فضاءات فكرية

العدل والمساواة في فكر الإمام علي(ع) مسؤولية الحاكم في تمثّل الحقوق وتطبيقها

بقلم: نبيل علي صالح / كاتب وباحث سوري

كانت حياة الإمام علي(ع) نموذجاً رفيعاً يحتذى في الفكر الحقوقي الإنساني، سواء منها حياته الفردية أم حياته العامة كرجل دولة قاد الأمة لسنوات عديدة بالاستناد لمفاهيم الإسلام وأحكامه وشريعته القائمة على الإيمان والتوحيد والعدل..

ومن يراجع أدبيات الفكر الإمامي عند أمير المؤمنين(ع) فسيجد توسُّعاً في الحديث عن قيم ومبادئ حقوق الإنسان كقاعدة لبناء الإنسان المسلم المؤمن، وبالتالي بناء الدولة العادلة القوية.. فلا دولة قوية من دون أفراد أقوياء، ولا دولة عادلة من دون أفراد عادلين مع أنفسهم وما يحولهم، ومن حولهم.. وكانَ التركيزُ في مواعظِ الإمام(ع) ومجمل كلماته وخطبه ومواقفه على حقي العدل والمساواة..

أولاً- حق العدل:

يقولُ الإمام عليّ(ع)، بعد أنْ سُئل عن العدل والجود: أيّهما أفضل؟!: “العدلُ يضعُ الاُمورَ مواضعَها، والجودُ يُخرجها من جهتها، والعدلُ سائسٌ عامّ، والجودُ عارضٌ خاصّ، فالعدلُ أشرفهما، وأفضلهما“.

وعنه(ع): “الْعَدْلُ قِوَامُ الرَّعِيَّةِ”.

.. وأما على صعيد الممارسة فقد أخذَ الإمام علي(ع) قطائعَ الأرضِ التي كانت مُنحتْ للصّفوة من القوم خلال فترات حكم سابقة، تطبيقاً لمبدأ العدل وإعادة الحقوق إلى أصحابها، وبهذا يقول (عليه السلام): “ألا إنّ كل قُطيعة أقطَعَها عثمان، وكلَّ مالٍ أعطاهُ من بيتِ المال فهو مردودٌ إلى بيت المال، فإنّ الحقَّ القديمَ لا يبطلهُ شيءٌ وإنْ وَجدته قد تزوج“.

.. إنّ تركيزَ الإمام علي(ع) على العدلِ كحقّ وقيمة إسلامية، في وصاياه وخطبه وتعاليمه وتوجيهاته إلى عُمّاله على الأمصار، وضرورة التزامهم الكامل بمعاييره ومقتضياته وكافة مظاهر في الإدارة والسلوك، يدلُ على أن العدل أساس الحقوق، وجوهر الإدارة الحاكمة على رأس المجتمع والدولة.. بل هي القيمة الحقوقية الأكثر حيوية وتمظهراً في حركة التدبير السياسي والاجتماعي للبلدان والأمم عبر كل الأزمان والعهود… لأن العدل يُصلح الناس والرعية، كما قال الإمام علي عليه السلام “بِالْعَدْلِ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ“، حيث أن تمثُّل قيمة العدل في واقع المجتمع والأمة من قبل حكامها ومسؤوليها – ونخبتها الإدارية من موظفين وكوادر وغيرهم – هو الذي يدفعُ الناسَ (بصورة كبيرة وجدية) إلى مواقع العمل والإنتاج الحقيقي، ويعطيها الحافز للبذل والتضحية والعطاء، والإسهام الواعي الفاعل في نهضة مجتمعاتها وبلدانها، وصولاً لتحقق ازدهارها وإثمارها الحضاري المنشود، والذي ينعكس إيجاباً على ثلاثة مستويات:

الأول، على صعيد حياة الأفراد ووصولهم إلى سعادتهم في الدنيا وفوزهم بنعيم الله تعالى في الآخرة..

والثاني، على صعيد الدّول والمجتمعات في استقرارها وثباتها وتحقُّق الأمن والأمان الاجتماعي والسياسي فيها، وتمكينها اقتصادياً وتنموياً وحقوقياً بما قد يمنع نشوب الصراعات والفتن والعداوات الجزئية بين أبنائها وأهلها ومختلف مكوناتها المتعددة والمختلفة..

والثالث، أنّ هذا الثبات والاستقرار القائم على العدل والحقوق عموماً، هو الذي يمنع دخولَ الأعداء من ثغرات المجتمع وأمراضه الداخلية كالظلم والحرمان واللا مساواة وغيرها.. يقول الإمام علي(ع): ““ثَبَاتُ الدُّوَلِ بِإِقَامَةِ سُنَنِ الْعَدْلِ”.. والعدل لا يتقوى في حركة الدولة والمجتمع إلا بتوافر حكام ومسؤولين إداريين من ذوي الأخلاق والفضيلة والتقوى، ممن أسّسوا بنيانهم النفسي على العدالة مع أنفسهم، كشرط للعدالة مع الخارج..

إذ لا يكفي أن تمتلك الكفاءة المهنية الإدارية في وظيفتك وعملك، بل لا بد من حيازتك على صفات نفسية أخلاقية لن تصل إليها من دون التقوى والعدالة.. يقول(ع) في وصيته إلى ابنيه الحسن والحسين(ع)، والتي يحدد فيها الأطر الأخلاقية والقانونية للتعامل مع الناس وحكمهم بالحقّ والعدل: “قُولا بالحَقِّ، واعْمَلا للأجْر، وكُونا للظّالم خَصْمَاً، وللمَظْلوم عَوناً..”. وهذا هو الأمرُ الذي نادى به وطلبَ تطبيقه الله تعالى في كتابه: ﴿إنَّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاء ذي القُربى..﴾ (سورة النحل/90).

ويقول(ع) في توجيهه لمالك: “ولْيَكُنْ أَحَبَّ الأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ، فإنّ سَخطَ العَامّةِ يُجحفُ برضى الخَاصّة، وإنَّ سخطَ الخاصّة يغتفرُ مع رضى العامّة..” هو يريدُ القول بأن تطبيق العدل في المجتمع أساس لتحقق الرضى عن الحكومات، وتأييد الناس لها، وأنّ المتنفّذين (الخاصة) المجتمعين حولَ الحَاكم لن ينفعوه بشيءٍ في حال سَخط عليه العامة من الناس نتيجة ظلمه وإجحافه بحقّهم.

..نعم، يريدُنا الإمامُ علي(ع) – عندما يتحدثُ عن أهمية حق العدل كأساس لثبات الدول واستقرارها وتحقق أمنها وأمانها – أنْ نُدركَ ونتمثّل هذا النوع أو هذا المظهر العملي من الناموس التاريخي أو الحقيقة والسُّنُّة التاريخية الواقعية المجرّبة في تاريخ حركة الدول والمجتمعات البشرية، والحاضرة اليوم وغداً في كل الامتدادات الزمنية الحياتية، وهي سُنّة تقولُ: إنَّ إقامةَ العدل وتحقُّقَ مظاهر العدالة في المجتمعات والدول، علةٌ جوهرية وسببٌ أساسي ودافع رئيسي لاستقرارها واستتباب الأمن فيها، وبينَ مختلف جوانبها، ومنْعِ تغلغُلِ النّزاعات فيها.. بحيث أنّه كلما تحقَّقَ مزيدٌ من العدل تحقّقَ معه مزيدٌ من الأمن والاستقرار، وكلما فُقِد العدل وازداد الظلم وتفشى الاضطهاد فُقد الأمن وزادتِ المخاطر، وأصبحت المُجتمعاتُ بؤرةً ومرتعاً خصباً لاشتعال الاضطرابات واندلاع الأزمات وتفاقم المشكلات التي قد تصل حد التهديد ليس بأمن الدول والمجتمعات فقط، بل بمصيرها الوجودي ككل.. بما يعني – في منطق الإمام طبعاً – أنه لا يمكنُ أنْ يدومَ بقاءُ الدّول (واستمرار قوتها وزخمها الإيجابي لصالح الناس) في المجتمعات إلّا إذا احترمَ النظامُ الحاكمُ حقوقَ الشعب وعلى رأسها حق العدالة، وفي الطرف الآخر أبدى الشعبُ احترامَه لحقوق النظام الحاكم عليه.. وإلّا فمن دون رعاية الحقوق المتبادلة بين الدولة والشعب لا يمكن تحقّق العدالة الاجتماعيّة.. وطبيعي أنّ رعايةَ هذا الأمر هي عمليّة شاقّة، ففي دائرة الكلام يحترم الجميع الحقّ، لكن في دائرة العمل يتضاءل أهل الحقّ وينحسر عددهم، يقول: “الحَقُّ أوسَعُ الأشياءِ فِي التَواصُفِ، وَأضيَقُها فِي التَناصُفِ”..

لهذا كلّه لم تتخطّ العدالة الاجتماعيّة واحترام حقوق الإنسان على مرّ التأريخ كلّه تخوم الشعار، بل تحوّل هذا الشعار أيضاً إلى أداة لابتزاز حقوق النّاس والاعتداء عليها أكثر

ثانياً-حق المساواة:

ورثَ الإمامُ علي(ع) دولة “إسلامية” تعاني من الصراع والانقسام، وتشتعلُ فيها الفتن والاضطرابات، الأمر الذي كلف الأمة هدر ثروات كبيرة، زادت في تخلفها وانحطاطها، فحاول عليه السلام تنظيم أمور الحكم وتدبير شؤون الناس بناءً على رؤية إدارية قيمية تنطلق كما قلنا من العناية بالحقوق (حقوق العاملين في الدولة وحقوق الناس من عامة المجتمع) من أجل تحقيق حياة كريمة يجد فيها الإنسان جميع متطلبات حياته من الأمن والرخاء والاستقرار، دونما هيمنة ظلم وذل واستهتار بحقوقه.

وقد تحدّثنا سابقاً عن قيمة العدل.. ولا يكتمل الحديث عنه من دون الحديث عن قيمة المساواة التي أعادَ الإمامُ علي(ع) الاعتبار إليها خلال فترة حكمه بعد أن استُهين بها ودِيستْ بالأقدام.. وانطلقَ(ع) في تطبيق قيمة المساواة من خلال دعوته إلى ضرورة:

– المساواة في الحقوق والواجبات.

– المساواة في العطاء.

– المساواة أمام القانون.

وقد ألزم الإمام علي (عليه السلام) قادته وولاته بتطبيق المساواة بين الناس على اختلاف قوميّاتهم وأديانهم وانتماءاتهم وخلفياتهم العقائدية والسياسية دونما تحيّز أو تمييز حزبي أو سياسي أو اجتماعي، حتى لو كانوا معارضين لحكمه ودولته، طالما لم يحملوا السلاح في وجه الدولة بهدفِ إسقاطها بالقوة والعنف.. وقد عامل الجميع كرعايا (مواطنين) في دولة الحق والعدل والمساواة.. يقول(ع) في بعض رسائله إلى عامله مالك الأشتر (وسميت بعهد مالك): “واخْفضْ للرعيّة جناحَك، وابْسطْ لهم وجهَك، وأَلِنْ لهُم جنابَك، وآسِ بينهم في اللحظةِ والنّظرة، والإشارةِ والتّحية، حتى لا يطمعُ العظماءُ في حيفك، ولا ييأسُ الضعفاءُ من عَدلك“.

وعلى المنوال ذاته، يتحدثُ الإمام علي(ع) في وصيته لابنه الإمام الحسن(ع) عن آلية أو كيفية التعامل مع الآخرين، بحيث تكون شخصيته كحاكم (عادل) هي الميزان في هذا التعامل، وأنْ لا يُوضع أي اعتبار لأية أمور أخرى، يقول(ع): “أحبِبْ لغيركَ ما تحبُّ لنفسِك، واكرهْ لها ما تكرهُ لغيرِك، ولا تظلمْ كما لا تحبُّ أنْ تُظلَم، وأحْسِنْ كمَاْ تُحِبُّ أنْ يُحْسَنُ إليك“.. ويقولُ(ع): “اجعلْ نفسَك مِيزاناً فيمَا بينك وبَينَ الآخَرِين“.. أي عليك أن ترتكز على مبدأ المساواة بين الناس في أي موضوع يتعلق بمصالح الناس في تعاملك معهم، وأنك كحاكم أو إداري تمارس سلطة عليهم، يجب عليك أن تضع نفسك مكانهم كأداة قياس كي لا تخرج في تعاملك معهم من النطاق الإنساني.. يعني ضع نفسك مكانهم عندما تصدر أي قانون إداري أو غير إداري لتنظيم شؤونهم العامة.. وضَعْ نفسك مكانهم عندما تفرض عليهم أي معيار من معايير العمل الإداري وغير الإداري.. يقول(ع): “ثمّ الله الله في الطّبقة السّفلى، من الذينَ لا حيلةَ لهم منْ المسَاكين والمحتاجين وأهل البؤس والزّمنى، فإنَّ في هذه الطبقة قانعاً ومعتراً“.. وهذه دعوة للحاكم للأخذ بزمام الإصلاح الإداري (إذ لولا سوء الإدارة السابقة ما كان وصل المجتمع إلى هنا، حيث الظلم والطبقية واللا مساواة) من أجل تحقيق المساواة، بعد البحث عن أسباب وجود تلك التمايزات والفروقات الطبقية التي تسببت بالفقر والتخلف والبؤس في المجتمع، وضرورة العمل على معالجتها.. وهذا يبدأ من رفع الظلم والحيف عن الفقراء والمحتاجين، وهم أشد الفئات الاجتماعية تضرراً وبؤساً وتخلفاً.. يقولُ(ع) لمالك الأشتر: “وَاجْعلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً، فَتَتَواضَعُ فِيهِ لله الَّذِي خَلَقَكَ، وَتُقعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ، حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتعْتِع، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ(ص) يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِن: (لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتعْتِع). ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَالْعِيَّ، وَنَحِّ عَنْكَ الضِّيقَ وَالأَنَفَ، يَبْسُطِ اللهُ عَلَيْكَ بَذلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ، وَيُوجِبُ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ، وَأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً، وَامْنَعْ فِي إِجْمَال وَإِعْذَار.. ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لاَ بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا: مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ، وَمِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ عِنْدَ وَرُودِهَا عَلَيْكَ مِمَّا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ”.. إنه يطلبُ من مالك الأشتر – في سياق تثبيت رؤيته(ع) لتحقيق المساواة – أنْ يتفرّغَ إدارياً وقانونياً لقضاء حاجات الناس، والاستجابة لمتطلباتهم الأساسية، وكل ما يتعلق بشؤون معيشتهم التي جاء هو أساساً –من جملة ما جاء- من أجل السعي فيها، بأنْ يحضر شخصياً ويجلس مع الناس بتواضع ومحبة، لا يتكبر عليهم، ويستمع بوعي ومسؤولية لطلباتهم، وأنْ لا يتقوقع على ذاته في مجلسه الخاص محروساً بمظاهر القوة المسلحة!!.  

وهذه من أهم واجبات الحاكم (الإمام) وعمّاله خاصة في ظروف الحياة الاقتصادية والاجتماعية التي تتزايد فيها أعداد الضعفاء والمساكين والأيتام ومن لا حيلة لهم (تزداد طبعاً كنتيجة طبيعية لسوء الإدارة والفساد المالي والأخلاقي لنخب الدولة).. بحيث يقوم الحُكم بمختلف إداراته بمسؤولية تنظيم برامج واسعة لإحداث أشغال مناسبة لأولئك المعذبين والمحرومين، حتى لا يحسّوا بالفقر، ولا تحطّم شخصياتهم، وتتسع الإنتاجات أيضاً.. فهذا أولى من التّصدّق عليهم مجاناً، وهو أمر ملازم غالباً لتحقيرهم وإشعارهم بالإذلال.

نعم، لقد أمر الإمام علي(ع) أن يرى الحاكم أفراد الرعية على أنهم متساوون في الحق والحقوق، وذلك بقوله: “أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَكَ فِي الحق سَوَاءٌ”.

وكانت المساواةُ التي طبقها الإمام علي(ع) وتمثلها ولاته وعماله، مساواة نموذجية للغاية، فهو – على صعيده القيادي والشخصي – لم يميز في قيمة المساواة بين أحد من مكونات مجتمعه كما قلنا، بل كان الناس جميعاً في دولته على نسق واحد من المساواة في الحقوق والواجبات.. حتى أنه –وهو قائد الدولة ورأسها- لم يبنِ برجاً عاجياً بعيداً عنهم، لأنه مثلهم مواطنٌ في دولة الحق والعدل والمساواة، له ميزة وحيدة عنهم في طبيعة المسؤولية الإدارية التي انتخبوهُ للتصدي لها والقيام بأعباء مسؤولياتها تجاههم.. بل كانَ يطالبهم ويحرّضهم – انطلاقاً من قيمة المساواة – على التّشاور معه والانفتاح عليه، ورفْض تعامل أصحابه معه بالمداراة على حساب حرية التعبير وقول الرأي الذي قد يرونه صحيحاً وصواباً ومفيداً.. وهذا ما فعله(ع) من خلال صناعة الأجواء الآمنة التي كانت تحثّهم وتشجّعهم على ممارسة تلك المساواة والحرية العملية، وتحمُّل مسؤوليتهم في الإفصاح عن رأيهم وقناعتهم.. يقول(ع): “فَلاَ تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ، أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ، فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِىءَ، وَلاَ آمَنُ ذلِكَ مِنْ فِعْلِي، إِلاَّ أَنْ يَكْفِيَ اللهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي، فَإنَّمَا أَنَا وَأَنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لِرَبٍّ لاَ رَبَّ غَيْرُهُ، يَمْلِكُ مِنَّا مَا لاَ نَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا، وَأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إِلَى مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ، فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلاَلَةِ بِالْهُدَى، وَأَعْطَانَا الْبصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى”.. وهذا هو حقّ الحرية، حرية التعبير والمكاشفة بلا خوفٍ ولا وجل من قمع واستبداد..

فسلامٌ على عَليٍّ(ع) يومَ وُلدْ، ويومَ استُشْهدْ، ويومَ يُبْعثُ حياً…