إقليميات

هل يمكن أن يُعوّل على “ترامب” بإنهاء حرب “لبنان وغزة”؟!

بقلم زينب عدنان زراقط

كانت المنطقة تنتظر الحدث الأبرز في المنطقة ألا وهو الانتخابات الرئاسة الأمريكية، الذي من شأنه فرض مساومات على المنطقة لكسب الرهانات، فجاء الواقع مُخالفاً لتحليل المنطق، ولم تتحرك الإدارة الحالية بموقفٍ جدّي ينهي الحرب، ونقم الجمهور على الحزب الديمقراطي وخسرت بذلك مرشحته كاميلا هاريس، وعوّلت الجالية العربية على ترامب الذي وعدهم ضمن حملته الانتخابية وتعهّد بوقف الحرب على لبنان وغزة فصوّتت له وفاز.

أول المُهنئين لترامب كان نتنياهو، – باتصال – “عزيزي ترامب أهنئك بالفوز.. إن عودتك بداية جديدة وفوزك نصر عظيم”. ترامب الذي يجد أن أرض الاحتلال صغيرة وعمد إلى الاتفاقيات الإبراهيمية والتطبيع والسلام مع الدول العربية بالتمهيد للتوسع الاستيطاني بطريقةٍ دبلوماسية وصفقات مصالح ومساومات، إضافةً إلى أنه هو الذي أعطى الأمر بقتل قائد فيلق القدس الشهيد “قاسم سليماني”، وتلاه نتنياهو بالأمر بقتل قائد المقاومة اللبنانية الشهيد الأقدس سماحة السيد “حسن نصر الله” من على الأراضي الأمريكية في مقر الأمم المتحدة، فهل من المُجدي أن يُعوّل على “ترامب” بإنهاء حرب “لبنان وغزة”؟! وعلام يُعوّل نتنياهو برفضه ترسيم حدود “إسرائيل” وتنفّسه الصعداء بمجيء ترامب رئيساً لأمريكا ومسارعته بإقالة وزير الحرب غالانت؟! ما هو المخطط الإسرائيلي الذي يُعمل على تحقيقه؟ وعلى ماذا يجب أن يكون اعتماد جمهور المقاومة من أجل إنهاء هذه الحرب؟!.

المخطط الإسرائيلي “بالنظام الجديد”

منذ اغتيال أمين عام المقاومة اللبنانية – حزب الله – السيد “حسن نصر الله” والمنطقة الإقليمية في الشرق الأوسط وحتى الداخل اللبناني تمايزت صفوفها، في اختلاف كبير في وجهات النظر في المنطقة بين من هو سعيد بعملية الاغتيال وبين من هو حزين باغتيال قائد الجهاد الأقدس. لكن حتى هذه اللحظة وبينما تنشغل المنطقة بموضوع فوز المرشح الجمهوري “ترامب” لرئاسة الولايات المتحدة وتعويل الجالية العربية على وعوده التي تعهّدها بإنهاء حرب لبنان مقابل دعمه بالتصويت، القليل من ربَطَ تسلسل الأحداث ببعضها وشاهد الصورة الكبيرة وراء قيام “إسرائيل” بهذا الحدث!.

فإن عُدنا بالذاكرة “للحظة السابقة” لإملاء رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” على الطيران الحربي بعملية الاستهداف، – وهو كان قد اتفق على وقفٍ لإطلاق النار في ليلتها مع “حزب الله” -، ظهر نتنياهو على منبر الأمم المتحدة “في ساعتها” وبيده خريطته ويتحدّث فيها عن “تحالف ونظام جديد في الشرق الأوسط”، ليقوم الجيش الاسرائيلي بعدها بجريمة العصر النكراء، بعملية مدويه هزت الشرق الاوسط بأكمله، ويكون الشرق الأوسط بعدها من دون “السيد حسن نصر الله”، وتكون عمليته الغادرة هذه بدايةً لما وصفه “بالنظام الجديد”.

كثيرون راهنوا على سقوط المقاومة اللبنانية وارتعبوا – فضلّوا الخيار -، ودخل الشرق الأوسط في حالة شرخ وانقسام شديد في داخل الأنظمة العربية، ليستدعينا السؤال عن ماهية النظام الجديد الذي تريد إسرائيل إنشاؤه؟! ولماذا لم تقبل إسرائيل بالمقترح الذي تبنّته السعودية برفقة 57 دوله تقريباً لإنشاء دوله فلسطينية وإنهاء التوتر في المنطقة وإدخال المنطقة بحالة سلام؟.

انقلبت دول المنطقة العربية لتعرض على إسرائيل أن تضمن أمنها مقابل أن تسمح هي الأُخرى بقيام دوله فلسطينية، إلا أن إسرائيل رفضت ترسيم حدودها. على الرغم من كل العروض وكل حِراك المفاوضات التي تقدمت لإسرائيل. وبعد اجتياحه غزة وكمِّ الخسائر التي تعرّض لها الجيش الإسرائيلي، لا يريد كيان الاحتلال أن يُحدد ضمن رقعة جغرافية وتُرسّم حدوده، بل تتوسّع إسرائيل في رقعة حربها وتخطط لاجتياح لبنان برّاً، وما من شيء يضمن أن إسرائيل ستتوقف في لبنان. ومما تمّ ملاحظته في غضون أيام القتال، كثرة استخدام قادة الحرب الاسرائيليين هذه الأيام من النصوص الدينية في التوراة التي تدعوا للحرب والقتل، وبرز الحديث عن خطة “ممر داوود” الذي يبدأ مروراً من الجولان السوري المحتل ويشق طريقه لداخل سوريا حتى يصل لمناطق سيطرة الأكراد على الحدود السورية – العراقية. واللافت ذكره أنه تتواجد هناك – في سوريا – حالياً قواعد أمريكية موجودة على طول خط هذا الممر، ما يعني أن منطقة الممر أصلاً تحت السيطرة الأمريكية.

ردة فعل بايدن تجاه سياسة ترامب

واليوم بعدما تحوّل “ترامب” من شخص مدان جنائياً، وملاحق قضائياً في قضايا مختلفة، أخطرها قتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، في قصف صاروخي أمريكي، استهدف موكبه في مطار بغداد، إلى جانب نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس في ضربة عسكرية أمر بها عندما كان رئيساً لأمريكا في آخر ولايته مطلع عام 2020م، ليصدر مجلس القضاء الأعلى في العراق حينها أوامر بالقبض عليه، عدا عن حكم القضاء الإيراني الذي طالب باعتقاله وتغريم أمريكا بتعويضات قيمتها 50 مليار دولار على خلفية اغتيال قائد فيلق القدس “سليماني”… تعرّض “ترامب” للملاحقة وداهم الـ FBI منزله واعتقل 4 مرات ولكن سرعان ما كان يطلق سراحه. وفي المحصلة فاز برئاسة الولايات المتحدة عن الولاية رقم 47 عن عام 2025 وبهذا الانتصار تمكّن من أن يصبح مخوّلاً لتمرير أي قانون يريده.

ترامب الذي يعوَّل عليه في المنطقة ليُنهي الحرب في لبنان و”غزة”، قال عنه شهيدنا الأقدس سماحة السيد حسن نصر الله، بأن “حذاء قاسم سليماني يُساوي رأس ترامب وكل القيادة الأمريكية”، وهو صاحب معاهدة السلام والتطبيع الإبراهيمية التي جرّ فيها أربع دول عربية وكانت التالية المملكة العربية السعودية ولكن تعثّر إنجازُها، وربما تكون من أولى خطواته التي سوف يستكمل السعي فيها. يمكننا الإجابة في هذا المجال عن التساؤل حول التمرّد الإسرائيلي وعدم الموافقة على ترسيم الحدود. ففي حديث علني لترامب قال إن “أرض إسرائيل صغيرة جداً” وألمح أنه يريد توسعتها حال وصوله للحكم ونقطة البداية سوف تتم من الضفة باعتبارها أراضٍ إسرائيلية، وهناك تقديرات للمخابرات التركية بأنه إذا لم يتم إيقاف إسرائيل وثنيها عن أي عملية بريه في لبنان فإنها لن تتوقف في لبنان وسيكون لها هدف جديد وهو ممر من الجولان ” ممر ديفيد” يصل لحدود العراق وبذلك يكون هذا الممر هو اللبنة الأولى للحلم الإسرائيل ببناء مشروع دولتها الكبيرة. ليتبيّن معنا في المحصلة، أن تعويل نتنياهو على ترامب كان أكبر بكثير مما يعوّل عليه العرب والجالية العربية خصوصاً.

من الصعب توقع سلوك ترامب، فهو لا يلتزم كثيراً بقوانين المؤسسة الأميركية، التي عادة ما تحكم قرارات الرؤساء، وهو أيضاً بحكم خلفيته المهنية، رجل صفقات لا مبادئ، لكنه أيضاً، ذو مواقف جريئة تعتبر “متهورة” بتقاليد السياسات الأمريكية التقليدية، وتتجاوز الحسابات البراغماتية التقليدية. من هنا، فهو قد يكون القادر على وقف حرب نتنياهو، أو أن يصبح المشارك بقوة في حسمها، لكن الأرجح، أنه سيعمل على تعديل وجهتها، فيوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، في حين أنه قد وعد ناخبيه العرب بوقف الحرب على لبنان، وعلى الأغلب سيعمل ليفي بوعده، ولكن بالطبع صفقة التسوية التي سيطرحها لن تكون إلاَّ على حساب حزب الله، وتتضمن نزع سلاحه، ليتلاقى مع رغبة إسرائيل ويُمركزها مجدداً ضد إيران ومحورها.

المهم هنا، أن أيّاً من هذه السياسات لن تحصل قبل تسلّمه منصبه قبل نهاية يناير المقبل، وحتى ذلك الحين، ستحصل تطورات كثيرة، بعدما وجد نتنياهو أن يده أطلقت للعمل كما يريد، لا سيما وأن بايدن الذي سيعتزل الحياة السياسية، يريد أن يترك ميراثاً وحيداً بدعم مطلق لإسرائيل، وربما بالدخول في حرب لصالحها يورثها لترامب، خلال فترة انتقالية، سيؤثر فيها غياب غالانت – وزير الدفاع الذي أقاله نتنياهو يوم الانتخابات الرئاسية الأمريكية – وستواجه صعوبة في التواصل والتنسيق مع نتنياهو التي لا تثق به كثيراً – زد على ذلك ملف التسريبات والقضايا التي تم فتحها مؤخراً بحقّه – ووزير الدفاع الجديد “يسرائيل كاتس” الذي يتصرف طبقاً لأوامر نتنياهو ولا يتخطاه. في حين أنه من الممكن أن يحاول بايدن في وقته المتبقي، أن يترك وراءه إرثاً واضحاً يجب تذكره، على أنه الشخص الذي أنهى الحرب في غزة ولبنان مثلاً، وأنهى معاناة الفلسطينيين وردع إيران بالمساومة على حدّة ردّها – على إسرائيل -.

ختاماً، المشهد العام ضبابي لا يمكن الجزم إلى ما ستؤول إليه في اليوم التالي، كل الخيارات مفتوحة وكُلّ شيء متوقع، إلا أن ما لا جدل فيه، هو الجزم الذي وضع النقاط على الحروف بكلمة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بقولهإأن “أمراً واحداً يوقف الحرب وهو الميدان”، مُردفاً بأننا لا نعوّل لا على ترامب ولا على أيٍ من الحراك السياسي، وأن المقاومة هي من ستدفع بالإسرائيلي للبحث عن سبيلٍ لإنهاء الحرب وليس لبنان هو الذي سيسعى وراء ذلك!. وعليه تبقى العيون مصوّبةً على خطّ المواجهة الحدودي، وبيننا وبين العدو الأيام والليالي والميدان لحسم المعركة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *