الحرب العدوانية الصهيونية على الشرق الأوسط في ظل عودة ترامب
بقلم توفيق المديني
تخوص دولة الاحتلال الإرهابية والصهيونية الفاشية بقيادة نتنياهو حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة وضد لبنان، منذ أكثر من سنة، في ظل احتقار وازدراء الكيان الصهيوني للقانون الدولي، ولمنظمة الأمم المتحدة العاجزة كبح جماحه بسبب الدعم المطلق من جانب الإمبريالية الأمريكية وحلفائها الأوروبيين.
وهناك إجماع دولي من قبل شعوب العالم قاطبة في الغرب كما في الشرق، في الشمال كما في الجنوب، من أنَّ الفاشية الصهيونية ليست أقل وحشية من فاشية هتلر، إنْ لم تكنْ قد تفوقتْ عليها، بسبب جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها قادة الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين واللبنانيين، واستمرارهم في شنِّ العدوان تلو الآخر على سوريا، ومؤخراً على إيران، ماضين في تطبيق عقيدة زعماء الحركة الصهيونية التي تقوم على فكرة “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات، وتغيير خرائط بلدان الشرق الأوسط، وإنشاء “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي” بقياد “إسرائيل” يكون معادياً لمحور المقاومة الذي تقوده إيران.
ومع فوز الرئيس الجمهوري، دونالد ترامب، بولاية رئاسية أمريكية ثانية، تركزت تحاليل الخبراء والمحللين العرب والغربيين حول تداعيات هذا الفوز على العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية، والسلوك المتوقّع تجاه الحرب على غزَّة ولبنان، والتعامل مع التصعيد العسكري الصهيوني الجاري مع إيران، وكذلك السعي لتوسيع اتفاقيات التطبيع مع دول عربية إضافية.
الكيان الصهيوني لا يعيش إلا من خلال الحروب في الشرق الأوسط
الكيان الصهيوني واقعٌ استعماريٌ وإمبرياليٌ غربيٌ. وقد أجمعت حركات المقاومة الفلسطينية والعربية على اختلاف مرجعياتها الإيديولوجية والسياسية أنَّ هذا الكيان هو جزء من الظاهرة الاستعمارية الأوروبية. وقد تبنى هذا الموقف العالم الثالث على أوسع نطاق.
وقد تنبأ بعض الخبراء بانطلاق الحرب العالمية الثالثة من الشرق الأوسط منذ ظهور الكيان الصهيوني سنة 1948، بما في ذلك الصحفي الإنجليزي الشهير دوغلاس ريد مؤلف كتاب “الجدل حول صهيون”. وقد اعتبر ريد أنَّ إنشاء الكيان الصهيوني لغم يهدد الإنسانية وسوف ينفجر ويتسبب في اندلاع الحرب العالمية الثالثة، وقد يدمر البشرية بأكملها أو جزءاً كبيراً منها.
ويقول ريد في كتابه: “إذا اندلعت حرب عالمية ثالثة اليوم، فلن تكون مجرد حادث عابر، حيث يشير مسار الأحداث برمته إلى سلسلة من الأسباب والنتائج. إن الصهاينة هي القوة التي تقف وراء ذلك”.
فقد شهد الصراع العربي– الصهيوني خمس حروب كبرى في أعوام 1948، و1956، و1967، و1973، و1982، راح ضحيتها –وفقا لما هو سائد– ما يزيد عن 200 ألف قتيل، وبلغ مجموع ما أنفق من أطرافه عبرها حوالي 300 مليار دولار، يتضمن ذلك الخسائر المادية الناتجة عن العمليات الحربية، كما شهد المئات من “الحروب الصغيرة” بين الكيان الصهيوني وحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية .فهو كيان لا يعيش إلا من خلال الحروب، التي كانت تخطط لها الإمبريالية الأوروبية أولاً، ثم الإمبريالية الأمريكية لاحقا، ولغاية حرب الإبادة الجماعية ضد غزَّة المدعومة بقوة من قبل إدارة الرئيس بايدن الديمقراطية.
وعلى الرغم من صدور عشرات القرارات من منظمة الأمم المتحدة التي تدين الكيان الصهيوني وتدعوه إلى اتخاذ التدابير اللازمة لإنهاء الحروب والصراعات وإعادة الأراضي المحتلة والتعويض عن الأضرار الناجمة، وتهدد بمحاسبته وحتى بطرده من الأمم المتحدة، فإنَّه وعلى مدى 76 سنة، استمرت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الوقوف ضدهـا من خلال استخدام حق الفيتو.
ففي بداية تشرين الأول/ أكتوبر 2024، أعلن وزير الخارجية الصهيونية السابق يسرائيل كاتس أنَّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش شخص غير مرحب به في “إسرائيل”، مصدراً قراراً يمنعه من دخول الكيان الصهيوني. ومنذ أسبوع اعتمد الكنيست الصهيوني قانوناً يحظر أنشطة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” وهو ما يظهر حرب الكيان الصهيوني على منظمة الأمم المتحدة، وبالتالي حربه على القانون الدولي.
ويرجح خبراء في القانون الدولي أنَّ هذه الخطوة قد تثير مسألة سحب عضوية الكيان الصهيوني من الأمم المتحدة، أو على الأقل منعه من المشاركة في الجمعية العامة، وبالتالي تكرار ما حدث لجنوب أفريقيا التي عُلقت عضويتها في المنظمة في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 1974 بسبب المعارضة الدولية لسياسات الفصل العنصري.
توسيع نطاق التطبيع مع الدول العربية مرتبط بتصفية فصائل المقاومة
منذ أن طرح الرئيس دونالد ترامب “صفقة القرن “في سنة2017،كتسوية جديدة لتصفية الصراع العربي – الصهيوني، وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية، أصبح مفهوم “المشترك الإبراهيمي” يُشَكِّلُ أهمَّ مرتكزات “الدبلوماسية الروحية” كمدخلٍ فكريٍّ مهم، تدعمه الحكومات الأمريكية المتعاقبة بحثياً منذ عام 1990، مع خطاب الرئيس الأمريكي بوش الأب عن “النظام العالمي الجديد “أحادي القطبية، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، والحرب الأمريكية ضد العراق خلال حرب الخليج الثانية”1991، لا سيما في ارتباطها بالصهيونية المسيحية السائدة في أروقة وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين. وتعرض” الدبلوماسية الروحية” الخطط التـي تنفذ على الأرض في فلسطين المحتلة وبعض بلدان إقليم الشرق الأوسط، ومن ضمنها بلدان عربية، بهدف فرض الهيمنة الأمريكية – الصهيونية على المنطقة العربية، منها خطط “مسار إبراهيم”، و”مسار فرسان المعبد”، و”المسار التركي الصوفي”، التـي يتم تمريرها تحت شعار السلام الديني العالمي، ومخطط “الولايات المتحدة الإبراهيمية” الذي تتم ترجمته من خلال صفقة القرن.
في ولاية ترامب الأولى، اتخذت إدارته قرارات مهمة لمصلحة الكيان الصهيوني، أهمها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، والاعتراف الأمريكي بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على هضبة الجولان السورية المحتلة، وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران في عام 2018، وكل ذلك عزّز علاقته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووفّر للاحتلال الدعم الدبلوماسي.
وكان ترامب يتفاخر بأنه خلال فترة ولايته تم إبرام اتفاقيات تطبيع بين الكيان الصهيوني وأربع دول عربية في عام 2020: الإمارات العربية المتحدة والبحرين، والمغرب والسودان، تحت لافتة “اتفاق أبراهام” أو مفهوم “المشترك الإبراهيمي”.
ويعمل هذا المخطط على ضرورة أن تعترف السلطة الفلسطينية بـ “إسرائيل” دولة يهودية، وأن يُطوى ملف حق العودة نهائياً، ويُسقَط حق اللاجئين الفلسطينيين، وعلى تعميم سياسة التطبيع بين الكيان الصهيوني والدول العربية في محاولة جادّةٍ لتعويم هوية العرب وتاريخهم وفضاء وجودهم الجغرافي، وتمييع ذلك كله في أفق إدماج الكيان الصهيوني في الوطن العربي، وتطبيع وجوده واحتلاله، وليس التطبيع معه فحسب.
وظلّت كل القرارات التي اتخذها ترامب سارية، فضلاً عن حماسة إدارة بايدن باستكمال مشاريع التطبيع في المنطقة، ولم يصدر عن بايدن أو وزير خارجيته أنتوني بلينكن أي موقف يخالف سياسة ترامب الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، بل على العكس، جعل مسؤولو إدارة بايدن من عملية التطبيع شاغلهم الأساسي، ووضعوا ثقلهم من أجل دفع بقية الدول العربية إلى الانضمام إلى العملية، لا سيما المملكة السعودية، التي ربطت بين انخراطها في مسار التطبيع واعتراف الكيان الصهيوني بدولة فلسطينية.
وبعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، تبنى الرئيس جو بايدن كل الأكاذيب التي روّجها الاحتلال الصهيوني، بدءاً من أنَّ مقاتلي حركة حماس خلال اقتحامهم لمستوطنات غلاف غزة في ذلك اليوم، قاموا بقطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء وغيرها من الأكاذيب. وسمحت الولايات المتحدة في حرب غزة بانتهاك كل قانون دولي تقريباً، بل قامت بتبرير وتمويل حرب الإبادة الجماعية في غزَّة، والمحرقة التي طاولت الأطفال والنساء، واستهداف وقنص المدنيين في الممرات الآمنة واستهداف المستشفيات وتدميرها وقتل الأطباء واستهدافهم وحبسهم ومنع دخول المساعدات والغذاء والدواء إلى القطاع.
ووعدت إدارة بايدن في الجولات الأولى من المناقشات والمفاوضات بين وزير خارجيتها بلينكن وكبار المسؤولين في الأنظمة العربية المتواطئة مع الاحتلال الصهيوني، أنَّه سيتم التخلص من حركة حماس خلال بضعة أسابيع، وبعدها سيتم إيقاف الحرب. ومرّت سنة كاملة على حرب الإبادة على غزَّة، إلى أن بدأ الكيان الصهيوني بشنِّ حرب الإبادة الثانية على لبنان منذ النصف الثاني من شهر سبتمبر 2024 ولغاية الآن، حيث انطلقت شهية نتنياهو في ممارسة القتل والترهيب من خلال قيام سلاح الجو الإسرائيلي بعدة غارات وحشية على الضاحية الجنوبية استهدفت اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 27 سبتمبر/أيلول الماضي، ثم بدأ الجيش الصهيوني عملية برِّية في جنوب لبنان منذ بداية شهر أكتوبر 2024، مع مواصلة القتل اليومي للمدنيين في مناطق لبنانية عدَّة: الضاحية الجنوبية لبيروت، ومحافظة وبعلبك، والهرمل، وصور، التي تشكل الحاضنة الاجتماعية لحزب الله، مع عدم وجود أي رادع له على المستوى العالمي، في ظل حماية أمريكية غير مسبوقة لم تتوفر لأي كيان في العالم، وفي ظل تجاهل واشنطن لكل القوانين الدولية.
فقد رأت إدارة بايدن في حرب الكيان الصهيوني على لبنان فرصة تاريخية لتصفية بنية حزب الله العسكرية، ولهذا الغرض، قامت واشنطن بتقديم دعم جديد عسكري لنتنياهو، حيث تراجع الحديث عن وقف إطلاق النار، وحتى لو كانت التصريحات الرسمية تقول عكس ذلك، سواء في لبنان أو غزة، ما يجعل اليوم المنطقة بأكملها تقف على شفير حرب شاملة.
والهدف المشترك للولايات المتحدة والكيان الصهيوني، هو تصفية أهم فصائل المقاومة في فلسطين ولبنان، واليمن، وسوريا، والعراق، بوصفها أذرعاً لإيران حسب التوصيف الأمريكي – الصهيوني، ولأنَّ هذه الفصائل لا تزال تشكل محور المقاومة بقيادة إيران المناهض لمخططات التطبيع، وتقسيم بلدان الشرق الأوسط الرئيسية إلى دويلات قائمة على أسس طائفية ومذهبية وعرقية.
من وجهة نظر رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية بنيامين نتنياهو، أسهمت قوة الكيان الصهيوني، وطبعاً من ورائه أمريكا، في جلب أربع دول عربية إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو الآن يخوض حرب الإبادة الجماعية في غزَّة ولبنان، لتصفية أهم حركات مقاومة عرفتهم المنطقة، حزب الله، وحماس، وحركة الجهاد الإسلامي، من أجل ضمِّ شمال غزة، وكذلك الضفة الغربية التي التهم الكيان الصهيوني أكثر من 51.6 بالمئة، من مساحتها المحتلة بما فيها مدينة القدس، على مدار العقود الماضية لصالح الاستيطان، والقواعد العسكرية، وما يسمى بـ”أراضي الدولة”، واحتلال لبنان، وانتخاب رئيس لبناني جديد موالي للولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وإبرام اتفاق تطبيع بين لبنان وحكومة نتنياهو، والعمل على الإطاحة بالنظامين في كل من سوريا وإيران، بوصفهما أهم عائقين رئيسيين أمام تنفيذ إعادة رسم خريطة جديد للشرق الأوسط، كما يريد ذلك المخطط الأمريكي – الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية نهائياً.
خاتمة
تشكل عودة الرئيس ترامب إلى قمة السلطة في الولايات المتحدة مخاوف أردنية، لا سيما بعد تصريحاته التي تحدث خلالها عن توسيع مساحة الكيان الصهيوني، كما أن الذاكرة لم تنس طرح “خريطة الطريق” التي قد يتم طرحها مجدداً، إضافة إلى تزايد منسوب الخوف من تشجيع حكومة نتنياهو الصهيونية الفاشية إلى ضم الضفة الغربية، وتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وطرح الخيار الأردني كوطنٍ بديلٍ لإقامة الدولة الفلسطينية.
وكان ترامب قد قال في 15 أغسطس/ آب 2024، خلال لقائه مع مجموعات صهيونية شكّلت تحالفاً لدعمه في الانتخابات الرئاسية: “عندما تنظرون إلى خريطة الشرق الأوسط، تجدون أنَّ “إسرائيل” بقعة صغيرة جداً مقارنة بهذه الكتلة العملاقة من اليابسة المحيطة بها، لذلك تساءلتُ: هل ثمّة طريقة للحصول على مزيد من المساحة؟”.
ويرى الخبراء والمحللون العرب المناهضون للإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني الاستيطاني، أنَّ الرئيس ترامب أعلن مراراً عن دعمه غير المحدود لحكومة نتنياهو الفاشية، إضافة إلى دعمه هيمنة الكيان الصهيوني على المنطقة، وهو يدعم الأنظمة العربية المستبدة المطبعة مع الكيان الصهيوني، التي هدَّدتْ الحقوق الفلسطينية والمصالح الأردنية.
والحال هذه، سوف يعمل الكيان الصهيوني على خوض المزيد من حرب الإبادة الجماعية في غزة ولبنان، خلال الشهرين المقبلين، قبيل وصول الإدارة الأميركية الجديدة إلى البيت الأبيض. وجاءت إقالة وزير الأمن يوآف غالانت رسمياً ليلة الانتخابات، وإحضار وزير الخارجية يسرائيل كاتس بدلا منه، تأكيداً على ذلك، وهذا يعني أنَّ نتنياهو سائرٌ في طريق حربه المجنونة لفرض واقع جديد في إقليم الشرق الأوسط قبيل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، لكي يتبنى هذا الأخير الواقع الجديد، وتتعامل معه.
هذا هو نهج نتنياهو لضمان مستقبل الدولة اليهودية الوحيدة القائمة. لتحقيق هذا الهدف، يقول نتنياهو أعمل على جعل “إسرائيل”، قوية، وقوية جداً. لقد علمنا التاريخ أنَّ القوة تجلب الأمن، والقوة تجلب الحلفاء، وفي المحصلة، كما قال الرئيس ترامب غير مرة، القوة تجلب السلام”.
وما يزيد من الصلف الصهيوني هو مسلسل المواقف الأمريكية المعادية للقضية الفلسطينية، والسياسات التي تنتهجها الأنظمة الخليجية لإقامة علاقات تحالف مع الكيان الصهيوني من دون خجل، متذرعة بالهيمنة الإقليمية لإيران التي تحولت في نظرهم إلى عدو رئيسي بدلاً من الكيان الصهيوني، ما شجع الولايات المتحدة وسيشجعها على فعل المزيد لدعم الكيان الصهيوني من أجل تصفية القضية الفلسطينية.