كوريا الشمالية تشارك روسيا القتال في أوكرانيا.. تعزيز العلاقات وتطوير التعاون العسكري
بقلم ابتسام الشامي
باعترافها رسمياً بالمشاركة في حرب أوكرانيا إلى جانب روسيا، تكون كوريا الشمالية قد ترجمت عمليا الاتفاقية الاستراتيجية التي وقعتها مع موسكو قبل أشهر عدة، وحسمت تموضعها الطبيعي إلى جانب روسيا مع ما يعنيه هذا التموضوع من حجز مسبق لدور ومكانة في صراع لا تقتصر تداعياته على الدولتين المتحاربتين وإنما على العالم برمته.
بيونغ يانغ قاتلنا إلى جانب الروس
قطعت كوريا الشمالية الشك باليقين حول دورها في الحرب الجارية في أوكرانيا، واعترفت رسمياً بالمشاركة إلى جانب القوات الروسية في السيطرة على بعض المناطق الاستراتيجية ضمن قائمة الأهداف الروسية في الجبهة الأوكرانية، وذلك بعد أشهر من الصمت إزاء معلومات كشفها الرئيس الأوكراني فلودومير زيلنسكي وكوريا الجنوبية عن مشاركة فاعلة للجيش الكوري الشمالي في حسم بعض المعارك الهامة. وللمرة الأولى، أكدت بيونغ يانغ أنها أرسلت قوات إلى روسيا، مشيرة إلى أن جنودها ساعدوا موسكو في استعادة مناطق في كورسك الروسية كانت تحت السيطرة الأوكرانية لأشهر. وبحسب وكالة الأنباء الرسمية للبلاد، فإن “وحدات فرعية من القوات المسلحة، شاركت في عمليات تحرير مناطق كورسك” وقد تكللت الجهود الحربية لتلك القوات بالنجاح.
الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، بدا “فخوراً” بإنجازات قواته العسكرية، واصفاً الجنود بالأبطال. ونقلت عنه الوكالة الرسمية قوله إن “أولئك الذين قاتلوا من أجل العدالة هم جميعا أبطال وممثلون لشرف الوطن”. مشيراً إلى إقامة نصب تذكاري في العاصمة بيونغ يانغ قريباً يخلد “مآثر المعركة”.
بدوره شكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “الرفيق” كيم على الإنجاز الذي حققه جنوده بقتالهم إلى جانب روسيا ضد القوات الأوكرانية في منطقة كورسك الروسية. وقال بوتين في بيان صادر عن الكرملين، إن “الأصدقاء الكوريين تصرفوا انطلاقاً من شعور بالتضامن والعدالة والرفقة الحقيقية”. وأضاف “نقدر ذلك كثيراً ونشعر بالامتنان الصادق شخصياً للرفيق كيم جونغ أون… وللشعب الكوري الشمالي”.
وتأتي مشاركة كوريا الشمالية في الحرب إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا، ترجمة عملية لتطور العلاقات بين البلدين، والتي تعززت منذ انطلاقة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في شباط من عام 2022، وبلغت ذروتها في حزيران الماضي، مع توقيع الجانبين اتفاقية شراكة إستراتيجية شاملة، تضمنت بنداً لتقديم المساعدة المتبادلة في حالة أي عدوان خارجي على أحد الطرفين. وبحسب المعطيات التي نشرتها كييف والعواصم الغربية حول طبيعة المشاركة الكورية الشمالية في أوكرانيا، فإن بيونغ يانغ زودت موسكو بصواريخ باليستية وذخائر حربية.
ردود الفعل
وفي مقابل الثناء المتبادل بين البلدين على خلفية التعاون العسكري “المثمر” في أوكرانيا، شكل الإعلان الرسمي عن هذا التعاون مناسبة لخصوم الدولتين لإدانة هذا التعاون. وفي هذا السياق نددت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية، بما وصفته انتهاك قرارات مجلس الأمن الدولي. وقال المتحدث باسم الوزارة “باعترافها الرسمي بذلك، تكون – كوريا الشمالية – قد أقرت بأفعالها الإجرامية”.
أما الخارجية الأمريكية فقد عبرت عن قلقها من المشاركة المباشرة لكوريا الشمالية في الحرب الأوكرانية. وحذرت بيونغ يانغ من مواصلة نشر جنودها للقتال في صفوف الجيش الروسي من أجل مقابل تناله من روسيا. كما اعتبرت الخارجية الأمريكية أن انخراط دولة ثالثة في الحرب الروسية الأوكرانية يجعلها تتحمل المسؤوليةَ عن الحرب.
وفي إطار الإعلان الرسمي عن مشاركة كوريا الشمالية في القتال إلى جانب روسيا في أوكرانيا، انشغل الخبراء ومراكز الأبحاث في قراءة هذه المشاركة ودلالاتها، لاسيما على مستوى ما وفرته من فرصة لتعزيز علاقات البلدين من جهة، وتطوير الأداء العسكري للقوات الكورية الشمالية.
وفي هذا السياق، قال رئيس قسم أبحاث استراتيجيات وسياسات وقدرات الدفاع في مؤسسة راند جاكوب باراكيلاس في تصريحات لـ “بيزنس إنسايدر”، قال: إن “الخبرة التي يكتسبونها ليس فحسب كيفية العمل تحت النيران وتكبد الخسائر وكيفية استمرارهم في العمل، بل أيضاً التأثير النفسي الذي يُحدثه ذلك على جنودهم”.
بدوره، رئيس قسم كوريا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن جوزيف س. بيرموديز، يشير إلى أن “هذه كانت أول فرصة تُتاح لكوريا الشمالية لرؤية مسيرات في ساحة معركة، وخصوصاً المسيرات الصغيرة المخصصة للاستطلاع والاستطلاع التكتيكي والضربات التكتيكية”. ورجّح أن تكتسب كوريا الشمالية أيضاً فهما أعمق لاستخدام المسيرات في مهام استراتيجية بعيدة المدى.
وأشار بيرموديز إلى الدروس التي تتعلمها كوريا الشمالية في مهاجمة المواقع المحصنة، وبناء جسور الأنهار للدبابات، وتمويه وإخفاء القوات.
القدرات النووية
الخبرات الميدانية التي اكتسبتها القوات الكورية الشمالية في القتال في أوكرانيا، تضاف إلى خبراتها العسكرية التي تدأب بيونغ يانغ على تطويرها في مختلف المجالات لاسيما وأنها تخوض سباقاً مع الزمن في تعزيز قدراتها العسكرية لاسيما النووية منها. وفي هذا الإطار، أصدر الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، أوامره بتسريع التسلح النووي للبحرية العسكرية في البلاد، بعدما كشف قبل أيام عن مدمّرة جديدة. واعتبر كيم أن “الوقت قد حان لتسريع التسلح النووي للبحرية للدفاع عن الدولة والسيادة البحرية في وجه التهديدات الراهنة والمستقبلية، وقد عرض مهمات عدة مختلفة لتحقيق ذلك”. وكشفت الأنباء الكورية الشمالية الرسمية الوكالة أنه في التاسع والعشرين من شهر نيسان الماضي، جرى اختبار أسلحة تكتيكية بحر – بحر موجهة وأنواع مختلفة من المدافع الدخانية والمشوشة للرادار. وكشف كيم أن المدمرة “ستوضع في الخدمة مطلع العام المقبل للمساهمة في جعل البحرية الكورية الشمالية حلقة أساسية في الدفاع الوطني وعنصراً في الردع النووي”.
من جهته، ذكر موقع “أن كاي نيوز” الأمريكي المتخصص، أن المدمرة الجديدة “شو هيون” قد تُجهز “بصواريخ نووية تكتيكية قصيرة المدى”.
خاتمة
تمضي كوريا الشمالية في مسار تطوير قدراتها العسكرية من جهة وتعزيز حضورها الدولي من جهة أخرى، وما علاقاتها بروسيا التي تعززت بالقتال والدم سوى ترجمة عملية لهذه الاستراتيجية التي ترى فيها بيونغ يانغ استجابة فعالة لمواجهة التحديات الماثلة أمامها على المديين المنظور والبعيد.