رُعاة حَرب “غزّة” وأُفق تَوَسُعِهَا نَحوَ لُبنَان
بقلم: زينب عدنان زراقط
سياسة التّهويل والترهيب التي ينتهجها الإسرائيلي وتهديداته باجتياح مدينة رفح، تندرج في سياق شد وعض الأصابع مع المقاومة، في وقتٍ وجيز وأيّامٍ معدودة حاسمة لتوجّه المعركة لاتّخاذ القرار إمّا بوقف الحرب أو الاستمرار بها نحو رفح ولبنان..
لا شك أن خيار الحرب أو الحملة العسكرية الواسعة على حزب الله في لبنان موضع بحث جدي في تل أبيب، ووضعت له سناريوهات وخططاً متعددة ومنها ما تمت المصادقة عليها، وجزء آخر تمت إجراء محاكاة ومناورات وتدريبات سريعة ومكثفة لتنفيذه.. وبما أنّ الرسائل باتت واضحةً نُصبَ أعين العدو، “رفح” – خطٌ أحمر – وسقوطها يعني ساعة الصفر لتدحرج المعركة لما لا تُحمد عُقباه، في وقتٍ كان فيه الجواب جليّاً أن هذا الجيش المهزوم أمام المقاومة الفلسطينية في “غزة” لن يخطو خطوة واحده قُدُماً لتوسعة رقعة الحرب، فبِيَدِ مَن زِمامُ توسعةِ الحرب وإيقافها؟ وما الذي ينتظر العدو إذا ما تهوّر ووضع يده فعلاً بالنّار في حربٍ موسّعة ضّد لُبنان؟!.
أمريكا “كارثة القرن”
الولايات المتحدة الأمريكية التي يُسوَّق لها بأنها على خلاف وتعارض لما يُقدِم عليه الإسرائيلي، تقومُ بأقصى معاني التطرف ضد الإنسانية بمُعارضتها قرار “وقف إطلاق النار” في مجلس الأمن بحق النقد الفيتو للمرة الرابعة، – وشهداء غزة تجاوزوا الثلاثين ألفاً وأضعافهم معطوبون ومشوهون وعدد النازحين تجاوز المليونين -، وليأتيك النائب الأمريكي “آندي أوجلز” حيث كان يردّ على ناشطة انتقدت تورّط بلادها في إبادة غزة، – في لقطةٍ مصوّرة – سائلةً إيّاه عمّا إذا كان “هذا هو دولار الضرائب الذي أدفعه لتقتلوا به أطفال غزة وتبتروا أطرافهم”؟ ليومئ لها بأن ذلك – نعم – صحيح ويؤكّد بقوله “يجب قتلهم جميعاً”! ما استدعى وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان لأن يصف هذا المشهد المتكرر لأمريكا برفض مشروع قرار وقف إطلاق النار في غزة بـ “كارثة القرن الدبلوماسية”.
وإنّ كان بعدُ لدى أحدٍ من شكّ بأن حرب غزّة أمريكية الصُنع، هذه الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن تستعدّ لإرسال قنابل وأسلحة إلى “إسرائيل” لإضافتها إلى ترسانتها، وذلك نقلاً عن صحيفة “غلوبس” – حسب مسؤولين أمريكيين – التي كتبت بأن “شحنة السلاح في طريقها إلى إسرائيل، ألف قنبلة على الأقل، ومجموعة من أدوات KMU-572 JDAM التي تضيف توجيهاً دقيقاً للقنابل، ومدافع هاوتزر من طراز FMU-139 وتقدّر قيمة الأسلحة بعشرات الملايين من الدولارات”.
من السذاجةِ القول إن دفّة الحرب وقراراتها خارجة من يدّ الأمريكي أو للإسرائيلي نصيبٌ منها في التأثير، فالعلاقة الطّردية التي تتعامل بها أمريكا مع إسرائيل تتلخّص بـ “نفّذ ثمّ – لا تعترض -“، ومن المفروغ منه أن قرار الإقدام بالحرب أو التراجع عنها في ملعب الأمريكي دون أحدٍ غيره، وكان ذلك جليّاً أنه ومن أوّل طلقة نار للمقاومة الإسلامية في لبنان على إسرائيل لنُصرة غزّة خرج الأمريكي فوراً بعدها مُهدداً للبنان بأنه “ما من غازٍ سوف يُستخرج من البحر”!. فقد استشاطت أمريكا غضباً من تدخّل “حزب الله” – لأنها تعلم بأن النّصر لهذا اللواء منصوبٌ نُصبَ عينيه -!.
حربٌ خاليةَ الوِفاض
“حزب الله” الذي قام بإشغال أكثر من ثُلث قوى العدو من عديد برّي وطيران واستخباراته الأمنية واللوجستية على طول حدوده الشمالية في المنطقة الجنوبية لِلُبنان، ومع اجتياز عمليات المقاومة الإسلامية حصيلة ما يزيد على الألف عملية ومقاربتها الشهر الخامس من الدعم والإسناد للشعب الفلسطيني الصامد في قطاع غزة، في معركةٍ تضبط المقاومة إيقاعها على الحدود من خلال الحفاظ عليها ضمن مسافة خمسة كيلومترات عمقاً على طول 100 كيلو متر وأكثر من الناقورة وصولاً إلى شبعا وعلى الرغم من التطور التكنولوجي النّوعيّ لدى العدو الاسرائيليّ وإطباقه البصريّ بشتّى الوسائل على هذه المسافة إلاّ أنه لم يستطع منع المقاومة من تنفيذ العمليات وتوجيه الضربات النوعية والمؤذية على مواقعة وتجمعاته ومراكز رصده، حتى نال من مصانعهم الحيوية أيضاً.
إن لم يكن الإسرائيلي واعياً لما تعنيه الحرب على لبنان، فعليه أن يستمع جيداً لتصريحات الأمين العام لحزب الله السّيد حسن نصر الله حينما خاطب العدو الذي يتبجّح بتوسيع رقعة الحرب والتصعيد لأجل إعادة الـ 100 ألف أو 200 ألف من المستوطنين: “فأنا أقول له حينئذٍ أنت لن تُعيد هؤلاء… بل عليه أن يُهيّئ الخيم والمدارس والملاجئ لمليونيّ مهجّر إسرائيلي“، وعليه أنّ يعي بأنّ “هذه المقاومة في لبنان تملك من القدرة الصاروخية والهائلة التي تجعلها تمتدّ يدُها من كريات شمونة إلى إيلات“!.
الأمريكي الذي دوماً ما يخرج من حروبه “خالي الوفاض”، كما في اليمن مثلاً أيقونة الصمود ضدّ العدوان الأمريكي بأيدٍ سعودية وإماراتية الذي شنّه عليه منذ ثمانية سنوات، المعتدون بقوا على حالهم من العدوان أمّا اليمن فقد صارَ إلى أحسن حال، – أعجز العدو عن تصديق صُنعه – بتقدّمه لمؤازرة “غزة” وحصاره للسفن الأمريكية والبريطانية عن الملاحةِ المُتجهةِ نحوَ إسرائيل، عشرات السفن استُهدفت والأمريكي “مذهولٌ” بالمشهد، فالجماعة الكامنة تحت الحرب وسيطرته، من بعد 8 سنوات اليوم انتفضت – كما لم تفعل سابقاً – لتشُلّ حركته، وتعطب تجارته ومصالحه، فقط لأجل فلسطين! – عزيز يا يمن -.
وتتشابه السيناريوهات، فهذا العراق أيضاً يحكي عن ارتعاد الأمريكان في قواعدهم ومشروع طردهم من على أراضيه، إلى سوريا التي بقيَ فيها الأسد في عرينه وجابه الحصار، حتى من تجربة أفغانستان نستخلص عبرةً أيضاً، حيث بدأت أمريكا الحرب عليها بنية تدمير تنظيم القاعدة، لكن واشنطن وجدت نفسها في نهاية المطاف تحاول القيام ببناء الدولة، وفي النهاية فشلت في تحقيق كلتا المهمتين، ولاذت بالفرار. وصولاً إلى لبنان وتاريخه في حروبه ضدّ إسرائيل، والأسطورة التي صنعها في حرب تموز2006 التي كانت مُنعطفاً أزلياً في وضع معادلات المواجهة ما بين لبنان وإسرائيل. وفي سياق عرض قوة المقاومة، وفي صدد التّصعيد القائم بتهديدات العدو، أعلن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أنه “بحال توسعت الحرب على لبنان سنحجب نور الشمس بصواريخنا، حتى الآن نحن نستعمل الصواريخ والأسلحة القديمة قبل نهاية صلاحيتها“، حقيقةً هذا ما يعيه العدو جيداً، أنّ المقاومة وبما صنعته لغاية الآن هي لم تستخدم سوى النذر اليسير من قدراتها وإمكانياتها، فما الذي تصنعه بالعدو إذا ما خرجت له بكل قدراتها؟ طبعاً ستكون مواجهةً لبلوغ الهدف، بحسب تعبير عماد المقاومة في ذكرى القادة الشهداء، “إزالة إسرائيل من الوجود”!.
ختاماً، في الحسابات العقلية، واحد زائد واحد، يساوي “لا حرب”. فمن المُحال، حسبَ مُعطيات العدو وما في جُعبة المقاومة من مُفاجئات واقتضاءً بمجريات الميدان، أن يجرؤ الإسرائيلي على الإقدام بخطوة حرب مفتوحة على لُبنان، وبذلك سيُعيدُ حساباته ألف مرةٍ قبلَ أن يُقدِم على خطوة تصعيديه في “رفح”. أمّا في حسابات العدو، فهي تنتهج مدرسة “اللامَنطِق”، لذلك تكون الخيارات أمام الطرفين مفتوحة، وكلتا الجهتين على أهبّة الاستعداد لِواقعِ حربٍ فعليّة، فإلى أين سيقود الجنون الأمريكي بالمنطقة، على الرغم من أنه واضحٌ من خلال زيارات وزير الخارجية الأمريكي الذي جال في المنطقة، بسفرياتٍ متقاربة خلال فترة الحرب وجولاته ما بين دول الخليج وإسرائيل ولبنان، بحجة أنه يبحث عن مَصالحة بطريقةٍ دبلوماسية لإنهاء الحرب دون تحبيذ قرار الانجرار نحو “حربٍ إقليمية”، إلا أنّ العدو يُستحال أن يؤمنَ جانبه؟!.