الخطوط العريضة لإنهاء الحرب في قطاع غزة وإقامة ائتلاف إقليمي: الآفاق والصعوبات
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
أجريت محاكاة في معهد دراسات الأمن القومي لبحث مخطط أمريكي عربي لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وإقامة التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وتشكيل ائتلاف أمني اقتصادي إقليمي.
وفي المحاكاة، رفضت حماس هذه الخطوط العريضة، طالما أنها قادرة على القتال ولا تتشكل آلية بديلة للسيطرة على قطاع غزة. إسرائيل من جهتها ردت على الخطة بشكل إيجابي، على الرغم من الثمن المطلوب منها من حيث تعزيز العملية السياسية نحو حل الدولتين. وقد أحدث هذا التطور تغيراً إيجابياً كبيراً في الموقف الإقليمي والدولي تجاه إسرائيل.
لكن تبقى أسئلة حول ما الذي سيدفع إيران وحزب الله ووكلائهما الآخرين إلى الموافقة على إنهاء حرب الاستنزاف ضد إسرائيل، ويرجع ذلك أساساً إلى الارتباط بين نهاية الحرب وتشكيل تحالف أمني إقليمي يُفسر على أنه تحالف ضد إيران. وكشفت المحاكاة أيضاً أنه، خلافاً لتوقعات إسرائيل، فإن يوم 7 تشرين الأول رفع بالفعل قيمة السلطة الفلسطينية كمنصة رئيسية لإقامة دولة فلسطينية والتقدم في التطبيع الإقليمي مع إسرائيل.
السيناريو
قدمت الولايات المتحدة والدول العربية – مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والمغرب – بالإضافة إلى الدول الغربية، الخطوط العريضة لثلاث مراحل لإنهاء الحرب في قطاع غزة وإقامة تحالف أمني اقتصادي إقليمي:
العنصر الأول: إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة وعلى الحدود الإسرائيلية اللبنانية. ومن شروط وقف إطلاق النار الاتفاق على إطلاق سراح المختطفين. وفي الوقت نفسه، سيتم توسيع المساعدات الإنسانية لقطاع غزة وستغادر قوات الجيش الإسرائيلي المدن ومخيمات اللاجئين في قطاع غزة.
العنصر الثاني: خطوات تحقيق الاستقرار في القطاع وإنشاء آلية مراقبة مدنية مرتبطة بالسلطة الفلسطينية
*إنشاء إدارة تكنوقراط مرتبطة بحكومة السلطة الفلسطينية في رام الله، ويعمل بها متخصصون وخبراء، معظمهم من غزة، والتي ستتولى مسؤولية إدارة المجال المدني في القطاع.
*تشكيل قوة عمل عربية لمساعدة “السلطة الفلسطينية المتجددة” في تنفيذ الإصلاحات ودعم التحركات الرامية إلى استعادة سيطرتها على قطاع غزة، بحيث تحظى عودتها إلى المنطقة بتعاطف السكان المحليين.
*إنشاء آلية شرطية لقطاع غزة سيتم تدريبها في مصر بتوجيه من المنسق الأمني الأمريكي، وستكون مسؤولة عن النظام العام في قطاع غزة.
*طالما لم يتم إطلاق سراح جميع المختطفين الإسرائيليين، فإن إسرائيل تسيطر على الفضاء الأمني وممر نيتساريم ومحور “فيلادلفيا” ولا تتخلى عن حرية العمل العسكري ضد التهديدات الإرهابية والبنية التحتية في القطاع.
العنصر الثالث: تعزيز عملية سياسية برعاية إقليمية
* تجمع ومؤتمر إقليمي ودولي، يتم في إطاره الإعلان عن إقامة علاقات رسمية بين إسرائيل والسعودية وتشكيل تحالف أمني اقتصادي إقليمي بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة الدول العربية المعتدلة وإسرائيل.
* سيتم إنشاء لجنة رقابية بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للتأكد من أن السلطة الفلسطينية تنفذ بالفعل الإصلاحات المطلوبة منها حتى تكون لاعباً جديراً في تعزيز التسوية السياسية.
* إذا قررت اللجنة بالفعل تنفيذ الإصلاحات الضرورية وأظهرت السلطة سيطرة فعالة، فسيتم إطلاق عملية سياسية بين إسرائيل والسلطة لتمهيد الطريق نحو واقع الدولتين لشعبين.
مطالب من إسرائيل: تجميد البناء في المستوطنات خارج الكتل الاستيطانية؛ إنشاء وسائل النقل والبنى التحتية الاقتصادية في الضفة الغربية لتحسين الأداء الاقتصادي ونسيج حياة السكان الفلسطينيين؛ السماح باستعادة قطاع غزة.
مطالب من السلطة الفلسطينية: وقف تحويل الأموال إلى أهالي الإرهابيين والأسرى؛ التعليم من أجل السلام والتسامح؛ الحد من العوامل المتطرفة وإزالتها.
ردود أفعال اللاعبين المختلفين على السيناريو
حماس: رفضت الاقتراح وطالبت بالتزام وضمانات دولية لإنهاء الحرب وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من جميع مناطق قطاع غزة. وزادت المنظمة من نشاط الخلايا الإرهابية ضد قوات الجيش الإسرائيلي، وواصلت إطلاق الصواريخ، وتم القضاء على المتعاونين مع السلطة الفلسطينية ورفضوا صفقة إطلاق سراح الرهائن.
إسرائيل: عندما أصبح موقف حماس واضحاً، وافقت على كلا عنصرَيْ المخطط – إنهاء الحرب والتطبيع مع المملكة العربية السعودية، مع إبداء استعدادها للمشاركة في عملية سياسية من شأنها أن تؤدي مستقبلا إلى حل دولتين لشعبين.
حزب الله: أعلن زعيم التنظيم حسن نصر الله أنه سيواصل حرب الاستنزاف طالما بقيت قوات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وسيعود حزب الله، بتنسيق وثيق مع إيران، لمهاجمة إسرائيل في كل مرة تنتهك فيها وقف إطلاق النار ضد حماس حتى لو حدث تقدم في خطة إنهاء الحرب.
إيران: تواصل استخدام عملائها ضد إسرائيل وتهدد بالانتقام من السعودية إذا أعلنت علاقات رسمية مع إسرائيل. إيران عازمة على نسف التطبيع، لكنها تجد صعوبة في قطع العلاقة بينه وبين وقف إطلاق النار/إنهاء الحرب في غزة، لأنها مهتمة ببقاء حماس. لكن حاجة إيران إلى نسف التطبيع تفوق صمود حماس، وقد قررت مواصلة حرب الاستنزاف ضد إسرائيل عبر وكلائها. لقد تحقق كابوس إيران في 14 نيسان في نظام الدفاع الجوي الإقليمي الذي عمل إلى جانب إسرائيل. ولهذا السبب تهدد الدول العربية، الشركاء المحتملين في اتفاق أمني إقليمي، وتحفز عملائها على زيادة أنشطتهم، وتستمر في نقل الأموال والأسلحة إلى حماس.
السعودية: متشجعة باستعداد إسرائيل لإنهاء الحرب وإجراء عملية سياسية مع السلطة الفلسطينية، ومستعدة للمضي قدماً في التطبيع بشرط تقديم البدائل الأمريكية لها، حتى لو كان مخطط إنهاء الحرب لم يكتمل. ومع ذلك، طالما استمرت الحرب في قطاع غزة وبين إسرائيل وحزب الله، فإن المملكة العربية السعودية تجد صعوبة في إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل ورفضت التزامها بتنفيذ إطار تحالف أمني إقليمي.
مصر: ترحّب بردِّ إسرائيل على الخطوط العريضة الداعمة لمحاولة خلق الاستقرار الإقليمي وهي على استعداد للمساعدة في ذلك. توصل مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، وتفتح معبر رفح، لكنها تطالب السلطة الفلسطينية بالسيطرة على المعبر. وترفض مصر إرسال قوات لتحقيق الاستقرار في القطاع، لكنها مستعدة لدعم قوة عمل عربية أو دولية سيتم تشكيلها بغرض إعادة تأهيل القطاع.
السلطة الفلسطينية: قبلت الخطوط العريضة، ووافقت على إرسال قوات من الحرس الرئاسي إلى معبر رفح، لكنها علّقت إرسال الآليات الأمنية لإدارة القطاع ما دامت الحرب مستمرة. فالسلطة، مقابل التصرف الإيجابي واندماجها في إطار إقليمي، تطالب بوقف البناء في المستوطنات؛ تلقي مساعدات واسعة النطاق من الدول العربية؛ تشكيل قوة عربية تساعدها على استعادة السيطرة على القطاع؛ ودعم فريد لأجهزتها الأمنية لغرض دفع الرواتب وتحسين القدرات؛ وكذلك الإفراج عن كافة أموال المقاصة من قبل إسرائيل. وكل هذا، مع الاستعداد لإنشاء آلية اجتماعية لدعم أسر الإرهابيين، والإشراف العربي على نظام التعليم واستئصال التطرف من محتوياته.
الأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب: رحبوا بالمخطط وهم على استعداد للاستعانة بهم في إعادة إعمار قطاع غزة في المستقبل. وطالبوا السلطة الفلسطينية بتنفيذ الإصلاحات وأعربوا عن استعدادهم لمساعدتها في ذلك، لكنهم رفضوا طلب إرسال قوات إلى قطاع غزة ووضعوا ثلاثة شروط لذلك: وقف القتال في قطاع غزة؛ وأن تدعوهم السلطة الفلسطينية (وليس الولايات المتحدة أو إسرائيل) إلى الاندماج في استقرار القطاع بعد أن يظهروا الاستعداد والكفاءة لإدارة المنطقة؛ وتتعهد إسرائيل بوقف الهجمات العسكرية في قطاع غزة.
روسيا: تحفظت على المخطط بحيث تريد أن ينصب اهتمام العالم على الشرق الأوسط وليس على الحرب في أوكرانيا، وحافظت على تنسيق وثيق مع إيران والصين وواصلت التعاون العسكري معهما، مع إنشاء آلية مشتركة للتعلم حول القدرات العسكرية لإسرائيل والولايات المتحدة. وحاولت روسيا والصين تهدئة التوجه السعودي تجاه التطبيع مع إسرائيل والتحالف الأمني مع الولايات المتحدة.
أوروبا: أيدت المخطط التفصيلي، وتعهدت بمساعدة السلطة الفلسطينية في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة منها.
الرؤى التي ظهرت من المحاكاة
حماس: طالما أن المنظمة قادرة على مواصلة القتال ولم يتم تشكيل آلية بديلة للسيطرة على قطاع غزة فإنها لا تزال تمتلك حقّ النقض ويمكنها تعطيل الخطة وحتى نسفها. رفضت حماس هذه الخطوط العريضة على أساس أنها قد تحصل على عرض أفضل بسبب العديد من العوامل التي تسعى إلى إنهاء الحرب. حماس ستبذل كل ما في وسعها لتبقى فاعلة ومنخرطة في آلية السيطرة على القطاع، حتى لو لم تترأسها، وستحافظ على بقايا قوتها العسكرية وخلاياها الإرهابية.
إسرائيل ليست مستعدة للتخلي عن حرية العمل العملياتية، التي تهدف إلى منع تجدد نمو حماس وإحباط التهديدات. ولم يقبل أي من اللاعبين المطلب الإسرائيلي بحرية العمل، ومن ناحية أخرى، لم يكونوا على استعداد لإرسال قوات فعالة لتفكيك البنى التحتية الإرهابية ومنع نمو وتقوية حماس مرة أخرى. ومع ذلك، فإن رد إسرائيل الإيجابي على المخطط، بما في ذلك استعدادها “لدفع الثمن” بمعنى تعزيز عملية سياسية لحل الدولتين، أدى إلى تغيير إيجابي جوهري في الموقف الإقليمي والدولي تجاهها. إن المملكة العربية السعودية مستعدة للمضي قدماً في التطبيع، حتى لو لم يتوقف القتال في غزة، في مواجهة رفض حماس.
وتبقى فجوة كبيرة في الخطوط العريضة فيما يتعلق بسؤال ما الذي سيدفع إيران وحزب الله وحلفاء إيران الآخرين (الحوثيين مثلاً) إلى الموافقة على إنهاء حرب الاستنزاف التي يشنونها ضد إسرائيل، ويرجع ذلك أساساً إلى الارتباط بين الطرفين. إنهاء الحرب وتشكيل تحالف أمني إقليمي، يُفسر على أنه تحالف ضد إيران وحلفائها. والسؤال الآخر هو كيف يمكن إقناع السعودية بالعزم والمضي قدماً في خطة التطبيع مع إسرائيل طالما لا توجد تهدئة في جميع الساحات.
(لم تصل المحاكاة إلى المرحلة التي يستمر فيها القتال ضد إيران ووكلائها، وتطبق إسرائيل حرية العمل العسكري لمنع إعادة نمو حماس في القطاع)
من العوائق أمام التقدم في التطبيع وإقامة ائتلاف إقليمي، سلوك إسرائيل في الضفة الغربية، وخصوصاً استمرار الضم الزاحف، كما انعكس في القرارات الأخيرة للحكومة الإسرائيلية وإجراءاتها في المنطقة وعلى الساحة الدولية والتي تهدف إلى انهيار السلطة الفلسطينية. وخلافاً لتوقعات إسرائيل، فقد رفع يوم 7 تشرين الأول فعلياً قيمة السلطة الفلسطينية باعتبارها المنصة الرئيسية ذات الصلة بإقامة دولة فلسطينية وتحقيق تسوية سياسية إسرائيلية فلسطينية كشرط للتقدم في التطبيع مع إسرائيل. وبدلاً من تهدئة مخاوف دول المنطقة وتشجيعها على المضي قدماً وفق الخطوط العريضة للتحالف الأمني الاقتصادي الإقليمي، حتى لو لم يتم التوصل إلى ترتيب لإنهاء الحرب في قطاع غزة، فإن إسرائيل تجعل الأمر صعباً عليها. بسبب تمسكها بسياستها الصارمة تجاه السلطة الفلسطينية وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية. وينظر إلى هذه السياسة على أنها تهدف إلى إحباط إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستدامة.
معهد أبحاث الأمن القومي – اودي ديكل