إعرف عدوك

السياسة الروسية في الشرق الأوسط في منظور تقويض النظام العالمي والصراع ضد الغرب

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

العديد من هؤلاء اللاعبين دول ومنظمات إرهابية يعملون في الشرق الأوسط ويشاركون في صراعات مسلحة مع إسرائيل وهو ما يجعل هذه الاستراتيجية الروسية تهديداً غير مباشر لها. خطوات إسرائيل الحازمة في ساحات الاحتكاكات التي شهدتها الأشهر الأخيرة في إطار حربها متعددة الساحات، والتي أثرت على المصالح والأصول الروسية، فضلاً عن سعي الرئيس ترامب إلى التوصل إلى اتفاقيات سريعة مع روسيا، قد تكبح الاستراتيجية الروسية المتحدية. إن تحليل اعتبارات الكرملين ومصالحه في المنطقة يساعد على فهم العلاقة السببية بين التطورات والتغير في السلوك الروسي. يجب على إسرائيل أن تفهم كيفية تفسير أنشطة موسكو، ما هي الإجراءات الإسرائيلية التي تساهم في كبح علاقات روسيا مع جهات معادية لإسرائيل، وكيف يمكن للمفاوضات بين موسكو وواشنطن أن تغير سياستها في المنطقة؟.

عصر الحرب في أوكرانيا

على الرغم من إمكانية ملاحظة البراعم الأولى في وقت مبكر من عام 2014، إلا أن التغيير الأكثر وضوحاً في منطق الاستراتيجية الخارجية للكرملين، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022 والرد القاسي للغرب على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية. حتى ذلك الحين فإن الحاجة إلى التعامل مع الضغوط الغربية لم تكن محل اعتبار أساسي في تحديد السياسة الروسية تجاه هذا الطرف أو ذاك آخر، ولكن الضغوط الدولية الشديدة التي أعقبت الغزو دفعت روسيا إلى تغيير أولوياتها فيما يتعلق بإدارة العلاقات الدولية والتركيز على أجندة مضادة للدبلوماسية إلى الغرب، مع التركيز على الجنوب العالمي (الدول غير الغربية) وقد تم التعبير عن ذلك في عدة جهود: الأول، حشد الدعم من الدول ذات المواقف المناهضة للغرب بطبيعة الحال (مثل إيران)؛ الثاني، الحرص على الدول الحيادية – تلك  التي  لم تنضم إلى العقوبات التي فرضها الغرب – ولم تغير موقفها (إسرائيل، دول الخليج وغيرها الكثير)؛ الثالث: الحفاظ على العلاقات الثنائية مع البلدان التي تنتمي إلى “الأندية” الغربية، ولكنها ذات نهج أكثر حذرا تجاه روسيا (مثل تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي).

  وأصبحت هذه الاتجاهات في الشرق الأوسط أكثر وضوحاً بعد 7 ت1 2023.  اختارت روسيا موقفاً مؤيداً لحماس لأن هذا كان متوافقاً مع سياستها في حشد أكبر قدر من الدعم في بلدان الجنوب العالمي، حيث يُنظر إلى إسرائيل من قبل معظمهم كممثل الغرب في المنطقة. ربما لإسرائيل نفسها لا قيمة كبيرة كهدف للهجمات، ولكن هذا كما ذكرنا، يخدم الأجندة الدبلوماسية الأوسع، التي تمليها ضرورات الحرب في أوكرانيا والصراع مع الغرب. 

عدا عن تعظيم التواصل مع الدول التي لا تروج لأجندة غربية، يبحث الكرملين عن فرص لإلحاق الضرر في الدول الغربية وإضعافها عمداً، طالما أن أفعاله لا تتعدى عتبة التصعيد العسكري المباشر.

في حزيران 2024، بدأ بوتن يتحدث عن إمكانية تقديم أسلحة متطورة لـ “المناطق التي قد تُشن منها هجمات ضد أهداف حساسة في البلدان التي تزود أوكرانيا بالأسلحة. وسبق هذا القول المتحدي قرار اتخذته موردات الأسلحة الرئيسية الى كييف وفي مقدمتها (الولايات المتحدة أثناء إدارة بايدن) بإزالة القيود المفروضة على استخدام الأسلحة النارية في الأراضي الروسية جزئياً، والذي سمح للأوكرانيين بتحسين مواقعهم في الحرب.

 ومنذ ذلك الحين، قامت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة بتوسيع الترخيص بشن هجمات على الأراضي الروسية، بما في ذلك استخدام صواريخ دقيقة المدى تصل إلى مئات الكيلومترات عدة مرات. وفي أعقاب تغيير الموازين، بدأت روسيا تبحث عن طريقة لإيذاء الغرب أيضاً من خلال وكلاء عسكريين – كنوع من رد “متماثل” – ولتحقيق هذه الغاية، عززت علاقاتها مع بعض اللاعبين البازين المعادين للغرب.

 لقد اختارت روسيا موقفا مؤيدا لحماس لأنه كان متوافقاً سياستها في حشد أكبر قدر ممكن من الدعم في بلدان الجنوب العالمي، حيث ينظر أغلب الناس إلى إسرائيل باعتبارها ممثل الغرب في المنطقة.

أمثلة على تطوير علاقات روسيا مع اللاعبين المناهضين للغرب في جميع أنحاء الشرق الأوسط

الحوثيون: المثال الأبرز على السياسة الفعالة للجهود الروسية لإنشاء رافعات عملية ضد الغرب هي ديناميكية علاقاتهم مع حركة أنصار الله الحوثيين الذين أعلنوا أن منطق هجماتهم على طرق الشحن الدولي والأراضي الإسرائيلية هو لضرب الأمني والاقتصاد في إسرائيل. الاتصالات مع الحوثيين الذين يعرقلون حركة السفن التجارية في مضيق باب المندب بدأت في نهاية عام 2023، ولكن في حزيران 2024 (بعد الإعلان عن استراتيجية إمداد أعداء الغرب بالسلاح) ظهرت تقارير تفيد بأن روسيا تدرس نقل أسلحة متطورة، وخصوصاً الصواريخ المجنحة، إلى أيدي الحركة. ويقال إن السعودية أبلغت (ضمنياً من قبل الروس أنفسهم فأوقفت عملية النقل، لذا يمكن الاستنتاج أن موسكو روجت لهذه الخطوة بدرجة معينة من التظاهر (وإن كان ليس علنياً). وعلاوة على ذلك، تضمنت جهود المساعدة الروسية إرسال عدد من ضباط الاستخبارات العسكرية إلى قواعد الحوثيين لغرض تقديم نوع من المشورة العسكرية، نقل صور قمر صناعي لتحسين عمليات الاستهداف التي يقوم بها الحوثيون، وكذلك الاتصالات بين تاجر الأسلحة الروسي المخضرم فيكتور بوت وبينهم، لغرض تعزيز صفقات الأسلحة. ومن الواضح أن هذا التطور مرتبط بشكل مباشر بقرار الدول الغربية الموافقة على الهجمات الأوكرانية على الأراضي الروسية، وهو تعبير عن زيادة الضغط عبر محور المقاومة على القوات والمصالح الغربية في الشرق الأوسط

 وحتى أنه يزعم أن الروس (والصينيين) توصلوا إلى اتفاقيات مع الحوثيون حول دعم سياسي دولي للحركة مقابل تجنب إلحاق الضرر بسفن كلا البلدين – وإن تعرضت عدة سفن تحمل بضائع روسية لأضرار من الهجمات التي تأتي من اليمن. بالإضافة إلى ذلك، أجرى الحوثيون ما لا يقل عن زيارتين إلى موسكو – في ك2 2024 (حيث ناقشوا من ضمن ما ناقشوا الجهود لإنهاء الحرب في قطاع غزة) وفي تموز. وتم تقديم الزيارات علناً باعتبارها حواراً دبلوماسياً مع وزارة الخارجية الروسية، ولكن من المرجح أن الاتصالات جرت أيضاً في المحور الأمني.

 حماس: في أعقاب هجوم حماس في 7 ت1 2023 من الواضح أن روسيا استغلت الحرب في غزة (وفي لبنان) على المستوى الدبلوماسي بهدف مواجهة وإضعاف الغرب – سواء في الساحة الأوكرانية (تخفيض الاهتمام وجذب الموارد) أو في منطقة الشرق الاوسط (تقوية المشاعر المعادية للغرب بين عامة الناس والنخب السياسية المحلية).

 منذ هجوم حماس على إسرائيل استضافت روسيا ست زيارات على الأقل لمسؤولين في الجناح السياسي للمنظمة في موسكو (26 ت1 19 ك2 اجتماع الفصائل الفلسطينية في 1 آذار، 24 حزيران، 23 ت1، 3 شباط 2025 ). في حين تقدم الدعم السياسي للمنظمة الإرهابية في الساحة الأممية، فإنها تعمل على تعزيز حماس والاعتراف بها كفاعل سياسي مقبول وحتى كطرف شرعي في الحوار في نهاية الحرب.

 وهناك أيضاً تقارير عن استعانة حماس بالأسلحة الروسية، بما في ذلك ادعاء غير مؤكد من قبل مسؤول كبير في المنظمة، بأنها تقوم بتصنيع الأسلحة الخفيفة في قطاع غزة بموجب امتياز روسي. ولم يتم دحض أو نفي هذه التقارير من قبل روسيا – على عكس الوضع الذي كان سائداً قبل أقل من عقد من الزمان، عندما كان بوتن يتفاخر بالتعاون مع إسرائيل في مجال مكافحة الإرهاب كنموذج للتعلم. تجدر الإشارة إلى أنه حتى لو كانت روسيا مهتمة إن توفر المساعدات المادية والعسكرية وغيرها لحماس هناك صعوبة لوجستية للقيام بذلك. ومع ذلك، فإن استمرار وجود حماس كلاعب فعال في الساحة يتطلب من إسرائيل وحلفائها في الغرب استثمار الموارد، وبالتالي هذا يخدم روسيا.

 سوريا – نظام الأسد، المحمي منذ فترة طويلة من قبل موسكو، سقط (8 ك1 2024) بعد هجوم لتحالف المتمردين بقيادة تنظيم هيئة تحرير الشام، وبدون أن تتمكن القوات الروسية المنتشرة في البلاد من إنقاذ الوضع. موسكو توصلت إلى تفاهمات مؤقتة مع النظام الجديد في دمشق لعدم طرد قواتها بالقوة، وهي الآن تدير مفاوضات معقدة بشأن الإقامة الدائمة في قواعدها العسكرية على الساحل السوري وشروط التعاون. وسط ذلك وعلى خلفية المراوحة في رفع العقوبات الغربية، أعلنت روسيا تقدم نفسها كشريك اقتصادي لوجستي وربما حتى أمني (الجيش السوري يعتمد على الأسلحة الروسية) لدمشق، مع استمرار انتقادها الحادة لإسرائيل بسبب نشاطها على الساحة السورية.

 إيران: قفزة كبيرة في التعاون الأمني بين روسيا وإيران ابتداءً من صيف عام 2022، بعد استعداد طهران تزويد موسكو بالأسلحة للحرب مع أوكرانيا (أيضاً المسيرات الانتحارية والصواريخ الباليستية) والأسلحة الأخرى، التي كانت بحاجة إليها بعد أن بدأت استنفاد قدراتها الخصوصاً. ومن الجانب الروسي التعاون يتجلى هذا في صفقات كبيرة لتوريد الأسلحة إلى إيران، في مركزها الطائرات بما في ذلك طائرات سوخوي-35 المتقدمة (وهي صفقة بدأت تتبلور حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا ولكن تسارعت بشكل أكبر منذ عام 2022، على الرغم من أنها لم تكتمل بعد، (بل وتم الإبلاغ عن نشر أنظمة الحرب الإلكترونية الروسية في إيران بسبب تكثيف الوجود الأمريكي في المنطقة وسط توترات بين إسرائيل وإيران في النصف الثاني من عام 2024.

 وفي السياق الإسرائيلي، تذبذبت روسيا بين الدعم العلني لإيران – بررت الهجوم الصاروخي على إسرائيل في نيسان مدعية أن هذا دفاع عن النفس وفقا لميثاق الأمم المتحدة – ودعوات لتهدئة الوضع وحتى اقتراح للتوسط بين إيران وإسرائيل بعد جولة الضربات في تشرين الأول، نظراً لأن هناك قلق متزايد بشأن التصعيد الواسع النطاق بين الطرفين.

 في كانون الأول 2025، وقعت موسكو وطهران اتفاقية تعاون استراتيجي شدد على نواياهم في مواصلة تطوير برامج المساعدة المتبادلة، بما في ذلك في المجال السياسي والأمني.

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن التعاون بين البلدين محدود، ومن بين أسباب أخرى، عدم قدرة روسيا على تعويض إيران أنظمة الدفاع الجوي التي استهدفتها إسرائيل بسبب الاحتياجات الداخلية، امتداد أوقات تسليم الأسلحة التي وعدت بها روسيا والاتهامات المتبادلة بشأن انهيار جيش الأسد ونظامه في سوريا.

تأثير عودة ترامب إلى البيت الأبيض

 بعد أن أعلن دونالد ترامب عن نيته التحرك لإنهاء الحرب في أوكرانيا سريعاً، أعيد انتخابه رئيساً الولايات المتحدة، بدأت عملية تقارب سريعة بين روسيا إلى الولايات المتحدة. وهذا انعكس في محادثات كبار (الرؤساء ووزراء الخارجية) وفي اجتماع ثنائي رسمي بالرياض عاصمة المملكة العربية السعودية (18 شباط 2025) بحضور وزراء الخارجية ومستشارو الأمن القومي – للمرة الأولى منذ بدأت الحرب في أوكرانيا.

 ومن بين مواضيع الحوار والتنسيق التي تمت مناقشتها في الرياض كانت إمكانية التوصل إلى اتفاق من شأنه أن ينهي الحرب في أوكرانيا بشروط مواتية للكرملين. كما برزت قضايا الشرق الأوسط أيضاً، وخصوصاً الحرب في قطاع غزة. والوجود الروسي في سوريا. ترامب معني بصفقة كبيرة مع روسيا حتى لو كان ذلك على حساب سحق حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وأوكرانيا، وهو يعزز جدول أعمال يتضمن العديد من المواضيع للمناقشة مع الكرملين. بفضل ترامب، تمكنت روسيا من العودة إلى واجهة الحلبة الدولية، في حين تتحدث “واحداً لواحد” مع الولايات المتحدة، دون أن تجبر على اعطاء اي مقابل (على النقيض من عهد بايدن حيث طلب منها العدوان كشرط أساسي لأي محادثات تطبيع) وبدون حضور ممثلين غربيين آخرين.

 الهدف الروسي هو الاعتراف الرسمي بروسيا كلاعب متساو القيمة مع للولايات المتحدة، على غرار تقسيم العالم ضمن إطار مؤتمر يالطا في نهاية الحرب العالمية الثانية، ولهذا السبب بوتن مستعد لتقديم مجموعة واسعة من الاتجاهات للتعاون (اقتصادية، دبلوماسية، سياسية، أمنية). لم يتسن بعد تحديد ما إذا كانت المفاوضات الناشئة ستنجح  في النهوض والتوصل إلى اتفاقيات ملموسة، ولكن في كل الأحوال الأصول الروسية في الدول المعادية للغرب في المنطقة مثل القواعد في سوريا، فضلاً عن تقديم المساعدة للحوثيين والتعاون مع إيران قد تكون مفيدة – كجزرة (التخلي عن بعضها (أو كعصا ) تسريع الاتصال وتنشيطه بشكل أكثر كثافة ضد المصالح الأمريكية.

 التداعيات على إسرائيل والتوصيات

كما ذكرنا، فإن سياسة روسيا في الشرق الأوسط مصممة لتوسيع صندوق أدواتها في النضال العالمي (خصوصاً ضد الغرب)، في حين تحاول استغلال اللاعبين المحليين المختلفين لصالحها وخلق صورة الهيمنة والتأثير. وفقاً للتمييز الروسي، فإن إسرائيل هي جهة فاعلة إقليمية مع عدة خصائص رئيسية: من ناحية، فإن إسرائيل لديها تقارب واضح مع المعسكر الغربي، مما يجعلها هدفاً مناسباً للعدوان الروسي، وهذا من شأنه أن يكسبها “نقاط ائتمان” لدى دول الجنوب العالمي، وفي الشرق الأوسط وخارجه، سواء كأفعال خطابية فقط أو من خلال تقديم المساعدة لأعداء إسرائيل. الانتقادات العلنية تعزز العلاقات القوية لروسيا مع الدول والمنظمات التي هي في صراع مع الغرب وحلفائه – وبالتالي ترسيخ تأثيرها على المنطقة.

 ومن ناحية أخرى، تمتلك إسرائيل قدرات ضرر كبيرة (خصوصاً في الجوانب العسكرية)، والتي من وقت لآخر تذكر روسيا بمجال الخطر في سياستها المناهضة لإسرائيل بشكل واضح (كما تم التعبير عنها، على سبيل المثال، من 7   ت1 2023 إلى صيف وخريف 2024. (وبالتالي، في الأيام الأخيرة من عام 2024، وخصوصاً مع بدء عملية سهام الشمال في لبنان، بدأت إسرائيل تستخدم قوة كبيرة في الساحات المختلفة (وخصوصاً لبنان وإيران وسوريا) هي التي وهو ما أدى، من بين أمور أخرى، (بشكل غير مباشر) إلى سقوط نظام الأسد في دمشق. ومن الواضح أنه في أعقاب العمليات الإسرائيلية، غيرت روسيا سلوكها وأطلقت سلسلة من المبادرات (الزيارات استثنائية لممثلي الكرملين إلى إسرائيل ومشاركتهم في إطار اقتراح للوساطة مع إيران ولبنان (من أجل الحد من الأضرار المحتملة الناجمة عن استمرار النشاط الإسرائيلي. هذه المبادرات لم تؤت ثمارها بالضرورة (خصوصاً في الساحة السورية)، ولكنها عكست القلق والفهم بأن موسكو يجب أن تكون مراعية أكثر للمتغير الإسرائيلي. التغيير يزيد من حدة فهم العامل المركزي بأنه يجب على إسرائيل استيعاب خيار: روسيا تعمل في المنطقة بشكل انتهازي ولا تأخذ اعتبارات إسرائيل في الحسبان، لكنها حساسة لاحتمال الضرر الذي تستطيع القدس ايقاعه بها ومستعدة لأن تلائم نفسها لتقليل المخاطر التي تنطوي عليها. ولم تتصرف إسرائيل وفقاً لهذا المبدأ حتى الآن، وحتى الآن هي تمتنع عن العمل بشكل مباشر ضد المصالح الروسية حتى عندما يكون الهدف هو صد الهجمات الدبلوماسية من جانبها. ومع ذلك، بعد قرار الذهاب الى الهجوم على حزب الله وكجزء من الرد القوي ضد إيران بدأ استخدام إسرائيل للقوة يعكس تهديداً فعلياً للأصول الروسية (القاعدة العسكرية والسياسية في سوريا، استقرار إيران كمورد آمن وموثوق به لروسيا، وغير ذلك، بل وساهم في إضعاف موقف روسيا في المنطقة.

على الرغم من أنه من وجهة نظر القدس، لم يتم ذلك (على ما يبدو) عمداً وليس بقصد المساس بمكانة الوجود الروسي في المنطقة، لكن التطورات تُظهر كيف من الصحيح التصرف لمواصلة تقليص الحافز الروسي للتحرك ضد إسرائيل: يجب إظهار القوة والاستعداد للتحرك ضد المصالح الروسية حيث تدعم موسكو أعداء إسرائيل. المرحلة الأولى هي استقرار اللاعبين والمساحات الجغرافية التي يعتمد عليها الكرملين – بعد سقوط الأسد يدور الحديث عن الموقف الروسي المتذبذب تجاه النظام الجديد في سوريا، وبالطبع في مجال الأمن والاستقرار الداخلي للنظام في إيران. الخطوة الثانية يجب أن تكون تحديد مواضيع هامة أخرى تمتلك إسرائيل فيها القدرة على التسبب في الضرر لروسيا وكبح جهودها، على سبيل المثال صورة الوسائل القتالية الروسية والاشارة إلى الطبيعة الإشكالية للروايات السياسية الحساسة (على سبيل المثال “النازية” في أوكرانيا). وهذا يتطلب تطويراً تحليلياً شاملاً وصياغة أهداف ملموسة وسط التوافق مع الأهداف السياسية والأمنية لإسرائيل، بما في ذلك العوالم “الناعمة” لبناء المناعة في مواجهة التأثيرات الخارجية المعادية (مثل حملات التضليل والحرب النفسية الروسية. في الوقت الحاضر، فتحت إدارة ترامب الباب أمام الكرملين لإمكانية التوصل إلى ترتيب متعدد الأطراف بين القوى، في إطاره تعمل روسيا على تعظيم مساحة مقترحاتها (التسويات) في الساحات العالمية، بما في ذلك الشرق الأوسط، في مقابل ضمان تلبية المطالب الأساسية المتعلقة بإنهاء الحرب وفي أوكرانيا، – قضية ذات أهمية قصوى بالنسبة للكرملين. ولتحقيق هذه الغاية، بحصول تقدم ناجح للمفاوضات، قد تظهر روسيا استعدادها لان تقلل – مؤقتاً ولأسباب ضرورة التوصل إلى اتفاق بشأن أوكرانيا وحدها – مشاركتها في دعم القوى المعادية للغرب في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك حماس وإيران والحوثيين والميليشيات الشيعية، فضلاً عن تقديم نهج بناء للجهود الأمريكية لحل الصراعات الإقليمية. ولم يتم تقديم هذه الاقتراحات بعد (على الأقل علناً)، ولكن في حالة نجاح المراحل الأولية من المفاوضات بين الفريقين الأمريكي والروسي من المرجح أن تثار قريباً. يجب على إسرائيل أن تفهم أن هذه خطوة أو وسيلة مصممة لتحقيق تغييرات على الجانب الآخر (ترامب) وليس تغييراً استراتيجياً جوهرياً طويل الأمد، وعدم الانجراف وراء الخطابات الروسية. ومن المهم أن يتم التنسيق مع الأمريكيين، والإصرار على اتخاذ خطوات ملموسة من جانب روسيا – انتقادات علناً تجاه المنظمات الإرهابية، ونقل المعلومات أو المساعدة الأخرى للحد من أنشطتهم وسحب القوات ووقف التعاون مع الجهات الفاعلة المزعزعة للاستقرار (مثل الحوثيين)، التعاون في تشغيل الآليات الدولية للحد من النشاط العدائي (اتفاق نووي متجدد مع إيران) – كل هذا دون توسيع القدرات الروسية في الساحة والتي يمكن استخدامها على مراحل لاحقاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *