إقليميات

اليمنيون يودعون الفريق الغماري شهيداً على طريق القدس

بقلم نوال النونو

ويعدّ الفريق الغماري من أبرز القيادات العسكرية اليمنية، وهو رائد التصنيع الحربي في اليمن، وتمكن مع مجموعة من رفاقه من نقل اليمن من مرحلة التعثر العسكري إلى وضعه في مصاف الدول المتقدمة والأول على المستوى العربي من حيث تصنيع الأسلحة، بدءاً من الكلاشنكوف ووصولاً إلى الصواريخ الفرط صوتية الانشطارية، كما كان للشهيد رحمه الله دور في تحقيق الانتصارات والنقلات النوعية في ميدان المعركة خلال العدوان الأمريكي السعودي على اليمن منذ عام 2015 وحتى 2022م، وكان له إسهام بارز في مواجهة العدوان البريطاني على اليمن من بعد معركة طوفان الأقصى عام 2023م، وله كذلك إسهامات بارزة في إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة على كيان العدو الصهيوني خلال العامين الماضيين من بعد معركة “طوفان الأقصى”.

ويؤكد زعيم أنصار الله السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن الشهيد الغماري كان من أهل الصبر الجميل في أدائه وفي تعامله وفي روحيته، منطلقاً بوعي قرآني وبارتباط وثيق بكتاب الله، حيث تجلّت الروحية الجهادية للشهيد الغماري في الثقة العظيمة بالله وهو يؤدي مهامه الجهادية دون اكتراث لما عليه الأعداء من إمكانات وقوة، مشيراً إلى أن الشهيد الغماري كان يؤدي مهامه الجهادية ليس بالروتين العسكري والتقاليد المعروفة في الجيوش، بل بما هو أرقى منها من حيث التقوى والاهتمام والجدية والمثابرة والعناية.

إنجازات كبيرة في بضع سنوات

ويتفق الكثير من اليمنيين على الدور الكبير الذي لعبه الشهيد الغماري في مسار التصنيع الحربي والعسكري، وإعادة بناء الجيش اليمني من الصفر على الرغم من الحصار الخانق على اليمن، وتمكنه من تحويل الفرص إلى تحديات.

ويرى الخبير والمحلل العسكري اليمني مجيب شمسان أن الحديث عن إنجازات الشهيد الغماري يحتاج إلى “وقتٍ طويل”، موضحاً أن إعادة بناء قدرات القوات المسلحة اليمنية تمت “في ظل العدوان والحرب والحصار”، بعد أن “تم تدمير القدرات اليمنية بشكلٍ كامل” في فتراتٍ سابقة، حيث جرى البناء “من الصفر”.

ويشير إلى أن الشهيد الغماري بصفته قائداً لهيئة الأركان والقيادة الفاعلة في الميدان، فكان يواجه “سبعة عشر قائد أركان لجيوش تحالف العدوان على اليمن”؛ بما فيهم قوى عظمى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، وهنا يظهر حجم العظمة وحجم الفارق الكبير الذي أحدثه الشهيد القائد الغماري في بناء القدرات ومواجهة “سبع وأربعين جبهة؛ بل أكثر” والممتدة في مختلف الأنحاء داخل وخارج الخارطة اليمنية، مؤكّداً أن الغماري “كان حاضراً في الميدان” و”طور القدرات” حتى وصلت إلى مستوى “يقلب معادلات ويفرض معادلات جديدة”.

ويلفت إلى أنَّ الإنجاز الأبرز للشهيد الغماري هو “فرض حصار خانق على الكيان الصهيوني الذي لم يسبق أنّ واجه مثله على الإطلاق منذ نشأته حتى اليوم”، مشيراً إلى أنَّ كل الحصار الذي واجهه الكيان الصهيوني سابقاً “لا يطول ولا يزيد عن أسبوع إلى عشرة أيام، وبمشاركة قوى وجيوش عربية مجتمعة”، مؤكّداً أن اليمن كان يواجه “أساطيل أمريكية، خمس مجموعات ضاربة من حاملات الطائرات”، ومع ذلك “لم تتمكن من كسر هذا الحصار الذي امتد لعامين من الإسناد اليمني”، مشدّداً على أنّه “لم يسبق أن واجهت أيّة قوة هذه الأساطيل الضاربة للأمريكي كما واجهتها القوات المسلحة اليمنية” خلال معركة “طوفان الأقصى”.

خير خلف لخير سلف

مما سبق، يتضح مدى أهمية الشهيد الغماري في السلك العسكري، وفداحة الخسارة والمصاب، غير أن الحركات التي تنشأ على مشروعية الجهاد في سبيل الله ومواجهة الأعداء ومن بينها أنصار الله، فإن التضحية واردة في أية لحظة، وهو مسار متوقع أن يتعرض له أي قيادي في الحركة، ولذلك فإن التجارب تجعل من التكيف مع هذه المخاطر سريعاً، والبحث عن البدائل يكون سهلاً وميسّراً.

ولهذا، فإن الإعلان عن استشهاد الفريق الغماري أعقبه الإعلان كذلك عن البديل له، وهو أبو حسين يوسف المداني الذي كان يشغل قائد المنطقة العسكرية الخامسة، وهو من أبرز وأهم القيادات العسكرية لأنصار الله، وتحققت على يديه الكثير من الانتصارات منذ عام 2004م، وهو من الشخصيات المقربة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، ما يعني أن الفريق الغماري رحل وحلّ بدلاً عنه شخصية أقوى وأشد عوداً، ولديه من المهارات والقدرات العسكرية والميدانية ما يجعله أهلاً في مواجهة الأعداء كالأمريكيين والصهاينة وغيرهم.

ويمكن القول إن التأثير بقدر ما كان موجعاً ومؤلماً على رحيل شخصية عظيمة كالشهيد الغماري إلا أن التأثير العسكري لن يكون كبيراً وخصوصاً أن القائد الخلف هو أبو يوسف المداني رجل الحرب والمواجهة والانتصارات، ولذا فإن قيادات المناطق العسكرية وفي برقيات عزاء رفعتها إلى رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط أكدت أن الشهيد كان قدوة وقائداً ومعلّماً ومدرسة متكاملة في الجد والاهتمام والتسليم والشجاعة والإقدام، معتبرةً أن دم الشهيد الغماري وقود يشعل فيهم كل معاني الإباء والعزة، مشيرين إلى أن دماء الشهداء ستتحول إلى زلزال يدك عروش الطغاة والظالمين، وفاتحة للنصر الكبير بزوال العدو الصهيوني والأمريكي والمنافقين والخونة العملاء، مجددين التأكيد على الثبات في الساحات والجبهات حاملين راية الشهداء بكل عزة وإباء وشموخ.

لقد حقق العدو الإسرائيلي إنجازاً طفيفاً في اختراق اليمن عبر العملاء والخونة، وفي مقدمتهم هذه المرة الموظفون التابعون للمنظمات الدولية، لكنها تعد “قطرة حظ” كما يسميها العدو نفسه، فالبنية الأمنية لليمن قوية ومتماسكة، والدليل على ذلك عجز الأمريكيين والصهاينة والحلفاء السعوديين والإماراتيين في تحديد أماكن الأسلحة اليمنية وتخزينها والقضاء على هذه القدرات التي تنمو وتتراكم من يوم إلى آخر، فاليمن أقوى من أي مرحلة مضت كما يقول السيد عبد الملك الحوثي، والتأثير على قدراته لا يزال بعيد المنال، فالاغتيالات لا تحقق النتائج المرجوة، ولا سيما أن القادة يستشهدون ويأتي من خلفهم قادة آخرون أكثر قوة وصلابة ممن سبقهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *