتوفير ما يلزم لها من دعم عسكري وسياسي حتى تحقيق أهدافها في إخضاع الشعب الفلسطيني، وشطب القضية الفلسطينية.

لكن واشنطن كما تل ابيب، لم تكن لتتوقع أن تكون نتائج الضغط العسكري خلال عشرة أشهر مخيبة للآمال إلى هذه الدرجة. فعلى الرغم من الكلفة الإنسانية القاسية للحرب على الفلسطينيين والدمار الكبير الذي خلفته، إلا أن الحرب لم تحقق أهدافها، لا في استعادة الاسرى ولا في القضاء على المقاومة ولا في دفع اهل القطاع إلى مغادرته، فضلاً عن كونها خلقت أخطاراً وتحديات ذات طبيعة وجودية للكيان المؤقت، سواء في ما أبلته جبهة المقاومة في إسنادها لغزة، أو ما كشفته الحرب عن هشاشة المجتمع الإسرائيلي ربطاً بانقساماته العميقة في مستويات متعددة. وهذا كله ما كان ليحدث لولا الصمود الفلسطيني وثبات المقاومة وجرأتها وتكيفها مع متطلبات الحرب وطول مدتها، بما دفع نحو تغيير المعادلة التي حكمت الحرب وإعادة النظر في أولوياتها وصياغة أهدافها من جديد، وتقديم “الحل السياسي” كأولوية على استمرار الحرب.

“إسرائيل” تفقد القوة الردعية

في هذا السياق، يأتي التغير الملحوظ في مقاربة الإعلام الغربي لما يجري في المنطقة، وسط التحذير من اتساع رقعة الحرب وتداعياتها على الكيان المؤقت. ومع زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة وخطابه في الكونغرس، أبدى المزيد من الخبراء وكبار الصحافيين الغربيين شكوكهم، حيال قدرة تل أبيب في تحقيق اهداف الحرب كما في احتواء نتائجها.

وفي هذا الإطار رأى الكاتب البريطاني، ورئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي”، ديفيد هيرست، أن “إسرائيل” دخلت حقبة جديدة حيث لم تعد المجموعات المقاومة في المنطقة ترفع الراية البيضاء، بل ترد الصاع صاعين. وحث الإسرائيليين على التخلي عن سفينة نتنياهو التي تغرق. وفي مقال له على الموقع، قال إن “إسرائيل وبدلاً من أن تحقق الردع خلال هذه الحرب، ها هي قد خسرته تماماً”. مضيفاً أن “حماس وحزب الله والمجموعات الفلسطينية المسلحة الأخرى، والمجموعات المدعومة من قبل إيران في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن، أكثر جرأة اليوم، وأقوى شكيمة، وأعلى قدرة من الناحية العسكرية، على رد الصاع بصاعين، بل وأكثر من أي وقت مضى خلال الصراع المستمر منذ 76 عاماً”.

وما يدفع الكاتب البريطاني المشهور إلى هذا الاستنتاج هو الواقع الميداني في غزة. فبعد عشرة أشهر من الحرب “ما زالت شبكة الأنفاق في غزة سليمة، ولقد أثبتت حماس ذلك من خلال ضرب الدبابات الإسرائيلية في شمال ووسط وجنوب القطاع بشكل متزامن، وقد اعترف الجيش الإسرائيلي بأن حماس دمرت الكثير من الدبابات، وأنه لم يعد لديه من الدبابات ما يكفي لغزو لبنان”، مشيراً إلى أن ما يذهل تل ابيب ليس الاداء العسكري لحماس وحده، وانما المدني أيضاً، فهي “مازالت تحتفظ بالتحكم الوطني بالقطاع”.

أما على مستوى جبهات الإسناد، فيرى الكاتب البريطاني أن ضربات حزب الله بالمسيرات والصواريخ ضد الإشارات الإسرائيلية وعلى مراكز جمع المعلومات الاستخباراتية، في ما سماه شمال إسرائيل، كانت “ضربات بالغة الدقة لدرجة أن أجزاء من جنوب لبنان غدت نقاطاً عمياء أمام المسيّرات الإسرائيلية وأمام مختلف العمليات العسكرية الأخرى، وحتى لو أراد الجيش الإسرائيلي شن هجوم لدفع حزب الله بعيداً عن الحدود وحمله على الانسحاب إلى شمال نهر الليطاني، فإن الجيش لم يعد في وضع يؤهّله لفتح جبهة ثانية، فهو بحاجة إلى زمن وإلى ذخيرة لكي يتعافى مما حل به في غزة”. وبعد أن يتوقف الكاتب عند باقي جبهات إسناد غزة، لاسيما جبهة اليمن التي شلت حركة الملاحة عبر مضيق باب المندب، يقول، إن “حقبة الحملات العقابية – الإسرائيلية – القصيرة من أجل قص العشب وفرض إذعان يستمر لسنين انتهت، وإسرائيل اليوم دخلت حقبة جديدة لم تعد فيها مجموعات المقاومة ترفع الراية البيضاء بعد بضعة أسابيع من القتال، ولم تعد تخرج إلى المنافي، وليس لديها الاستعداد للتخلي عما في أيديها من الأسرى بسهولة، بل ترد الصاع صاعين، وتكبد الدبابات والاحتياطيين الذين يقودونها ثمناً باهظاً، وتكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسارة كبيرة. لقد ارتفعت تكلفة مثل هذه الحروب على إسرائيل بشكل مضطرد. إضافة إلى ذلك فإن العالم العربي بأسره يغلي غضباً”. وبناء عليه، يرى ديفيد هيرست في موقع ميدل إيست أي أن “فقدان القدرة الردعية، والتخلي عن المفاوضات من خلال الإعلان الواضح بأن جميع الأرض هي ملك للشعب اليهودي، وخسارة الرأي العام، والآن الإدانة القانونية من قبل القانون الدولي، ينبغي أن يدفع كل ذلك الإسرائيليين البراغماتيين نحو خلاصة واحدة: حان الوقت لوقف القتال والبدء بالكلام. في هذه اللحظة بالذات، كل المؤشرات تدل على أنهم عالقون في السفينة الغارقة ويغرقون معها”.

حماس تمسك بالميدان وبالسلطة المدنية

بدورها شككت صحيفة “واشنطن بوست” في مزاعم رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس، الأربعاء، بشأن القضاء على نفوذ وسلطة حركة حماس في غزة. وقالت الصحيفة في تقرير لها، إنه “في الوقت الذي تحدث فيه نتنياهو عن إنجازاته في حرب غزة، وصمم أمام المشرعين في الكونغرس الذين صفقوا له على مواصلة الحرب حتى النهاية، ذكره المعلقون بالواقع المغاير في غزة، حيث تتمسك حماس بالسلطة وعادت سريعا إلى المناطق التي انسحبت منها القوات الإسرائيلية”.

ولفتت الصحيفة الأمريكية إلى أنه “وبعد أكثر من تسعة أشهر على الحرب الإسرائيلية الشاملة، لا تزال حكومة حماس المصدر الرئيسي للسلطة المدنية في قطاع غزة، حيث أن الموظفين المدنيين والشرطة من كل مفاصل الحكومة، من رؤساء البلديات إلى الوزراء والسلطات الصحية لا تزال عاملة بقدر ما، وهو دليل على قدرة المنظمة وتصميمها، ومحدودية نتائج العملية العسكرية التي تهدف لسحقها”. وتنقل الصحيفة عن محللين قولهم” إن المسؤولين المحليين لا يزالون يمارسون درجة من السيطرة على الاقتصاد ويوفرون مساعدات محدودة لسكان الأحياء المحطمة ويأخذون بشدة على يد نقادهم”. وبحسب واشنطن بوست، فإن “استمرارية حركة حماس وسعت من الصدع ما بين نتنياهو والجيش الذي يقول إنه لا يمكن هزيمة الحركة”، مشيرة في هذا السياق إلى ما قاله المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري، إن “حماس هي فكرة” و “أي شخص مخطئ لو اعتقد أننا سنمحو حماس”.

خاتمة

حظي نتنياهو في الكونغرس بما يرغب فيه من دعم، لكن تصفيق الشركاء لخطابه المصقول بالكذب والادّعاءات لا يغير في المعادلة الميدانية شيئاً. بعد عشرة أشهر من الحرب على غزة، مجرم الحرب في أحضان داعميه خالي الوفاض، بلا أي إنجاز معتد به. على أن تجارة الأوهام التي اشتهر بها منذ بداية الحرب لم تعد مجدية مع تبدّل المزاج الشعبي في الولايات المتحدة الأمريكية، ليس اتجاه حرب كيانه المؤقت على الفلسطينيين فحسب، وإنما اتجاه أصل وجود هذا الكيان و”شرعية” دعمه والإنفاق العسكري الكبير عليه. خارج الكونغرس اصطف المعترضون على الزيارة حملوا اللافتات وكتبوا الشعارات وبينهم يهود أمريكيون، أما في الداخل فمن اعترض تغيب أو عبر بأشكال مختلفة كان أبرزها، رفع عضو الكونغرس عن الحزب الديمقراطي رشيد طليب في وجه نتنياهو لافتة مكتوب عليها “مجرم حرب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *