العمليات اليمنية المساندة لغزة مفاجآت على طريق القدس
بقلم نوال النونو
تمكنت القوات المسلحة اليمنية من تحقيق إنجازات نوعية على صعيد إسناد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة الذي يتعرض سكانه لجرائم حرب إبادة غير مسبوقة.
بعد عملية “طوفان الأقصى” بساعات قليلة، شهدت العاصمة صنعاء يوم السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023م أكبر تظاهرة في العالم مؤيدة ومباركة لهذه العملية، حيث شارك فيها الآلاف من اليمنيين، ومسؤولين بارزين في الدولة، وممثل حركة المقاومة الإسلامية حماس معاذ أبو شمالة، وممثل حركة الجهاد الإسلامي بصنعاء أحمد بركة.
كانت هتافات الحشود، تطالب القائد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وقيادة القوات المسلحة بالتدخل، لمساندة غزة إذا ما توسعت دائرة الحرب، وبعدها بيومين فقط، خرج السيد الحوثي في خطاب متلفز، مؤكداً أن اليمن سيقف إلى جانب فلسطين، إذا ما تدخلت أمريكا ووقفت إلى جانب العدو الإسرائيلي، ولافتاً إلى عدم وجود خطوط حمراء لليمن أمام مساندة الشعب الفلسطيني.
لم يكن أحد يتوقع ما المسار الذي سيتخذه الجيش اليمني، في حال ساند المقاومة في فلسطين، لا سيما وأن هناك عوائق كثيرة تحول دون تحقيق هذا الهدف، وفي المقدمة البعد الجغرافي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، أن اليمن لا يزال ينزف ويعاني بسبب العدوان السعودي الإماراتي الذي استمر على اليمن طيلة 9 سنوات، ولهذا فهم البعض من اليمنيين المؤيدين للنظام السعودي، والذي يطلق عليهم “مرتزقة” أن حديث السيد عبد الملك الحوثي يأتي في إطار الاستعراض الكلامي، من أجل تجميل صورته أمام الشعب اليمني، وهو توقع خاطئ أثبتته الأحداث فيما بعد.
ومع اتساع الجرائم الصهيونية في قطاع غزة، والتدخل الأمريكي الواضح والسافر، بدأت القوات المسلحة اليمنية في توجيه الضربات الصاروخية باتجاه الكيان المؤقت، مستهدفة مدينة “أم الرشراش” التي يطلق عليها الصهاينة تسمية “إيلات”، في عملية فاجأت الأمريكيين والدول الخليجية، وفاجأت الإسرائيليين أنفسهم، إذ لم يكن أحد يتوقع أن “أنصار الله” يمتلكون صواريخ تصل إلى “إيلات”، غير أن البوارج الأمريكية تمكنت من التصدي لمعظم هذه الصواريخ وإسقاط المسيرات التي تم اطلاقها.
مسار جديد
لم يستسلم اليمنيون أبداً، فصواريخهم لم تصل إلى الكيان المؤقت؛ لأن الدفاعات الجوية المثبتة على امتداد الجغرافية الكبيرة التي تفصل بين اليمن وفلسطين المحتلة، والتي تزيد عن ألفي كيلو متر، حالت دون ذلك، لكن صنعاء أرادت من ذلك إيصال رسالة بأنها غير راضية على ما يحدث في غزة، وأنها تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني في محنته، ثم أعلنت بعد ذلك، وهذا الأهم الموقف الرسمي المعبر عن اليمن وعن جيشه بأنها دخلت المعركة جنباً إلى جنب مع الشعب الفلسطيني.
اتجهت القوات المسلحة اليمنية إلى خيار آخر مؤثر على الكيان الصهيوني، فأعلنت حظر الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، وتلا هذا القرار أول خطوات عملية، حيث تم الاستيلاء على سفينة “جلاكسي ليدر” التابعة لرجل أعمال إسرائيلي، وتم اقتيادها إلى ميناء الحديدة في عملية حظيت بمتابعة من قبل وسائل الإعلام الدولية، ثم استمرت القوات اليمنية في تطبيق هذا القرار، واستهداف السفن المتجه إلى الموانئ الصهيونية حتى أعلن ميناء “إيلات” افلاسه.
مراحل متعددة من التصعيد
ركز اليمنيون على منطقة البحر الأحمر، لتعطيل الملاحة الإسرائيلية، فميناء “إيلات” يعد البوابة للكيان باتجاه البحر الأحمر، والكثير من السلع والبضائع التي تأتي من منطقة جنوب وجنوب شرق آسيا تمر من هذا الطريق، ولهذا فإن هذه العمليات اليمنية في البحر الأحمر أزعجت الصهاينة، والأمريكيين، فقررت أمريكا تشكيل تحالفاً بحرياً لردع اليمنيين وإيقاف هجماتهم، ونفذت مع بريطانيا عدواناً على اليمن استهدف الكثير من المواقع العسكرية، لكن هذه الغارات زادت من عنفوان الشعب اليمني، ومن تصميمه على الاستمرار في مساندة الشعب الفلسطيني.
تمكن اليمنيون من توسيع عملياتهم، لتشمل البحر العربي، والمحيط الهندي، مستهدفين السفن التابعة لأمريكا، وبريطانيا، وإسرائيل، وتمكنوا من إغراق بعض السفن، مثل السفينة “توتور” التي خالفت القرار اليمني، وحاولت التوجه إلى الموانئ الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، ونقصد هنا ميناء “ايلات”.
المرحلة الخامسة.. مرحلة الوجع الكبير
اتخذت العمليات العسكرية اليمنية المساندة لفلسطين طابع التدرج، والانتقال من مرحلة إلى أخرى، بحيث تكون المرحلة الأخيرة أقسى وأشد من المرحلة السابقة، وفي كل مرحلة كان اليمنيون يكشفون عن مفاجآت لا يتوقعها العدو، وكل هذا يحدث في ظل استنفار شعبي متواصل، وخروج مليوني في الساحات كل يوم جمعة للتعبير عن الوقوف والمساندة مع فلسطين. بدأت المرحلة الخامسة من العمليات اليمنية بحدث عسكري كبير أرعب الكيان الصهيوني، وفاجأ العالم، حيث تمكنت مسيرة يمنية يطلق عليها تسمية “يافا” في 19 يوليو تموز 2024م من الوصول إلى “تل أبيب” لتستهدف موقعاً عسكرياً وسط عاصمة العدو، وتقتل وتصيب عدداً من المستوطنين.
شكّلت هذه العملية صدمة لدى المسؤولين الصهاينة، مؤكدين أنه اختراق كبير، تجاوزت منظومات الدفاع الجوي ذات الطبقات المتعددة، متوعدين بالرد على اليمن، وهو ما حدث بالفعل حيث تم قصف خزانات النفط في ميناء الحديدة غربي اليمن في 20 يوليو تموز 2024، واشتعلت النيران بكثافة في المكان، وارتقى عدد من الشهداء في هذه الغارات العنيفة التي استخدمت فيها إسرائيل ما يقارب 20 طائرة حربية اجتازت أجواء بعض الدول العربية.
توالت الأحداث بعد ذلك، وبشكل دراماتيكي، فالجرائم الصهيونية توسعت في قطاع غزة، واستهدفت النازحين بشكل فج ومتوحش، ثم أقدم المجرم نتنياهو على اغتيال القائد فؤاد شكر في غارة على الضاحية الجنوبية ببيروت في 30 يوليو تموز 2024، وبعدها بساعات في صباح يوم 31 يوليو تم اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران، وهو ضيف لدى الجمهورية الإسلامية حضر للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإيراني بزشكيان.
من بعد استهداف ميناء الحديدة، ظل اليمنيون يتوعدون بالرد على العدوان الصهيوني، لكن مسار الأحداث وتداعياتها، جعل محور المقاومة في اتصال دائم، وتنسيق مشترك، وهل سيتم الرد بشكل جماعي، أم بشكل منفرد، ويبدو أن المعطيات دفعت كل محور أن يرد بطريقته.
الرد اليمني كان مفاجئاً للعدو الصهيوني، من حيث توقيته، ونوعية السلاح المستخدم، فقد اختارت القوات المسلحة اليمنية يوم الاحتفال بذكرى المولد النبوي، وهي المناسبة المقدسة لديهم، اليوم المفضل للرد، وبالتالي حظيت هذه العملية بالدعم الشعبي الكبير، وتأييد الملايين التي خرجت للاحتفال بمناسبة ذكرى المولد وبهذه العملية.
السلاح الذي استخدم في العملية، فاجأ العالم، وقد كشفت عنه القوات المسلحة اليمنية، فهو صاروخ “فلسطين 2” المطور، تم إطلاق صاروخ فلسطين 1 على “إيلات” قبل أشهر.
ويعد صاروخ فلسطين 2 من الصواريخ الباليستية الفرط صوتي، وسرعته تصل إلى 16 ماخ، ولديه قدرة عالية على المناورة والتخفي، وتمكن من تجاوز كل الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأمريكية على امتداد هذه المنطقة الجغرافية البعيدة، وحقق هدفه بنجاح.
ستفتح هذه العملية الباب على مصراعيه، وستكون لها تداعيات واسعة على المنطقة، فهي جاءت بعد أيام من مغادرة حاملة الطائرات الأمريكية “روزفلت” المنطقة، دون أن تجرؤ على الدخول إلى البحر الأحمر، وتأتي كذلك بعد أيام من تمكن القوات المسلحة اليمنية من احراق السفينة اليونانية “سونيون” في البحر الأحمر، وصعود المقاتلين إليها وتفجيرها، وهي توصل رسالة إلى الأمريكيين والإسرائيليين أن القوات المسلحة اليمنية لديها المزيد من المفاجآت، وأنها لن تتوقف عن اسناد غزة مهما كانت التحديات.
يظل العدو الإسرائيلي أمام خيارات متعددة بعد هذه العملية، فإما أن يواصل مشوار جرائمه في غزة، وتوسيع رقعة حربه على لبنان، وهذا يدفع اليمن للمزيد من المساندة، والبحث عن خيارات أشد ردعاً، أو أن يبادر إلى اخماد الحرائق ووقف العدوان على غزة وفق شروط المقاومة.
في كلا الحالتين، فإن اليمن هو المنتصر، فقد تمكن خلال هذه الجولة من الصراع مع إسرائيل أن يثبت مكانته في المنطقة كقوة إقليمية صاعدة، تمتلك القوة، والإرادة، والعزيمة، والقيادة الحكيمة، فإن توقفت الحرب أضيف هذا إلى رصيده، وإن توسعت لتشمل المنطقة، فلا يزال يمتلك الكثير من المفاجآت التي بالتأكيد سترعب الأعداء.