إقليميات

الحرب الإسرائيلية الأمريكية الأخرى على سوريا

بقلم: توفيق المديني

تخوض “إسرائيل” بإسنادٍ ودعمٍ مطلقٍ من الولايات المتحدة الأمريكية الحرب الشاملة على جميع الجبهات، لا سيما على الجبهة السورية لتدمير المنشآت العسكرية الإيرانية في سوريا، ورفع تكاليف جهود الحرس الثوري الإيراني بشكل مستمر.

وتعتقد “إسرائيل” أنَّ خسارة إيران لسوريا، عقب استثمار ما لا يقل عن 20 مليار دولار لدعم الدولة الوطنية السورية، قد تقلص قوة حليفها القوي حزب الله، وتجعله جهة غير فاعلة ومعزولة في لبنان، ومفصولة عن مصادر دعمها وعتادها القائمة في سوريا، وبالتالي ستمنع إيران من تنفيذ خطتها في المنطقة، والرامية إلى إحاطة الكيان الصهيوني بحلفاء إيران، وبناء ممرات برية تمتد من حدودها على طول الطريق إلى الغرب حتى البحر المتوسط.

ضمن هذا السياق من الرؤى الاستراتيجية الصهيونية، يمكن لنا تحليل المغزى الحقيقي للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، منذ سنوات (والتي كانت تستهدف ضرب التموضع العسكري الإيراني في الأراضي السورية وخاصة في الجنوب، حيث تحتفظ طهران بحضور “نوعي” في العاصمة دمشق ومحيطها)، ولغاية العدوان الإسرائيلي الأخير الذي استهدف المبنى المتكون من عدة طوابق في حي كفر سوسة الراقي بالعاصمة دمشق، حيث تقول صحيفة معاريف الإسرائيلية، أنَّ “من يسكنون المبنى هم عناصر تابعة لحزب الله والحرس الثوري، والهجوم نفسه كان على الطابقين الرابع والخامس من المبنى”.

ولم تمضِ ساعات على قصف مبنى كفرسوسة، حتى استهدفت صواريخ يرجح أنها إسرائيلية مواقع في منطقة الديماس شمال غربي دمشق، يُعتقد أنها تابعة للحرس الثوري الإيراني، ونجمت عنها انفجارات سُمعت في مدينة دمشق ومحيطها.

ويأتي هذا العدوان الجديد على دمشق بعد العدوان الإسرائيلي الذي استهدف مبنى مؤلفاً من 4 طوابق في منطقة حي المزة في الطرف الغربي من العاصمة السورية دمشق، في 20 يناير/ كانون الثاني 2024، ما أدى إلى اغتيال 5 قادة من “الحرس الثوري الإيراني”: مسؤول الاستخبارات بـ “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني العميد الحاج صادق أوميد زاده، إلى جانب نائبه ومستشارين آخرين في الحرس الثوري الإيراني، واتهمت إيران الاحتلال الإسرائيلي باغتيال مستشاري الحرس الثوري، وتوعدت بالرد “في الوقت والمكان المناسبين”. كما تعرض بناء سكني في منطقة شارع الملعب بمدينة حمص، قبل أسبوعين، لضربة. وذكرت وسائل إعلام محلية أنها أسفرت عن استشهاد مدنيين وعناصر من “حزب الله” اللبناني.

وتقول الصحافة الإسرائيلية، أنَّه قُتل منذ مطلع فبراير/ شباط 2024 مستشار عسكري من الحرس الثوري الإيراني، يدعى سعيد علي دادي، في هجمة استهدفت مزرعة على طريق عقربا – السيدة زينب جنوبي دمشق.

وكانت وكالة “رويترز” نقلت في بداية شهر فبراير/شباط الجاري عن مصادر وصفتها بالمطلعة، قولها إنَّ الحرس الثوري الإيراني قلّص نشر ضباطه الكبار في سوريا، بعد سلسلة الهجمات الإسرائيلية “المميتة” التي استهدفت وجوده ومصالحه هناك. ولكنَّ استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الوجود العسكري الإيراني، والمتمثل في إشراف الضباط الإيرانيين على فصائل المقاومة المنتشرة في العراق وسوريا، ولاسيما في جنوب البلاد وشمالها وشرقها، حيث تفرض طهران سيطرة شبه مطلقة على محافظة دير الزور، تؤكد أن طهران ليست بصدد سحب مستشاريها العسكريين وضباطها من سوريا، ولكنَّ ربما حدَّتْ من تحركاتهم لتجنب مقتل المزيد منهم.

“إسرائيل” في مواجهة إيران

يري الباحث العسكري الصهيوني في معهد القدس للاستراتيجية والأمن يوسي منشاروف الباحث، في مقاله التحليلي بمجلة “يسرائيل ديفنس”، إنّ “الممر البري الجاري إقامته من إيران إلى لبنان، مروراً بالعراق وسوريا، الذي سيتحقق بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا، يعدّ تهديداً استراتيجياً لإسرائيل، رغم القناعة الإسرائيلية بأنّ المشروع النووي الإيراني هو الخطر الاستراتيجي الأساسي، لكنّ في الوقت ذاته لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار ما تقوم به إيران في الآونة الأخيرة من خطوات، وعلى رأسها إيجاد ممر بري يوصلها إلى البحر المتوسط”.

 وأضاف منشاروف أنّ “خطوة إنشاء هذا الأوتوستراد هو حجر الزاوية في السياسة الإيرانية في المنطقة، الأمر الذي يجب أن تعتبره إسرائيل خطراً حقيقياً، يفوق ما أقامه تنظيم الدولة من سيطرة برية قبل سنوات، لأنّ هذا الأوتوستراد يمنح إيران فرصة ذهبية لمد سيطرتها على المنطقة بأسرها”.

وأشار إلى أنّنا “نتكلم عن طريق بري يحقق هدفين استراتيجيين لإيران: الأول تأمين طرق معبدة مباشرة ومستقلة إلى حزب الله في لبنان، وعلى الحدود السورية – الإسرائيلية، كما صرح به زعماء النظام في طهران، ما سيجعل من هذه الحدود منطقة استعداد وجاهزية لشن أي هجمات ضد إسرائيل، فيما يواصل حزب الله تلقي المساعدات العسكرية والدعم اللوجستي من إيران، وبالتالي فإنّ هذا الممر البري يعني تعميق سيطرة إيران في سوريا ولبنان، حتى في حال سقوط الأسد عند أي تطورات”.

وأوضح منشاروف، أنّ “الهدف الثاني الإيراني من هذا الأوتوستراد هو توسيع رقعة الجبهات التي تستهدف إسرائيل على حدودها الشمالية بالذات، بما فيها لبنان وهضبة الجولان السورية، وفي إطار هذه الخطة فإنّ الحدود السورية – الإسرائيلية ستتحول عملياً إلى حزام إيراني يشمل قاعدة عسكرية متقدمة تحتاجها لشن هجمات صاروخية ضد إسرائيل وتنفيذ عمليات تسلل واجتياح بري”.

الحرب الأمريكية المنسية على سوريا

أقر مجلس النواب الأمريكي يوم الخميس 15 فبراير/شباط 2024، بأغلبيّة ساحقة من الأصوات بلغت 389 صوتاً مقابل 32 معارضاً فقط، مشروع قانون جديد ضد سوريا، يحتوي على عدد كبير من البنود، يمكن إجمالها في ثلاثة أقسام رئيسة تتضمن:

أولاً: القسم المتعلق بحظر الاعتراف بنظام الرئيس بشار الأسد، أو بتطبيع العلاقات مع أي حكومة يرأسها. وينص مشروع القانون على “أنَّ سياسة الولايات المتحدة هي ألا تعترف أو تطبع علاقاتها مع أي حكومة سورية يرأسها بشار الأسد، بسبب السياسات التي ينتهجها النظام السوري والمستمرة بحق الشعب السوري، فضلا عن فشل النظام في تحقيق الشروط التي نص عليها قانون قيصر لرفع العقوبات عنه، وأنَّ من سياسة الولايات المتحدة أن تعارض حكومتها اعتراف وتطبيع علاقات الدول الأخرى أيضاً مع أية حكومة سورية يرأسها بشار الأسد معارضة فاعلة ونشطة، بما في ذلك عن طريق تطبيق العقوبات الإلزامية الأولية والثانوية المنصوص عليها في قانون قيصر بحق المخالفين وأن تستخدم حكومة الولايات المتحدة كافة الصلاحيات المتاحة لها بموجب قانون قيصر وغيره من القوانين الأمريكية لردع نشاطات إعادة الإعمار في المناطق التي تخضع لسيطرة بشار الأسد.

ثانياً: القسم المتعلق في تعديلات قانون قيصر، وذكرت الورقة التي قدمها “التحالف الأمريكي لأجل سوريا” (وهو منظمة سورية أمريكية معارضة) أنَّ مشروع القانون يتضمن مجموعة من التعديلات على قانون قيصر الذي أقر في نهاية عام 2019 تضمن جملة من القرارات تشكل عقوبات على كيانات وشخصيات مرتبطة بالنظام السوري حيث تتضمن التعديلات على القانون وفق المشروع الجديد بحيث تطال العقوبات أي جهة أجنبية تقدم دعما ماليا أو ماديا أو تقنيا لحكومة النظام السوري، بما فيها أي عضو من أعضاء مجلس الشعب السوري، أو أي مسؤول كبير في حزب البعث العربي الاشتراكي، ويتضمن ذلك أي عضو من أعضاء القيادة المركزية (بغض النظر عن الاسم، أي و لو تغيرت الأسماء، فالصفة هي العقوبة) أو أي عضو في اللجنة المركزية أو أعضاء لجنة الرقابة والتفتيش أو قيادات الفروع، وكافة العقوبات لا تشمل الشخص المقدم للدعم فقط، بل أي فرد بالغ من أفراد عائلته وهي سابقة في تاريخ العلاقات الأمريكية السورية.

ولكي يصبح مشروع القرار نافذاً، يجب أن يقره الكونغرس (مجلس النواب ومجلس الشيوخ)، ثم يحول لمكتب الرئيس الأمريكي جو بايدن ليوقعه كمرحلة نهائية. وبمجرد توقيعه من الرئيس الأمريكي سيكون له مفاعيل حقيقة تجاه مواجهة التطبيع مع الحكومة السورية.

لقد تزامن طرح مشروع قانون مناهضة التطبيع مع الحكومة السورية مع العدوان الصهيوني الأخير، ما يؤكد مرّة أخرى، على محاولات الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وحلفاؤهما وأدواتهما الإرهابية تأجيج الأوضاع الميدانية في سوريا مرّة بالعدوان عبر الوكالة، ومرّة بالعدوان المباشر، لا سيما أن العدوان الذي قام به الكيان الصهيوني على سوريا لم يكن إلا الترجمة الجديدة لمخططات هذا الكيان وانزعاجه من كل انتصار يحققه محور المقاومة على الأرض في وجه حرب الإبادة الجماعية التي يخوضها هذا الكيان ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، من أجل تحقيق تهجيره القسري إلى صحراء سيناء، ومن تطورات الميدان السوري التي رجحت كفتها بصورة متسارعة لمصلحة الدولة الوطنية السورية وخسارة التنظيمات المعارضة ولا خيار لسوريا سوى خوض حرب المقاومة الشعبية.

تُعَدُّ تصريحات وزير خارجية الدولة الوطنية السورية الدكتور فيصل المقداد، في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في دمشق، قبل عشرة أيام: إن “سوريا خاضت حروبا ضد الاحتلال الإسرائيلي ومستعدون لخوض حروب أخرى، ولكن نحن من نقرر متى وكيف”، الردَّ الوطني والقومي المطلوب من سوريا، لجهة استعداد الجيش العربي السوري لخوض حرب أخرى مع “إسرائيل”، إيصالها، لا سيما أنها تأتي في الوقت الذي يصعد فيه الكيان الصهيوني اعتداءاته على سوريا.

يظل الانتصار على العدو الإسرائيلي والأمريكي في بعده الاستراتيجي مرهوناً بإعادة بناء الدولة الوطنية السورية على أسس جديدة، إذ تعاني سوريا من أزمة اقتصادية خانقة بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها منذ 12 سنة، إضافة إلى تطبيق قانون قيصر الأمريكي. والحال هذه، فإنَّ مواجهة الدولة الوطنية السورية للاحتلال الصهيوني، وكذلك الاحتلال الأمريكي الذي يسيطر على أهم الثروات الطبيعية للبلاد، لا بد أن تتم من خلال تجذير خط المقاومة الشعبية المسلحة في مواجهة الاحتلال الصهيوني في الجولان، ومواجهة الاحتلال الأمريكي في المنطقة الشرقية، على أن تستثمر هذا الدولة الوطنية في إعادة بناء المشروع القومي العربي الديمقراطي بوصفه الخيار الأيديولوجي والسياسي والمشروع الثقافي للأمة العربية في القرن الحادي والعشرين، والهوية الثقافية المميزة للعرب عن غيرهم من الأمم والشعوب، والهوية السياسية المؤسسة لسياسة ودولة فاعلة في النظام الدولي العالمي، عبر تبني المفاهيم القائمة على التعددية الفكرية والسياسية، وفكرة المواطنة، وبناء دولة القانون، أي دولة المؤسسات الدستورية وإعادة تثمين الوطنية المحلية الدستورية، والتأكيد على مرجعية احترام حقوق الإنسان، والحريات الشخصية والاعتقادية، والديمقراطية.

وكان وزير الخارجية السورية الدكتور فيصل المقداد، قد قال وأضاف أن “اعتداءات الكيان الصهيوني المتكررة على الأراضي السورية سببها مقاومة سوريا لهذا الكيان ومخططاته منذ إقامته على أرض فلسطين”، داعياً إلى ضرورة خروج القوات الأجنبية من سوريا، ويقصد بذلك القوات الصهيونية التي تحتل الجولان، والأمريكية التي تحتل شمال شرق سوريا، والقوات التركية التي تحتل شمال غرب سوريا.

الخاتمة

إن سيناريو الحرب المحدودة هو الأكثر احتمالاً بين الكيان الصهيوني وإيران، ومحتوى هذا السيناريو يتمثل في قيام الكيان الصهيوني بالإجهاض المستمر للقدرات الاستراتيجية الإيرانية في سورية ولبنان. فالثابت في الاستراتيجية الأمريكية على الصعيد العسكري خلال عدة إدارات – جمهورية وديمقراطية – تحجيم دور إيران الإقليمي، من دون مهاجمة إيران عسكرياً، لأنّ هذا سيؤدي إلى حرب غير معلومة الآفاق. أما الكيان الصهيوني، فهو لا يرغب الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران، لأنّه يتجنب المغامرات العسكرية خارج الحدود، بعد أن استوعب القادة الصهاينة دروس حربي الاجتياح الصهيوني للبنان في حزيران 1982، وفي تموز 2006.

ومع تجنب الحرب الشاملة بين الكيان الصهيوني وإيران، تقدم الإمبريالية الأمريكية الدعم الاستراتيجي المطلوب لقيام الكيان الصهيوني بالاعتداءات على الأراضي السورية، التي لا يمكن فصلها عن تلك الاعتداءات التي تنفذها قوات العدوان الأمريكية في الشرق السوري، فالهدف واحد وهو إطالة أمد الأزمة في سورية وعرقلة التحرير، ورفع معنويات المجموعات الإرهابية، ومحاولة إيجاد مكان لهما على بساط التسوية النهائي، لا سيما بعد تجاهل الجميع للعويل الصهيوني، ومطالبة حكامه بأخذ ما يسمى المصالح الصهيونية بالحسبان في أي خطط مستقبلية لحل الأزمة في سورية.

لا شك أنّ العدوان الصهيوني على سورية، لم يتم إدانته من قبل الهيئات المعنية في منظمة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، كما لم تول الدول الأعضاء في هذه المنظمة اهتماماً لانتهاكات القانون الدولي، في الحين الذي تناهض به وتشجب أي إدانة ومحاسبة للكيان الصهيوني مهما كان بسيطاً. وينطبق ذات الأمر على وسائل الإعلام المتواطئة والتي تعمل بذات الأسلوب المتحيز إذ نشاهد الماكينة الإعلامية تنبري لإبراز ما يلحق بالكيان الصهيوني من ضرر مهما كان محدوداً، بينما تلتزم الصمت المطبق إزاء الاعتداءات الصهيونية على الدول الأخرى حتى لو كانت عنيفة ومخالفة للقانون الدولي، ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب بل أنّها تعتبر الأعمال العدائية الصهيونية تهدف إلى الدفاع عن النفس!.