السيف المشترك “2024 بي”.. الصين استعادة تايوان أولويتنا
بقلم ابتسام الشامي
في ما ينشغل العالم بارتفاع سخونة الأحداث في غرب آسيا، ويترقب ما ستسفر عنه من نتائج تعيد تحديد موازين القوى على المسرح الدولي، واصلت الصين استعدادها لمواجهة ما تعتبره تحديات تخص أمنها القومي في تايوان، وجاءت مناوراتها العسكرية على سواحل الجزيرة المتمردة تحذيراً جديداً لنوايا انفصالييها ورعاتهم.
مناورات السيف المشترك
تنطوي الأحداث الجارية في غرب آسيا على تحولات استراتيجية ليس من المبالغة القول إن نتائجها ستؤثر بشكل كبير في صياغة النظام العالمي الجديد، فالحرب العدوانية الإبادية التي أعلنها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو قبل أكثر في من عام ضد غزة وتمدد بها نحو لبنان، ويهدد بتوسيعها في كامل المنطقة، ترتكز إلى هدف جوهري لم يخفه نتنياهو عندما تحدث عن “الشرق الأوسط الجديد”، بمعنى تغيير الواقع السياسي في المنطقة بما يخدم مصالح رعاته الدوليين والاقليميين والأجندة التوسعية لكيانه المؤقت. ولئن كانت الصين لاعباً فاعلاً في منطقة الأحداث المفعمة بالتحولات من خلال شبكة علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دولها، فإنها تفضل في هذه المرحلة على ما يبدو الترقب وانتظار مآلات الصراع المتصاعد، من دون أن تتخلى عن دعواتها لحل الصراع ضمن الأطر السياسية والدبلوماسية، وما استضافتها أطراف الطيف الفلسطيني على أمل توحيد موقف أبناء القضية، سوى تعبير عن الاستراتيجية التي تعتمدها في مقاربة الأزمات الدولية، علماً أن انشغالاً أمريكياً في صراعات مفصلية كالتي تجري في المنطقة اليوم ستمثل فرصة ثمينة لبكين، في إطار صراعها مع واشنطن لاسيما إذا ما أدى ذلك التأثير في مكانتها.
لكن الانشغال الأمريكي في المنطقة لن يدفع الصين في أي حال من الأحوال إلى “التراخي” في ما يخص أمنها القومي في بيئتها الإقليمية التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد نجحت في “تزنيرها” بالأزمات والتحالفات العسكرية المعادية لاسيما في بحر الصين الجنوبي ومنطقة المحيطين الهادئ والهندي، على أن استعادة جزيرة تايوان، ظلت تتصدر الأجندة الرسمية الصينية، وتشكل أولوية الأولويات لبكين، على ضوء تصاعد إشارات الانفصال من الجزيرة في السنوات الأخيرة بدعم أمريكي وغربي مباشر، دلت عليه مواقف كبار المسؤولين الأمريكيين وزياراتهم المتكررة لتايبه.
إنذار لتايبه
في هذا السياق تندرج المناورة العسكرية الأخيرة للصين تحت عنوان “السيف المشترك 2024 بي”، والتي تهدف بحسب المعلن عنها رسمياً، إلى “اختبار القدرات العملياتية المشتركة” للقوات، وتوجيه تحذير ضد “الأعمال الانفصالية لقوى استقلال تايوان”. وبحسب المتحدث باسم القيادة الشرقية للجيش الصيني الكابتن لي شي فإن المناورات التي جرت “في مناطق بشمال جزيرة تايوان وجنوبها وشرقها”، ارتكزت إلى “دوريات الاستعداد للقتال البحري والجوي وحصار الموانئ والمناطق الرئيسية ومهاجمة أهداف بحرية وبرية”. وكان خفر السواحل الصيني قد أعلن أنه نشر أربعة أساطيل لإجراء “عمليات تفتيش” في المياه المحيطة بتايوان، و”إنفاذ القانون في المياه المحيطة بالجزيرة وفقاً للقانون القائم على مبدأ صين واحدة” والذي بموجبه، تُعتبر تايوان جزءاً من الأراضي الصينية. وشاركت في المناورات “مقاتلات وقاذفات وطائرات حربية أخرى إضافة إلى عدد من المدمرات” نشرت في مضيق تايوان، ومناطق تقع إلى الشمال من الجزيرة وإلى جنوبها الغربي وشرقها.
المناورات التي وصفت مع انطلاقتها يوم الإثنين الماضي بأنها رسالة شديدة اللهجة إلى تايوان، عاد المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية وو تشيان إلى التأكيد على رسالتها المرتبطة بإعادة ضم تايوان، وفي بيان نُشر بعد اختتام المناورات، قال المسؤول نفسه “نحن مستعدون للعمل من أجل إعادة التوحيد السلمي بأكبر قدر من الإخلاص وبكل جهودنا.. لكننا لن نعد أبداً بالتخلي عن استخدام القوة ولن نعطي أدنى مساحة لأولئك الذين يناضلون من أجل استقلال تايوان”.
وإلى ما أعلنته بكين من رسائل حول مناوراتها العسكرية، حظيت هذه الأخيرة بتحليل أبعادها من قبل الخبراء والمتخصصين، لاسيما وانها تندرج في ما يسميه بعضهم استراتيجية الصين لأضعاف العزيمة التايوانية عن الانفصال، وفي السياق يرى الباحث في مركز رابطة الاستشراف الاستراتيجي التايواني، تشيه تشونغ، أنه “من خلال إرسال المزيد من سفن خفر السواحل للقيام بدوريات حول تايوان، تأمل بكين في ترسيخ وجودها لفرض سلطتها على المياه المحيطة بتايون”، ومن خلال احتلالها للموقع في غرب المحيط الهادئ، يضيف تشيه، فإن “هدفها الرئيسي- أي الصين – هو ضرب شرق تايوان، حيث يجري الحفاظ على القوة القتالية للجيش التايواني، مع التعامل أيضاً مع التدخلات المحتملة من قبل الجيش الأمريكي”.
وفي السياق نفسه، قال جا إيان تشونغ، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية في جامعة سنغافورة الوطنية “إن التدريبات جزء من حملة الضغط المستمرة التي تشنها بكين ضد تايوان لإخضاعها”. مضيفاً أن بكين “استخدمت أيضاً خطاب الرئيس التايواني كذريعة لأنهم حريصون على إظهار أنهم ليسوا المعتدين أو أنهم يسعون إلى تغيير الوضع الراهن من جانب واحد”، في إشارة إلى أن المناورات جاءت بعد أيام قليلة من خطاب لاي تشينغ الذي تعهد فيه “مقاومة الضم”، مشيراً إلى أن الجزيرة والبر الرئيسي للصين “ليسا تابعين لبعضهما البعض”.
المناورة الصينية بالرسائل التي حملتها إلى تايوان ومن يعنيهم الأمر من رعاتها الدوليين، استدعت من هؤلاء إدانة مباشرة لها واعتبارها مؤشراً على “تصعيد” صيني ضد الجزيرة، وخطوات متسارعة لضمها. وفي هذا الإطار، أدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر المناورات العسكرية الصينية، ووصفها بأنها “غير مبررة” وتزيد من خطر التصعيد. وأشار ميلر في بيان إلى أن “الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء المناورات العسكرية المشتركة لجيش التحرير الشعبي (الصيني) في مضيق تايوان وحول تايوان”. وأضاف أن رد الجيش الصيني “عبر استفزازات عسكرية على خطاب سنوي معتاد للرئيس التايواني لاي تشينغ تي هو غير مبرر وينطوي على خطر حصول تصعيد”.
بدورها أعلنت الخارجية البريطانية، أن مناورات الجيش الصيني في مضيق تايوان تزيد من التوترات في المنطقة. وقالت الخارجية البريطانية في بيان لها “نحن قلقون إزاء المناورات العسكرية الصينية حول جزيرة تايوان فهي تزيد من التوترات ومخاطر التصعيد في مضيق تايوان”. وتابعت: “نعتبر أن قضية تايوان يجب أن يحلها الناس الذين يعيشون على جانبي مضيق تايوان من خلال الحوار البناء بدون التهديد باستخدام القوة والإجبار”. وأكدت أنها لا تؤيد “أي محاولات من جانب واحد لتغيير الوضع الراهن”، داعية إلى “ضبط النفس وتجنب أي أعمال من شأنها لاحقاً أن تقوض الاستقرار والسلام”.
خاتمة
لا تنشغل الصين عن متابعة برنامج عملها القاضي باستعادة تايوان إلى كنف سيادتها، وكلما ازدادت مؤشرات الانفصال الصادرة عن الأخيرة، ارتفعت حدة الرسائل الصينية، مقرونة بخطوات عملية واستعدادات عسكرية، كبديل عن الخيار السياسي الذي فضلته سبيلاً لاستعادة السيادة على الجزيرة المتمردة.