إقليميات

“السّيسي” وخُطَتُه ضدّ التَّهجير! وأَمريكا من خَلف المشهَد…

بقلم زينب عدنان زراقط

فأيُّ شكلٍ اتخذته أمريكا للتخفّي بين طيّات “الخطة العربية” لمواجهة مخططات “ترامب”؟ وماذا يدور حول الشركة الأمنية “لإدارة الكوارث والمناطق المنكوبة” بعد إقرار قانون حظر “الأونروا” ضمن الأراضي الفلسطينية المحتلة ومدى علاقتها بأمريكا وإسرائيل؟.

وبينما تتصدر الخطة المصرية صدارة المشهد في التصدّي لمخطط ترامب، يتضح أن أمريكا تسيطر على قرارات وتوجهات هذه الخطة. وفي ما تم تسريبه إلى الإعلام، تشمل الخطة المصرية إعادة إعمار قطاع غزه من خلال بناء مدن متنقلة تبدأ بإنشاء خمس مدن ذات جغرافيا صغيرة ونقل السكان إليها ثم الاتجاه إلى إنشاء خمس مدن أخرى لحين الانتهاء من أحياء كافة مدن القطاع، وسوف تستعين بشركات محلية وعربية وأوروبية مع وضع نقابة المهندسين المصريين الخطط الهندسية. وهذه الخطة تتكوّن من مرحلتين، أولاهما تستغرق 10 سنوات، وهي غير مقتصرة على عمليات إعادة الإعمار والإنشاءات السكنية والبنى التحتية، بل ستتضمن تنفيذ أعمال تهيئة للمرحلة الثانية من التصور الشامل لحل القضية برمتها. ويتضمن المقترح إعادة توزيع الكتل السكنية في القطاع، بحيث يجري تخفيف أعداد سكان شمال غزة وتوفير مساحات آمنة غير كثيفة السكان في المناطق المتاخمة لمستوطنات الغلاف. إضافة لمراقبة سلاح المقاومة بوضع قيود وشروط عليه لحين إنشاء دولة فلسطينية، ومراقبة أي خروقات أو خلافات تجري بين الطرفين عبر تأسيس لجان مراقبة عربية بقيادة مصرية.

وصولاً إلى القول بأن هذه الخطة المصرية تعمل بمجاراة استمرار عمل شركة الأمن الأمريكية، في حين اقتصار دورها على التواجد في ثلاثة مواقع في نقاط تماس بين القطاع وثلاث مستوطنات، وسيكون ضمن الأعمال الخاضعة للرقابة الدولية التأكد من خلو المواقع التي سيتم إعادة إعمارها من أنفاق المقاومة أو أي بنية عسكرية. فمن هي هذه الشركة الأمنية وما غاياتُها؟.

الشركة الأمنية الأمريكية “GDC

يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى إعادة صياغة الواقع الإنساني في غزة، ضمن استراتيجية شاملة بما يخدم أهدافه الاستيطانية. فمنذ عقود، كان الدور الذي تضطلع به وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” محورياً في تقديم الدعم الإنساني لملايين الفلسطينيين، إلا أن إسرائيل سعت على الدوام لتقويض هذا الدور، وصولاً إلى الدفع باتجاه مشروع قانون لحظر أنشطة الأونروا. في موازاة ذلك، ظهر توجه متزايد نحو استخدام الشركات الأمنية الخاصة في إدارة وتقديم المساعدات الإنسانية، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول خطة الاحتلال الإسرائيلي لليوم التالي في قطاع غزة.

ففي أكتوبر العام الماضي 2024، ناقشَ الكابينيت الإسرائيلي خطة لتوزيع المساعدات الإنسانية في شمال قطاع غزة بواسطة شركة أمنية أمريكية يملكها رجال أعمال إسرائيليون – أمريكيون. وأشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إلى أن “الشركة التي ستتولى توزيع المساعدات هي شركة “GDC”، المتخصصة في تقديم المساعدات الإنسانية في مناطق الحروب والكوارث، ويرأسها رجل الأعمال الإسرائيلي الأمريكي موتي كاهانا”. وتتكون الشركة من مقاتلين سابقين، وقدامى المحاربين في وحدات النخبة من الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا.

وكانت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست قد صادقت وبشكل نهائي قانون حظر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” ومنعها من دخول البلاد في السادس من أكتوبر 2024 م ضمن المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، وقد اجتاز القراءتين الثانية والثالثة خلال الجلسة العامة للكنيست، وأصبح جزءاً من قوانين دولة إسرائيل في 28 أكتوبر 2024م من بعد الاتفاق على شركة “GDC” الأمريكية الإسرائيلية لتولّي مهامها عوضاً عنها، وفق ادعاء كاذب بمشاركة الأونروا فصائل المقاومة الفلسطينية الهجوم على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023م.

وخلال الأيام القليلة الماضية وبعد الضّجة العالمية التي أحدثتها قرارات ترامب باحتلال “غزة” وتهجير سكانها، خرجت مصر بدور المنقذ في خطتها والراعي الرسمي شركة “GDC”. حيث قدّمت الشركة خطة لتوزيع المساعدات في غزة بتطبيق نموذج “المجتمعات المسوّرة”، مستوحاة من تجربة الاحتلال الأمريكي في العراق. وإنشاء حواجز وجدران لعزل الأحياء، وتدقيق بيومتري للسكان، بحماية من شركة أمنية مرتبطة بـشركة “بلاك ووتر” الأمريكية. وبذلك، تقود شركات إسرائيلية وأمريكية تنفيذ المخطط بالتعاون مع جيش الاحتلال متخذين بيت حانون كنقطة بداية محتملة للتنفيذ. ويهدد رئيس شركة GDC موتي” “كاهانا” باستخدام العنف ضد أي جهة تعرقل تنفيذ خطته، متوعداً غزة بسلطة أمنية جديدة تفرض سيطرتها عليها بالقوة.

الراعي “بلاك ووتر” أمريكا

وفي السياق عينه، يأتي دور شركة بلاك ووتر التي تعتبر أخطر منظمة سرية مسلحة في التاريخ الحديث، شركة عابرة للقارات قوامها مقاتلون متقاعدون في الجيش الأمريكي.. تم تأسيسها وتوظيفها لتقليل الخسائر الرسمية ولتنفيذ العمليات القذرة بعيداً عن الرقابة الرسمية.. ظاهرة نمت بعد أحداث الأبراج الأمريكية.. ديك شيني ورامسفيلد وبوش الأبن. وهي شركة أمريكية للخدمات الأمنية والعسكرية الخاصة. تقدم خدمات أمنية تعاقدية للحكومة الفدرالية الأمريكية والعديد من الدول الأخرى، وكذلك المؤسسات الخاصة والحكومية داخل أمريكا وخارجها، بعد موافقة حكومة الولايات المتحدة.

ولا تخفي الشركة توظيفها للثقافة الصليبية – اليهودية، وعلاقاتها مع “منظمة هاغاي” التضامن المسيحي الدولي التي أشرفت على تدريب 60 ألف قائد إنجيلي في مختلف دول العالم بينها دول عربية، وعلاقات مع عواصم وسفارات دولية وعربية. وعن دورها في تأسيس معارض عسكرية في عواصم عربية وغير عربية باسم “معرض السلام – سوفكس”. أما عن أبرز مهام البلاك ووتر هو دورها في العراق بعد الاحتلال الأمريكي له، ودورها في أفغانستان لحماية أنابيب النفط ودورها في فتنة دارفور بعد أن تبيّن وجود كميات كبيرة من النفط والغاز واليورانيوم في السودان، ودورها في سيراليون للسيطرة على تجارة ألماس، ودورها في منطقة بحر قزوين ضد روسيا وإيران حيث تتداخل مهام المخابرات الأمريكية مع دور هذه العصابة سواء في العلاقة مع رئـيس أوزبكستان إسلام كريموف أو مع رئيس أذربيجان إلهام علييف أو مع الرئـيس الجورجي ساكاشفيلي الذي حملته “ثورة برتقالية” بدعم البلاك ووتر.

في الختام، إن اليد الأمريكية سوف تتسلل بشكلٍ أو بآخر بين طيات المقررات التي سيتم اتخاذها استكمالاً لمراحل وقف إطلاق النار في “غزة”. ولكن دوماً يبقى الرهان على الدول الأخرى الخاضعة للإملاءات الامريكية في منطقتنا التي لولاها لما كان لأمريكا وسيلة لأن تبطش وتنكل وتضطهد وتدخل في سياسات البلدان العربية. فهل يبقى الصمت الدولي سائداً بعد قرار قطع عمل الأونروا في أماكن تواجد الاحتلال الصهيوني ويسمح للشركات الأجنبية و”الأمنية” الأخرى بالتدخل والتصرف دون رادعٍ؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *