هجوم دامي يعيد التوتر إلى العلاقات.. الهند وباكستان تتبادلان التصعيد
بقلم ابتسام الشامي
عاد التوتر في العلاقات الباكستانية الهندية ليطل من جديد منذراً بموجة من التصعيد، ودلّت المواقف الرسمية الصادرة عن البلدين على خلفية اعتداء على مجموعة من السياح في إقليم جامو كشمير في الثاني والعشرين من الجاري إلى تجذر عوامل التوتر الدائم بين “الجارين”، وهو توتر نجحت بعض الاتفاقيات والعلاقات الرسمية المتبادلة في إخماده من دون ان تنجح في إطفائه.
الهجوم الدامي
أعاد الهجوم الدامي على مجموعة من السياح في إقليم جامو كشمير يوم الثلثاء الماضي تسليط الضوء على العلاقات الباكستانية الهندية المأزومة والمشحونة بعوامل الانفجار، فالجاران اللذان “تعايشا” بعد عملية انفصال سياسية صعبة ومعقدة في جغرافيا شرق آسيا وتنوعها الاثني والديني، لم ينجحا في حل الخلافات الناشئة ما بعد الانفصال، لتشكل الأقاليم المتمتعة بالاستقلال الذاتي عاملاً باعثاً على التوتر الدائم، عبّر عن نفسه بثلاثة حروب قاسية منذ الانفصال عام 1947، كان إقليم جامو كشمير الذي وقع فيه الهجوم، سبباً في اندلاع اثنتين منها.
وعلى خلفية الهجوم الذي أودى بحياة ستة وعشرين سائحاً، تبادلت الهند وباكستان، إجراءات تصعيدية، شملت التجارة والنقل ووقف الخدمات القنصلية، ما أدى إلى تصاعد المخاوف الدولية من انزلاق القوتين النوويتين إلى الحرب مجدداً، لاسيما وأن الردود المتبادلة انطوت على رسائل حول قضايا شائكة تربط البلدين ومنها اتفاقية المياه.
الإجراءات الهندية
التصعيد الديبلوماسي افتتحه نيودلهي في اعقاب الهجوم، متهمة إسلام أباد بدعم “الجماعات الارهابية” المسلحة، قبل أن تسارع إلى اتخاذ إجراءات بحق جارتها كان من بينها تعليق العمل بمعاهدة رئيسية لتقاسم المياه، وإغلاق المعبر الحدودي البري الرئيسي بين الجارتين، وخفض أعداد الديبلوماسيين.
وأفادت وسائل إعلام محلية هندية، بأن الخارجية الهندية استدعت كبير الدبلوماسيين في السفارة الباكستانية في العاصمة لإخطاره بأن جميع المستشارين العسكريين في البعثة الباكستانية أشخاص غير مرغوب فيهم ومنحهم أسبوعاً للمغادرة، إضافة إلى تعليق خدمات التأشيرات للباكستانيين فوراً ونصحت الهنود الموجودين بباكستان، بالمغادرة في أقرب وقت.
كذلك أعلنت السلطات الرسمية الهندية تعليق العمل بمعاهدة مياه نهر السند التي تتقاسم بموجبها الدولتان مياه النهر، وهي معاهدة توسط فيها البنك الدولي، حيث اتفق على تخصيص مياه الأنهار الشرقية (سوتليج وبيس ورافي) للهند، في حين أن الأنهار الغربية الثلاثة (السند وجهيلوم وشيناب) تذهب إلى باكستان، علماً أن الأخيرة تتهم الهند باستمرار بانتهاك المعاهدة من خلال بناء السدود على الأنهار الغربية، في حين تعتقد نيودلهي أن إسلام آباد تسيطر على كميات كبرى من المياه نتيجة للمعاهدة.
وقبل أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، خرج رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بخطاب عالي السقف، متعهداً بملاحقة جميع المسؤولين عن الهجوم ومحاسبتهم. وقال، في أول خطاب له بعد الهجوم “أقول لكل العالم: ستحدد الهند هوية الإرهابيين ومن يدعمهم وتلاحقهم وتعاقبهم. سنطاردهم إلى أقاصي الأرض”، مهدداً بأنهم “سيدفعون الثمن حتماً. مهما كانت مساحة الأرض الضئيلة التي يملكها هؤلاء الإرهابيون، حان الوقت لتدميرها. إن إرادة 1,4 مليار هندي ستكسر شوكة هؤلاء الإرهابيين”.
الرد الباكستاني
بدورها، لم تتأخر باكستان في الرد على الإجراءات المتخذة بحقها من قبل الهند، وتعاملت مع التصعيد بالتصعيد، وحذرت من أن أي تهديد لسيادتها من جانب جارتها سيقابل بإجراءات رد حازمة. وبعدما دعا إلى اجتماع نادر للجنة الأمن القومي، قال مكتب رئيس الوزراء شهباز شريف في بيان، إن “أي تهديد لسيادة باكستان وأمن شعبها سيرد عليه بإجراءات حازمة في كل المجالات”. وأعلن البيان سلسلة من الإجراءات الدبلوماسية المضادة بحق الهند، محذراً من أن باكستان ستعتبر أي محاولة من جانب الهند لوقف إمدادات المياه من نهر السند “عملاً حربياً”.
وجاء في بيان رئيس الوزراء “تعلن باكستان مستشاري الدفاع البحري والجوي الهنود في إسلام أباد أشخاصاً غير مرغوب فيهم. يُطلب منهم مغادرة باكستان على الفور”، مضيفاً أن التأشيرات الممنوحة للمواطنين الهنود ستلغى باستثناء الحجاج السيخ. وأشار البيان إلى أن كل الحدود ستغلق، وستوقف التجارة كما سيغلق المجال الجوي أمام شركات الطيران التي تملكها أو تديرها الهند.
مخاطر التصعيد
وعلى خلفية الردود المتبادلة، ارتفعت أسهم التوتر منذرة بازدياد فرص التصعيد بما يحمله من مخاطر تتجاوز بتداعياتها الدولتين إلى الأمن الإقليمي والدولي. وفي هذا الإطار، حذرت مجلة إيكونيميست البريطانية من نشوب حرب بين الجارتين النوويتين باكستان والهند، ورأت أن الهجوم أدى إلى اضطرابات كبيرة في المنطقة. معتبرة أن الهجوم شكل تحدياً “خطراً” لرواية الهند عن استعادة السلام في كشمير، حيث أودى العنف بحياة عشرات الآلاف منذ بدء التمرد عام 1989، ورغم الهدوء النسبي في السنوات الأخيرة، يُؤكد هذا الحادث هشاشة البيئة الأمنية. وبحسب المجلة البريطانية “يعتقد المسؤولون الهنود، أن المهاجمين سعوا إلى تعطيل قطاع السياحة وجذب الانتباه العالمي بربط الهجوم بالزيارات الدولية رفيعة المستوى من وإلى الهند”. مضيفة أن توقيت الهجوم “يُعدُّ مهماً أيضاً، إذ يأتي قبل أسابيع فقط من موسم حج هندوسي كبير، مما يُشير إلى أن المهاجمين ربما كانوا يعتزمون ترهيب السياح الدينيين”. ويخلص مقال إيكونيميست إلى أنه مع تصاعد الضغط الشعبي، فمن المرجح أن ترد الهند بعمل عسكري أو دبلوماسي أكثر عدوانية، ما قد يُشعل التوترات مع باكستان”.
خاتمة
انطوت الإجراءات المتبادلة بين الهند وباكستان على خلفية الهجوم الأخير، على رسائل تعيد فتح الملفات الشائكة بين الجارتين، وفي مقدمها اتفاقية المياه التي بادرت نيودلهي إلى تعليقها، ورأت اسلام آباد في القرار عملاً حربياً، ما ينذر بتصعيد خطير بين بلدين يمتلكان أسلحة نووية، وفي وقت ارتفعت فيه أسهم القلق الدولي إزاء الأحداث، فإن الانظار تتجه إلى الإجراءات الواجب اتخاذها لاحتواء التطورات ومنع التصعيد.