دوليات

الصين تفاجئ العالم.. استعراض قوة عسكري وسياسي

بقلم ابتسام الشامي

وبين صورته محاطاً بستة وعشرين زعيماً دولياً شاركوا في أعمال قمة منظمة شنغهاي، وصورته محاطاً بنظيريه الروسي فلاديمير بوتين والكوري الشمالي كيم جونغ اون، في أضخم استعراض عسكري للجيش، أرسل الرئيس الصيني شي جين بينغ رسالة اقتدار سياسية وعسكرية فاقت في قوتها توقعات الأعداء والأصدقاء على حد سواء.

الصين تستعرض قوتها

بعرضها العسكري الضخم لمناسبة الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية وانتصارها على اليابان، فاجأت الصين العالم بمستوى الاقتدار العسكري الذي بلغته، مؤذنة بدخولها مرحلة جديدة في مواجهة مستويات متصاعدة من التحديات الخارجية. الدولة المترامية الأطراف جغرافياً وديمغرافياً، ارتدت الزي العسكري بعد سنوات طويلة من تفضيلها “غزو” العالم بمشاريع استثمارية ضخمة، فتحت أمامها أبواب دول العالم في أرباع الكرة الأرضية، وهي إذ ضاعفت حضورها الاقتصادي والسياسي عبر مبادرة الحزام والطريق أو ما عرف بطريق الحرير الجديد، فإن حضورها هذا بما يعنيه على مستوى المكانة العالمية من تأثير في إعادة رسم خارطة القوى، استفز الولايات المتحدة الأمريكية التي استشعرت مخاطره على مكانتها في رأس النظام الدولي القائم، فسارعت ضمن استراتيجية موجهة إلى تطويق النفوذ الصيني وفرملة اندفاعة طريق الحرير، وصولاُ إلى اللعب في حديقتها الخلفية لها والتأثير في بيئتها الإقليمية وتهديد وحدتها. هذا المستوى من التصعيد المتدرج، يقف في قراءة كثير من الخبراء، خلف قرار الصين تطوير قوتها العسكرية بمقدار تطوير علاقاتها الدولية، ضمن رؤية تقول إن الحفاظ على الثقل السياسي المتعاظم والقوة الاقتصادية المتنامية، يستدعيان حكماً قوة عسكرية حامية ورادعة.

هذا التطور في استجابة الصين لتحدي حفظ مكانتها العالمية وحماية نفوذها، عبر عن نفسه في العرض العسكري الضخم الذي نظمته في الثالث من الشهر الجاري. وأمام ضيوفها المشاركين في قمة منظمة شنغهاي للتعاون، وبحضور لافت للرئيس الروسي وزعيم كوريا الشمالية والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، كشفت الصين عن جانب من قدراتها، في المجال العسكري والتكنولوجي، وعن جيش ضخم تقف خلفه آلة تصنيع عسكرية مهولة في قدرتها على إنتاج الأسلحة التقليدية والحديثة. وخلال الحدث الاستثنائي في تاريخها، عرضت بكين لأول مرة أسلحة جديدة من صواريخ نووية عابرة للقارات، وصواريخ فرط صوتية وطائرات مسيّرة شبحية، وأسلحة جديدة لعل أبرزها: صاروخ “دي إف – سي5” “DFC5” الباليستي العابر للقارات، والقادر على ضرب أي نقطة في الأرض، وفق توصيف صحيفة “ذي غلوبال تايمز”. وبحسب وسائل الإعلام الرسمية الصينية فإن “هذا الصاروخ النووي الاستراتيجي العابر للقارات يُغطي الكرة الأرضية بأكملها، وإنه قادر على حمل ما يصل إلى 12 رأساً حربياً”.

وإلى الصواريخ النووية، استعرضت الصين، نظام الدفاع الفضائي 29HQ-، القادر على إسقاط الأقمار الاصطناعية الأجنبية. و”نظام الليزر للدفاع الجوي الأكثر قوة في العالم”. إضافة إلى عرض مركبتين جديدتين غير مأهولتين وكبيرتين جداً على شكل طوربيد هما “أيه جاي إكس002″ AJX002 و”إتش إس يو100” HSU100 محمولتين على متن شاحنتين طويلتين.

وشملت الأسلحة التي استعرضها الجيش الصيني أيضاً، أربعة صواريخ جديدة مضادة للسفن، لديها قابلية الإطلاق من سفن أو طائرات وهي مصممة لإلحاق أضرار بالغة بالسفن الكبيرة. كذلك شوهدت في العرض المسيّرات المستخدمة تحت سطح البحر، ومركبات غير مأهولة بما في ذلك مراكب سطحية يمكن استخدامها في عمليات عسكرية بحرية، إضافة إلى طائرات مسيّرة ومركبات برية لديها مجموعة متعددة من القدرات بما في ذلك الإجلاء ونقل المؤن والذخيرة والاستطلاع.

وتضمن الاستعراض العسكري الصيني الضخم أيضاً، عرضاً لتكنولوجيا الرادارات للتحذير المبكر، وأجهزة رصد كبيرة، وكذلك كُشف النقاب عن طائرة الإنذار المبكر “كاي جاي-600” “600- KJ” لأول مرة، وهي الطائرة المصممة للاستخدام على متن حاملات الطائرات.

الخطاب السياسي للعرض العسكري

ضخامة العرض العسكري، وما كشفته الصين من قدرات متطورة في مجال التصنيع العسكري التقليدي والحديث، أرفقته برسائل سياسية قوية صبت في بريد الولايات المتحدة الأمريكية وغطرستها. إذ حسم الرئيس الصيني أن بلاده لا يمكن إيقافها، وقال شي في مستهل العرض العسكري، إن “نهضة الأمة الصينية لا يمكن إيقافها والقضية النبيلة المتمثلة بالسلام والتنمية للإنسانية ستنتصر حتماً”، مشيراً إلى أن “الإنسانية تواجه اليوم، مرة أخرى خياراً بين السلام أو الحرب، والحوار أو المواجهة”. وإذ دعا دول العالم إلى “القضاء على السبب الجذري للحرب ومنع تكرار المآسي التاريخية”، فإنه شدد على أنه “لا يمكن ضمان الأمن المشترك إلا عندما تتعامل دول العالم مع بعضها البعض على قدم المساواة، وتعيش في وئام، وتدعم بعضها بعضا”. وسبق افتتاح شي العرض العسكري، وصوله برفقة ضيوفه المدعوين ومن بينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، إلى بوابة تيانانمن التاريخية لمشاهدة العرض العسكري. وإلى المكان المخصص لهما لمشاهدة العرض، سار بوتين وكيم إلى جانب شي، وسط تصفيق حار، ارتفعت حرارته أثناء مصافحة القادة الثلاثة خمسة من قدامى محاربي الحرب العالمية الثانية.

التفاعل الأمريكي مع الرسالة الصينية

قوة الرسالة العسكرية والسياسية للعرض العسكري الصيني، استفزت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي رأى في المشهد “تآمراً” على بلاده. وكتب على منصته الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي: “أرجو أن تبلغوا تحياتي الحارة لفلاديمير بوتين وكيم جونغ أون بينما تتآمران ضد الولايات المتحدة الأمريكية”.

من جانبه، قال وزير “الدفاع” الأمريكي بيت هيغسِث لقناة “فوكس نيوز” إن واشنطن لا تسعى إلى صراع مع الصين أو روسيا أو غيرهما، لكنها تحتاج إلى البقاء يقظة. وأضاف: “عروض الاستعراضات العسكرية لا بأس بها، لكن نأمل ألا تتحول إلى صراع عسكري فعلي. نحن نعلم جيداً مدى قوتنا والمزايا العسكرية التي نملكها، وهم يعلمون ذلك أيضاً، ومهمتنا أن نحافظ على هذه المزايا في الفضاء والسماء والبحر”.

العرض العسكري الصيني الضخم وما انطوى عليه من رسائل، حظي باهتمام اعلامي عالمي لافت. واعتبرته معظم التحليلات مؤشراً على تصاعد التوتر في العلاقات الصينية الأمريكية. وفي هذا الإطار، قال مراسل بي بي سي نيوز للشؤون الأمنية، فرانك غاردنر، إن “من الأمور التي تثير قلق الخبراء العسكريين والأمنيين في الغرب، استعراض الصين للأسلحة الجديدة، بما في ذلك الصواريخ التي تسافر بسرعة تفوق خمسة أمثال سرعة الصوت. مشيراً إلى أن “قوة بكين العسكرية مثيرة للإعجاب، لكنها لم تُختبر بعد”. ويضيف أن عرض الأسلحة الصينية للقرن الحادي والعشرين أعطى للمحللين الدفاعيين الغربيين الكثير مما يمكنهم استخلاصه والتفكير فيه. إذ “لا تكمن قوة بكين في أعدادها فحسب، مدعومة باقتصادها الضخم، بل في تزايد الابتكار والاعتماد على الذات”.

بدورها، شدّدت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، على أن العالم بحاجة إلى نظام دولي جديد، وحذّرت من أن قمة “منظمة شنغهاي للتعاون” تعد دليلاً قاطعاً على طموحات في إعادة تشكيل النظام الدولي.

وخلصت الصحيفة إلى القول إن “الولايات المتحدة لا تزال قادرة على استعادة مكانتها العالمية، وإذا فشلت في ذلك، فعلى الاتحاد الأوروبي وقوى أخرى تحمل المسؤولية، فالعالم بحاجة إلى نظام دولي جديد، لكنه لا ينبغي أن يكون وفق رؤية شي جين بينغ”.

أما مجلة الإيكونميست فقد رأت بدورها أن مشهد الصين وهي تجمع جزءاً كبيراً من العالم أمر لم يكن من الممكن تصوّره حتى قبل خمس سنوات. مضيفة أن قائمة ضيوف شي “لا تثبت أن الصين تدير نظاماً عالمياً جديداً بعد. لكنها تظهر مدى الضرر الذي يلحقه ترامب بالمصالح الأمريكية”، في إشارة إلى حرب الرسوم الجمركية التي يعتمدها الرئيس الأمريكي ضد أعداء بلاده وأصدقائها على حد سواء.

خاتمة

إذا كان الرئيس الأمريكي، قد وضع العرض العسكري الصيني الضخم في إطار التآمر على بلاده، فإن بكين تضعه في إطار التحذير والردع، لكل من يفكر في تصعيد المواجهة معها وجرها إلى الحرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *