إقليميات

ترامب “أمريكا أولاً” ونتنياهو على المِحكّ

بقلم زينب عدنان زراقط

ما المتغيرات الجديدة في الإدارة الأمريكية المعاكسة لمصلحة إسرائيل وكيف ستنتهي حرب غزة بقرار أمريكي؟ أم بقرار من محكمة تل أبيب المركزية؟؟!

الساحة الدولية تضيق، والساحة الداخلية تشتعل، والغطاء الأمريكي يتآكل. الواقع السياسي الجديد يفرض معادلة قاسية: ترامب هو من سيقرّر مصير غزة الآن، من دون الرجوع إلى نتنياهو. فالرئيس الأمريكي بدأ بالتفاوض مع السعودية وإيران وحماس والحوثيين وحتى مع الحاكم الجديد لسوريا، وكل ذلك من دون إشراك “إسرائيل” في التفاصيل. ترامب لم يعد يمنح تفويضاً مفتوحاً لإسرائيل. حساباته بدأت تتجه نحو صفقة دبلوماسية كبرى تمنحه إنجازاً عالمياً (مثل جائزة نوبل). لذلك، فإن “النهاية” التي ستأتي قد لا تكون على شكل “راية بيضاء من حماس”، بل مكالمة هاتفية من ترامب تُملي الشروط الجديدة لما تبقى من المعركة.

الإدارة الأمريكية تُقيل المتشددين لصالح “إسرائيل”

كشفت مصادر إسرائيلية عن حدوث تغييرات مفاجئة داخل البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي الأمريكي، حيث تمت إقالة عدد من المسؤولين المعروفين بدعمهم الشديد لإسرائيل. هذا التطور تسبب في قلق رسمي في إسرائيل، حيث وصفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” تصرف الإدارة الأمريكية بغير المتوقع. ويُرجّح أن لهذه التغييرات تأثيرات سلبية على العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية من قلقِ تنامي ما يوصفُ بـالتيار الانعزالي في الإدارة الأمريكية، الذي يعمل وفق أجندة “أمريكا أولاً”، وهو أمر تخشى إسرائيل أن يؤدي إلى تقليل تأثيرها على السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

حسب التقرير الإسرائيلي، لموقع “واي نت” التابع لصحيفة “يديعوت أحرونوت” فإن اثنين من المسؤولين الذين أُبعدوا عن مناصبهم، هما: ميراف سيرين (مواطنة أمريكية إسرائيلية عُيِّنت مؤخراً رئيسة لمكتب إيران وإسرائيل في مجلس الأمن القومي) وإريك ترايغر (رئيس مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) وقد عُيِّن كلاهما من قِبل مستشار الأمن القومي السابق مايك والتز، المعروف أيضاً بتأييده الشديد لإسرائيل، والذي أقيل مؤخراً من منصبه كذلك. وقال موقع “واي نت” إن الشخص المسؤول عن إقالة سيرين وترايغر هو وزير الخارجية ماركو روبيو الذي حلَّ محل والتز في المنصب.

وإضافة إلى ذلك، يُفترض أن تترك مورغان أورتاغوس (نائبة المبعوث ستيف ويتكوف، والمسؤولة عن ملف لبنان في الإدارة الأمريكية) منصبها قريباً، وليس بمبادرة منها. وتعدُّ أورتاغوس التي اعتنقت اليهودية وترتدي بـ “فخر” قلادة نجمة داود حول عنقها، واحدة من أكثر المؤيدين المتحمسين لإسرائيل في الإدارة، وقد قامت حسب “واي نت” بعمل ممتاز في التفاوض على وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، وفي إقناع الحكومة في بيروت باتخاذ موقف صارم ضد “حزب الله”، والحاجة إلى نزع سلاح مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. ويجري الحديث عن إضافة الملف اللبناني إلى الملف السوري في عهدة المبعوث الأمريكي “توم باراك”.

ولم تستبعد مصادر مطلعة إمكانية إقالة مزيد من “الموالين لإسرائيل”. وقالت هذه المصادر لـ “يديعوت” إن كل شيء في إدارة ترامب يحدث “لحظة بلحظة”، ولذا لا يمكن استبعاد ذلك. وتابعت المصادر بأن إقالة هؤلاء المسؤولين الكبار لم تأتِ من فراغ؛ بل هو جزء من التباعد بين إسرائيل وإدارة ترامب؛ حيث يبدو أن الأمريكيين اختاروا هذه السياسة بناءً على اعتباراتهم الخاصة.

لكن مصادر أخرى إسرائيلية قالت إن نقل المسؤولين الثلاثة من مواقعهم جاء في إطار أجندة الرئيس ترامب “أمريكا أولاً”، وليس بالضرورة ضد إسرائيل تحديداً؛ بل ضد نفوذ أي دولة. ووفقاً لهذه المصادر، لم يُفصَل ترايغر وسيرين بسبب مواقفهما المؤيدة لإسرائيل؛ بل في إطار توجه ترامب لإضعاف مجلس الأمن القومي، وتركيز إدارة السياسة الخارجية الأمريكية في يديه. ولهذا السبب لم يُعيِّن ترامب بديلاً لوالتز (نُقل سفيراً لأمريكا في الأمم المتحدة)، وبقي المنصب في يد وزير الخارجية روبيو. والتقديرات في إسرائيل هي أن من يقود الخطوات الحالية هما ابن ترامب، دونالد جونيور، ونائب الرئيس جي دي فانس.

هل يتهرب نتنياهو من المحكمة باستمراره في الحرب؟

في النهاية، تأتي هذه الأزمة في ظل استمرار محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في قضايا تتعلق بالفساد وخيانة الأمانة وتلقي رشاوي، حيث تأتي في ظل أزمات تلاحق ائتلافه الحكومي وإمكانية انهياره. وتواصلت عملية “الاستجواب المضاد” لنتنياهو، الأربعاء، لعدة ساعات، ليكون بذلك خضع للمرة الـ 37، للمحاكمة أمام محكمة تل أبيب المركزية. وخلال إجراءات الاستجواب المضاد يُسمح باستجواب نتنياهو وإجباره على الرد على جميع الأسئلة التي تطرح عليه دون استشارة فريقه القانوني، فيما كانت الجلسات السابقة عبارة عن أسئلة وُجّهت من قبل فريقه القانوني، إليه بهدف الدفاع عن نفسه، ولنفي الاتهامات السابقة. وتوصف المرحلة الجديدة من المحاكمة بأنها حاسمة، ولا يملك نتنياهو وقتاً لتبرير أيٍّ من أفعاله، حيث يُطلب منه الإجابة بشكل موجز، وعلى الرغم من ذلك فإن المحاكمة قد تستمر حتى الشتاء المقبل.

في البداية، كانت إسرائيل تملك زمام المبادرة، مع دعم أمريكي وغضِّ طرْفٍ أوروبي، لكن هذا الوضع تبدّل. الحديث خلف الأبواب المغلقة مع الصحفيين الإسرائيليين، هو تهيئة نفسية لسيناريو تتراجع فيه قدرة إسرائيل على تحديد مصير الحرب وحدها.

“إسرائيل” أهدرت الزخم الدولي الذي حظيت به عقب 7 أكتوبر، حيث فشل رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو في ترجمة الدعم العالمي إلى إنجازات سياسية. هذا الإخفاق كان جلياً خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية ودول الخليج، حيث فضّل القادة هناك تجاهل نتنياهو، ما حوّل “إسرائيل” إلى لاعب هامشي. ويَظهر أن “إسرائيل” دخلت في مرحلة “انكشاف استراتيجي”، حيث لم تعد وحدها من يحدّد متى تنتهي الحرب وكيف. نتنياهو يحاول إدارة التوازنات، لكن أدواته تتآكل، وشروطه تتكسر أمام الواقع الميداني والدولي. العد التنازلي لا ينتظر، والساعة الرملية انقلبت بالفعل.

وحتّى اللحظة، لا تزال “إسرائيل” تحتمي بالمظلة الأمريكية، لكن هذا الوضع لا يبدو أنّه سيدوم طويلاً، في ظل الضغط والاستنكار الدولي من الإبادة التي يقترفها نتنياهو فهل يكون مصير الحرب مرهوناً بإمكانية استخدام الولايات المتحدة حق الفيتو في مجلس الأمن لوقف الحرب أم تكون قُضبان السجن منه إليه أقرب؟؟!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *