فنزويلا في مواجهة انقلاب سياسي جديد.. مادورو يستحث الدفاع البلاد كي لا تقع في أيدي الصهيونية
بقلم ابتسام الشامي
بعد أكثر من عشرة أيام على إجرائها، سيناريو الانقلاب على الانتخابات الرئاسية في فنزويلا، أكثر وضوحاً، المعارضة ترفض النتائج الرسمية، والولايات المتحدة الأمريكية ومن يدور في فلكها تشكك بها وتدعو إلى تجاوزها.
مادورو: الصهيونية تريد وضع يدها على البلاد
مع إعلان فوزه بولاية رئاسية ثالثة، بادر الرئيس الفنزويلي المنتخب نيكولاس مادورو، للتصدي للحملة العنيفة التي أطلقتها المعارضة ضد الانتخابات الرئاسية الاخيرة، مشككة بنتائجها ومدعية فوز مرشحها إدموندو غونزاليس.
بالنسبة لوريث الشافيزية فإن ما يجري في بلاده من تناغم واضح بين المعارضة الداخلية وأعداء كاراكاس في الخارج، ليس سوى حرب على الهوية السياسية للبلاد، وسياستها الخارجية، والتزامها جانب القضايا العادلة في العالم، وفي مقدمها القضية الفلسطينية. وهو اذ يتصدى لمحاولة الانقلاب على الانتخابات الرئاسية ومصادرة الارادة الشعبية للناخبين الفنزويليين، يجد أن النظام الذي يترأسه، في مواجهة أوسع لمؤامرة تستهدف حرف الخط السياسي للبلاد والعودة بها إلى ما قبل حكم الزعيم هوغو تشافيز، الذي قاد عملية تحررها من الاستتباع الأمريكي، في عملية معمقة من البناء والتنمية ومحاربة الفساد والانتصار لقضايا المظلومين في العالم.
في هذا السياق، يمكن فهم ما ردده مادورو خلال الأيام الماضية في لقاءاته الإعلامية، وأمام الجماهير المحتفلة بفوزه، حول حقيقة ما تعيشه فنزويلا منذ صدور نتائج الانتخابات التي جرت في الثامن والعشرين من الماضي، وكيفية التعامل معه والتصدي له، ومؤكداً ضرورة “الدفاع عن فنزويلا كي لا تقع في أيدي الصهيونية” التي تريد وضع يدها على البلاد، مشيراً إلى أن ما شوهد في فنزويلا في الأيام الأخيرة هو “أناس يتقاضون المال، ويتدربون للتدمير والقتل”، في إشارة إلى تظاهرات المعارضة ضد نتائج الانتخابات. وفي كلمة ألقاها تحت المطر في تجمع حاشد دعا إليه فرع الشباب في الحزب الاشتراكي الموحد، وصف مادورو ما يجري بـ “العرض الأكثر رعباً الذي شهدناه منذ 25 عاماً”، محملاً زعيمَي المعارضة ماريا ماتشادو وإدموندو غونزاليس، المسؤولية عما وصفه بـ “الهجوم الفاشي في فنزويلا”. وحذّر من أن اليمين المتطرف يريد الظهور من جديد في العالم، من خلال “ترهيب المجتمع وفرض نفسه بالقوة”. وبعد تأكيد استعداده تقديم كل الأرقام والجداول الخاصة بالعملية الانتخابية الاخيرة، هاجم الرئيس الفنزويلي تطبيق “واتس آب” واصف اياه بـ “الإمبريالية التكنولوجية التي تهاجم شعب فنزويلا”، بالنظر إلى استخدامه أداة في مهاجمة المؤسسات الرسمية لاسيما العسكرية منها والأمنية فضلاً عن الدور الذي يؤديه في تحوير الوقائع وقلب الحقائق.
وفي تصريح خاص لقناة الميادين، ذهب الرئيس الفنزويلي بعيداً في كشف المؤامرة التي تتعرّض لها بلاده على خلفية تموضعها السياسي، لافتاً إلى أن اليمين المتطرف في فنزويلا “مدعوم وممول من الصهيونية العالمية”، وأن للدور الصهيوني “تأثيراً في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي” في الوقوف خلف محاولة الانقلاب التي تجري في بلاده. وإذ شدد على أن فوزه في فنزويلا هو “أكبر دليل عما يمكن لشعب أن يفعله من أجل استقلاله وكرامته ومستقبله”، رأى أن العالم “لم يعد يعتمد على قرار واشنطن، أو اليمين المتطرف الرأسمالي المتوحش، والفاشية الجديدة”. مؤكداً أن من يقرر في فنزويلا هو “الشعب والدستور والمؤسسات العامة، وليس حكومة الولايات المتحدة”.
مؤامرة الانقلاب على نتائج الانتخابات
مواقف مادورو التي تستبطن اشارات واضحة حول دخول بلاده في أزمة سياسية جديدة تستدعي منها التعامل بما يلزم من أدوات فعّالة لإحباط مؤامرة الانقلاب على هويتها السياسية، جاء على خلفية التطورات التي شهدتها كاراكاس خلال أسبوع ونيف من الاحتجاجات المنظمة للمعارضة رفضاً لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وما رافقها من مواقف دولية متناغمة مع حملة التشكيك فيها، وقد وصلت هذه الحملة إلى حد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بزعيم المعارضة إدموندو غونزاليس رئيساً للبلاد، في نسخة مكررة عن انتخابات عام 2018 عندما اعترفت برئيس البرلمان آنذاك خوان غوايدو رئيساً لفنزويلا. وفي هذا السياق، سارع وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى حسم نتائج صناديق الاقتراع. وفي بيان صادر عنه قال بلينكن “بالنظر إلى الأدلة الدامغة، فمن الواضح للولايات المتحدة، والأهم من ذلك للشعب الفنزويلي، أن إدموندو غونزاليس أوروتيا فاز بأكبر عدد من الأصوات”. وبعد “تهنئة” المرشح على حملته الانتخابية التي وصفها بالناجحة، أوضح بشكل لا لبس فيه ما تستهدفه واشنطن في كاراكاس أي التغيير السياسي، قائلاً “حان الوقت للأطراف الفنزويلية لإطلاق مناقشات حول انتقال سلمي للسلطة، وفقاً لقانون الانتخابات الفنزويلي”.
كلام بلينكن تزامن ونشر صحيفة “نيويورك تايمز”، ما قالت إنه تحليل لنتائج الانتخابات الفنزويلية، علماً أن ما استندت إليه في تحليلها اعتمد على نتائج التصويت في 3% من مراكز الاقتراع، وصلت إليها من مصادر المعارضة!. وبحسب خلاصة تحليل الصحيفة، فإن نسبة 66% من الفنزويليين منحت أصواتها لغونزاليس، مقابل 34% لمادورو، وذلك على النقيض التام مما أعلنته “الهيئة الوطنية للانتخابات” حول فوز الرئيس بأكثرية واحد وخمسين في المئة من أصوات الناخبين.
ويأتي الاعتراف الأمريكي بمرشح المعارضة رئيساً لفنزويلا في سياق حملة منظمة للانقلاب على نتائج الانتخابات، كان من أبرز تجلياتها، إلى بيان وزير الخارجية الأمريكية، اصطفاف عدد من الزعماء الاقليميين والدوليين الدائرين في الفلك الأمريكي، في حملة التشكيك بالانتخابات وادّعاء فوز مرشّح المعارضة فيها، تصدرهم الرئيس الأرجنتيني، خافيير ميلي، الذي استبق إعلان النتائج الرسمية بوصفها مزورة، قبل أن يدعو القوات المسلحة الفنزويلية إلى الإطاحة بحكومة الحزب الاشتراكي. أما الرئيس التشيلي، غابرييل بوريك، الذي شكك هو الآخر في نتائج الانتخابات، فقد حسم عدم الاعتراف بها إلا بعد “التحقق من سجلات التصويت”، وهو ما أكده أيضاً وزير خارجية بيرو، خافيير غونزاليس أولاتشيا، ورئيس الإكوادور، دانيال نوبوا.
غير أن الاصطفاف الإقليمي خلف الموقف الأمريكي من الانتخابات الرئاسية الفنزويلية، ظل قاصراً عن بلوغ أهدافه في منظمة الدول الأمريكية، إذ امتنعت إحدى عشرة دولة عن الموافقة على النص النهائي لقرار موجه ضد كاراكاس، مقابل سبع عشرة دولة أيدته، وهذا يعني عملياً أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها، فشلوا في تحقيق إجماع ضد فنزويلا تتبنى الرواية التي تسوق لها المعارضة بالتنسيق مع رعاتها الخارجيين.
خاتمة
على خلفية المواقف المعلنة من الانتخابات وأداء المعارضة الداخلية، يبدو أن فنزويلا تدخل مرحلة جديدة من الكباش السياسي الساخن، لن يكون أقل حدة ووطأة مما عاشته البلاد منذ عام 2018 عندما استقوت المعارضة بالخارج، للانقلاب على نتائج التصويت في الانتخابات الرئاسية. وفي ضوء تجربة السنوات الماضية فمن المتوقع أن ترفع واشنطن وتيرة ضغوطها على كاراكاس، وليس اعترافها بمرشح المعارضة سوى بداية ضغوط سيتوقف مدى تأثيرها على قدرة البلاد على التعامل معها، ومدى استعداد حلفائها للانخراط الجدي في المواجهة وتأمين مظلة حماية لنظامها وحكومتها.