آخر الكلام

الوقوف على أطلال الوحشة

بقلم غسان عبد الله

فَارَقْتَ دهركَ، والأحبةُ قد نسوكَ‏ وصرتَ وحدكَ في مغيب العمرِ؟‏

ترفعُ راحتيكَ معانقاً أفقَ الحياةِ‏ كأنكَ الرجلُ الصليبُ؟‏

لا النفسُ طابتْ بعدهم سَكَنَاً‏ ولا سودُ الليالي بعدما ابتعدوا تطيبُ.‏

تمشي كأنكَ خاسرٌ أبداً‏ وقلبكَ ناسكُ الهجرانِ‏

يا جبلاً تخدّدهُ الرياحُ‏ وتصدعُ الأحزانُ هامته،‏ ويصرعُه المغيبُ.‏

وبكيتَ لمْ يُجدِ التأوّهُ حسرةً،‏ وصرختَ لم تجبِ القفارُ.‏

نأتِ الديارُ..‏ فيا وحيدَ الليلِ‏ كيفَ تساهرُ الأيامَ؟‏

لا صوتٌ يمرُّ بحزنهِ المغلوبِ في‏ ديجوركَ العاتي، ولا قمرٌ يُنارُ.‏

لو وردةٌ في الروحِ‏.. يا ذا الحزنِ..‏ لو بابٌ إلى النسيانِ‏..

لو دربٌ تعرّجهُ الجوامعُ والقبابُ.‏

لكنّ عمركَ راحلٌ في الريحِ‏ لن تجدي الطفولةُ في سنابلها‏

بهزِّ فؤادكَ البالي‏ ولن يُجدي اخضرارُ.‏

يا أنتَ يقتلكَ الفراقُ‏ فَمِلْ برأسِكَ باكياً‏

فوقَ التصاويرِ التي أحببتها قبلَ الرحيلِ!‏

أواهِ كمْ أوحشتهمْ،‏ كمْ صرتَ مبتعداً وصاروا‍‍!‏

يا للأباريقِ التي شفّتْ بروحكَ،‏

والخمورِ إذا شعرتَ بدفئها‏ لكنها ليستْ تُدارُ.‏

نأتِ الديارُ،‏ وأقفرتْ بعدَ العشيةِ‏ والحمامُ لهُ هديلُ.‏

ألأنهُ الزمنُ البخيلُ؟‏

أمسيتَ وحدكَ في شمالِ الليلِ‏.. تبحثُ عن أليفٍ لم يغيّبهُ الرحيلُ.‏

يا ذارفَ الدمعاتِ هذي الروحُ عاريةٌ‏

فزمّلها بطرفِ ردائك البالي،‏

وهُزَّ بشجوكَ العالي شجيراتِ النعاسِ؟‏.. فليلُ فرقتها طويلُ.‏

لا شيءَ يأتلفُ المكانَ سوى‏

مرورِكَ في المغيبِ مُضيِّعاً‏.. والأرضُ منعاها العويلُ.‏

ألأنَ قلبكَ دامعٌ خلفَ الطلولِ.. بكتْ عيونُ الخيلِ في البيداء.. وانجرحَ الصهيلُ؟‏

يا ويحَ حزنكَ يا بعيدَ الدارِ‏

لا حورٌ لتبكي تحتهُ مُرَّ الحفيفِ،‏ ولا حمامات ليهتزَّ النخيلُ.‏

لا قلبُ أمّكَ ناحبٌ عند الغروبِ على فراقكَ..

لا صبيّةُ حبّكَ البيضاءُ داريةٌ بوجدكَ..

ولا نوافذُ أمسكَ المنسيِّ‏ يُشرعها على البستانِ مِطلعَكَ الجميلُ.‏

طاعنتَ في الأحزانِ أياماً بلا عددٍ‏ وخَّطكَ المشيبُ..‏

فيومكَ آزفٌ نحو الغروبِ،‏ ووجهكَ المكدودُ يعروهُ اصفرارُ.‏

(ستجيئكَ النوقُ العشارُ‏ وفوقها جثثُ الذين تحبهمْ) بعد الأوانِ‏ فلن تميّزَ ركبهمْ‏

ستكونُ شمسك قد مضتْ،‏ وتكونُ قد خلتِ الديارُ.‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *