ما بعد اغتيال “إسرائيل” لرئيس حكومة صنعاء.. اليمن يتحضر للرد
بقلم نوال النونو
وصلت المواجهة بين كيان العدو الإسرائيلي واليمن إلى الذروة مع تجاوز “إسرائيل” الخطوط الحمراء، وقيامها باستهداف اجتماع لحكومة التغيير والبناء في صنعاء، ما أدى إلى استشهاد رئيس الوزراء وما يقارب عشرة من الوزراء، وإصابة آخرين بعضهم جراحهم خطيرة.
وجاءت العملية الإجرامية بعد أيام من قيام القوات المسلحة اليمنية باستهداف عمق كيان العدو [تل أبيب] بصاروخ باليستي من نوع “فلسطين 2” انشطاري لأول مرة، ما أثار القلق والرعب لدى الصهاينة، وانتقلت [تل أبيب] من خلاله إلى تصعيد أكبر ضد اليمن تمثل في استهداف المنشآت الخدمية والحيوية، ثم القيام باغتيال رئيس حكومة صنعاء وعدد من الوزراء في تجاوز لكل المواثيق والقيم الإنسانية والدولية.
وشكل الحدث صدمة كبيرة لليمنيين، وفاجعة لا مثيل لها، وعم الحزن معظم أرجاء اليمن. فالحكومة التي مضى عام على تشكيلها كانت تؤدي عملها على أكمل وجه، وفي ظل ظروف قاسية وغاية في الصعوبة، ولم يكن وزراؤها في رغد من العيش أو رفاهية مطلقة، وإنما اشتهروا بالبساطة والتواضع، وتقديم الخدمات للناس دون مواكب فخمة أو قصور فاخرة، وكان بالإمكان رصد تحركاتهم ومعرفة مساكنهم، وهي في الأول والأخير حكومة خدمية تعمل على تقديم العون والمساعدة لليمنيين.
وتعد جريمة الاغتيال انتصاراً معنوياً للعدو الإسرائيلي، خصوصاً أن المستهدف كان رئيس الحكومة وعدداً من رفاقه الوزراء، لكن ما لا يعرفه الجميع أن هذا لا قيمة له من الناحية العسكرية، ولا تأثير له على القدرات اليمنية، فالجانب الأمني والعسكري وأجهزة المخابرات أجهزة مستقلة عن الحكومة، وهي تعمل ضمن قيادة ثورية واحدة يقودها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
وعيد برد قاسي ومؤلم
في الردود الأولية على هذه الجريمة، أكّد رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء، المشير الركن مهدي محمد المشاط، أن الكيان الصهيوني تنتظره أيام سوداء، لافتاً إلى أن الشعب اليمني لا ينسى ثأره. في حين قال رئيس هيئة الأركان العامة، اللواء الركن محمد هاشم الغماري، إن هذه الجريمة لا يمكن أن تمر دون رد، وأن العدو الإسرائيلي قد فتح أبواب الجحيم على نفسه.
كان الاحتلال الإسرائيلي قد نشر، قبل استهداف الحكومة، أنباء تتحدث عن قيامه باغتيال اللواء الغماري، لكن الخبر لم يكن صحيحاً، ثم عاد ليقول مرة أخرى إن الغماري كان ضمن المستهدفين في اجتماع الحكومة. ومع ذلك، فإن أمنية الاحتلال لم تكن في محلها، فالغماري لا يرتبط بالحكومة، وإنما بجهاز مستقل تحت إدارة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
ورداً على هذه الشائعات، أكد اللواء الغماري أن رد القوات المسلحة اليمنية سيكون قاسياً ومؤلماً وبخيارات استراتيجية فاعلة ومؤثرة، متوجهاً إلى القيادة والشعب بالقول: “ستسمعون في القريب العاجل وتشاهدون ما تقر به أعينكم ويشفي صدوركم”.
كان لافتاً في تصريح اللواء الغماري الحديث عن الخيارات الاستراتيجية الفاعلة والمؤثرة، لكن المؤشرات الأولية بدأت تتجلى بقيام القوات المسلحة اليمنية باستهداف سفينة نفط تابعة للعدو الإسرائيلي بالقرب من ميناء ينبع السعودي المطل على البحر الأحمر، في أول استهداف من نوعه، ما يعني أن اليمنيين قد يلجؤون إلى خطوة مزعجة للصهاينة تتمثل في استهداف الطاقة، ولا سيما بعد ثبوت تعاون السعودية مع الكيان الصهيوني تجارياً وعلى جميع المستويات بعد معركة طوفان الأقصى.
ويُعد توجه اليمنيين إلى البحار لملاحقة الملاحة الصهيونية من أبرز أدوات الضغط على “إسرائيل”، فقد تمكن اليمنيون من تعطيل ميناء “إيلات” جنوبي فلسطين المحتلة في البحر الأحمر، ولديهم خيارات لتعطيل الملاحة في ميناء حيفا، الأمر الذي سيكبد العدو خسائر اقتصادية باهظة أكثر من أي وقت مضى.

عمليات عسكرية متصاعدة
وإلى جانب ذلك، بدأ الرد العسكري اليمني بشكل تدريجي على جريمة اغتيال الحكومة والوزراء في صنعاء، بما في ذلك استخدام الطائرات المسيّرة المتطورة جداً من نوع [صماد 4]، واستهداف مطار [بن غوريون] الدولي، ومحطة كهرباء الخضيرة صباح الأربعاء الماضي، ثم تكرر الاستهداف مساء اليوم ذاته بصواريخ فرط صوتية من نوع [فلسطين 2]، لتطال هدفاً حساساً غرب مدينة القدس، حيث يرجح محللون سياسيون أن الموقع المستهدف قد يكون أحد منازل المجرم نتنياهو.
ولعل أبرز عملية نفذتها القوات المسلحة بعد جريمة اغتيال رئيس الحكومة هي استهداف مقر هيئة أركان العدو الإسرائيلي، حيث يعد هذا الاستهداف الأول من نوعه في تاريخ مواجهات اليمن مع كيان الاحتلال، ويحمل دلالات كبيرة فيما يخص التوجه اليمني الجديد في اختيار أهداف حساسة جداً، وتثبيت معادلات ردع مماثلة تجعل جميع هياكل مؤسسات الحكم الإسرائيلية أهدافاً للقوة الجوية اليمنية.
ويعني استهداف مبنى هيئة الأركان “الإسرائيلية” استهداف المجمع الكبير “الكريات”، وهو مجمع عسكري كبير ومتكامل، حيث تمتد منشأة الكريات على مساحة تزيد عن 80 دونماً، وتضم عشرات الأبنية، بعضها محصّن تحت الأرض، وتوجد فيها وزارة حرب العدو، كما تضم قاعدة “رابين” التي تشكل مجمعاً خاصاً مغلقاً يحتوي على عدة طوابق وأقبية محصنة، وفي أسفلها توجد غرفة العمليات العسكرية للكيان المحتل المعروفة باسم “الحفرة”، وهيئة الرقابة والسيطرة الحربية لسلاح الجو، ومقر القوات البحرية، ومكتب المتحدث باسم الجيش، ومكتب الحاخامية العسكرية، ولجنة قبول الجنود، وقيادة العمق، ومكتب رئيس الوزراء، وأكثر من ذلك.
يتمتع هذا المقر بالتأكيد بمنظومات حماية ودفاع متطورة جداً وذات كثافة دفاعية استثنائية بالنظر إلى طبيعة منشآته، لكن على الرغم من كل طبقات الحماية التكنولوجية والنارية التي يتمتع بها، وصلت الطائرة المسيرة من طراز “صماد 4” إلى هدفها بنجاح، وهذا يعني استمرار اليمن في تجاوز كل منظومات الدفاع الصهيونية، ويؤكد أن بنك أهداف اليمن في عمق كيان العدو الإسرائيلي يحمل الكثير من المفاجآت التي تتجاوز بالتأكيد معرفة إحداثيات مجمع الكريات.
وعلى الرغم من ذروة التصعيد على اليمن، تؤكد القيادة الثورية والسياسية والعسكرية اليمنية عدم التخلي عن مساندة غزة، وهو ما أكده مجدداً السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطاب له بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف أمام حشد مليوني في صنعاء وبقية المحافظات، قائلاً: “نؤكد ثبات موقفنا في نصرة الشعب الفلسطيني وندعو كل أصحاب الضمائر الحية لمنع الإجرام الصهيوني الذي يمارس الإبادة الجماعية والتجويع“.
ويتوقع الكثير من المحللين اليمنيين أن يكون الرد اليمني كبيراً وموجعاً وقاسياً، وأن التحضير لذلك يتم على قدم وساق.
