روسيا وسقوط النظام السوري .. تحديات حماية المصالح واستمرار العلاقات
بقلم ابتسام الشامي
لم يكن وقوف روسيا بثقلها السياسي والعسكري إلى جانب الدولة السورية في مواجهة التنظيمات الإرهابية، دفاعاً عن حليف تجمعه بها علاقات تاريخية، وإنما حمايةً لمصالح روسيا وتعزيز حضورها في نقطة استراتيجية في منطقة غرب آسيا.
ومع سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، تصدر المشهد السياسي الدولي الحديث عن تداعيات الحدث على الدولة الروسية ومصالحها.
بوتين لم نُهزم في سوريا
في وقت تلتقي فيه معظم التحليلات السياسية والإعلامية على وضع روسيا في قائمة أبرز الخاسرين من سقوط النظام السوري السابق، حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أول تعليق له على الأحداث في سوريا إلى تفنيد “مزاعم” الخسارة، مؤكداً أن سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، ليس هزيمةً لموسكو، وأن الجيش الروسي الموجود في سوريا منذ عام 2015 حقّق أهدافه التي حضر لأجلها. وخلال مؤتمره الصحفي السنوي الكبير قال بوتين “ثمة من يحاول تصوير ما حدث في سوريا على أنه هزيمة لروسيا. أؤكد لكم أن الأمر ليس كذلك”. وأضاف: “لقد جئنا إلى سوريا قبل عشر سنوات لمنع إنشاء جيب إرهابي فيها، كما في أفغانستان. وبصورة عامة، حققنا هدفنا”. أما بشأن مصير القواعد العسكرية الروسية في سوريا ومنها قاعدة حميميم المستأجرة من الدولة السورية مدة تسعة وأربعين عاماً، فقد لفت الرئيس الروسي إلى أن موسكو قدّمت اقتراحات للحكم الجديد في دمشق بشأن استخدام القاعدتين العسكريتين هناك لأغراض إنسانية، وقال “لدينا علاقات مع كل الفصائل في سوريا، وعلينا أن نبحث ما إذا كنا سنحتفظ بقواعدنا العسكرية هناك”، موضحاً أن “الحفاظ على القواعد يستوجب في المقابل أن تقوم روسيا بفعل أشياء من أجل الدولة التي تقع على أراضيها، لكن ليس من المعروف بعد ما هي مصالح السلطات السورية”.
كلام بوتين عن القواعد العسكرية الروسية بعد نحو أسبوعين من التطورات الدراماتيكية في سوريا التي أودت بنظام حليف استراتيجي لبلاده، وضع حداً للتكهنات حول مصير تلك القواعد ومن خلفها مصير عقود طويلة من العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين، علماً أن وكالة بلومبيرغ كانت قد نقلت قبل أيام قليلة من مؤتمر بوتين الصحافي عن مصادر وصفتها بالمطلعة في موسكو وأوروبا والشرق الأوسط، بأن “روسيا على وشك إبرام اتفاق مع السلطات السورية الجديدة بشأن الاحتفاظ بقاعدتين عسكريتين في سوريا، هما قاعدة حميميم الجوية وطرطوس البحرية”. وهي معلومات لم ينفها السكرتير الصحفي للرئيس الروسي ديمتري بيسكوف، الذي علق على تقارير إعلامية عن احتمال نقل القواعد الروسية من سوريا إلى ليبيا، بالقول إن بلاده تواصل الحوار مع “القوى المسيطرة” على الوضع في دمشق.
وإلى مصير القواعد العسكرية، انشغل الإعلام العالمي بالحديث عن تداعيات سقوط نظام الأسد على سوريا، وفيما ذهبت بعض التحليلات إلى اعتبار ما جرى خسارة استراتيجية من شأنها التأثير في مكانة روسيا الدولية، رأت تحليلات أخرى أن موسكو قادرة على احتواء التداعيات من خلال سياستها البراغماتية بشأن التواصل مع الحكم الجديد في دمشق.

تأثيرات سقوط النظام على روسيا
وفي هذا السياق، رأى الكاتب في صحيفة الغارديان البريطانية، نيكولاي كوزانوف أن سقوط نظام الأسد “نهاية فصل كبير للوجود الروسي في الشرق الأوسط”، من دون أن يعني ذلك أن موسكو على وشك الانسحاب من المنطقة، بل إن الكاتب يعتقد أن “قرار موسكو بعدم القتال من أجل بشار الأسد ونقله جواً إلى أراضيها، يبدو كأنه محاولة لتعزيز وجودها في الشرق الأوسط من خلال التخلص من “شيء سام” على حد وصفه.
وإذ يشير الكاتب إلى أن دعم روسيا لنظام الأسد في سوريا كان جزءاً من استراتيجية موسكو لاستعادة نفوذها في المنطقة، بعد أن خسرت خلال ما عرف بالربيع العربي “جميع شركائها الذين ورثتهم عن الاتحاد السوفييتي”، يوضح أن روسيا ومن خلال أنشطتها العسكرية سواء في المنطقة أو في ضمها لجزيرة القرم، تريد إثبات أنها “لاعب مهم” ويجب على الجميع تكثيف الحوار معها. ويقول كوزانوف إن روسيا اختارت سقوط الأسد، على “تكرار مصير الاتحاد السوفييتي في أفغانستان وتحمُّل المسؤولية المالية والاقتصادية والعسكرية الكاملة عن سوريا الأسد”، مضيفاً إلى ذلك أن “علاقات موسكو بالمنطقة أصبحت واسعة لدرجة أن خسارة سوريا لن تكون عاملاً حاسماً في قوة حضورها بالمنطقة”.
وفي مقابل هذه الرؤية المتوازنة نسبياً في قراءة تداعيات سقوط النظام السوري على روسيا، تكتب صحيفة وول ستريت جورنال، مقالاً بعنوان “إذلال بوتين في سوريا يتردد صداه في روسيا”، وبحسب الكاتبة آيمي نايت، فإن “انهيار حكومة الأسد والخسارة المحتملة للقواعد الروسية في سوريا”، ستكون بمثابة ضربة مدمرة لصورة روسيا كلاعب رئيسي على الساحة العالمية. ومن شأن ذلك أن يكون له تأثيرات سلبية على بوتين داخل روسيا، حيث “يمكن أن يؤدي إلى تقليص تأييد النخبة الداخلية له وزيادة الانتقادات تجاه سياسته الخارجية”. ومن التأثيرات الأخرى التي تتوقف عندها الكاتبة كواحدة من التداعيات الخطيرة لسقوط النظام السوري على روسيا، تنامي خطر الجماعات التكفيرية المسلحة التي قد تنشط في روسيا كنتيجة لذلك، مشيرة إلى أن “معظم المعارضين الذي أسقطوا حكم الأسد يشتركون بكراهية عميقة للكرملين”.
وعلى النقيض من وجهتَيْ النظر آنفَتَيّ الذكر، تعتبر صحيفة “فيدوموستي” الروسية، أن التأثيرات السلبية لسقوط النظام السوري ستكون من نصيب الولايات المتحدة الأمريكية. ويطرح رومان رومانوف في الصحيفة تساؤلات حول قدرة واشنطن التي وصفت الأسد بأنه ديكتاتور، على استغلال أو فهم تطورات الوضع في سوريا في ضوء التغيّرات الأخيرة، ومدى تأثيرها على استراتيجياتها في الشرق الأوسط. وإذ يشكك الكاتب بأهداف الوجود الأمريكي في سوريا، بقوله “إن أنشطة الأمريكيين في سوريا خلال السنوات الثمانية الأخيرة، هي إشارة إلى سياسة الولايات المتحدة.. بأنها موجودة، لكن أهدافها غير معلنة”، يوضح أن “الشرق الأوسط ليس أولوية بالنسبة لواشنطن”، بل إنها تعمل على إعادة توزيع الموارد الاستراتيجية نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ “للتنافس مع الصين”. معتبراً “أن الإطاحة بالأسد لن تعيد أمريكا إلى الشرق الأوسط، لكنها مهمة بالنسبة لها على جبهتين، الأولى بتقديم خبر سقوط الأسد على أنه انتصار للولايات المتحدة، أو بصورة أخرى، هزيمة لموسكو وبكين وطهران، التحالف الثلاثي المناهض للولايات المتحدة”. ويضيف الكاتب أن الأسد الذي عارضت هيئة تحرير الشام إيران لأجله، قد يتبدل موقفها أي “لا يمكن أن نستبعد اختفاء الانزعاج بين خصوم الأمس”، فضلاً عن مصير الأكراد المتحالفين مع أمريكا، الذي لا يزال غير معروف.
وبحسب الكاتب فإنه “لا يمكن لواشنطن التأكد من أن هيئة تحرير الشام وحلفاءها لن يصبحوا مشكلة للولايات المتحدة أكثر مما كان عليه الأسد”. ويختم الكاتب الروسي مقالته بالتأكيد على أن “إدارة بايدن لا تمتلك الوقت والموارد لتنفيذ أي تعديلات كبيرة في السياسة تجاه سوريا”.
خاتمة
مما لا شك فيه أن سقوط النظام السوري بمعزل عن الأسباب والعوامل التي أدت إلى ذلك، يترك تأثيرات كبرى في المنطقة، لاسيما بالنسبة للاعبين الإقليميين والدوليين فيها، وفي مقدمهم حلفاء النظام السابق، لكن قراءة النتائج النهائية لتداعيات هذا التطور ستكون مقرونة حتماً بمدى قدرة هؤلاء اللاعبين على التعامل مع تلك التداعيات واحتواء أضرارها وكذلك البناء على فرصها.