هامش ثقافي

المثقف.. بين الحياة والحكمة

بقلم غسان عبد الله

في البدء ينبغي بيان أن خروج المثقف من هذا التحدي بنجاح، بمعنى تمكُّنه الفعليّ بالتنسيق الدقيق بين متطلبات الطرفين، هو الذي يوفّرُ له كلّ المعطيات النفسية والاجتماعية الضرورية للانطلاق في رحاب العلم والإبداع.

والعظمة الإنسانية تتجسد دائماً في ذلك الإنسان الذي يلبي متطلبات مختلف جوانب حياته.

أن التفوّق في حقلٍ أو بُعدٍ، ونسيانٍ أو تناسي بقيةِ الحقولِ والأبعادِ، كلّ ذلك لا يؤدّي إلى العظمةِ الإنسانيةِ، حتى لو وصلَ ذلك الإنسانُ في ذلكَ الحقلِ الواحدِ إلى النجاحِ في مستوياته القصوى.

من هنا فإنّ نجاحَ المثقفِ الحقيقيِّ في حياتِهِ، يتحقّقُ عبر اهتمامهِ الفعليّ، وتوفيرِ مستلزماتِ حياتِهِ الماديةِ والعلميةِ معاً. ولعلَّ هذا التّحديّ هو الذي دفع بنيتشِه إلى أنْ يقولُ كلمتَهُ المشهورةَ في كتابِهِ هكذا تكلّمَ زرادشتْ، حيث يقولُ فيه: “وحينئذٍ خُيِّلَ إليّ أن الحياةَ أعزُّ عليَّ من حكمتي”.

ومما لا شكّ فيه أن للإنسانِ حاجاتٍ ورغباتٍ مختلفةً، وإن عدمَ وجودِ ناظمٍ ينظّمُ هذه الرغباتِ والحاجات ويوضحُ طرقَ تحقيقِها المشروعةَ، هو الذي يؤدّي إلى الفوضى في الكثيرِ من الأمورِ والنشاطات؛ سواءٌ في ذلك النشاطات ذات الطابع الفردي التي يقوم بها المثقف، أو النشاطات ذات الطابع الجمعي. لا فرقَ في هذه المسألةِ، حيث إنّ غيابَ هذا الناظم المنهجي عند المثقفينَ كأفرادٍ كفيلٌ بإبقاءِ هذه الحالة في مسيرةِ المثقفين كجماعةٍ أو نخبةٍ.

أما تنسيقُ الحاجاتِ وتنظيمُ التطلعاتِ، وتوظيفها جميعاً لصالح التّطلع الأعلى والأسمى، فهو الذي يحوّلُ المرءَ إلى طاقةٍ خلاّقةٍ لا تتبعثرُ جهودُها وإمكاناتُها، وإنما تتركّزُ بنسقٍ واحدٍ يتّجهُ نحو الوصولِ إلى الهدفِ البعيد.

لهذا فإنَّ السؤالَ المطروحَ في هذا الإطار هو: كيف نوفِّقُ بين أمورِنا الحياتية من كسبٍ ماديٍّ وتكوينِ أسرةٍ ورعايةِ أبناء، وبين حاجةِ العلمِ إلى القراءةِ والدراسةِ والاهتمامِ الدائمِ والجدّي بكلِّ ما له صلةٌ بالثقافةِ والأدب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *