تصعيد أمريكي ضد فنزويلا.. كاراكاس تحبط محاولة لاغتيال مادورو
بقلم ابتسام الشامي
مضت فنزويلا في الرد على المحاولات الأمريكية الهادفة إلى زعزعة استقرارها ومن خلال الاجراءات التي اتخذتها تدخل كاراكاس في مواجهة حادة مع واشنطن هدفها تحصين البلاد في مواجهة الاعتداءات الأمريكية على السيادة الفنزويلية.
محاولة انقلاب فاشلة
لم يكن إعلان وزير الداخلية الفنزويلي إحباط محاولة اغتيال الرئيس نيكولاس مادورو، سوى فصل جديد من فصول المواجهة التي تخوضها كاراكاس مع واشنطن، على إثر اتخاذ الأخيرة قراراً بتغيير الهوية السياسية للبلاد. صحيح أن حرب الولايات المتحدة الأمريكية على النظام الاشتراكي في البلاد الكاريبية ليست جديدة، لكنها اتخذت منحى تصاعدياً على نحو لافت منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها الرئيس مادورو بثقة شعبه لولاية رئاسية ثالثة، حيث أنهت نتيجة الانتخابات فترة المهادنة التي التزمتها واشنطن بعد فشلها في إسقاط ولاية مادورو الثانية، وقد أظهر الاعتراف الأمريكي برئيس البرلمان خوان غوايدو رئيساً للبلاد في تلك المرحلة محدودية التأثير الأمريكي في تحقيق الأهداف المعلنة على الرغم من الضغط الممارس على البلاد.
في الاستهداف المتجدد لفنزويلا، تكرر الولايات المتحدة ومن معها، أساليب سبق استخدامها، مع إعادة توضيبها بأسماء وعناوين جديدة، وبدل غوايدو تتجه للاعتراف بمرشح المعارضة غونزاليس رئيساً للبلاد، على الرغم من أن نتائج الانتخابات صادقتها المحكمة العليا إثر التماس إعادة النظر في النتائج. ومن أرشيف المرحلة الماضية، زعزعة استقرار البلاد من خلال الفوضى الأمنية، وهو ما انطوت عليه محاولة الاغتيال الفاشلة، التي أوضحت وزارة الداخلية تفاصيلها، متحدثة عن مؤامرة خطيرة كانت تستهدف شخص الرئيس ومن خلفه كل البلاد.
فقد أعلنت كاراكاس أن أجهزتها الأمنية أحبطت مؤامرة لاغتيال الرئيس، نيكولاس مادورو، وعدد من كبار قادة البلاد، مشيرة إلى أنها ألقت القبض على ستة أجانب ضالعين في المؤامرة، من بينهم جندي في البحرية الأمريكية. وقد وصف وزير الداخلية الفنزويلي الجديد، ديوسدادو كابيلو، المعتقلين، وهم ثلاثة أمريكيين وإسبانيان وتشيكي، بالمرتزقة المحترفين، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية، عثرت في حوزتهم على أكثر من 400 بندقية أوتوماتيكية. وفي مؤتمر صحافي عقده يوم السبت الماضي، وعرضت خلاله صور المضبوطات، اتهم الوزير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، باستخدام هؤلاء المرتزقة لـ “استهداف رئيس الجمهورية وتنفيذ أعمال إرهابية ضد المؤسسات الفنزويلية”، وأضاف قائلاً إن “وكالة السي آي إيه قادت تلك المؤامرة، وهذا لا يفاجئنا، ولكن المفاجئ حقاً دور الاستخبارات الإسبانية التي ظلت دائماً بعيدة عن الأضواء”. وبحسب الوزير المشمول بالعقوبات الأمريكية مع شخصيات أخرى، فإن “المعتقلين الإسبانيين، يخبراننا عن مجموعة من المرتزقة المحترفين الذين كانا يبحثان عنهم لجلبهم إلى فنزويلا بأهداف واضحة جداً، هي اغتيال الرئيس نيكولاس مادورو، ونائب الرئيس ديلسي رودريغيز، وأنا، ومجموعة أخرى من الرفاق الذين يقودون حزبنا وثورتنا”. وأضاف كابيلو أن “المواطنَين الإسبانيَين المتورطَين في المؤامرة، سعياً إلى تجنيد مرتزقة فرنسيين محترفين مقيمين في أوروبا الشرقية”، إضافة إلى جندي البحرية الأمريكي المعتقل، الذي وصفه الوزير بأنه قائد المؤامرة، إلى جانب أمريكيَّين آخرَين محتجزين لدى السلطات الفنزويلية.
وأمام ما كشفته وزارة الداخلية الفنزويلية عن محاولة اغتيال مادورو والمتورطين فيها، فإن واشنطن سارعت إلى التبرؤ من الاتهامات واصفة ما جاء على لسان وزير الداخلية بأنه “كذب بواح”، وادعت وزارة الخارجية الأمريكية، أنها تدعم ضمن الأطر الدبلوماسية المعروفة، “فرص حل ديموقراطي للأزمة السياسية في فنزويلا”.
لكن بيان الخارجية الأمريكية لم يغير في حقيقة وجود جندي أمريكي، في عداد المجموعة المتهمة بمحاولة اغتيال مادورو، وهو ما أقر به لاحقاً، ناطق باسم الخارجية، حيث اعترف بأن عسكرياً أمريكياً احتُجز في كاراكاس في ظروف وصفها بالملتبسة، مشيراً في السياق ذاته إلى وجود “تقارير غير مؤكدة عن مواطنَين أمريكيين آخرَين محتجزَين في فنزويلا”.
عقوبات وضغوط متصاعدة
وفي وقت نفت فيه إسبانيا ضلوع مخابراتها في محاولة اغتيال مادورو، يتضح أن محاولة الاغتيال الفاشلة تندرج في سياق غربي تصعيدي تقوده واشنطن، بهدف معلن وهو تغيير هوية فنزويلا السياسية بـ “اقتلاع” نظامها الاشتراكي من خلال إزاحة رموزه وشخصياته، وفي مقدمهم مادورو، إضافة إلى تصعيد الضغوط على كاراكاس ومن ضمنها الضغوط الاقتصادية. ويأتي هذا التصعيد الغربي المبرمج، بعدما فشلت المعارضة المدعومة من الغرب في إيصال مرشحها أدموندو غونزاليس إلى الرئاسة. ومن الانتخابات والتشكيك بديمقراطيتها، تتخذ واشنطن ومن معها شماعة لتنفيذ خطة انقلابية على نتائجها، وفي هذا السياق أعلنت الأخيرة فرض حزمة عقوبات جديدة ضد مسؤولين رئيسيين في فنزويلا اتهمتهم بـ “التورط” في ما سمتها “مزاعم مادورو الاحتيالية وغير المشروعة للفوز بالانتخابات”. وشملت “العقوبات” 16 من المسؤولين في البلاد ممن لهم “علاقة بالرئيس نيكولاس مادورو”. وقالت وكالة بلومبرج الأمريكية للأنباء، إن “رئيسة المحكمة العليا ورئيس الهيئة الانتخابية في البلاد من ضمن المشمولين بالعقوبات”. ونقلت الوكالة ذاتها عن نائب وزير الخزانة الأمريكية والي أدييمو قوله في بيان: “تستهدف وزارة الخزانة مسؤولين رئيسيين متورطين في مزاعم مادورو الاحتيالية وغير المشروعة بإحراز الفوز، إضافة إلى حملته الوحشية ضد حرية التعبير بعد الانتخابات، حيث تدعو الغالبية العظمى من الفنزويليين إلى التغيير”. حزمة “العقوبات” الجديدة جاءت بعد أيام قليلة على مصادرة طائرة فنزويلية يستخدمها الرئيس للسفر الدولي، وذلك بالتعاون مع السلطات في جمهورية الدومينيكان.
وبالموازاة مع الخطوات العدوانية الأمريكية، تواصلت الحملة السياسية الغربية ضد فنزويلا من بوابة الانتخابات، وفي السياق كرر وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، وصف الانتخابات الفنزويلية بغير النزيهة، متهما النظام الفنزويلي، بأنه ديكتاتوري واستبدادي. بدورها وصفت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبلز، الحكومة الفنزويلية، بالديكتاتورية. وهو ما دفع وزير الخارجية الفنزويلي، إيفان جيل، إلى استدعاء السفير الإسباني في كاراكاس، رامون سانتوس، وتوبيخه على أقوال الوزيرة، حيث أنها أقوال “تفتقد إلى الذوق”، فضلاً عن كونها “تدخلية، ووقحة”، وتشير بحسب جيل إلى “تدهور حاد في العلاقات بين البلدَين”.
خاتمة
على هذا النحو تتواصل الحرب الغربية المعلنة على فنزويلا، وتستخدم فيها مختلف الأسلحة الديبلوماسية وغير الدبلوماسية، وهي حرب تبدو تصاعدية في وقت قررت فيه واشنطن العمل بشكل حثيث على إسقاط التجربة الفنزويلية، بما فيها من تحديات لهيمنة الولايات المتحدة، في بيئة إقليمية تعتبرها حساسة لأمنها القومي.