“طوفان الأقصى”.. ثورة وانتفاض على الاضطهاد العربي
بقلم زينب عدنان زراقط
اليوم أُعيد لمعبر الكرامة شرفه من بعد عارِ صَدِّهِ في وجه الإغاثة والعون، عَصِياً كان عن حبة الدواء وشُربة الماء – لإغاثة غَزّةَ -، فانتفض ثوريٌ “أُردُنيٌ”، متأصِّلٌ بتاريخ المقاومة بِدَمه أبّاً عن جَدّ، ترجّلَ من آليته شاهراً مُسدَّسه في وجه قوات الأمن الإسرائيلي..
ما قام به هذا البطلُ هو أصدقُ تعبيرٍ عن أن “طوفان الأقصى” تمكّن من إشعال ثورة النضال والجهاد في قلب كُل “بطلٍ” ليرفع صوته من تحت وطأة القمع والاستبداد من سياسة الحكومات العربية المُرتهنة لإسرائيل…. مُشرِّعاً الباب أمام نشامى الأردن ليلبوا نداء القدس ويجيبوا صرخات نساء غزة وأطفالها.
عملية الاستشهادي عند معبر الكرامة لم تُشكل خرقاً مُفجِعاً ومُفاجئاً وشديد الخطورة وحسب، بل إن الخطورة التي ستتبع عملية الكرامة على أنها ستكون نِبراساً يُحتذى به في أعين الشعوب المضطهدة في سِدرة حُكم مُلوكها الخاضعين للسياسة والأوامر الأمريكية ومطبّعين مع العدو الإسرائيلي… فما هي تفاصيل عملية “معبر الكرامة” وأهميتها اللوجستية، عسكرياً وتوقيتاً ومكاناً؟؟.
عملية معبر الكرامة نفّذها المواطن الأردني ماهر الجازي – 39 عاماً -، على الطريق رقم 90 قرب معبر الكرامة، الذي يقع في منطقة الأغوار على الحدود بين الضفة الغربية والأردن، في عملية إطلاق نار من طراز “جيه تي بي 9 سي” (JTP9C)، يومَ الأحد الفائت، فأصاب فيها ثلاثة جنود صهاينة، بإصابات مُباشرة بالرأس بطلقات رصاصٍ من مُسدّسه الذي تمكّن من إخفائه داخل الشاحنة، وعندما وصلت شاحنته إلى مرآب التفتيش عند أمن المعابر الإسرائيلي، ترجّل من شاحنته، وأطلق النار.
يختص معبر الكرامة بشكل رئيسي بحركة نقل الأفراد والبضائع بين الأردن والأراضي الفلسطينية، وتعبره يومياً عشرات الشاحنات المحملة بالبضائع والمركبات المخصصة لنقل الأشخاص، ويخضع لرقابة العدو الصهيوني إلى جانب السلطة الوطنية الفلسطينية، وللجهات المختصة في الجانب الأردني. بينما أن حركة التجارة متوقفة أصلاً، في أعقاب إشاعة العدو أن المياه الزراعية في الجانب الأردني “مسرطنة”، ما استدعى وقف عمليات التصدير، كما أن الحركة خلاله فُرِض عليها رقابة شديدة وكانت شبه ممنوعة منذ ابتداء حرب “غزة”.
أما جسر الشيخ حسين، فيقع في شمال الأردن، وهو يختص بتنقل الصهاينة، وتنظيم حركة التجارة براً من الكيان الغاصب وإليه، ويدخل منه حَمَلَةُ الجنسيات غير الفلسطينية أو الدبلوماسيون المتجهون من كيان الاحتلال وإليه براً أو حملة تأشيرات الزيارة الإسرائيلية.
الأبعاد اللوجِستيةِ
العملية البطولية التي نفّذها الشهيد ماهر الجازي تأتي في سياق التوتر الأمني الذي مارسته سياسة حكومة اليمين المتطرف داخل الكيان الإسرائيلي، وهي تُشكّل خرقاً أمنياً واستخباراتياً كبيراً للاحتلال “الإسرائيلي” فجيش الاحتلال أمنيّاً يُشكّل قطاعات شبه متكاملة تعمل في هذه المنطقة، ويتعلق الأمر بقيادة المنطقة الوسطى في الجيش “الإسرائيلي”، وتتألف من الفرقة 877 والفرقة 340 والفرقة 98 التي تقاتل في غزة”. وأوضح أنه على الرغم من كل الترتيبات الأمنية والاستنفار الذي قامت به “إسرائيل” طوال الفترة الماضية، استطاع المنفذ أن يقوم بالعملية. بالنسبة للتوقيت يمر الجيش الإسرائيلي بمأزق كبير جداً، بدليل أن الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” قدّمت توصيات تدعو لوقف الحرب في قطاع غزة وإعادة بناء وهيكلة الجيش حتى يمكنه مواجهة التهديدات القادمة من مختلف الجبهات، الجبهة الشمالية مع لبنان، والضربة الإيرانية المرتقبة. أما من حيث دلالة المكان، أشار الخبير العسكري إلى أن المنطقة التي نفذت فيها العملية هادئة نسبياً طوال الفترة الماضية، وبالتالي فإن الضربة هذه المرة جاءت من جبهة لم تتوقعها “إسرائيل” وجيشها.
تُعتبر مثل هذه العمليات المنفردة مُعضِلَةً يصعبُ السيطرة عليها لا من طرف الأردن ولا من طرف الاحتلال “الإسرائيلي”. بيد أن الخطورة تكمن في أن مثل هذه العمليات الفردية، يكون التخطيط والتنفيذ فيها حرّاً وفردياً – من مقاومة الشعب – وذلك ما يستحيل كشفه من قبل الأجهزة الأمنية، وهو ذاته ما وقع مؤخراً عند حاجز أمني شرق معبر ترقوميا العسكري غرب الخليل جنوب الضفة الغربية، وأسفر عن مقتل 3 من أفراد شرطة الاحتلال وقوات حرس الحدود الإسرائيلية. بينما تجدر الإشارة إلى أن هذه ليست العملية الأولى التي تنفذ من الحدود المحيطة للأراضي المحتلة حيث نفّذ جندي مصري في أيار الماضي أيضاً عملية ضد جنود “إسرائيليين” انطلاقاً من الحدود المصرية، وبالتالي فإن هذا التصعيد الأمني متوقع ضد الاحتلال نتيجة لكل ما يقوم به من مجازر في الضفة والقطاع.
روحُ المقاومة يورّث بالدّم
أما فيما يتعلق بالشهيد ماهر الجازي، فقد عُرف بأنه عسكري سابق عمل في الشرطة الملكية، وتقدّم لوظيفة سائق شاحنة في معبر الكرامة بعد تقاعده. وهذا ما فسّر مدى إتقانه لاستخدام السلاح وإصاباته الدقيقة تحت الضغط وبشكل سريع، بحيث سدّد جميع إصابته في رؤوس القتلى الإسرائيليين. أمّا هو فقد ارتقى شهيداً، برصاص قوات الأمن الإسرائيلية، التي كشفت فيديوهات متداولة للعملية، بأن أفرادها قاموا بتصفية الشهيد انتقاماً منه.
والشهيد الجازي هو من عشيرة الحويطات الأردنية، ووردت روايات عدة عن ناشطين تؤكد بأنه من عائلة الجازي التي ينتمي إليها “الشيخ هارون الجازي الحويطي” قائد معركة القسطل في القدس عام 1948، ومن عائلته كذلك الفريق الركن مشهور الجازي أحد قادة معركة الكرامة عام 1968.
فيما هو متوقع أن الفترة المقبلة ستشهد مثل تلك العمليات ضد الاحتلال “الإسرائيلي”، وذلك ما تُدركهُ الأجهزة الأمنية في “إسرائيل” حتماً، في ظل استمرار حربهم على قطاع غزة والمجازر التي يرتكبونها هناك.
ختاماً، إنّ هذه العملية البطولية هي صوت لكل أردني شريف وحر، وقد عكست بشكل واضح وصريح نبض الشارع الأردني ومطالب الشعب الأردني بضرورة التحرك ووقف حرب الإبادة، في ظلّ بزوغ إشكالية معتقلي دعم المقاومة في الأردنِّ وتعرّضهم للتعذيب الجسدي والمعنوي لانتزاع “اعترافات وهميَّة”، ناهيك عن العلاقة الوطيدة إسرائيلياً وأمريكياً والتنسيق الأمني مفروغٌ منه بينهم.
عملية معبر الكرامة لم تُشكّل ردة فعل فقط أو ثأراً، بل تُمثّلُ امتداداً للمقاومة الباسلة في فلسطين وتعكس نبض الشارع الأردني وحالة الغليان الداخلية، ومطالب الشعب الأردني بضرورة التحرك ووقف حرب الإبادة في “غزّة”.
أخيراً، كلمةٌ للعبرة من نص وصية الشهيد ماهر الجازي: أريد منكم أن لا تذكروني ولكن اذكروا موقفي لعله يكون خالداً ودافعاً لأبناء أمتنا العربية ولأبناء الأردن النشامى خاصة ليتخذوا موقفاً تجاه المحتلين الصهاينة الذين يرتكبون أبشع المجازر بحق إخوتنا وأطفالنا ونسائنا في غزة وفلسطين”. واختتم الشهيد الجازي وصيته برسالة لأبناء الأمة العربية بقوله: “إخوتي أبناء العرب إن لم يكن لكم دينٌ فليكن فيكم غيرة ونخوة.. أخوكم ماهر ذياب الجازي”. فكم من “ماهرٍ” بعد نشامى الأُردن سيصرخ في وجه الظلم والاستبداد – من السعودية إلى الإمارات من ثمّ مصر وفلسطين وغيرها.. – مُستلهِمين العزم والإرادة من الشهيد الجازي؟؟.