هامش ثقافي

عصر السباق المعلوماتي

بقلم: غسان عبد الله

إننا نستقبل ثورة اتصالات هائلة لم تشهدها الحضارة الإنسانية على مر العصور والأزمان، شملت جميع ميادين وسائل الاتصال بصورة لا مثيل لها من قبل، أبهرت العالم، وأذهلت العقول، وسلبت الألباب بتقنياتها الفائقة الذكاء..

وما نشهده اليوم من سباق معرفي وتكنولوجي سيصبح من الماضي بعد فترة وجيزة، بينما المستقبل القريب سيكون حاضراً عابراً لا يتمهل ولا يمكن له أن يستقر، لذا فإن عالمنا الجديد لا يشبه نفسه فهو يسير بوتيرة متسارعة لا يعرف الكلل ولا الملل ولا ينتظر أحداً، متجاوزاً كل حدود المنطق والعقل، وهذه التدفقات المعلوماتية الهائلة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وغير المسبوقة فرضت تفاعلاتها وتجاذباتها على الحياة المعاصرة برمتها، حتى أضحت اليوم المحور الأساس والقوة الفاعلة في إرساء تصور دقيق وواضح لشروط العالم في نسخته الجديدة الآخذة في النمو أمام أعين الجميع.

فالتحولات المتسارعة الجارية اليوم في عالم الاتصالات والمعلومات تبحر بنا إلى عالم مختلف ومغاير تماماً لعالم الأمس القريب، ومن ثم فإننا أمام واقع جديد فرض نفسه بقوة على عالمنا المعاصر، أصبحت فيه حرية تدفق المعلومات عبر شبكات التواصل الاجتماعي ونظم الاتصال تصل مباشرة للمستقبل بدون وسيط، استطاعت نقل عملية الاتصالات المعقدة نقلة نوعية لتصبح في السنوات الأخيرة مصدر القوة والتأثير في المجتمع، وباتت وسائل التواصل الاجتماعي في عصر الانفتاح الثقافي من أكثر الوسائل تأثيراً في الرأي العام والمصدر الأول والأساسي للثقافة، محدثة تغييرات جذرية في الوعي الاجتماعي.

تؤكد العديد من الدراسات الحديثة بأن شبكات التواصل الاجتماعي كوسيلة اتصال ثقافية تعد من أخطر الوسائل التكنولوجية في القرن الواحد والعشرين، إذ أخذت تسيطر على عقول الناس، وسلوكهم الاجتماعي في النواحي الحياتية المختلفة، وباتت من الأسس والركائز لمشروع عولمة فكرية تتعرض فيه مختلف المجالات العلمية والثقافية للكثير من مظاهر التحول التكنولوجي، ونجد في مقدمته ميدان الاتصالات الذي سمح بانتشار كثيف وواسع للمعلومات على اختلاف مستوياتها بانسيابية غير مسبوقة بين مختلف الفئات، فهذه الوسائل قد غدت من أكبر التحديات الثقافية في عصرنا الحالي لتؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على سلوكيات أبنائنا وقيمهم وأفكارهم ومعتقداتهم، فبدل أن تكون هذه الوسائل والتقنيات جسراً نعبره نحو آفاق علمية جديدة واعدة؛ أصبحت تشكل مصدر قلق حقيقي يعرض منظومة الأخلاق والقيم النبيلة للخطر.

كما أثرت وسائل التواصل الاجتماعي بوضوح على مجمل العلاقات الإنسانية، حيث ساهمت هذه التقنيات والتطبيقات المعقدة بإحداث تغييرات جذرية في عاداتنا اليومية وحياتنا المهنية، فضلاً عن تأثيرها المباشر في البناء المعرفي، ومع هذا التطور الملحوظ لمواقع التواصل الاجتماعي لم تعد هذه الوسائل مجرد أداة لتوصيل المعرفة أو نقل للأخبار أو مجرد وسيلة للترويح والتسلية فحسب، بل أصبحت أداة حيوية وفاعلة في تشكيل العقل والسلوك البشري.

نعيش اليوم في عصر السباق المعلوماتي والمعرفي والتطورات المذهلة والتغيرات المتسارعة في كافة المجالات، كما أننا نعيش اليوم في مأزق حضاري شديد الحرج، تجتاحه وسائل التواصل الاجتماعي العارمة، إنه عصر انطلق فيه تيار الإعصار المعلوماتى المتدفق الذي أتى بكتل هائلة غير مسبوقة من المعارف والمعلومات، انتقلت بسرعة فائقة عبر التقانات الاتصالية الحديثة التي أفرزتها الثورة التكنولوجية، فألغت الأبعاد والمسافات واجتازت الحدود الجغرافية، وحملت أشكالاً ونماذج متعددة من الأفكار والعادات والقيم الاجتماعية أدت إلى تقارب الشعوب وتلاقي الثقافات.

وتشكل تكنولوجيا الاتصال التي اقتحمت عالمنا المعاصر بلا رأفة أحد أبرز القوى الكامنة التي تساهم في تشكيل ملامح القرن الحادي والعشرين، كما أصبحت مصدر الثروة الأول والأكثر أهمية وحيوية، فلكل عصر ثروته، وثروة هذا العصر هي ثورة الاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات، إذ ليس هناك أدنى شك في أن ثورة الاتصالات المعقدة التي شهدها العالم منذ بداية الألفية الثالثة أدت إلى إحداث تغييرات مهمة وعميقة في مجالات الحياة المعاصرة، ويعد عصرنا الحالي بحق هو عصر الاتصال بلا منازع، فالمعلومات والأفكار المختلفة التي تنتشر بشكل مخيف اقتحمت كل المجالات وعلى كافة المستويات والشرائح البشرية، وأصبحت حاجة يومية ملحة وأساسية لا يمكن الاستغناء عنها تحت أي حال من الأحوال.

فقد وصلت الثورة العلمية والتكنولوجية في عصر الانفجار التكنولوجي المعاصر إلى قدرات معرفية خارقة وذات مستويات مذهلة لم نشهد مثيلاً لها، ولم تشهد البشرية سرعة للمستقبل بمثل ما هي عليه اليوم، وبمثل ما ستصبح عليه غداً، فالتغيير السريع الذي يطرأ على المجتمع والعالم نتيجة التقدم العلمي والتقني يفرض على العالم أجمع تغييراً موازياً في أهدافه وإستراتيجياته المستقبلية لمواجهة تحديات ومخاطر مواقع التواصل الاجتماعي.

لقد منحت وسائل التواصل الاجتماعي قدرات وإمكانات إضافية للكشف عن المجهول والتعامل مع الغامض والتعمق في الاستكشاف، فضلاً عن استشراف المستقبل، مشكّلة مساراً جديداً للعالم والبشرية. فوسائل التواصل الاجتماعي تؤدي العديد من الوظائف السلوكية والنفسية والاجتماعية والمعرفية، كما تسهم في توثيق عرى الصداقة والألفة وتوطيدها بين الأفراد، فتعزز لديهم حس المسؤولية والثقة بالنفس والاحترام المتبادل لأفكار الآخرين، فيدركون معنى الجماعة وأهميتها في حياتهم الاجتماعية، ويعرفون معنى التعاون والتكافل ويسعون إلى تحقيقه، كما يشعرون بضرورة العمل بشكل تفاعلي مع بعضهم البعض والتواصل البناء مع الآخرين وتبادل الآراء والأفكار الإيجابية في جو تسوده المحبة والصداقة والود، وتأصيل العديد من المعاني والصفات كالصدق والأمانة، وهكذا يستثمرون جهودهم وطاقاتهم في أعمال بحثية وعلمية ذات صلة تعود عليهم وعلى مجتمعهم بالنفع والتقدم، الأمر الذي يشعر الشباب بأهمية وضرورة الحياة الاجتماعية.

إذ حولت شبكات التواصل الاجتماعي العالم أجمع إلى حي صغير، وأضحت بيئة خصبة لنشر الثقافة والفنون والإبداع، فنحن نعيش في عصر أصبح التفوق فيه لمن يمتلك الوسائل والقدرات التكنولوجية والاتصالية لتصبح مورداً هائلاً لتعزيز عملية بناء المعرفة، حتى صار بمقدور كل فرد على وجه هذه البسيطة أن يحصل على ما يريد في أي وقت يريد، وفي أي ميدان وفي أي مجال بسهولة ويسر، مما أدى إلى تغيير جوهري في ملامح الحياة العصرية.

وترى الدراسات الحديثة بأن للشباب دوراً مهماً وفعالاً في تطويع هذه الوسائل الحديثة بما يخدم أهدافهم وطموحاتهم ويستثمر طاقاتهم وإبداعاتهم، من خلال البحث عن كيفية استخدام تلك الوسائط في المجال البحثي والتعليمي والثقافي بكفاءة وتميز، والتحول من مجرد الاستهلاك إلى مرحلة النهضة الواعدة، وهذا يقود إلى حتمية انتهاج أساليب علمية تتمكن من مواجهة عصر العولمة.

وفي هذا السياق يمكننا القول بأن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تشغل حيزاً رئيساً وأساسياً، فارضة نفسها بقوة على حياة الأفراد، بل إنها أحدثت تغييرات مهمة سواء في الجانب الإيجابي كالاطلاع على ثقافات شعوب العالم وتبادل الآراء والأفكار واكتساب بعض الخبرات الضرورية، أو في الجانب السلبي كالتأثير على منظومة القيم الأخلاقية والدينية، وصولاً إلى أفكار ثقافية تتعارض مع الأعراف والعادات والمعتقدات التي يقبلها المجتمع.