خيبة أمل في أوكرانيا.. أمريكا وأوروبا أكثر انقساماً حيال المزيد من الدعم العسكري والمالي
بقلم ابتسام الشامي
على مسافة أيام قليلة من دخول العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا عامها الثالث، تتراجع حصة الأخيرة من الدعم الغربي الخارجي..
ليس ذلك لأن الصراع الأطلسي الروسي هبطت أولويته في الأجندة الغربية بفعل تحديات جديدة تنامت خلال الأشهر الماضية، بل في الأساس لفشل القوات العسكرية الأوكرانية في هجومها المضاد ضد روسيا، ما دفع الدول الداعمة إلى مراجعة سياساتها واعادة النظر في مقاربتها لأزمة تستنزفها.
خطة “سلام” منفصلة عن الواقع
حافظت أوكرانيا على حضورها في منتدى دافوس الاقتصادي كواحدة من القضايا المهمة التي تشغل أثرياء العالم، لكن زخم حضورها لم يعد كما كان عليه في السابق. الدول الغربية التي سخرت منابرها ومنتدياتها لحشد الدعم السياسي والمالي والعسكري لأوكرانيا، أفسحت في المجال للأخيرة أن تطلق في المنتجع السويسري، “خطة سلام” أعدتها كييف بصيغة أقرب ما تكون إلى الأمنيات منها إلى خطة مدروسة مبنية على حقائق الميدان وموازين القوى. أوكرانيا التي أغرقتها الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها من الدول الأوروبية بأحدث منظومات الأسلحة الدفاعية والهجومية، تريد من خلال الوثيقة أن تأخذ في السياسة ما عجزت عن تحقيقه في الحرب، وهي إذ تنص على “انسحاب القوات الروسية من كافة الأراضي الأوكرانية بما في ذلك شبه جزيرة القرم”، تشدد على “محاكمة مرتكبي جرائم الحرب من الروس، ومحاسبة القيادات المتورطة فيها ودفع تعويضات وتقديم ضمانات أمنية”.
خطة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي المعروضة أمام ممثلين عن أكثر من ثمانين دولة شاركت في أعمال منتدى دافوس، تأتي في وقت يتصاعد فيه الفشل العسكري الأوكراني ليس بالمعنى الهجومي فحسب، وإنما الدفاعي أيضاً، على ضوء ما تعرضت له كييف ومدن رئيسية أخرى في الآونة الأخيرة من قصف روسي بصواريخ الكروز والصواريخ البالستية، فشلت أنظمة الاعتراض الغربية في التصدي لأغلبها، ليتفاقم بذلك المأزق العسكري لأوكرانيا وداعميها، مع ما يترتب عليه من تداعيات سياسية واقتصادية أيضاً.
شكوك حيال استمرار الدعم
على أن التحدي الكبير الماثل اليوم أمام الجمهورية السوفياتية السابقة لا يكمن فحسب في الاستجابة الميدانية للتطورات، وإنما في تأمين استمرارية تدفق الدعم الغربي لكييف مالياً وعسكرياً، وهو أمر يرتفع منسوب الشكوك إزاءه لاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية التي دفعت بقوة لتأجيج الصراع في قلب أوروبا. وتشهد الساحة التشريعية الأمريكية انقساماً حادّاً حيال استمرار الدعم المفتوح، حيث تبوء مساعي الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لتخصيص المزيد من التمويل الخاص بأوكرانيا بالفشل. وفي هذا السياق تقول صحيفة “واشنطن بوست” إن “احتمال تمرير أي مساعدات إضافية لأوكرانيا، في مجلس النواب الذي يقوده الجمهوريون، أصبح شبه معدوم تقريباً”. وتنقل عن مراقبين اعتقادهم أن البيت الأبيض ومجلس الشيوخ وقعا في فخ الجمهوريين المتطرفين في مجلس النواب، والذين كانوا يتعمدون، منذ اللحظة الأولى، قتل أي فرصة لإرسال المزيد من المساعدات، عبر ربط الأخيرة بإيجاد حلّ لأزمة الهجرة عبر الحدود المكسيكية – الأمريكية. وتستشهد الصحيفة الأمريكية بما وصفته بالإشارات المتضاربة التي بعث بها رئيس مجلس النواب، الجمهوري مايك جونسون، المقرب من الرئيس السابق، دونالد ترامب، في أعقاب الاجتماع، ففيما حاول جونسون الإيحاء بأن المباحثات كانت مثمرة مشيراً إلى أنه جرى التوصل إلى بعض الإجماع حول اتفاق ما، فقد عاد وأكد، بعد ساعات فقط، في لقاء على قناة فوكس نيوز، أنه يتشاور مع ترامب عن كثب حول ذلك الملف”. الصحيفة الأمريكية التي ذكّرت بأن ترامب “يقود حملة نشطة لمنع أي تنازل من الجمهوريين” في مجال تمويل إضافي لأوكرانيا، نشرت مضمون مكالمة مسربة لجونسون مع بعض أعضاء الحزب الجمهوري، يؤكد فيها أنه لن يقبل “بتمرير أي صفقة في مجلس الشيوخ”، ولا يتوقع فيها أيضاً حل قضية الحدود، قبل وصول رئيس جمهوري إلى البيت الأبيض(1).
ويأتي الانقسام حول تمويل إضافي لأوكرانيا على خلفية طلب تقدم به البيت الأبيض في وقت سابق من الكونغرس لتخصيص 60 مليار دولار إضافية، يرفض الجمهوريون الموافقة عليها دون اتخاذ خطوات لتأمين الحدود مع المكسيك. علماً أن صحيفة واشنطن بوست تشير إلى أن الرفض الجمهوري يتجاوز المسألة المرتبطة بالحدود، في ظلِّ تراكم أسئلة أخرى لدى أعضاء الحزب حول طريقة إدارة الأموال الأمريكية، ومساهمات الحلفاء الآخرين في جهود التمويل، فضلاً عن استيضاح خطط الأوكرانيين “لتحقيق النصر بعد فشل الهجوم المضاد”. وفي سياق متصل كان لافتاً للانتباه رفض المرشح الرئاسي الأمريكي المستقل روبرت كينيدي جونيور، الذي طالب بإنهاء إرسال المساعدات لأوكرانيا بالإضافة لتشديد أمن الحدود مع المكسيك. وبحسب بيان صادر عن الخدمة الصحفية لمقر حملته فإن موقف كينيدي” يختلف عن مواقف الرئيس بايدن والجمهوريين، وهو يدعم تعزيز أمن الحدود لإنهاء التدفق غير المنضبط للهجرة غير الشرعية، ويدعم أيضاً إنهاء تمويل الحرب في أوكرانيا”. وكان كينيدي جونيور، قد صرح في وقت سابق بأن هوية الأطراف المعنية بالصراع في أوكرانيا أصبحت مكشوفة ولم يعد أحد يحاول إخفاءها، مشيراً إلى زيارة زيلينسكي لواشنطن. وفي حسابه على منصة X أعاد المرشح الرئاسي المستقل، نشر مقطع فيديو من حساب زيلينسكي، يظهر فيه الأخير محاطاً بممثلي صناعة الدفاع الأمريكية، وكتب أن زيلينسكي خلال زيارته للولايات المتحدة، التقى “حرفياً بمقاولي الدفاع في البنتاغون”. مضيفاً بلغة انتقادية: “الخداع يحدث أمام أعيننا مباشرة، ولا أحد يحاول إخفاء من هم أصحاب المصلحة الحقيقيون بالحرب في أوكرانيا”.
وعلى ضوء المواقف المعلنة في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن تمويلاً إضافياً لأوكرانيا يبدو مسألة معقدة جداً، وهي خلاصة انتهى إليها برلمانيون أوروبيون، زاروا واشنطن بهدف حشد المزيد من الدعم لأوكرانيا. وبحسب موقع بوليتيكو الأمريكي، فإن هؤلاء البرلمانيين شعروا على ضوء لقاءاتهم المشرعين الأمريكيين بالإحباط، لدرجة جعلتهم “يشككون في مدى التزام الولايات المتحدة بدورها في ضمان أمن أوروبا”. وينقل الموقع عن مشرعين من بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وليتوانيا وجمهورية التشيك، شاركوا في الجولة، قولهم إنهم سئموا من التخبط بين الإدارة الأمريكية والكونغرس، في وقت لا تزال فيه القوات الروسية تسيطر على مساحة كبيرة من كييف. وبحسب هؤلاء، فإن “من المؤلم إنفاق هذا الكم من الطاقة لإقناع أمريكا بأن تكون أمريكا”، مشيرين إلى أن المشرعين الأمريكيين بدوا غير مبالين في ما يتعلق بتأخير إرسال المساعدات الأوكرانية أشهراً عدة. وفي وقت ينتقد فيه الأوروبيون تراجع مستوى التزام أمريكا بتقديم الدعم لأوكرانيا، تشهد الدول الأوروبية انقسامات مماثلة إزاء القضية ذاتها، إذ شككت كل من المجر وسلوفاكيا، في خطّة الاتحاد الأوروبي لتمويل حزمة مساعدات تزيد قيمتها على 50 مليار دولار، لدعم مجهود زيلينسكي الحربي.
وتعرقل هنغاريا معظم قرارات الاتحاد الأوروبي بشأن أوكرانيا، بما في ذلك الشريحة الثامنة البالغة 500 مليون يورو من المساعدات العسكرية، و5 مليارات يورو من صندوق السلام الأوروبي للدعم العسكري في عام 2024، وكذلك حزمة أوسع تبلغ 20 مليار يورو من المساعدات العسكرية على مدى 4 سنوات، بما يصل مجموعه إلى 50 مليار يورو من المساعدات المالية الكلية للفترة 2024 – 2027.
كييف محبطة
الانقسامات الداخلية الأمريكية والاوروبية حيال تقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا أغضبت المسؤولين الأوكرانيين، لاسيما وأن الامتناع عن مزيد من الدعم يأتي في وقت يعاني فيه الميدان تحديات صعبة ومن وجهة نظر كييف فإن الدعم العسكري في هذه المرحلة يبدو حاجة ملحة. وفي سياق التعبير عن الإحباط من الموقف الغربي عموماً والأمريكي على وجه التحديد، رأى وزير الخارجية الأوكراني دميتري كوليبا أنه لا ينبغي لفشل أوكرانيا في ساحة المعركة أن يتحول إلى ذريعة للغرب لتقليص مساعداته لبلاده. ورداً على سؤال في مقابلة مع مجلة Foreign Affairs الأمريكية حول الهجوم المضاد الأوكراني الفاشل، قال كوليبا: “مهما كان ما يحدث على الأرض في أوكرانيا، فلا ينبغي استخدامه كذريعة لخفض الدعم”. مشيراً إلى الحكومة الأوكرانية تخصص مبلغاً قياسياً لبناء خطوط دفاعية، وهي بالتالي لن توافق على إنهاء النزاع والتفاوض مع روسيا، بل ستواصل القتال، حتى لو واجهت نقصاً في الموارد بسبب انخفاض المساعدات الغربية. معرباً عن اعتقاده بأن الغرب سيضطر إلى مواصلة تقديم المساعدات لأوكرانيا لتجنب هزيمتها. علماً أنه اعترف خلال المقابلة ذاتها بأن “الوضع في ساحة المعركة يصبح أسوأ بكثير”. مضيفاً: “إننا نعاني من نقص أكبر في ذخيرة المدفعية عما كان عليه الحال قبل شهرين أو ثلاثة أشهر”.
خاتمة
على أعتاب الذكرى الثانية للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، خيبة أمل مثلثة الأضلاع: تخيّب الأخيرة آمال داعميها عسكرياً، وتخيب آمالها من تواصل دعمهم، في ما باب الأمل في حل سياسي ينهي الحرب المستنزفة تغلقه بكين في وجه كييف. موقع “بوليتيكو” الأمريكي أشار إلى تمنع صيني عن عقد لقاءات مع المسؤولين الأوكرانيين، بناء على طلب منهم، كانوا يراهنون عليه على هامش منتدى دافوس الاقتصادي، لدفع الصين لتأدية دور أكبر في ما سماه الموقع محادثات السلام. لكن الأيام الخمسة للمؤتمر انتهت من دون أن ينجح زيلنسكي كما كان يأمل في لقاء المسؤولين الصينيين، وعدم حصول اللقاء رده مسؤول أمريكي بحسب موقع بوليتيكو إلى إصرار بكين على الاستمرار في دعم موسكو، وعدم إزعاجها بمثل هذه اللقاءات.