دوليات

قمة الاتحاد الافريقي.. تناغم سياسي وشعبي في إدانة الكيان المؤقت ونصرة فلسطين

بقلم: ابتسام الشامي

من مقاضاتها أمام محكمة العدل الدولية، إلى طردها من الاتحاد الافريقي، ترفع القارة السمراء مستوى رفضها للحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة، متوسلة المحاسبة السياسية والقضائية لتل أبيب، وسيلة ضغط لوقف الجريمة المتواصلة بحق المدنيين من أهل القطاع المحاصر.

قمة نصرة فلسطين

ظلّلت الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة أعمال القمة السابعة والثلاثين للاتحاد الافريقي التي انعقدت في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا بين يومي 17 و18 من الشهر الجاري، وعلى الرغم من أن القمة التأمت تحت شعار “تعليم أفريقي مناسب للقرن الحادي والعشرين: بناء أنظمة تعليمية مرنة لزيادة الوصول إلى التعلم الشامل ومدى الحياة وجودة ملائمة لأفريقيا”، إلا أنها تحولت إلى قمة لمناصرة فلسطين وإدانة الكيان الغاصب على جرائمه بحق المدنيين في قطاع غزة، و “استفتاءً” سياسياً على موقف جنوب أفريقيا وتوجهها لمقاضاة “إسرائيل” أمام محكمة العدل الدولية. وانسجاماً مع هذا الاتجاه، جاءت مواقف قادة ورؤساء الدول المشاركين في القمة لتعبر عن تحولات القارة السمراء إزاء الموقف من دولة الاحتلال، بعدما نجحت خلال الأعوام الماضية في اختراقها وتوقيع عدد من اتفاقيات التطبيع والتعاون مع دولها، وصولاً إلى انتزاعها مقعداً في الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب. وفي هذا الإطار كانت لافتة جداً مواقف رئيس مفوضية الاتحاد موسى فقي الذي سبق أن “غطى” التسلل الإسرائيلي إلى عضوية الاتحاد، رئيس وزراء تشاد السابق أكد خلال اجتماعات وزراء خارجية الاتحاد، أن الصراع في غزة يقلق العالم أجمع، داعياً إلى تسوية سياسية، وإلى “حماية الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحرب إبادة لا نظير لها في التاريخ، وتلبية مطالبه في إقامة دولته”. لكن الأهم في موقف الرجل انطلاقاً من موقعه السياسي، إعلانه “دعم الاتحاد الأفريقي بكامل أعضائه دولة جنوب أفريقيا في موقفها اتجاه الأزمة في غزة”، في إشارة إلى الدعوى التي رفعتها بريتوريا ضد تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

بدوره ندد رئيس دولة جزر القمر غزالي عثمان الذي كان يشغل منصب رئيس الاتحاد الأفريقي في دورته المنتهية، بالعدوان على غزة واصفاً إياه “بالإبادة الجماعية التي تجري تحت مرأى ومسمع العالم”، محذِّراً من العواقب الوخيمة المترتبة على بقية العالم جراء ما يجري.

مواقف الإدانة للكيان الغاصب التي صدحت في أرجاء القمة وأروقتها، جاءت مدفوعة بقوة ضغط شعبية مناصرة للقضية الفلسطينية، وبالتالي فإن القمة عبّرت عن انسجام سياسي وشعبي في مقاربة ما يجري في قطاع غزة من جرائم إبادة جماعية ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية بتغطية غربية وشراكة أمريكية على وجه التحديد. ولعل من أبرز المؤشرات على حالة الانسجام تلك في رفض العدوان على غزة والضغط لوقفه، التحرك الواسع للمجتمعات الأفريقية عبر منظمات وهيئات أهلية ومدنية، لدفع القمة إلى حسم مسألة العضوية الإسرائيلية في الاتحاد، علماً أن هذه العضوية، كانت مثار نقاش منذ العام الماضي عندما اتخذ الاتحاد بدفع من جنوب أفريقيا والجزائر قراراً بتعليقها، على خلفية اغتيال جيش العدو مراسلة قناة الجزيرة في فلسطين المحتلة شيرين أبو عاقلة، وبالتالي فإن الهيئات الممثلة للمجتمعات الافريقية والتي يربو عددها على مئة وخمسين هيئة وجمعية، ضغطت باتجاه العودة عن قرار منح دولة الاحتلال العضوية وليس تعليقها فحسب، معتبرة أن موقفاً من هذا النوع من شأنه أن يحمل رسالة مدوية حول المطالبة بمحاسبة تل أبيب على جرائمها.

جهود إسرائيلية فاشلة

القمة التي أدانت “الهجوم على قطاع غزة وطالبت إسرائيل بالامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية لمنع الإبادة الجماعية”، استبقت تل ابيب انعقادها بهجمة دبلوماسية، محاولة التأثير في البيان الختامي للقمة، وإحباط الأصوات الداعية إلى محاسبتها على جرائمها. لكن الجهود الإسرائيلية فشلت على ما يبدو في تحقيق أهدافها، فإلى الإدانة الواضحة في بيان القمة الختامي لدولة الاحتلال، أشارت صحيفة لوموند الفرنسية إلى أن أجواء القمة، حسمت الاتجاه في شأن مستقبل عضوية الكيان المؤقت في الاتحاد لمصلحة الاتجاه الداعي إلى وقف العضوية الإسرائيلية بتأثير جهود كل من جنوب أفريقيا والجزائر. وفي تعبير عن مدى الرفض الافريقي لجرائم العدو، وجه الاتحاد صفعة ديبلوماسية للوفد الإسرائيلي الذي حضر إلى أثيوبيا لإجراء مناقشات بشأن العضوية المعلقة، حيث منع الوفد برئاسة المدير العام لوزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية، ياكوف بليتشتاين، من دخول مقر الاتحاد لعرض رؤية تل أبيب للحرب في غزة. وكانت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندور، قد أعربت قبيل انعقاد القمة عن قلقها “بشأن وجود ممثلين إسرائيليين في مقر الاتحاد الأفريقي في الأيام الأخيرة”، بعدما شوهدت نائبة مدير دائرة أفريقيا في الخارجية الإسرائيلية داخل المبنى، حيث عقدت شارون بارلي، المطرودة من الاتحاد الأفريقي عام 2023، اجتماعات سرية في العاصمة الإثيوبية، في محاولة للتخفيف من حدة الموقف الافريقي اتجاه تل أبيب على خلفية عدوانها المتواصل على قطاع غزة.

محكمة العدل الدولية

الإشارات السلبية التي عكستها القمة الافريقية الأخيرة حيال الكيان المؤقت كانت بمثابة صفعة إضافية له بعد الصفعة القوية التي وجهتها جنوب أفريقيا بالدعوى التي رفعتها أمام محكمة العدل الدولية، ولئن عبرت القمة كما أشرنا آنفاً عن تأييد واسع النطاق لما أقدمت عليه بريتوريا، فإن الأخيرة استكملت جهودها في محاولة وقف العدوان على قطاع غزة، واصلت بريتوريا مساعيها لوقف العدوان على غزة، عبر تقديمها طلباً المحكمة ذاتها، للنظر مجدداً في وقف الحرب، على خلفية تهديدات إسرائيلية باقتحام مدينة رفح جنوب القطاع، المكتظة بأكثر من مليون وربع المليون من أبناء المدينة الحدودية مع مصر، والنازحين إليها من مختلف مدن ومخيمات القطاع منذ بداية الحرب العدوانية عليه. وعلى الرغم من أن محكمة العدل الدولية رفضت التماس جنوب افريقيا، إلا أن الأخيرة رأت إيجابية في ردّ المحكمة لناحية إعادة تأكيدها على ضرورة التطبيق الفوري والفعال للإجراءات المؤقتة التي أشارت إليها المحكمة في حكمها الصادر في 26 كانون الثاني الماضي، بما فيها “اتخاذ جميع التدابير لمنع أي أعمال يمكن اعتبارها إبادة جماعية” إضافة إلى “ضمان عدم قيام الجيش الإسرائيلي بأي أعمال إبادة، ومنع ومعاقبة أي تصريحات أو تعليقات عامة يمكن أن تحرّض على ارتكاب إبادة جماعية في غزة”.

خاتمة

في زيارته إلى أوغندا في شباط من عام 2020، قال رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو منتشياً بالجهود الدبلوماسية لكيانه، “إسرائيل تعود إلى افريقيا، بشكل كبير، وأفريقيا عادت إلى أحضان إسرائيل” لم يمض وقت طويل قبل أن يكتشف نتنياهو، أن استثماره السياسي في القارة الأفريقية سرعان ما بدأت قواعده تهتز على وقع الإجرام الإسرائيلي في فلسطين عموماً وغزة على وجه التحديد، وما تصاعد سحب العداء الشعبي والسياسي للكيان المؤقت في القارة السمراء سوى نذر بقرب انهيار البنيان.