الصعوبات في الداخل على إدارة المعركة خلال الحرب على المستوى السياسي السعي الى المواكبة والمسؤولية في رسائله
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
في إدارة الحرب على المستوى السياسي ظهرت في الآونة الأخيرة صعوبات تثقل على الجهد العسكري ولا تتماشى مع روح المقاتلين في ساحة المعركة، ولا مع المصالح السياسية الأساسية لإسرائيل في المرحلة الحرجة الحالية.
حتى في المبنى الائتلافي لحكومات إسرائيل، فمن المناسب أن يمتنع وزراء الحكومة خلال الحرب عن تعويم القضايا المثيرة للجدل في المجال العام، حتى لو كانوا داخل جدران مجلس الوزراء ملزمين بالقتال من أجل مواقفهم. أولاً وقبل كل شيء من المناسب أن نبدي الحذر في الكشف عن معلومات حساسة، وطرف أفكار بشكل علني فيها ما يكفي للتخريب على مساعي تجنيد دعم الولايات المتحدة وجهات على الساحة الدولية لمواقف إسرائيل، وكذلك أيضاً بقدرتها على مواصلة القتال حتى تحقيق أهدافها. يحق لمؤسسات الأبحاث والصحفيين والكتاب على شبكات التواصل الاجتماعي – وحتى أعضاء الكنيست العاديين – التعبير عن أنفسهم علناً كما يرون ذلك مناسباً، ولكن يجب على رئيس الوزراء أن يطلب بتنسيق الرسائل والسلوك المسؤول من أعضاء حكومته الذين يتقاسمون المسؤولية النهائية عن إدارة المعركة.
رسائل متعارضة وإشكالية من المستوى السياسي حول القضايا الإستراتيجية
في عدد من الأحداث في الآونة الأخيرة، برزت (بشكل متزايد) صعوبة بكل ما يتعلق بقدرة المستوى السياسي في إسرائيل، أثناء الحرب، على الحرص في التنسيق برسائله، وتجنب إثارة القضايا ذات الأهمية الاستراتيجية في المجال العام بطريقة لا تتفق مع الموقف المتفق عليه. وحتى فيما يتعلق بالقضايا الحساسة التي لم تصل بعد إلى قاعدة تحديد السياسات، فمن الممكن المطالبة بضبط النفس في التصريحات لتجنب الخلافات عندما تكون الوحدة مطلوبة.
1. أفكار – مهمة في حد ذاتها – من قبل وزير الأمن، والتي تعكس عمل طاقم في المؤسسة العسكرية، بشأن الاستيطان في غزة “في اليوم التالي”، تم عرضها فعلياً على وسائل الإعلام قبل صياغة موقف الكابينت، أو حتى بدأ نقاش منظم للخيارات المطروحة على الطاولة في هذه القضية المركزية على جدول الأعمال، والتي تلعب دوراً مركزياً في الوصول والحديث مع إدارة بايدن. وهذا النمط من العمل له أثر إشكالي على القدرة على إجراء نقاش موضوعي، خالي قدر الإمكان من التوترات السياسية والشخصية، بشأن مسألة تؤثر، من بين أمور أخرى، على حرية إسرائيل في المناورة السياسية و”الساعة الرملية” العملياتية.
2. في الوقت الذي تتخذ فيه اسرائيل، مبدئياً، الغموض المقصود بكل ما يتعلق باغتيال مسؤولين كبار في لبنان، من الرغبة لعدم دفع حزب الله إلى الرد الواسع في هذه المرحلة من القتال، اختار وزير الخارجية (8 كانون الثاني 2024) تحمل المسؤولية، في مقابلة تلفزيونية، عن اغتيال قائد قوة الرضوان التابعة لحزب الله في جنوب لبنان، وسام طويل، بخلاف موقف المؤسسة الأمنية الاسرائيلية.
3. وقد أعرب اثنان من وزراء الحكومة الذين هم أعضاء في الكابينيت مراراً وتكراراً عن أفكار حول تشجيع الهجرة من غزة وتقليص عدد السكان العرب في القطاع بشكل كبير. وهذا يتناقض بشكل واضح مع توضيحات رئيس الوزراء – سواء في اتصالاته مع الولايات المتحدة أو في تصريح علني عشية جلسة الاستماع في محكمة العدل الدولية في لاهاي – بأن الأمر لا يتعلق بسياسات الحكومة الإسرائيلية التي تعتزم تبنيها. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية رأت أنه من المناسب الرد بشكل إيجابي على تحفّظ نتنياهو هذا، كما عرض في لقائه مع وزير الخارجية بلينكن، إلا أنها ردت بقوة على التصريحات نفسها وتعاملت معها بشدة من الناحية القيمية. وهم قدموا خدمة أيضاً لمطالب جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية. إن حقيقة أن رئيس الوزراء مطالب بمعالجة هذه القضية، من أجل توضيح أن الكلمات لم تُقل وفقاً لرأيه، توضح الصعوبة الناشئة عن إجراء النقاش حول القضايا الأساسية الحساسة، بما في ذلك “اليوم الذي يلي”، عبر وسائل الإعلام والحديث العام وليس ضمن الأطر السياسية والمهنية المخصصة لذلك.
عواقب الرسائل الاشكالية على إدارة المعركة في غزة
إن وجود توترات واضحة في صفوف الحكومة أثناء الحرب – حتى لو كان الأمر يتعلق بوقائع واسعة النطاق، يعرفها كل من تناول شؤون الدولة، أو التاريخ العسكري – لها ثمن، سواء في الجوانب المتعلقة ببلورة وعي العدو وفي المجال العام في الداخل. الحساسية المفرطة تنبع من ضرورة الحفاظ على الوحدة الاستثنائية لصفوف “جيش الشعب” على المستويات المقاتلة والنظامية والاحتياطية. وليس من المستغرب أن تنتشر في الآونة الأخيرة الدعوة من داخل صفوف السياسيين إلى “الصمت” وتجنب تفاقم الخلافات على نطاق واسع على شبكات التواصل الاجتماعي.
بالإضافة الى ذلك، من المهم أن يجري النقاش في المسائل الأساسية مثل مخطط مستقبل قطاع غزة على قاعدة إعداد منهجي على المستوى المهني، في المنظومات المخصصة لهذا الغرض، ومن ثم مناقشتها خلف الأبواب المغلقة في المستوى السياسي لبلورة نظرية يمكن عرضها على الشركاء الاستراتيجيين (وعلى الدول المفتاح في المنطقة، وعلى رأسهم مصر) كموقف متفق عليه لحكومة إسرائيل. جر الموضوع إلى ساحة الجمهور في هذا التوقيت، حتى لو لم يكن هناك طريق لمنعها في دولة ديمقراطية ونظام ائتلافي، ينطوي على مشكلة تحويله إلى اختبار قوة في الصراعات السياسية – بين الكتل وفيهم – وبالتالي يعطل القدرة على الدفع قدماً بالبديل المفضل للمصلحة الوطنية الإسرائيلية، والذي سيلبي المعايير الأساسية لأمن الدولة ومواطنيها “في اليوم التالي”. وفي مقابل حرية التعبير عن الرأي، كقيمة في حد ذاتها، يجب أن يكون هناك وعي بالمسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتق المستويات السياسية العليا في إدارة المعركة، بطريقة تسمح لإسرائيل بتحقيق أهدافها.
وذلك في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة الإسرائيلية سلسلة من القضايا المثيرة للجدل، والتي من المهم أيضاً تجنب “تسييس” النقاش بشأنها قدر الإمكان:
• بلورة جدول الأولويات أمام قضية المختطفين المؤثرة، وتركيز الخطاب الإعلامي والجماهيري عليها، إلى حدّ الضغط من أجل وقف القتال (وهو ما يعني عملياً انتصار حماس، مع كل ما يعنيه ذلك سواء بالنسبة لإسرائيل ومستقبلها أو بالنسبة لتوازن القوى الإقليمي”.
• تهيئة الظروف لعودة الأشخاص الذين تم إجلاؤهم إلى منازلهم في “الغلاف الإسرائيلي” في مواجهة واقع أمني لم يتم حله بالكامل بعد، وضغوط أمريكية ودولية للسماح بعودة سكان غزة إلى شمال القطاع.
• التوترات، التي لا مفر منها في حد ذاتها، تتعلق بالقضايا المتعلقة بالميزانية والسياسة المالية، والتي يشكل موقف الولايات المتحدة وغيرها من الشركاء التجاريين المهمين أهمية كبيرة بشأنها، حتى ولو بشكل غير مباشر.
بهذه الظروف، من المهم بشكل خاص الامتناع عن تصريحات فيها ما يكفي لإلحاق الضرر الجوهري بقدرة إسرائيل على إدارة المعركة السياسية (والآن أيضاً القضائية) التي ترافق القتال على الأرض. إن الدعم على الساحة الدولية ليس ترفاً؛ هو ضروري لضمان الوقت وحرية العمل اللازمين لحسم ما تبقى من حكم حماس في غزة، ولاحقاً أيضاً لتحقيق الأهداف الأساسية ضد حزب الله، والتي ستسمح بعودة الأشخاص الذين تم إجلاؤهم في الشمال. وللدعم الأمريكي، سواء في جوانب المساعدات أو مقابل خطوات محتملة في مجلس الأمن (بما في ذلك طلب محتمل لتطبيق “حكم” محكمة العدل الدولية في لاهاي) له أهمية حاسمة في هذا الجانب.
هناك توترات حتمية بين مواقف إدارة بايدن ومواقف إسرائيل بشأن عدة قضايا، بما في ذلك نطاق وخصائص المساعدات الإنسانية وإمكانية عودة السكان إلى شمال قطاع غزة. وفي نظرة إلى المستقبل، هناك بُعدٌ إشكالي في تشبث مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية العنيدين بِوَهْم أن السلطة الفلسطينية قادرة على تحمل أعباء إدارة القطاع بعد انتهاء القتال. في عدد لا بأس به من النقاط، ليس هناك مفر من المناقشة الصريحة لهذه القضايا وتوضيح وجهة النظر الإسرائيلية، حتى لو كان ذلك أيضاً من منطلق التقدير العميق لدعم الإدارة الأساسي للهدف المتفق عليه المتمثل في الإطاحة بحكم حماس في غزة (ولحل في لبنان يضمن سلام السكان ويمكّنهم من العودة).
ومع ذلك، عندما يتخذ الوزراء في الحكومة مواقف فيما يتعلق بمعاملة سكان غزة (ويطرحون مقترحات ذات قبضة فضفاضة على الواقع) تهدد بوشم أساس القيمة المشتركة للعلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة، فلهذا تأثير الإضرار بالمجهود الحربي وأحد ركائز الأمن القومي. كذلك أيضاً، يوجد بتصريحات من هذا النوع، بعضهم عديم المسؤولية تماماً (مثل التطرق الى إلقاء قنبلة نووية على غزة) لكي تقدّم، في هذه الأثناء، دليلاً واضحاً إلى هؤلاء – مثل حكومة جنوب أفريقيا – التي ساهمت برفع القضية ضد إسرائيل بتهمة “الإبادة الجماعية”. إسرائيل كدولة، تعتمد على المستوى الأمني على دعم قوى عظمى، التي ترى فيها أيضاً شريكاً قيمياً وليس فقط ذخراً استراتيجياً. على المستوى الاقتصادي، المستقبل مرتبط بقدرتها على الحفاظ على أسواق تصدير واسعة لمنتجاتها، خصوصاً في الدول الغربية. ولا يمكنها المضي قدماً وهي تتجاهل بشكل صارخ الثمن الذي قد تفرضه عليه تصريحات من هذا النوع، حتى لو لم تترجم إلى أفعال.
التحدي الذي يواجه القيادة السياسية
بسبب طابع الائتلاف في حكومة اسرائيل، فإن قدرة رئيس الوزراء على الفرض محدودة منذ البداية، كما يتضح من ردّ الفعل الباهت في ذلك الوقت على تصريح الوزير إلياهو. ومع ذلك، يتعين على المرء أن يتعلم من النماذج المقبولة في البلدان الديمقراطية الأخرى، حيث تخضع فيهم التصريحات السياسية الواضحة لرقابة منظمة وانضباط “صفحات الرسائل” بالتنسيق مع المستويات السياسية العليا. على أية حال، في مواجهة التصريحات من النوع الذي تم وصفه هنا:
1. يوجد لدى المستوى السياسي الكبير الوسائل السياسية والجماهيرية لإثبات أن الأمر لا يتعلق بتصرفات شرعية خلال الحرب؛ يجب على رئيس الوزراء أن يستدعي وزراءه الحاليين للانتظام و/أو يتنصلوا علناً من كلماتهم.
2. ونظراً للوزن الفريد لتصريحات رئيس الوزراء العامة (وتصريحات شركائه الثلاثة في إدارة المعركة)، فلا مفر من حقيقة أن التصريحات دقيقة، بكل ما يتعلق بموقف اسرائيل، في الظهور المتكرر في وسائل الإعلام – سواء أمام الجمهور الإسرائيلي نفسه، الذي يُكشف على الخلافات، أو خارجياً، كما حصل ذلك بالفعل في الفترة الاخيرة.
3. من الأفضل أن يطلب رئيس الحكومة من وزرائه ضبط النفس وأسلوب كلام سليم لا يذكّر بالأجواء قبل 7 تشرين الأول، حتى لو كان احتمال إجراء الانتخابات يلوح في الأفق.
معهد القدس للاستراتيجية والأمن – الدكتور عيران ليرمان (نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن)