دوليات

اتفاقية المعادن النادرة بين واشنطن وكييف.. أمريكا الرابح الاكبر

بقلم ابتسام الشامي

خلفية الاتفاقية

في زيارته الأخيرة إلى البيت الابيض، خرج الرئيس الأوكراني فولودمير زيلنسكي مطروداً بعد لقاء متوتر مع نظيره دونالد ترامب، الرئيس الذي خاض حملته الانتخابية بشعار وقف الحروب وفي مقدمها الحرب في أوكرانيا، أبلغ زيلنسكي أنه ماض في ترجمة شعاره، وأن عليه الموافقة على اتفاقية “سلام”، حتى وإن تضمنت بنوداً تعترف بالوقائع الميدانية للحرب، بما في ذلك التنازل عن أراض واسعة سيطرت عليها القوات الروسية.

خروج زيلنسكي المهين من البيت الأبيض في شباط الماضي لم يحل دون توقيعه اتفاقية تشرع أبواب أوكرانيا أمام استثمار الولايات المتحدة الأمريكية ثروة بلاده من المعادن النادرة، علماً أن هذا الاستثمار لا ينطلق من المصالح المشتركة للبلدين وإنما من المصلحة الأمريكية الصرفة، إذ لم تخف واشنطن أهدافها الحقيقة من الاتفاقية المفروضة والمتمثلة بتحصيل نفقات دعمها كييف خلال الحرب المتواصلة مع موسكو منذ أكثر من ثلاث سنوات. وهو ما أوضحه الرئيس الأمريكي نفسه، في تصريحات أدلى بها مطلع شهر شباط الماضي، قائلاً إن “على أوكرانيا تزويد الولايات المتحدة بالمعادن النادرة”، معتبراً ذلك نوعاً من الدفع مقابل الدعم المالي الذي تقدمه لها واشنطن في حربها ضد روسيا. وأوضح ترامب في تصريحاته تلك أن لدى أوكرانيا معادن أرضية نادرة ذات قيمة كبيرة، وأنه يريد “تحقيق المساواة” مع الجانب الأوكراني مقابل الدعم الأمريكي. وقال إن الولايات المتحدة قدمت مساعدات لأوكرانيا تفوق بكثير ما قدمته أي دولة أخرى، مضيفاً “لقد أنفقنا أكثر من 300 مليار دولار أمريكي، بينما أنفقت أوروبا حوالي 100 مليار. هذا فرق كبير”.

الاتفاقية المفروضة

توقيع اتفاقية المعادن النادرة الذي جاء بعد اسابيع من التوتر، ومفاوضات وصفت بالمعقدة والطويلة، جاء بمثابة الترجمة العملية لكلام ترامب، ففي وقت يتيح فيه الاتفاق وصول الولايات المتحدة إلى ثروات أوكرانيا، ويضع الأخيرة في موقع التبعية الاقتصادية فإنه لا يستجيب لمطالبها بتوفير الحماية الكاملة من الاخطار الخارجية، ولا يعكس ذلك بشكل صريح في بنوده، فضلاً عن الكثير من علامات الاستفهام التي ارتسمت حول تأثيراته السلبية في الاقتصاد الأوكراني، وهو ما كان زيلنسكي قد عبر عنه بشكل صريح عندما عُرضت عليه النسخة الأولى من الاتفاقية قائلاً إن شروطها ستُثقل كاهل “عشرة أجيال من الأوكرانيين”. وقد جاء كلام الرئيس الأوكراني في سياق الرد على نظيره الأمريكي، الذي أسمعه كلاماً حول ضرورة تعويض الولايات المتحدة عن مساعداتها المالية والعسكرية لأوكرانيا منذ بدء حربها مع روسيا، مقدراً تلك المساعدات بنحو 500 مليار دولار، أي ما يزيد أربع مرات عن المساعدات المقدمة فعلياً والتي تبلغ حوالي 120 مليار دولار، بحسب معهد كيل الألماني.

اتفاقية المعادن النادرة التي جرى توقيعها الأربعاء الماضي، تضمنت الكثير من البنود التفصيلية بشأن ما اتفق عليه الطرفان، لكن اللافت خلال الإعلان عن توقيعها، اكتفاء وزارة الخزانة الأمريكية، بالإشارة إلى أنها اتفاقية “الشراكة” لإنشاء صندوق استثماري لإعادة الإعمار بين الدولتين”، من دون التصريح بأنها تتعلق بالمعادن. قبل أن تكشف نائبة رئيس الوزراء ووزيرة الاقتصاد الأوكرانية، يوليا سفيريدينكو، في وقت لاحق، أن الاتفاقية الموقعة ستسمح بتمويل “مشروعات لاستخراج معادن ونفط وغاز” في أوكرانيا. وعلى الرغم من أن الاتفاقية فُرضت على الأخيرة من دون أن تلبي مطالبها وجاء بمثابة تعويض الإنفاق الأمريكي على الدعم العسكري لها، إلا أن مسؤولي البلاد حرصوا على التعبير عن الرضا حيالها. وقبل التوقيع رحّب رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميغال بما سماه “اتفاقاً دولياً عادلاً حقاً بين الحكومتين الأمريكية والأوكرانية”، في حين اعتبر وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت أن الولايات المتحدة لديها “فرصة للمشاركة وللحصول على… تعويض” عن المساعدات المقدمة لكييف. وهو ما ينص عليه الاتفاق، إذ يقر بالدعم المالي الأمريكي منذ عام 2022، وان من دون الإشارة إلى أنه يجب سداد أي دين مقابل هذه المساعدات. كما يُحسب أي دعم عسكري جديد كجزء من مساهمات الولايات المتحدة في الصندوق.

بنود الاتفاقية

وبمعزل عما سبق الاتفاق ورافق توقيعه من مواقف وعلامات استفهام الا انه بات حقيقة ومسار التزام من الطرفين الموقعين عليه كل اتجاه الطرف الآخر.  وبحسب ما كشف النقاب عنه فإن الاتفاق ينص على إنشاء صندوق استثمار مشترك بين البلدين لإعادة إعمار أوكرانيا، تتقاسم فيه الدولتان الحصص، على أن تكون مشاركة أوكرانيا بعائدات التراخيص الجديدة لاستخراج المواد الخام، مع احتفاظها بالسيطرة على مواردها الطبيعية والبنية التحتية. ويشمل الاتفاق 57 نوعاً من الموارد المعدنية، من بينها النفط والغاز والتيتانيوم والليثيوم والمعادن الأرضية النادرة، التي تذهب بعض المعطيات إلى تقديرها بنحو 5% من الموارد المعدنية العالمية، علماً أن أوكرانيا تصنف في المرتبة الأربعين عالمياً بين الدول المنتجة للمعادن بحسب “وورد ماينينغ داتا”، في حين يشير المكتب الفرنسي للأبحاث الجيولوجية إلى أن أوكرانيا تضم نحو 20% من الموارد العالمية المقدّرة من الغرافيت، وتُعد من الدول الأوروبية الأساسية من حيث إمكانية استغلال الليثيوم، المهم أيضاً لصناعة البطاريات، على الرغم من أن هذه الاحتياطات لم تُستغل بعد. أما بالنسبة للمعادن الأرضية النادرة، فلا تُعرف أوكرانيا بوفرة هذه الموارد التي تُعدُّ ضرورية لتقنيات مثل الطائرات بدون طيار والمحركات الكهربائية وطواحين الهواء.

وإذ جاء نص الاتفاقية مثقلاً بالبنود المرتبطة بالمعادن، والصندوق الاستثماري وكيفية تغذيته وتقسيم الحصص داخله، فإنه خلا من الإشارة إلى ضمانات أمنية طويلة الأمد، على الرغم من مطالبة أوكرانيا الولايات المتحدة بأن يتضمن أي اتفاق بشأن مواردها الطبيعية، التزامات أمنية أمريكية صريحة.

خاتمة

ربح جديد صاف للولايات المتحدة الأمريكية على حساب حلفائها، فبعد حرب مدمرة دفعت إليها أوكرانيا، ها هي تنسحب من الحرب، وتعوّض ما دفعته فيها، من ثروات أوكرانيا وعلى حساب سيادتها ووحدة أراضيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *