إقليميات

استهدافات الحرب التكنولوجية الإسرائيلية الأمريكية ضد حزب الله

بقلم توفيق المديني

ولعبت هذه الوحدة دوراً رئيساً في العدوان السيبراني الإجرامي الأخير الذي استهدف مئات من أجهزة “البيجر” التي يستخدمها أعضاء حزب الله في لبنان، يوم الثلاثاء 17أيلول/سبتمبر 2024، كما قامت هذه الوحدة يوم الأربعاء 18سبتمبرالجاري، بتفجير آلاف أجهزة الاتصال اللاسلكي التي يستخدمها حزب الله في موجة ثانية للعدوان السيبراني بدأت يوم الثلاثاء الماضي.

وحسب إعلان وزارة الصحة اللبنانية، كانت حصيلة هذا العدوان السيبراني الإجرامي14 شهيداً بينهم طفلان وعدد من العاملين في القطاع الصحي. وهناك 400 حالة حرجة. فقد تعرّض حزب الله لأكبر خرق أمني في تاريخه، إذ تمكّن العدو الصهيوني من تفجير أكثر من 4000 عنصر للحزب وجرحهم في ثوانٍ معدودة، بعد تفجير أجهزة بيجر للاتصالات المشفّرة، مما وضع الحزب في حالة إرباك نتيجة فقدان مواقعه العسكرية والأمنية عدداً كبيراً من العناصر أولاً، ونتيجة الخرق الحاصل والخلل الأمني الذي استغلّه العدو الصهيوني ثانياً.

بعد هذا العدوان الإجرامي أصدر حزب الله بياناً قال فيه إنَّه “بعد التدقيق في كل الوقائع والمعطيات الراهنة والمعلومات المتوفرة، نحمّل العدو الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذا العدوان الإجرامي والذي ‏طال المدنيين”. مضيفاً: “إنّ هذا العدو الغادر والمجرم سينال بالتأكيد قصاصه العادل على هذا العدوان الآثم ‏من حيث يحتسب ‏ومن حيث لا يحتسب، والله على ما نقول شهيد”. وتزامناً مع البيان دانت الحكومة اللبنانية ما وصفته بـ “العدوان الإسرائيلي الإجرامي والذي يشكل خرقاً خطيراً للسيادة اللبنانية وإجراما موصوفاً بكل المقاييس”.

حول طبيعة العدوان السيبراني الإجرامي الصهيوني

تعددت الفرضيات والتحليلات حول الآلية التي استخدمها العدو الصهيوني لتفجير أجهزة النداء الآلي “البيجر” ‏الخاصة بعدد كبير من عناصر حزب الله، ومنها القيام باختراق الجهاز عبر هجوم ‏سيبراني، أدى لتفجير البطاقة، وفرضية أخرى عن احتمالية زرع ‏متفجرات داخل الجهاز عبر اختراق سلسلة التوريد، ثم تم تفعيل هذه المتفجرات عبر تقنية متطورة.‏

فما هي أجهزة البيجر؟ إنَّه جهاز ‏اتصال لاسلكي صغير ومحمول، ‏شاع استخدامه بكثرة من قبل عناصر حزب الله في أواخر الثمانينيات وأوائل ‏تسعينيات القرن الماضي، وهي مرتبطة بشبكة الاتصالات الخلوية ‏‏”الهاتف المحمول”.‏ يُذكر أن أجهزة البيجر، معروفة بقدرتها على توفير التواصل الفوري والمباشر، وتعد ‏من أقدم وسائل الاتصالات ‏المحمولة التي ساهمت في تعزيز التواصل السريع في ‏مختلف القطاعات.‏

وعلى الرغم من التطور الهائل في تقنيات الهواتف المحمولة، إلا أن البيجر لا يزال ‏يُستخدم بشكل واسع في العديد من ‏المجالات الحيوية مثل الرعاية الصحية والطوارئ، ‏بفضل موثوقيته وبساطته في نقل الرسائل النصية القصيرة ‏والتنبيهات. ‏ويعتمد عمل البيجر على تقنية الاتصالات اللاسلكية الراديوية. وهذه التقنية تقوم بنقل الرسائل والإشارات عبر ترددات راديوية من خلال شبكة من ‏الأبراج أو محطات الإرسال إلى ‏جهاز البيجر الخاص بالمستخدم. ‏وتعمل أجهزة البيجر دون الحاجة لربطها على شبكة الإنترنت، وهي أجهزة اتصال تستخدم الأمواج الراديوية ‏بترددات ‏مختلفة.

وبعيد العدوان السيبراني على أجهزة حزب الله استبعد الخبراء أن تكون متفجرات مزروعة ورجحت أنهم تلاعبوا بالبرمجة من أجل تفجير البطاريات، لأن وضع متفجرات في آلاف الأجهزة ليس بالأمر السهل. لكن تبين لاحقاً أنهم زرعوا كمية صغيرة من المتفجرات في كل جهاز من حوالي 5 آلاف (أو 3 آلاف حسب تقارير أخرى)، وهذه مهمة ليست بسيطة. ماركة الجهاز المستخدم لشركة تايوانية، وقامت شركة من المجر اسمها (BAC Consulting KFT) بتصميم وصناعة الجهاز نفسه.

فرضية زرع حشوات تفجيرية مُعدة مُسبقاً خلال إما عملية التصنيع ‏وإما خلال سلسلة التوريد، علماً أن ‏الشركة المُصنعة قد لا تكون على علم بعملية زرع ‏الحشوات، فكل شركات صناعة أجهزة الاتصالات لا تقوم بتصنيع ‏جميع قطع الجهاز، ‏بل تشتري بعضها من مورد أخر وقد يكون تم زرع هذه العبوات عبر هذه القطع ‏المستوردة من ‏طرف ثالث، أيضاً. عملية زراعة المتفجرات والدائرة الإلكترونية المستخدمة بحاجة لوقت وإمكانيات كبيرة، فهل تمت في الشركة المجرية؟ أم أن الشركة التجارية التي باعت الأجهزة كانت واجهة للمخابرات الإسرائيلية فاشترت الأجهزة السليمة ثم أرسلتها إلى معمل خاص من أجل زراعة المتفجرات والدائرة الإلكترونية؟ المجر هي من أكثر الدول الأوروبية صداقة مع الكيان الصهيوني وعداءً للفلسطينيين والعرب، والحكومة المجرية لم تسمح بمظاهرات داعمة لفلسطين إلا الشهر الماضي فقط، فتواطؤ الشركة المصنعة وارد. حسب بعض التقارير فإن شركة موجودة في الأردن هي التي قامت بتوريد الأجهزة إلى لبنان قبل 5 شهور، والأردن دولة تخترقها المخابرات الإسرائيلية والأمريكية وسواها، وأن تكون المخابرات استغلت الأردن من أجل إنشاء الشركة المزيفة (الواجهة) وارد أيضاً.

المخابرات الأمريكية متورطة في هذا العدوان الإجرامي الصهيوني على لبنان، سواء في تسهيل مهمة التفخيخ في الأردن أو المجر، أو عملية التفجير نفسها حيث رصدت طائرات استخبارية أمريكية كبيرة تحلق في المنطقة لحظة الانفجار. رغم الانطباع لدى الكثير من الناس أن “إسرائيل” دولة متقدمة تكنولوجياً إلا أنها لا شيء بدون أمريكا ودعمها السخي بالتكنولوجيا والمال والإمكانيات.

العدوان الصهيوني السيبراني تأكيد على سيطرة النزعة الاستعمارية الغربية

تستهدف أمريكا والكيان الصهيوني من خلال هذه الحرب التكنولوجية الحديثة جداً تعطيل الاتصالات والتأثير على قدرة حزب الله في ميدان المعركة، فضلاً عن أنَّها رسالة أمريكية تؤكد على أن التكنولوجيا الرقمية (أجهزة الاتصالات الإلكترونية) رغم شيوع استخدامها على الصعيد الكوني تظل أداة حرب تكنولوجية تستخدمها القوى الغربية الاستعمارية وفي مقدمتها أمريكا وربيبتها “إسرائيل” في سبيل إبقاء العالم العربي تحت سيطرة الإمبريالية الأمريكية. في العهود الاستعمارية، وفي مرحلة ما بعد الاستقلالات في العالم العربي، احتكرت الدول الإمبريالية الغربية مدِّ البلدان العربية بالتكنولوجيا المتقدمة سواء في المجال الصناعي أو الزراعي، أو النووي، لأنَّها تريد إبقاء الدول العربية في نهج التبعية الاقتصادية والتكنولوجية للغرب الاستعماري. وحين حاولت بعض الدول العربية والإسلامية مثل مصر في عهد عبد الناصر، والعراق وسوريا في ظل حكم البعث، وإيران بعد نجاح الثورة الإسلامية في عام1979، اقتناء التكنولوجيا الغربية وإعادة تخليقها محلياً، لتحقيق التنمية المستدامة، وكسر نهج التبعية للغرب، جابهها الغرب الاستعماري عن طريق الحروب والعقوبات الاقتصادية، لأن القوى الإمبريالية الغربية تريد احتكار التكنولوجيا في الصناعات الحيوية والموارد الطبيعية، واليوم تُعيد هذه القوى الإستراتيجية نفسها، ولكن عبر احتكار المعرفة والتقنيات الرقمية. فالشرائح المتقدمة وأجهزة الاتصال والمراقبة لم تعد فقط أدوات للاستخدام المدني أو العسكري، بل أصبحت رموزاً للقوة والسيطرة.

وفي هذا السياق، يخوض العدو الصهيوني ومن ورائه الإمبريالية الأمريكية والدول الغربية الحليفة لها حرباً تكنولوجية جديدة، ضد حزب الله بوصفه الفصيل الطليعي في كل محور المقاومة، لكي لا يستخدم التكنولوجيا الرقمية في الحرب ضد الكيان الصهيوني، أما إيران التي تحاول تطوير التكنولوجيا النووية لاستخدامها للأغراض السلمية، فتتهم من قبل معسكر الأعداء بأنها تريد تطوير هذه التكنولوجيا لصناعة القنبلة النووية، فيتم معاقبتها أيضاً. البيجر الذي كان يُعتقد أنه أقل عرضة للتنصت والتتبع بسبب بساطته التقنية مقارنة بالأجهزة الأكثر تطوراً، أصبح هو الآخر في مرمى الأعداء. هذا الاختراق لم يكن فقط لضرب البنية التحتية للمقاومة، بل لبعث رسالة أوسع مفادها أنّ التكنولوجيا – مهما كانت بدائية أو معقدة – ستظلّ تحت سيطرة الكيان الصهيوني والدول الإمبريالية الغربية. واستخدامها من قِبَل الشعوب المقاومة، يُعدّ تحدياً للهيمنة الإمبريالية الغربية التي تسعى أمريكا وحلفاءها في المعسكر المعادي إلى إبقاء الشعوب العربية والإسلامية رهينة لسيطرة الاستعمار الأمريكي – الصهيوني الجديد، وإن اختلفت أدواته، وفي حالة تبعية دائمة.

العدوان السيبراني شكل جديد في الحرب بين “إسرائيل” وحزب الله

يُعَدُّ هذا العدوان الصهيوني السيبراني على حزب الله، فصلاً جديداً في الحرب القائمة بين حزب الله والجيش الصهيوني منذ الثامن من أكتوبر 2023، حيث تجاوز الكيان الصهيوني كل الخطوط الحمراء، من خلال دخوله في حرب تكنولوجية، وعدوان سيبراني إجرامي، وحرب نفسية، فاجأت الجميع، بما فيهم حزب الله.

ومن أهداف هذا العدوان الصهيوني على لبنان خوض الحرب النفسية على حزب الله، وإسقاط الروح المعنوية، والضرب على الانقسام الداخلي اللبناني، لكنَّ حالة التضامن اللبنانية الواسعة التي عمت المناطق اللبنانية كافة، هي رد عملي على رهانات العدو التقسيمية. قادة الكيان الصهيوني الفاشيون – رئيس الوزراء ورئيس الأركان ورئيس الشاباك ورئيس الموساد ووزير الدفاع – كل ما يمثلونه، وبصورة مشتركة يريدون من خلال هذا التصعيد في الجبهة الشمالية، جرّ إيران وحزب الله إلى حرب إقليمية شاملة، حيث قال جيش الاحتلال الصهيوني إنَّ هناك خطط ‏جاهزة لمهاجمة لبنان.‏ وقال رئيس الأركان الصهيوني هرتسي هليفي إن “الجيش يعمل بقوة في الشمال وفي ‏حالة تأهب عالية مع خطط ‏عملياتية جاهزة”، مؤكداً أن الجيش مستعد لأي مهمة قد ‏يُطلب منه تنفيذها”. ‏علماً أنَ إيران وحزب الله يتجنبان مثل هذه الحرب، ‏وظهر هذا جلياً في تصريحات للأمين العام لحزب الله – ‏بأن الحرب ليست نزهة، ولكن إن فُرضت علينا سنقوم ‏بالمجابهة. وقال وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت: “نحن في بداية مرحلة جديدة في الحرب، وهذا يتطلب منا الشجاعة والإصرار والمثابرة، وأنَّ مركز الثقل ينتقل نحو الشمال (لبنان) من خلال تحويل الموارد والقوات”. وأضاف أنَّ “هذه العملية يتم تنفيذها من قبل جميع الهيئات، والمهمة واضحة وبسيطة – إعادة سكان المستوطنات في الشمال إلى منازلهم بأمان.. أعتقد أنه عندما تنظر إلى الوضع، فإن الجيش الإسرائيلي يحقق إنجازات ممتازة، إلى جانب الشاباك والموساد والنتائج مثيرة للإعجاب للغاية”.

يتبجح قادة العدو الصهيوني بأنَّهم على أتم الاستعداد لخوض الحرب الإقليمية الواسعة واحتلال شريط حدودي في جنوب لبنان، وكسر شوكة حزب الله العسكرية، لا سيما أنًّه منذ دخول هذا الأخير الحرب في 8 أكتوبر الحرب ضد جيش الاحتلال الصهيوني، التزم الطرفان بقواعد الاشتباك المحدودة، التي قبلها قادة العدو الصهيوني على مضض بسبب حرب الإبادة الجماعية التي يخوضونها في غزَّة من أجل تصفية البنية العسكرية للمقاومة الإسلامية بقيادة حماس.

لكنَّ حرب الاستنزاف التي دخلها حزب الله ضد العدو الصهيوني منذ 11 شهراً، كانت نتائجها متفاوتة بصورة كبيرة، إذ دمر جيش الاحتلال الصهيوني عشرات القرى اللبنانية على امتداد 120 كيلومتراً من الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، في مقابل ضرر متوسط إلى خفيف في بضع مستوطنات صهيونية، 440 قتيلاً سقطوا من حزب الله بينهم عشرات من كبار قادته ومن كان بمنزلة القائد العسكري الأول، فؤاد شكر، في مقابل 20 قتيلاً عسكرياً في الجيش الصهيوني، أي بمعدل قتيل صهيوني واحد مقابل 22 لحزب الله. أما في ما يخص المدنيين، فـمائة قتيل في لبنان (بينهم العديد من السوريين) مقابل نحو عشرة في الكيان الصهيوني. عدد المهجّرين اللبنانيين يناهز الـ 150 ألفاً، أما في “إسرائيل” فهو يراوح بين 60 ألفاً و120 ألفاً يقيمون في فنادق.

 أما عسكرياً، فاغتيالات “إسرائيل” التي أصابت  إسماعيل هنية في طهران، وفؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، والعدوان الصهيوني السيبراني الأخير، أظهر أنَّ محور المقاومة مخترقٌ، ما أعطى دفعة معنوية سياسية وعسكرية هائلة لقادة العدو الصهيوني وجنرالاته، لكي يطرحون مسألة توسيع الحرب الإقليمية واحتلال شريط حدودي في جنوب لبنان، كما فعلوا في السابق عام 1978، وفي حرب تموز 2006، لإقناع حزب الله بأن من مصلحته قطع علاقته بحماس وإبرام صفقة منفصلة لإنهاء الحرب مع الكيان الصهيوني، بغض النظر عن وقف إطلاق النار في غزة.

في يوم الأربعاء الماضي، قرَّر جيش الاحتلال الصهيوني نقل فرقة نخبة من قطاع غزَّة إلى الحدود الشمالية مع لبنان، في ظل رفع حالة التأهب هناك، تحسباً لرد محتمل من حزب الله، بعد العدوان الصهيوني السيبراني .ويدفع نتنياهو بقوة منذ أيام نحو شنِّ عملية عسكرية ضد لبنان في مواجهة “حزب الله”، تحت وطأة ضغوط داخلية جراء استمرار قصف الحزب لمواقع عسكرية إسرائيلية، والإخفاق في إعادة عشرات الآلاف من المستوطنين الصهاينة الذين نزحوا من الشمال مع بدء الاشتباكات على جبهة لبنان، ورفضه إبرام الصفقة مع حماس، وخوفه الشديد من الذهاب إلى السجن مباشرة بعد سقوط حكومته الفاشية، الذي يتحكم فيها اليمين الديني المتطرف.

خاتمة

ما زال الكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية لم يتعظا بعد من دروس حرب تموز 2006، وحرب الاجتياح الصهيونية للبنان في عام 1982، إذ يدرك المحللون الصهاينة والأمريكان أنَّه توجد في إقليم الشرق الأوسط قوى مقاومة قادرة على مواجهة أي عدوان صهيوني أمريكي. صحيحٌ أنَّ العدوان الصهيوني السيبراني على لبنان، قلب قواعد المواجهة، والصراع بين المقاومة اللبنانية وجيش الاحتلال الصهيوني، إِذْ بات عنوانه الآن “حرب الردع”، لكنَّ الردود المنتظرة من المقاومة اللبنانية ستظهر أنَّ نتائج هذه الحرب لن تكون في صالح الاحتلال الصهيوني.

حزب الله هو قوة أساسية في محور المقاومة، أي قوة تحرر وطني مناهضة للاستعمار الصهيوني الاستيطاني في فلسطين المحتلة، ومؤمنة بخوض معركة الإسناد في جبهة شمال فلسطين المحتلة نصرةً لحركة المقاومة الإسلامية في غزَّة بقيادة حماس التي تخوض الحرب في الجبهة الجنوبية. ويستند حزب الله إلى تحالف إقليمي يمتد من شواطئ غزة إلى قلب طهران، مروراً بدمشق، ويمكن وصف هذا الحلف بأنه تحالف طبيعي لمتضررين من تحولات سياسية جرت في سياق غير طبيعي شهدتها المنطقة، بعد الحروب الصاعقة، التي شنتها “إسرائيل” منذ العام 1967 حين تمكَّن الجيشُ الصهيوني في غضون ستّة أيّام – والرقم له دلالاته التوراتيّة – من احتلال أراضٍ في ثلاث دول عربيّة بمساحةٍ تفوق بأضعاف مساحة الدولة الصهيونية نفسها. كما أنّ حرب الإبادة الجماعية في غزَّة بالقتل والتنكيل والاقتلاع اليومي؛ فشلت في القضاء على المقاومة الفلسطينية، وفشلت أيضاً في أن تدفع الفلسطينيّين ليأكلوا بعضهم بعضاً، بل أعطت زخماً جديدً للقضية الفلسطينية لكي تعود كقضية تحرر وطني لشعب فلسطيني شُرِّدَ من أرضه.

الحرب التي يخوضها محور المقاومة حوَّلت “إسرائيل” من “وديعة إلهيّة” إلى “وديعة أمريكيّة”، كما كشفت أيضاً أنَّ أمريكا قد تحوَّلت إلى “وديعة إسرائيليّة”، حيث باتت المنظومة الاستعمارية الغربية بكل دولها مقتنعةً أنَّ سقوط “إسرائيل” في إقليم الشرق الأوسط يعني سقوط كل النظام العالمي الليبرالي المتوحش بزعامة الإمبريالية الأمريكية في العالَم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *