جدولُ الضّربِ.. و “ضربُ الحبيبِ.. زبيب”!!..
بقلم غسان عبد الله
لا يزال جدول الضّرب يحتفظ بأهميّته في العمليّات الحسابيّة الذهنيّة المباشرة، على الرغم من التقدّم التقني في الآلات الحاسبة المتاحة من خلال الهواتف الذكيّة، وهو الأساس الذي يحتاجه معظم النّاس في حياتهم اليوميّة، والمرتكز لعلم الحساب خصوصاً لطلّاب المرحلة الابتدائية..
والدي رحمه الله – والذي كان أمياً – لم يألُ جُهداً ببذلِ أقصى إمكانيّاتِهِ في تحفيظي جدول الضّرب أسْتَظْهِرُهُ عن ظهرِ قلبٍ بلا تأتأة ولا تلكّؤ، للنجاةِ من العقوبة المنتظرة في النهاية، إذا ما سئلتُ ولم أُجِب.
وتُعتبر العصا والعكّاز إحدى أركان الضّرب من حيث المبدأ، على الرغم من التباعد في المعنى، ومن حَمَلها للدفاع عن النفس، أو بقصدِ الإيذاء للغيرِ فيكون هذا في حالةِ القوّة البدنيّة والرجولة، وفي حالة سيّدنا موسى عليه السّلام، فهي عُكَّازٌ تعين حاملها والاتّكاء عليها، ﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ (*) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ﴾، ولكنّ عصا (السيلفي) التي ظهرت مؤخّراً خصوصاً بين الشّباب والبنات مختلفة تماماً عمّا أسلفنا في معنى العصا، وتبقى (العصا لمن عصا) أداةً للتخويف وتقويم السلوك.
ومن سَافرَ في الأرضِ إلى مكان قريبٍ أو أقاصيها، فقد ضَرَبَ في الأرض ضَرباً ومضرَباً بفتح الرّاء، أي سار لابتغاء الرّزق، ويُقال إنّ في ألف درهمٍ لَمَضرَباً أي ضرباً، وهذا المعنى يتّضح جليّاً في الآية: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾.
وإذا ضَربَ الله مثلاً، فيكون قد وَصَف وبَيّن، للعبرةِ وأخذِ العظةِ، بشرحِ الحالةِ وتفصيلِها لتكونَ في متناولِ أفهامِ مستوياتِ البَشَرِ المختلفةِ، ولكثرةِ الأمثالِ التي جاءَ بها القرآنُ الكريم، ربّما يضيق المقام لاستحضارها جميعاً.
وفي عصرنا هذا هناكَ الإضرابُ وفيه تُقفلُ المحالُّ التجاريةُ أو ربما المدارسُ والجامعاتُ من أجل مطالب معيشيةٍ محقّةٍ.. وما أكثر الإضرابات.. والاضطرابات – في بلدِنا.. حتى إخالُ أنه سيأتي يومٌ ويكون الإضرابُ للمدارسِ عاماً دراسياً بأكمله وينقطع النت فلا وجود للدرس (أون لاين) فيتأخرُ أبناؤنا عن تلقّي علومهم سنةً و- يا لطيف -!!.
وهناك الإضرابُ عن الطعام.. وهو خاصٌ بالمعتقلين من قِبلِ العدوِّ الصهيونيِّ.. وهذا النوعُ من الإضرابِ بحدِّ ذاتِه مقاومةٌ وبالتالي هو الإضرابُ الوحيدُ الذي يؤتي أُكُلَه.. كون الإضرابات التي ذكرناها (العمال الأساتذة الطلاب الموظفون.. إلخ…) في بلدِنا تُنبِتُ وعوداً عرقوبيةً.
على العموم فمن أضْربَ فقدَ أعرض، مثلما أضَرَبَتْ عن الكلامِ سيدةُ نساء العالمين مريمُ (ع)، وابتعدت عنه.. ولجأت للإشارة إلى ابنها نبيّ الله عيسى (ع).
ومن رَكِبَ البحرَ لا بدَّ من منغِّصاتٍ للمتعةِ، إذا ما اضطّربت أمواجُهُ ارتفاعاً وهبوطاً، فيرتّج المركب يمنةً ويسرةً، فتهتزّ القلوب وتلهجُ الألسنةُ بالدعاء طلباً للنّجاة، والاضطّرابُ ناتجٌ عن الحركةِ العنيفةِ للأمواجِ العاتيةِ، إذا ضربَ بعضُها بعضاً.
تطوّرُ الحياة خلال العصورِ من البدائية إلى الحالة المدينيّة، واتّخاذُ التجارةِ وسيلةً للكسبِ المشروعِ، كان للمضاربةِ نصيبٌ وافرٌ في التعاملات، فهي ليست بيعاً حقيقيّاً ولا شراءً حقيقياً، إنّما المسألةُ تنحصرُ كلّها في قبضِ، أو دفعِ فروق الأسعار، بينما البيعُ والشراءُ في المضاربةِ الشرعيّة فهو بيعٌ حقيقيٌّ لسلعٍ محدّدة، وفق الضوابطِ الشرعية.
وفي البورصةِ حديثاً، هي: “المخاطرة بالبيعِ والشراء بناءً على توقّع تقلبّات الأسعار بغية الحصول على فارق الأسعار”، وقد يؤدّي هذا التوقّع إذا أخطأ إلى دفع فروقِ الأسعارِ بدلاً من قبضها. فالمضاربةُ غالباً ما تكون تلاعباً بالأسواق لاحتكار الأرزاق والحاجات، والتحكّم بالأسعار برفعها للحدّ الأقصى تلبيةً لجشعِ التجّار من أجل الربح الفاحش، والثراء. والمُضارِبُ يسعى لجمعِ وحبسِ كلِّ البضائعِ أو الصكوكِ التي من نوعٍ واحدٍ في يدٍ واحدةٍ، ثم التحكّمُ في السوق، وعقدُ المضاربة عرّفَهُ فقهاءُ الشريعة على: (أنه عقد على الشركة بين اثنين أو أكثر، يقدم أحدهما مالاً والآخر عملاً، ويكون الربح بينهما حسب الاتفاق والشرط). وبذلك تختلف في الفقه الإسلامي عنها في الفكر الاقتصادي المعاصر، الذي تعني فيه عمليّاتِ بيعٍ وشراءٍ صوريٍّ، تنتقلُ معها العقودُ أو الأوراقُ الماليةُ من يدٍ إلى يد، دون أن يكون في نيّةِ البائعِ أو المشتري تسليمُ، أو تسلّمُ موضوعِ العقدِ في الفكرِ الاقتصادي المعاصر.
ومن شقّ عصا الطاعة على حاكمه، ويلجأ للإضراب الاحتجاجيّ، فيقوم الحاكم بالضرب بيد من حديد، لإخماد كلّ مظاهر التمرّد والخروج عن نهجه وأحكامه المقررّة، بينما يكون الضّرب بالدُفّ لإشاعة الفرح والسرور، خلافاً للضرب بيد من حديد في الأسلوب والمنهج.
وفي العصر الحديث صارت الضرائب سمةَ النظام العالمي قاطبة، حيث بُنِيَت ميزانيّاتُ الدول في تمويل جزءٍ كبيرٍ منها على الضرائب المختلفة، وأقامت لها دوائر متخصصةً في تحصيل الضرائب وجبايتها. ولدينا في بلدنا مثالٌ وهو الضريبة على القيمة المضافة (TVA)!!، وهذا نهبٌ منظّم شُرِّع من أجل دعم الخزينة في ظاهره ولكنه نهبٌ من قِبلِ ذوي النفوذ والسلطة.
وخلافاتُ الأولاد في الأسرة لا تنتهي، فمنهم من يضرب أخاه ويُبكيه، ويسبق في الشكوى لأمّه وهو يتباكى، لينطبق عليه المثل الشعبي: (ضربني وبكى.. سبقني واشتكى)، ومن تتالت وتتابعت عليه المصائب، عبّروا عنه: (ضربتين بالراس بيوجعو)، وللترهيب والتخويف، فيقولون: (اضرب المربوط.. بيخاف الفلتان)، وللعمل بهدوء كي يستمر ويدوم بفعاليّة، يقال له: (ضربة ع الحافر، وضربة ع المسمار)، وهي حالة بيطار الخيول وهو يصلح حذواتها، وهو يضرب بمطرقته ضربة على حافر الفرس، وضربة أخرى على رأس المسمار النّافر.
ومن الطريف والغريبِ في آنٍ أن يكون هناك نوع من الضّربِ المحبّبِ والجميل، وهو ضرب الحبيبِ للحبيب.. فـ (ضربُ الحبيب زبيب)!!.