الصومال وأثيوبيا.. أزمة جديدة تهدد منطقة القرن الأفريقي
بقلم ابتسام الشامي
تشهد العلاقات الصومالية الأثيوبية تصاعداً في التوتر ينذر بانفجار وشيك، لديه قابلية التمدد، وسرعة الانتشار في بيئة إقليمية مثقلة بالتحديات الأمنية والخلافات البينية المتراكمة، وهي خلافات أبقت حدود بعض الدول في القرن الأفريقي مزنرة بأحزمة من التوتر المستدام.
بدايات الأزمة
على مسافة أيام قليلة من جولة تفاوضية جديدة لحل الأزمة المستجدة بينهما، ارتفع منسوب التوتر بين أثيوبيا والصومال، متزامناً مع تحركات عسكرية شهدتها الحدود المشتركة بين الجارين، بما يفيد بأن المفاوضات التي ترعاها تركيا، لم تنجح حتى الآن في تقريب وجهات النظر ونزع فتيل التصعيد.
الأزمة التي تهدد باشتعال إقليمي في منطقة القرن الأفريقي، كانت قد بدأت بتوقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع ولاية أرض الصومال لاستئجار شريط ساحلي فيها مدة 50 عاماً، الأمر الذي رأت فيه مقاديشو، اعتداءً على سيادتها، كون ولاية أرض الصومال إقليماً انفصالياً وبالتالي فإن توقيع اتفاقيات معه، يعني اعترافاً به دولة مستقلة.
ولكن ما يعدّ بالنسبة للصومال خطوطاً حمراء من شأن المساس بها اعتداءً على أراضيها، وتغييراً في خريطة التوازنات القائمة في منطقة القرن الأفريقي، يبدو بالنسبة لأثيوبيا أمراً يستحق المغامرة طالما أن الهدف الوصول إلى البحر الأحمر وإيجاد موطئ قدم لها هناك، بعد خسارتها إطلالاتها على هذا البحر الاستراتيجي عام 1993 مع استقلال إريتريا. ومنذ ذلك الوقت تعتمد البلاد المترامية الأطراف، على جارتها جيبوتي في نقل 95٪ من صادراتها ووارداتها، لكن الرسوم المرتفعة التي تفرضها الأخيرة لقاء ذلك أرهق الاقتصاد الأثيوبي، بالموازاة مع تنامي روح استعادة المكانة التاريخية لأثيوبيا، المعروفة بكونها أقدم مواطن الحضارات البشرية في العالم. وقد سبق لرئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد توضيح أهداف بلاده بشأن البحر الأحمر، معتبراً في تصريح له في تشرين الأول من العام الماضي، بأنه، أي البحر الأحمر “الحدود الطبيعية” لأثيوبيا”، مردفاً بأن “الأثيوبيين لا يمكنهم أن يحيوا داخل هذا السجن الجغرافي”، في إشارة إلى الحدود الحالية لبلاده.
وترجمة لهذه التطلعات الممزوجة بين استعادة المكانة والسيطرة على منطقة القرن الأفريقي، جاء توقيع أديس أبابا الاتفاق مع ولاية أرض الصومال في الأول من كانون الثاني الماضي لاستئجار ميناء على البحر الأحمر، ليطلق شرارة توتر كبير في منطقة القرن الأفريقي المشرفة منذ القدم على طرق التجارة الدولية البرية والبحرية. مع الإشارة هنا إلى أن “جمهورية أرض الصومال” غير المعترف بها من أي دولة في العالم، كانت حتى عام 1960، مستعمرة بريطانية، لتصبح دولة مستقلة مدة خمسة أيام فقط، قبل أن تقرر الاندماج مع الأراضي الصومالية التي كانت خاضعة للاستعمار الإيطالي آنذاك، ولتبقى على هذه الحال حتى إعلان قيام جمهورية الصومال، عام 1991. لكن الوضع سيتغير بعد ذلك التاريخ، حيث اندلعت حرب قاسية بين الدولة المركزية وأرض الصومال، انتهت بإعلان الأخيرة نفسها جمهورية مستقلة، لها رئيساً وبرلمانها المنتخب، وحكومتها التي تشرف على تنظيم حياة أكثر من خمسة ملايين نسمة يعيشون فوق أراضيها.
مواقف من الاتفاق
الاتفاق الموقع في الأول من كانون الثاني من العامي الجاري، بين رئيس “جمهورية أرض الصومال” موسى بيهي عبدي ورئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد، ينص على منح أثيوبيا مرفأ على البحر الأحمر يطل على خليج عدن، وهو ما شأنه أن يؤمن للأخيرة وصولاً أقل كلفة إلى البحر الأحمر عبر ميناء بربرة، وذلك من خلال شريط ساحلي بطول 20 كيلومتراً. كما أن الاتفاق المسقوف زمنياً بخمسين عاماً، يسمح لأثيوبيا، ببناء قاعدة بحرية وتطوير ميناء تجاري على خليج عدن الإستراتيجي.
وعلى خلفية ما ينطوي عليه الاتفاق من مس خطير بالتوازنات السياسية القائمة والحدود الجغرافية المرسّمة بين دول منطقة القرن الأفريقي، ارتفعت أصوات الاعتراض، ومعها أصوات الحرب. وفي هذا السياق سارعت الصومال إلى اعتبار الاتفاق لاغياً وباطلاً، واصفة إياه بالعدوان المباشر على سيادة الدولة وسلامة أراضيها.
بدورها الجمهورية العربية المصرية، رأت في الاتفاق تطوراً خطيراً من شأنه أن يؤسس لصراع كبير في البحر الأحمر بما يهدد مكانتها المميزة في التجارة الدولية في هذا البحر عبر قناة السويس، مع الأخذ في الاعتبار هنا، نزاعها المزمن مع أثيوبيا بشأن سد النهضة، وهو ما يجعل تموضعها في النزاع المستجد بين أثيوبيا والصومال طبيعياً إلى جانب الأخيرة. وإلى جانب الصومال أيضاً تتموضع إريتريا التي تخشى من طموحات جارتها المنفصلة عنها منذ ثلاثة عقود فقط.
وفي ما يلتزم الاتحاد الأفريقي جانب التحذير من التطورات، مستشعراً مرحلة من الاضطرابات في ضوء التجارب الأخيرة من الانقلابات العسكرية في غرب أفريقيا، فإنه حثّ جميع الأطراف على ممارسة “ضبط النفس ووقف التصعيد”. لكن دعواته هذه تبدو من دون أصداء، إذ سجلت الأزمة خلال الأسابيع الماضية مزيداً من التطورات الدالة على تصاعد حدتها. وفي هذا السياق أعلن السفير الصومالي في القاهرة نهاية شهر آب الماضي علي عبدي أواري، بدء وصول معدات ووفود عسكرية مصرية إلى العاصمة مقديشو. وذكرت صحيفة “الصومال الجديد” أن “طائرتين عسكريتين مصريتين، إلى مطار آدم عدي الدولي بمقاديشو، وعلى متنهما معدات عسكرية وضباط”.
وإذ ثمّن أواري الخطوة المصرية، فإنه وضعها في سياق “التمهيد لمشاركة مصر في قوات حفظ السلام، التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال، المقرر أن تحل محل بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية الحالية بحلول كانون الثاني 2025”.
أما على “الجبهة” الأثيوبية، فقد سجّل مؤخراً نشر أديس أبابا قوات من الجيش على امتداد الحدود مع الصومال، بالتوازي مع رفع مستوى التهديدات التي يطلقها رئيس الوزراء الأثيوبي، آبي أحمد، وعدد من كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين في حكومته، ضد الصومال وحلفائها.
يأتي ذلك في وقت، تشهد فيه الساحة السياسية جموداً، في ظل إصرار طرفي النزاع على مواقفهما، فقد رفض الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، وساطة لجمعه مع أحمد خلال المنتدى الصيني الأفريقي الذي استضافته بكين الأسبوع الماضي. وقد نقل عنه تمسكه، بالمطالب التي حملها للوسيط التركي في نزع فتيل الأزمة، وفي مقدِّمها إلغاء مذكرة التفاهم بين أديس أبابا وولاية أرض الصومال مقابل عودة تطبيع العلاقات مع أثيوبيا.
خاتمة
على هذا النحو، تتصاعد حدة الأزمة بين أثيوبيا والصومال، وهي أزمة من شأنها أن تجر منطقة القرن الأفريقي إلى نزاع مسلح، قد يؤدي بدوره إلى اشتعال النيران الخامدة تحت رماد الكثير من القضايا العالقة في هذه المنطقة ومن بينها أزمة سد النهضة.