3769 جندياً يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة منذ 7 ت1 هذه هي التقديرات القاتمة لعام 2028
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
يبدو أنه لا حاجة للإفاضة في الحديث عن الثمن الذي تفرضه الحرب في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. إلا أنه يتضح الآن أن لهذه الحرب، التي لا يبدو أن نهايتها تلوح في الأفق، أثماناً مستقبلية أيضاً، ستنعكس في أضرار نفسية واسعة النطاق بين جنود الجيش الإسرائيلي، سواء الجنود النظاميين أو جنود الاحتياط، رجالاً ونساءً، ممن مرّوا بتجارب يصعب على النفس استيعابها حتى مع مرور الوقت.
تكشف بيانات الجيش الإسرائيلي الجديدة بشأن عدد الجنود الذين يعانون من ضائقة نفسية ويتلقون العلاج في طريقهم للاعتراف بهم كمصابين باضطراب ما بعد الصدمة، عن صورة قاتمة تفاقمت مع مرور الوقت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وقد حصلت “حركة حرية المعلومات” على هذه البيانات من الجيش. ومع ذلك، فإن الصورة الشاملة، التي يعرضها قسم التأهيل في وزارة الأمن، تُظهر أرقاماً أكثر خطورة وتحطيماً للأرقام القياسية في معدلات الإصابة النفسية بين الجنود. ووفقاً لتقديرات جميع الجهات المهنية، فإن الأسوأ لا يزال أمامنا.
وفقاً لتقديرات حديثة من قسم التأهيل في وزارة الأمن، فإنه بحلول عام 2028 – أي خلال أقل من عامين ونصف – سيتولى القسم علاج والاعتراف بما لا يقل عن نحو 100 ألف من مصابي ومعوّقي الجيش الإسرائيلي، من بينهم ما لا يقل عن نصفهم سيعانون أيضاً من إعاقات نفسية. وتشمل هذه الأعداد مصابين من جميع حروب إسرائيل، لكن الغالبية، وفقاً للمعطيات الحالية، تعرضوا لإصابات نفسية نتيجة اجتياح حماس لإسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الاول والأشهر الطويلة من الحرب التي تلت ذلك.
حتى وقت قريب، كانت تقديرات “100 ألف معاق” مرتبطة بتوقعات وزارة الأمن لعام 2030. ومع ذلك، فقد شهدت الأشهر الأخيرة ارتفاعاً بنسبة 10% في عدد الجنود الذين يعانون من ضائقة نفسية ويتوجهون لطلب المساعدة.
“حركة حرية المعلومات” توجهت إلى الجيش الإسرائيلي وحصلت على بيانات محدثة حول الجنود الذين يعانون من اضطرابات نفسية ومن اضطراب ما بعد الصدمة. منذ اندلاع الحرب، يواجه أكثر من 10,000 جندي ردود فعل نفسية واضطرابات ما بعد الصدمة ويتلقون العلاج لدى وزارة الأمن. ومن بينهم، تم حتى الآن الاعتراف بـ 3,769 جندياً كمصابين باضطراب ما بعد الصدمة.
تشير بيانات عام 2024 إلى رقم قياسي سلبي غير مسبوق في عدد الجنود الذين أصيبوا باضطراب ما بعد الصدمة. حيث تم الاعتراف بنحو 1,600 جندي كمصابين باضطراب ما بعد الصدمة خلال عام 2024، بالإضافة إلى نحو 9,000 جندي – معظمهم من المقاتلين – تقدموا بطلبات للاعتراف بهم في العام الماضي وما زالوا في طور المعالجة. وعند جمع هذه المعطيات مع بيانات عام 2023 والبيانات التي جُمعت حتى الآن من العام الجاري، فإن الأعداد تصل، كما ذُكر، إلى 3,769 جندياً – أرقام يصعب تصديقها.
أفاد الجيش الإسرائيلي بأن “الـ 9,000 جندياً من عام 2024 وحده، والذين هم في مراحل الاعتراف، قد طلبوا الاعتراف بإصابة نفسية يمكن أن تتجلى في شكل قلق، صعوبات في التكيف، اضطراب ما بعد الصدمة أو اكتئاب”. من بين الـ 1,600 جندي الذين تم الاعتراف بهم بالفعل خلال العام الماضي، 1,512 هم رجال، إلى جانب 88 مجندة تم الاعتراف بهن كمصابات باضطراب ما بعد الصدمة. 693 منهم في الخدمة الإلزامية، أي جنود شباب أُصيبوا باضطراب ما بعد الصدمة نتيجة الحرب، و144 في الخدمة الدائمة، و184 من قوات الاحتياط، بالإضافة إلى نحو 500 من فئات أخرى في الجيش، مثل جنود بدأوا العملية خلال خدمتهم وسُرّحوا منذ ذلك الحين.
الاقتصاد وسوق العمل لم يسلما من الضرر أيضاً
للمقارنة، في عام 2014، الذي استمر خلاله حوالي ثلاثة أشهر حالة حرب في إسرائيل والجيش الإسرائيلي بسبب عمليات “الجرف الصلب” و”عودة الأبناء”، تم الاعتراف بـ “فقط” 159 جندياً كمصابين باضطراب ما بعد الصدمة. وفي العام الذي تلاه، تم الاعتراف بـ 175 جندياً آخرين. ولكن في عام 2023، الذي شهد في ثلثه الأخير بداية الحرب، ارتفعت الأرقام بشكل كبير وتم الاعتراف بـ 1,430 جندياً كمصابين باضطراب ما بعد الصدمة. هذه الاعترافات قد تشمل جنوداً في الخدمة أو جنوداً سابقين تعرضوا لأضرار نفسية شديدة بسبب خدمتهم العسكرية.
لكن كما ذُكر، هذه الأرقام الصعبة لا تكشف الصورة الكاملة، التي تتركز في قسم التأهيل بوزارة الامن، وليس فقط في قسم الصحة النفسية الذي يتوسع بشكل دراماتيكي داخل الجيش الإسرائيلي. منذ بداية حرب 7 أكتوبر/تشرين الاول، تم إدخال 18,500 جريح جديد إلى قسم التأهيل من الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المعاقين الذين تم علاجهم بالفعل في الشعبة.
في شعبة التأهيل لاحظوا أيضاً كيفية أن الحرب الحالية تُحدث ظاهرة جديدة تتمثل في “صغر سن” المعاقين النفسيين. وهذا يختلف عن المعاقين الجدد في الماضي، الذين كان معظمهم يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة الذي ظهر في مرحلة متأخرة، بعد سنوات طويلة من مشاركتهم في حروب مثل حرب يوم الغفران عام 1973 وحرب لبنان عام 1982. وفقاً للبيانات المحدثة، حوالي نصف الـ 18,500 جريحاً الجدد منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، الذين أصيب أكثر من نصفهم أيضاً بأضرار نفسية، هم تحت سن 30، ونسبة كبيرة منهم آباء شباب، خصوصاً من بين عدد كبير من مجندي الاحتياط الذين أصيبوا في الحرب.
يقولون في وزارة الأمن: “هناك أكثر من 12 ألف جندي في الخدمة النظامية والاحتياط لم يُقتصر فقط على خفض أعداد قوات الجيش الإسرائيلي، من سراياهم وأفواجهم، بل إنهم أيضاً لم يعودوا جزءاً من الاقتصاد أو يعملون في مسيراتهم المهنية. وهكذا، يتضرر الاقتصاد وسوق العمل أيضاً”. وأضافوا: “كل شهر تصلنا طلبات من جنود سابقين، الذين تثير فيهم المعارك في غزة والجرحى والقتلى، ذكريات من أحداث ماضية تعرضوا لها خلال خدمتهم، بالإضافة إلى الوعي بإصلاح “نفس واحدة” (الذي تم بموجبه توسيع أهلية العلاج لمصابي ما بعد الصدمة والإصابات النفسية والإصابات في الرأس)، ما ساعد بشكل كبير في تسهيل الوصول إلى المساعدة من شعبة إعادة التأهيل”.
وفقاً لتقديرات الجيش ووزارة الأمن، سيشهد عام ٢٠٢٥ زيادةً في عدد الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة والاضطرابات النفسية التي تتطلب تدخلاً ومساعدةً من الدولة. ولكن مع انحسار القتال، كما هو الحال في العملية المحدودة الحالية للجيش الإسرائيلي في غزة، وعند انتهاء الحرب أو وقف إطلاق النار – أذا ما حصل ذلك – سيزداد أيضاً عدد الجنود الذين سيحتاجون إلى مساعدة نفسية، ومن المتوقع أن يزداد أكثر.
السبب، بحسب المختصين: هو أنهم تحديداً عندما يكونون “في قلب الحدث”، ويواصل عشرات الآلاف من الجنود والضباط لعب دور، بشكل دائم أو جزئي، في القتال أو الخدمة الفعلية، يتمتعون بـ “حصانة” من الأذى النفسي. فبعد وقف إطلاق النار، وانتهاء الحرب، والعودة إلى الحياة الطبيعية، تبدأ التجارب التي كان من الممكن كبتها طوال عامين تقريباً من الحرب بالظهور بشكل سلبي.
يقول كبار المسؤولين في وزارة الأمن: “نحن في حدث غير مسبوق. الحرب تؤدي إلى ظهور اضطراب ما بعد الصدمة حتى لدى أشخاص في سن 25 و28، ممن شاركوا في معارك أو عمليات قتالية في نابلس، رام الله، أو على الحدود الشمالية قبل خمس أو عشر سنوات، وقد أنهوا خدمتهم، لكن تعرضهم مجدداً لمشاهد الحرب في غزة أثار لديهم الآن أزمات نفسية. نحن نقدم الدعم للجميع، ولكن لدينا أخصائي اجتماعي واحد لكل 750 معاقاً، ولا يمكن تقديم رعاية شخصية لكل جندي يتلقى العلاج بهذا الشكل. من الصعب علينا الوصول إلى الجميع، وفي الدولة، بغض النظر عن الحرب، هناك نقص كبير في الأطباء النفسيين. ومع ذلك، لا يمكننا أن نقول لجندي معاق يبلغ من العمر 80 عاماً: “توقف، هذا الشهر لن تتلقى الدعم”.
عناية فائقة نفسية
في شعبة إعادة التأهيل، تم تطوير مجموعة من الأساليب والطرق للتعامل مع الضغط الكبير خلال الأشهر الأخيرة، نظراً لأنه ليس كل شاب يعاني من إصابة نفسية يرغب في العلاج التقليدي على أريكة الطبيب النفسي. في وزارة الأمن، تم إنشاء أكثر من عشر مراكز تأهيلية في أنحاء البلاد، وتم فتح عيادة علاج نفسي طارئ مع متخصصين على غرار سيارات الإسعاف العادية، حيث يقدمون العديد من الأساليب العلاجية البديلة مثل العلاج باستخدام الكلاب والغوص، بالإضافة إلى العلاجات الروتينية.
مئات من الجنود الذين يعانون من أعراض ما بعد الصدمة نتيجة حرب 7 أكتوبر وصلوا إلى أوضاعٍ متطرفة استدعت دخولهم إلى مؤسسات نفسية قسراً. سيارة الإسعاف الجديدة، التي يمكن أن تتطور إلى سيارات إضافية، تُستدعى في حالات الطوارئ، خلال وقت قصير، للتعامل مع ردود فعل نفسية شديدة لجنود حاليين أو سابقين، كبديل عن سيارات دورية الشرطة التي تُستدعى في مثل هذه الحالات، بما في ذلك محاولات الانتحار. “هناك أيام كثيرة تمر فيها السيارة بين ثلاثة إلى أربعة أحداث في اليوم في أنحاء البلاد”، مثلما يصف المسؤولون في وزارة الأمن الواقع الجديد.
في شعبة إعادة التأهيل، تم أيضاً فتح أربعة بيوت مفتوحة بالقرب من الأقسام النفسية في المستشفيات كبديل للدخول إلى مستشفى نفسي محدد. وفقاً لوزارة الأمن، فإن جميع هذه البيوت الأربعة مكتملة الآن. بالإضافة إلى ذلك، تم في مستوطنة “حوفيت” افتتاح منزل خاص لمن يكابدون مشاكل النفسية من الجيش الإسرائيلي، خصوصاً من جنود الاحتياط الذين شاركوا في حرب 7 أكتوبر، الذين يواجهون صعوبة في البقاء في منازلهم بالقرب من زوجاتهم وأطفالهم ويحتاجون إلى فترة زمنية تساعدهم في استعادة توازنهم.
كل هذه الجهود تأتي بأثمان باهظة على الميزانية العامة للدولة. الزيادة الكبيرة في احتياجات المعالجَين النفسيين من الجيش الإسرائيلي، التي أضيفت إلى شعبة إعادة التأهيل، تكلف مئات الملايين الإضافية في ميزانية الأمن. هذه الحقيقة تؤدي إلى تغيير في طرق جمع التبرعات لصالح الجيش: بدلاً من طلب ميزانيات للتبرعات لبناء غرف رياضية، مراكز رفاهية وتجهيزات للمقاتلين، يتم الآن طلب المساعدة المالية من الكثير من المتبرعين حول العالم لتمويل برامج مختلفة لمساعدة نفسية لعشرات الآلاف من الجنود القتاليين.
يديعوت أحرونوت – يوآف زيتون (صحفي وكاتب في الشؤون العسكرية)
