إقليميات

الشعوب العربية تدعم الأنظمة لمقاومة خطة ترامب لتهجير فلسطينيي غزَّة

بقلم توفيق المديني

الحركة الصهيونية العالمية لم تتوقف منذ البدايات عن المزاوجة بين خوض الصراع من أجل الاستيلاء على كامل أرض فلسطين، ومن أجل تكثيف الهجرة توصلاً لإيجاد غالبية يهودية.

لكن إذا كان عدد المستوطنين اليهود في” إسرائيل الكبرى” العزيزة على قلب اليمين الصهيوني الفاشي يبلغ 6. 7 ملايين و707 آلاف، بينما يصل عدد السكان العرب من فلسطينيي 48 إلى مليونين و104 آلاف نسمة، وعدد سكان فلسطين المحتلة إلى 5.5 مليون نسمة، بينهم 3.4 مليون في الضفة الغربية المحتلة، و2.1مليون في قطاع غزّة، فإنَّ العرب الفلسطينيين سيصبحون الأكثرية في فلسطين المحتلة 10.8مليون خلال العام 2030، مقابل 7.6 ملايين مستوطن صهيوني.

الكيان الصهيوني لا يملك سوى سلاحين من شأنهما ردِّ هذا الخطر عنه: الهجرة اليهودية المكثفة إلى الكيان الصهيوني و/أو التهجير القسري للفلسطينيين. ولا يبدو الاحتمال الأول قابلاً للتحقق إلا إذا حدثت أعمال عنف لاسامية خطيرة في الغرب. أما الثاني والمعروف عنه باسم خطة ترامب لتهجير فلسطينيي غزّة ويحلم به رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية بنيامين نتنياهو وقسم من اليمين الصهيوني فلا يمكن تنفيذه، ما دامت المقاومة الفلسطينية قابضة على الزناد من أجل تحرير الأرض السليبة، إضافة أنَّه أي بلد عربي لديه ما يكفي من الجنون ليستقبل السكان الفلسطينيين المهجرين قسراً وعن طريق القوة في بلاده.

موقف النظام الرسمي العربي وإمكانية استناده على المقاومة

في 4 شباط/ فبراير2025، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال مؤتمر صحفي جمعه برئيس الحكومة الصهيونية الفاشية بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، عن عزم بلاده الاستيلاء على غزَّة بعد تهجير الفلسطينيين منها إلى دول أخرى، مثل مصر والأردن. ولاقى مخطط ترامب لغزَّة رفضاً فلسطينياً وعربياً ودولياً واسعاً، بينما قوبل بإشادة كبيرة على  المستوى السياسي في الكيان الصهيوني بمختلف التوجهات.

فرض التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزَّة، الذي يريد ترامب فرضه على الأنظمة العربية لاستقبال الفلسطينيين يعني شيئاً واحداً وهو تصفية القضية الفلسطينية، وفرض حلول أحادية الجانب لا تلبي تطلعات الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، بما في ذلك دعم الضم في الضفة الغربية، ومأسسة نظام الأبارتهايد، أو نظام التمييز العنصري.

فها هو الرئيس الإماراتي محمد بن زايد يؤكد خلال استقباله لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في أبو ظبي يوم الأربعاء 19 فبراير 2025، في المحطة الأخيرة من جولته الشرق أوسطية، على “رفض دولة الإمارات لأي محاولات تهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه”، معرباً عن ضرورة ربط عملية إعمار غزة “بمسار يؤدي إلى السلام الشامل والدائم، القائم على أساس حل الدولتين”. يأتي ذلك في وقت قال فيه سفير الإمارات لدى واشنطن، يوسف العتيبة، إنَّ الولايات المتحدة تتبع نهجاً “صعباً” بشأن غزة، مشيراً إلى عدم وجود خطة بديلة لما تم طرحه حتى الآن.

أما المرشد الإيراني الإمام السيد علي الخامنئي، فقال: إنّ خطة الولايات المتحدة “الحمقاء” بشأن قطاع غزّة لن تتحقق، ولن يكتب النجاح لأي مشروع أو رؤية لا تحظى بموافقة الشعب والمقاومة الفلسطينية. وأضاف سماحته خلال استقباله الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، الثلاثاء الماضي، أن الرأي العام العالمي بات يميل اليوم لمصلحة فلسطين، وإن المقاومة أثبت جدارتها وعظمتها أمام جبروت الاحتلال.

واعتبر السيد الخامنئي أنَّ “المقاومة أمام الاحتلال وواشنطن أمر عظيم، رسم معايير جديدة للنضال في المنطقة”. مشيداً في الوقت نفسه بمشاهد تسليم المقاومة للأسرى الإسرائيليين قائلاً، إن ما جرى يؤكد أنّ “صمود قادة المقاومة والمقاومين أمام الأعداء، ووحدتهم في أثناء المفاوضات المعقدة، وصبر أهل غزَّة البطولي، أمرٌ رفع رأس المقاومة في المنطقة”. في حين أنَّ الأنظمة العربية، حتى الموالية لأمريكا لا تزال تدافع عن رؤيتها، ومتمسكة بقرارات القمة العربية في بيروت لعام 2002، وهي:

  1– الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو/حزيران 1967، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.

2- التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.

3- قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو/حزيران 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.

4- عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي:

أ– اعتبار الصراع العربي الإسرائيلي منتهياً، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.

ب- إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل.

ج- رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة.

الآن في ضوء صمود المقاومة الفلسطينية في مواجهة آلة الحرب الأمريكية الصهيونية لمدة سنة وثلاثة أشهر، فإنَّ الأنظمة الرسمية العربية في كل من مصر والمملكة السعودية وباقي دول الخليج، والمملكة الأردنية لا تستطيع أن تتجاهل حقيقة صمود المقاومة، وتمسكها بخيارها الاستراتيجي من أجل تحرير الأرض، وإقامة الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ولهذا رأينا في الفترة الأخيرة بعض من شجاعة النظام الرسمي العربي يقول لا لخطة ترامب.

فقد دعت مصر إلى عقد قمة عربية يوم 27 شباط الجاري، ثمَّ تمَّ تأجيلها ليوم 4 مارس/ آذار المقبل، لاتخاذ ما يناسب الموقف والحالة الفلسطينية، إزاء التهديدات الأمريكية والصهيونية دون محاولة فرض إملاءات على الواقع الفلسطيني، أو السعي لمنح أمريكا والكيان الصهيوني مكاسب مجانية لم يحققاها عبر الحرب، بما فيها محاولة تحييد حماس والمقاومة من غزَّة.

الشجاعة النسبية في الموقف الرسمي العربي الحالي نابعة من ثلاثة عوامل أساسية:

أولاً: سياسة الإملاءات الذليلة التي بدأ يفرضها الرئيس الأمريكي في ولايته الثانية على الأنظمة الرسمية في إقليم الشرق الأوسط، وهو ما أسهم في تعرية هذه الأنظمة ا أمام الشعوب العربية، من كونها أنظمة تستمد قوتها وشرعيها من البقاء  في الحكم من خلال الخضوع الأعمى لسياسة التبعية للإمبريالية الأمريكية.

إنَّ معظم الدول العربية نشأت في أحضان العولمة الرأسمالية منذ يومها الأول ولا تزال تترعرع أو تنهار تحت رعايتها حتى هذه الساعة، أي في زمن العولمة الأمريكية الليبرالية المتوحشة. من هنا لا يمكن النظر إلى الدول العربية كعضوية قائمة بذاتها بل كوحدة مشروطة بوظيفتها كموقع في شبكة الحقل السيادي الرأسمالي العالمي بقيادة الدول الغربية الأمريكية والأوروبية الوارث التاريخي للحقل التاريخي الإسلامي.

وهكذا، فإنَّ سيادة الدول العربية خاضعة للحقل السيادي الرأسمالي الأوروبي-الأمريكي. ومن هنا يأتي التباس معنى السيادة الوطنية كتعبير عن “الأزمة الشرعية” للدولة الوطنية العربية كتكوين سياسي محكوم بالبحث الدائم عن إخفاء معالم شرعيته التاريخية.

ثانياً: دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المجتمع الدولي اليوم الأربعاء إلى تبني خطة مصر لإعادة إعمار غزَّة من دون تهجير الفلسطينيين، وذلك بعدما أثار مقترح للرئيس الأمريكي دونالد ترامب يكشف عن رؤيته للقطاع غضب العرب. وقال السيسي في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسباني في مدريد “أكدنا على أهمية دعم المجتمع الدولي وتبنيه خطة إعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير الشعب الفلسطيني، وأكرر دون تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه التي يتمسك بها، ووطنه الذي لا يقبل التفريط فيه، وبما يضمن البدء الفوري في عمليات الإغاثة والتعافي المبكر”.

وحدَّدّ تقرير أممي أصدرته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، يوم الأربعاء الماضي، أنَّ الاحتياجات اللازمة لإعادة إعمار قطاع غزة بعد 15 شهراً من حرب الإبادة الصهيونية عليه ستتجاوز الـ 53 مليار دولار. وأشار التقييم السريع والمبدئي للأضرار والاحتياجات اللازمة إلى الحاجة إلى 53.2 مليار دولار للتعافي وإعادة الإعمار على مدى السنوات العشر المقبلة، منها 20 مليار دولار في السنوات الثلاث الأولى.

ثالثاً: إنَّ القمة العربية المقبلة ستتبنى الخطة المصرية، والتي لن تشمل حماس أو السلطة الفلسطينية، بل إنهَّا ستشمل قوة شرطة مكونة من رجال شرطة السلطة الفلسطينية الذين بقوا في غزة بعد عام 2007، عندما فازت حركة حماس بالانتخابات التشريعية وسيطرت على القطاع. وفي مايو/ أيار الماضي، ذكرت صحيفة “ميدل إيست آي” أن حماس مستعدة لإظهار “المرونة” بشأن الحكم المستقبلي في غزة، مشيرة إلى أن شرطها هو أن يتم الاتفاق على مصير غزة من قبل الفصائل الفلسطينية الأخرى وليس فرضه من قبل الولايات المتحدة أو الكيان الصهيوني ” لكن هل تمتلك المبادرة التي تصوغها الدول العربية، القدرة الكافية على تسويقها مقابل الرئيس ترامب”؟، في إشارة إلى احتمال اقتناع الأخير فيها.

وعلى هذا الأساس، يبدي الكيان الصهيوني يقظة من أن الدول العربية، وفي مقدمتها قطر ومصر “أخذت تضغط أخيراً على حماس لقبول خطتها، التي تقوم على النموذج اللبناني، وهو ما وافقت عليه حماس منذ ثمانية أشهر”. بحسب صحيفة “ميدل إيست آي”، تنطلق الدول العربية من افتراض مفاده بأنَّ “حماس لا يمكنها البقاء في السلطة. ولذلك تُدفع أخيراً أفكار حول لجنة مدنية لتحكم القطاع”.

أمّا ما يقلق المستوى السياسي الصهيوني بشكل خاص، فهو “تلقي مؤشرات أخيراً على مرونة تبديها حماس تجاه موطئ قدم للسلطة الفلسطينية في غزة، ضمن اللجنة المدنية المقترحة”. فبحسب الصحيفة، لم تعد الحركة متشددة تجاه الصفة التي ستحملها السلطة الفلسطينية في غزة. وتتابع: “من يتتبع الجهود في العالم العربي للدفع بفكرة اللجنة المدنية بديلاً من حماس، يعتقد أنه إذا لم تأخذ “إسرائيل” الخطة العربية المطروحة بجدية، فسيتلقى مفاجأة غير طيبة في المرحلة الثانية”، حيث قد تجد “إسرائيل” نفسها “بمواجهة موقف مشترك مؤيد لحل اللجنة المدنية من جميع الأطراف. وإن نضجت الخطة العربية وسُوِّقَت في البيت الأبيض، قد يصبح من الصعب على “إسرائيل” الاعتراض عليها.

خاتمة: في القمة العربية المقبلة سوف يتم التشديد على أن الدول العربية لا يمكن لها فقط أن تعلن رفضها التام فكرة الترانسفير التي طرحها ترامب، بل عليها إلى جانب ذلك أن تطرح خطة لمستقبل قطاع غزّة ما بعد الحرب، والتي لا بُد أن تشمل برنامج إعادة إعمار وتأهيل، وإنشاء سلطة لإدارته المدنية.

ما يهم الكيان الصهيوني ومعه الإمبريالية الأمريكية، هو ضرورة استبعاد حركة حماس من أي إدارة سوف تتشكّل لتولي إدارة قطاع غزة مدنيّاً. وثمّة قناعة شبه راسخة في الكيان الصهيوني بأنَّه حتى لو تنازل ترامب عن خطة الترانسفير، فإنَّه لن يتنازل عن مطلب استبعاد حركة حماس، وربما سوف يضغط من أجل اقتراح خطة عمل “ترمي إلى محاربة استمرار المقدّرات العسكرية لهذه الحركة في القطاع”، والتي تعني تدمير “حماس” بوصفها قوة عسكرية في القطاع.

فهل ستتبنى الدول العربية الموقف الأمريكي الصهيوني الداعي إلى تصفية المقاومة الفلسطينية، مقابل عدم استئناف الكيان الصهيوني الحرب على غزّة لفرض ذلك بالقوة، على الرغم من إخفاق الحرب التي دخلت يومها الـ500 في تحقيق ذلك؟.

تمنح المقاومات العربية، كل الإمكانية للنظام الرسمي العربي لكي يحفر مجرى مسار مختلف أكثر حزماً وصرامة في مواجهة سياسة الهيمنة الأمريكية وإملاءاتها، وتعزز فرصة لم تتوافر منذ عقود، لتوليد موقف وخيار عربي يتكئ على صلابة موقف المقاومة وقدرتها التفاوضية، بحيث يمكن الاعتماد والتأسيس على ذلك في القمة العربية والقمة الإسلامية التي تليها، في لحظة تاريخية لبلورة موقف عربي وإسلامي صارم إزاء مسائل التهجير وإعادة الإعمار وإدارة القطاع وآليات توحيد الحكم الفلسطيني وإنهاء الانقسام الذي يبقى شوكة في حلق الفلسطينيين أنفسهم. ليس مطلوباً من القمة العربية أكثر من رفض التهجير وخطة إعمار، والباقي تتكفل به الشعوب العربية والمقاومة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *